39

0

سمية بلكرد... قلم نسوي يشق طريقه بين الغموض والواقع

من مدينة سعيدة الهادئة، خرج صوت روائي جديد بدأ يفرض حضوره على الساحة الأدبية الجزائرية، صوت تمثله الكاتبة سمية بلكرد، التي استطاعت أن تمزج بين الدقة العلمية التي اكتسبتها من دراستها الأكاديمية، وبين الحس الإبداعي الذي نما معها منذ الطفولة.

الحاج شريفي

ولدت سمية سنة 1997، وتدرجت بين مؤسسات تعليمية محلية أبرزت تفوقها، خاصة في التعبير الكتابي، قبل أن تتوج مسارها الجامعي بحصولها على شهادة الماستر في علم الأحياء الدقيقة سنة 2020.

لكن ما لم يدرس لها في الجامعة، هو ما كانت تصنعه خيالها وروحها منذ سنوات: الكتابة. فكانت بدايتها مع القصص القصيرة والخواطر، ضمن كتب جامعة، حيث نالت شهادات شكر وتقدير عدة، قبل أن تخطو خطوة كبيرة نحو التأليف الفردي سنة 2022 بإصدارها روايتها الأولى "العنكبوت الأسود".

ولم تتوقف عند ذلك الحد. في مارس 2025، قدمت لجمهورها رواية جديدة بعنوان "التشوشنة"، وهي عمل روائي بوليسي اجتماعي يحاكي الواقع بأسلوب أدبي شيق، يجمع بين التحقيق والغموض والمشاعر الإنسانية المعقدة.

تبدأ الرواية بجريمة وفاة غامضة في حفل ميلاد، حيث تتهم شخصية "رياض راشدي" بالتسبب في مقتل حبيبته "ميليسا" بعد تناولها جرعة مميتة من مخدر يسمى "التشوشنة". يزج به في السجن، وتغلق القضية دون منحها حق التساؤل أو التعمق. غير أن شخصية أخرى تعيد فتح الجراح بعد سنوات، وهي "كنزة"، التي تؤمن ببراءة رياض، فتقود القصة إلى المحقق "سي الطاهر"، الذي يبدأ رحلته بين دهاليز الأسرار المطموسة.

رواية "التشوشنة" تعالج قضايا معقدة مثل الخيانة، العدالة المتسرعة، الإدمان، والمخدرات، وتطرح تساؤلات حول حقيقة ما نراه وحقيقة ما نخفيه، في مشهد أدبي يحاكي الواقع بقوة. واللافت في الرواية هو عنصر المفاجأة المتمثل في لوحة فنية تخبئ جهاز USB يحتوي على أسرار قلبت مسار التحقيق، ما يرمز إلى أن الفن أحيانا يحمل في طياته مفاتيح الحقيقة، حين تعجز الوثائق والشهادات عن قولها.

بأسلوب سلس ومتماسك، تنجح سمية بلكرد في شد القارئ من أول صفحة إلى آخرها، متنقلة به بين مشاعر الغضب، الشك، التعاطف، والذهول. وتبرهن مرة أخرى أن الكتابة ليست حكرا على سن أو تخصص معين، بل هي فعل شغف، وإرادة، وموهبة تحتاج إلى منبر.

سمية بلكرد اليوم ليست فقط كاتبة روايات، بل صاحبة مشروع أدبي صاعد، يهدف إلى طرح قضايا اجتماعية حقيقية بلمسة بوليسية وعمق إنساني، يجعل القارئ شريكا في التأمل والتساؤل، لا مجرد متفرج.

ومن خلال مسيرتها، تؤكد أن الأدب النسوي في الجزائر قادر على اقتحام عوالم الرواية البوليسية، وطرح قضايا العدالة والظلم بأسلوب قوي، بعيدا عن النمطية أو الخطاب التقريري. سمية بلكرد هي ابنة الجيل الجديد الذي لا يكتفي بالكتابة عن الحياة، بل يعيد بناءها بين السطور.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services