368
0
سليمة مليزي”… تروي لبركة نيوز تجربتها كأول أديبة تقتحم أدب الطفل في الجزائر وتكشف سر ولعها بالكتاب
الجزء الأول
الأديبة و الكاتبة “سليمة مليزي”، امرأة عشقت الكتابة منذ نعومة أظافرها ، فرسخت بصمتها في الشعر و القصة و الصحافة
رفعت سقف آمالها بخوضها أدب الطفل الذي فجرت فيه كل مواهبها لخدمة للبراءة ،فكانت السباقة لتأسيس أول مجلة للأطفال في تاريخ أدب الطفل في الجزائر “مجلة “رياض”.
أديبة كتبت عن الطفولة و المرأة و الثقافة واقتحمت عالم الصحافة، فتنوعت كتاباتها، ورغم انقطاعها بعض السنوات إلا أنها عادت مرة أخرى تجول بين أروقة الكتب،لتشغل كمسؤولة عن دار النشر “رومنس القرن21″، وتباشربذلك مهمتها الجديدة بين تمحيص وتصفية الأعمال الأدبية والفكرية المؤهلة للطبع و النشر ،و اختيار زبدة الفكر و الأدب وسط تراكمات أعمال الهواة و الكتاب .
نسيج ثري حاكته قلم الكاتبة “سليمة مليزي” التي لم يجف ابداعها لحد اليوم بالرغم من المطبات و العراقيل،الرجوع إلى بداية القصة والتوقف عند أهم المحطات كان موضوع حوارنا مع الكاتبة سليمة مليزي.
حاورتها شيماء منصور بوناب
بالحديث عن مسارك الإبداعي، من أين كانت البداية؟
البداية كانت أولا توفيق وهبة ربانية تشبه ذلك الوهج الذي ينير لي الدروب، وكنتُ أبحثُ عن ناصية استقر عليها ؛ فكانت بداية بالرسم كنتُ أرسم على جدران بيتنا، وفي المدرسة كلما أرسم لوحة جميلة يعلِّقُها الأستاذ في القسم ، ثم بدأتْ موهبتي تظهر في التعبير الكتابي في المدرسة؛ حيث كنتُ أتحصَّل على أحسن علامة، والجميل الذي ساعدني على الإبداع هُوَ ولعي بمطالعة القصص انذاك ؛ حيثُ تربيتُ في عائلة متعلمة، أب عن جد ؛ حيث كان جدي قاضيًا ومؤسس مدرسة قرآنية، وأمي ربتني على قصص الانبياء، وأختي مريم – الله يرحمها – كانت تحفزني على المطالعة، والجميل أنني تربيتُ في الريف في قرية “بني عزيز” الجميلة ، وكان بيت جدي العتيق والجميل، والحديقة الكبيرة التي كانت تحيط به، مِنْ أجمل الحدائق التي كنتُ أنزوي إليها، وأقرأ القصص الجميلة، وعندما انتهي أمثلُ بيني، وبين نفسي ،والطبيعة، والعصافير، والزهور البرية، أمثِّلُ القصة بصوتٍ مرتفعٍ، ربما هذا الجمال خَلَقَ في نفسي موهبة الفن والأدب، منذ ذلك الوقت بدأتْ بوادر الإبداع تظهر في الأفق، كتبتُ أولى قصائدي في سن السابعة عشر، لكنها بقيتْ حبيسة دفتري الوردي، لأنني كنتُ أخجل كثيرًا أن يُكتشف سري أنني أكتب عن الحب، حتى سن العشرين نشرتُ أربع قصائد في ( النادي الأدبي ) جريدة “الجمهورية”، وجريدة “الشعب”، ومجلة “ألوان”، كانت الانطلاقة رائعةٌ بالنسبة لي، بعدها اتجهتُ إلى القصة القصيرة، وفزتُ بالجائزة الأولى للشباب في القصة القصيرة سنة 1982م ، وصدرتْ لي أول قصة للأطفال؛ حيثُ كنتُ من بين الأوائل الذين كتبوا أدب الطفل في الجزائر، وبعدها كانت الانطلاقة في مجال الابداع سنة 1983م، وشاركتُ في برنامج إذاعي للأطفال لمدة سنة.
وفي سنة 1984م فزتُ بالجائزة الأولى في القصة أيضًا، وأسستُ أول مجلة للأطفال في تاريخ أدب الطفل في الجزائر، وهي مجلة “رياض”، وكانتْ تصدرُ عن مجلة الوحدة.
الفن الأدبي من جماليات الحياة، كيف ساعدك الانغماس في هذا العالم الفني على تقصي ومُحاكاة الواقع اليومي؟
فعلا الفن الأدبي تعبير جميل، رغم ان الأدب هو أحد أشكال التعبيرالإنساني عن مُجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبيرعما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر، ويبقى الادب هو مرآة الشعوب الذي يؤرخ حُقبة مُعينة من تاريخ وطنه، هو الابداع والموهبة التي صقلتها بالمطالعة والتغلغل في أُمَّهات الكتب، التي مَنحتني كيف ابدع، واكتسب منها شخصيتي في كل مناحي الابداع ، هو الابداع الذي يحملنا الى عالم من الاحلام احيانًا والواقع احيانًا أخرى، حيث الواقع المُعاش هو من يَمنحنا ان نبدع ونكتب حالات من الحزن او الفرح او الحب، فمن لا يكتب واقعه فانه منسلخ عنه، حيث يمكن للكاتب ان يكتب عن واقعنا المُعاش ويُجسد قصص حدثت بالفعل مع وضعها في إطار أدبي، وبالتالي يساهم في كتابة تاريخ الوطن .
من أين تستلهم الكاتبة سليمة مليزي احساسها الإبداعي في الكتابة؟
طقوس الكتابة متمردة جدًا بالنسبة لي، الإبداع ليس له موعد ولا وقت، ولا تحضير، الإلهام يأتي فجأةً، وأنا في المطبخ أو في الشارع أقود السيارة، أو مع الفجر، في مُنتصف الليل توقظني افكاري في عز أحلامي، أعشق كثيرًا الكتابة أمام حديقتي، و تلك الورود التي أداعبُها؛ فتلهمني لأبدع سحر البحر الذي يمنحني الهدوء، والطمأنينة، الطبيعة الخلابة في كل الفصول، كل فصل يمنحني التَجدُد والتشبث بالحياة، بخليط يجمع المشاعر الإنسانية والوجدانية بكل تناقضاتها من وجع، حب، فرح، حزن، هموم الوطن، الانكسارات والانهزامات التي عاشتها الأمة العربية، أيضًا توقظ فيَّ حالة من الإبداع، طفولتي التي أعود إليها في كل مرة، وأدوِّن ذكرياتها الحالمة الجميلة المفرحة، بما أملك من فن طقوس الكتابة؛ حتى تكتمل، يجب أن نقدِّسَ تلك اللحظات التي تولد فيها القصيدة بشكل رائع؛ لأنَّها لحظات هاربة منا، وحضورها يعتبر ميلاد حياة جديدة .
الصحافة والكتابة عالمين يجمعهما القلم، كيف كان التوفيق بين هذين العالمين ؟ وأيهما يروي شغفك ؟
فعلا الصحافة هي ربما ابنة الثقافة، اذا لم يكن الصحفي مُثقف لا يمكنه ان ينجح في عمله، لأن الأدب والإبداع يفتحان أفق واسعة للصحفي حتى ينجح ، يقول الأستاذ “محمد حسنين هيكل” عن هذه العلاقة: ” الصحافة رزق يوم بيوم، والأدب رحيق الجمال بين صفحتيّ الأزل والأبد، والصحافة توجيه الحاضر لما نعتقد انها المنفعة، والأدب تصميم المدينة الفاضلة، والتغني بذكرها تمهيدًا لإقامتها وتشييدها..» بينما كشف الصحفي الفرنسي “إيف بورتيلي” وجهًا من المعاناة بقوله: «الأصعب هو أنك حين تشرع في كتاب وتبدأ في كتابة صفحة جديدة، فتضطر إلى التوقف مرغمًا لكتابة تحقيق صحفي “ربورتاج” في موضوع آخر مختلف”.
فعلا الصحافة والادب عالمين يجتمعان، والكثير من الصحفيين الذين اصبحوا كتاب وأدباء، ونجحوا في عملهم كصحفيين، وكان أسلوبهم يتميز كثيرًا في المقالات، وأصبحوا من بين الصحفيين الأكثر شُهرة، واستطاعوا أن ينجحوا في مجال الإبداع.
أما الذي يروي شغفي أعتقد هو الادب الابداعي ، لأنه ينبع من ذاتي وفكري ويُعتبر الاقرب الي قلبي وعقلي، لأنه يُعبر عن الآمي ويومياتي، وفرحي ، وحزني، الادب عبارة عن تلك الروح التي تسبح في عالم من الخيال، فيترك العقل يُبدع في حرية، بطريقة جميلة وحميمية، اكثر ، في ثمانيات القرن الماضي، كان الصحفي خاصة الذي يعمل في القسم الثقافي، لا بد أن يكون أديبًا ، حتى يتعلم منه الادباء الناشئين، ويستطيع توجيههم ، ويعرف ما يختار من مواضيع ادبية وابداعية .
سليمة مليزي لم تكتف بالأدب انما فضولها جمعها بالعمل الإداري في دار النشر؟ كيف يمكنك وصف هذه التجربة وكيف وفقت في الجمع بينهما ؟
هو أكيد صعب علي العمل الاداري، خاصة العراقيل التي نتعرض اليها يوميًا ، لكن حبي للكتاب، هو الذي مكنني من التنسيق بين الادارة والنشر والطبع، فهي تجربة جميلة أخوض بها في كل المجالات . واعتقد أن المرأة الجزائرية قادرة على العمل في كل المجالات، لكننا نجتهد مع فريق الادارة، لإدارة دار النشر نحو النجاح، والاهم هو اننا نُرضي طموح الادباء والكتاب الذين وضعوا ثقتهم في دار “رومنس القرن 21” للنشر والتوزيع والترجمة .
الاشتراك مع دار النشر” كمسؤولة عن النشر يضعك في واجهة اقتناء الأعمال بدقة، على أي أسس تختارين هذه الأعمال ؟
فعلا هذه هي المسؤولية الصعبة التي اواجهها يوميًا، هو أننا يجب أن نختار أجود الأعمال وأقيمها أدبيًا ولغويًا للنشر والطبع ، حتى نحافظ على قيمة وسمعة الدار ، الحمد لله أننا نتعاون أنا وزوجي الاديب والروائي الكبير والصحفي عبد العزيز غرمول، في قراءة النصوص التي تُرسل لنا من طرف الادباء، والحمد لله إلى الآن استطعنا أن نطبع أعمال جيدة ولها قيمة ادبية في الساحة الابداعية .
بالحديث عن دور نشر والكتابة، كيف ترين واقع القراءة والثقافة في الجزائر ؟
وهل هناك مؤشرات ايجابية لدعم القراءة في الجزائر ؟ أم لا تزال القراءة لم تحظ بمكانتها الحقيقية؟
للأسف القراءة في الجزائر ضئيلة جدًا مُقارنة بالدول العربية الأخرى كالعراق ومصر، ونعاني كثيرًا من تسويق وبيع الكتاب الادبي، من خلاصة الشعر والقصة، ربما الروايات عليها اقبال أكثر قليلًا من طرف الطلبة، واعتقد ان المشكلة الرئيسية هي في المجتمع الجزائري، الذي لم ينشأ على المطالعة، أو تراجعتْ عند هذا الجيل حُب الكتاب والقراءة.
وهناك جانب آخر هو عصر العولمة وانتشار شبكة التواصل الاجتماعي التي طغت على افكار الشباب، واختيارهم لهذا العالم السريع، حيث شباب اليوم اخذته التكنولوجيات الحديثة، واصبح ليس له الوقت ان يقتني كتاب ويعطيه أهمية ويقرأه بكل حرية، لكن هذا لا يمنع من ترسيخ الآباء والامهات حب الكتاب لدى الأطفال منذ نعومة أظافرهم، حتى تصبح المطالعة جزء لا يتجزأ من احتياجاتهم اليومية، هناك ايضًا تغيير الاذواق للشباب وما يختارونه من كتب، حيث اصبحت كتب الخاصة في التنمية البشرية هي الاكثر، اقبالا عند الشباب، لما تحمله من تحفيز، ومحاولة التغلغل في افكارهم، من أجل النجاح سريعًا بأي طريقة كانت.
يتبع…