201

0

سفير الدعوة "وقوتا النبوة" ج2

مراح محمد

كان للشيخ محمد الطاهر بن عاشور حظه من موضوعات وقضايا السيرة النبوية المطهرة صلى الله على صاحبها وسلم تسليما كثيرا : في مستوى القمة العلمية الغذة التي طارت بها آثاره رحمه الله خصوصا في اثنين منها : تفسيره الجليل كما هو الشأن في كتب التفسير فالقرآن الكريم مصدر السيرة النبوية الأول .

 وقد حفل تفسيره في هذا الصدد بالاجتهاد والرأي والنظر والتفسير والتوجيه. والأثر الثاني جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور".

اجمعها و وثقها الأستاذ محمد الطاهر الميساوي في أربعة أجزاء من 2103 صفحات جزاه الله خيرا كثيرا على الخير الذي جمعه للناس، وأتاحه لهم ، جرى في قضايا من السيرة المطهرة على معهودة من السمو والعمق والإبداع ، والفتوح الربانية على أولياء الله تعالى الصالحين، وورثة الأنبياء خير وراثة .

 ينفوذ نظره في مقام من مقامات النبوة الكريمة تنطوي إشارة على تفسير من أعجب التفسيرات لمسألة لطالما كانت موضع استرابة ومطعن في الذات النبوية الكاملة الطاهرة عديد زوجاته رضي الله عنهن، مما زاد عما أبيح للمسلمين من جمع بين الزوجات مدخل الشيخ الطاهر بن عاشور للمسألة يبدو للناظر في النص الآتي ذكره غير مقصودة أصالة؛ يقول :" إن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوتين قوة ملكية وهي الغالبة عليه، وهي قوة الروح المشبعة بالنبوة المزال منها حظوظ الشيطان، كما أنبأ عنها حديث شق صدره الشريف وإزالة المضغة التي هي حظ الشيطان منه، وقوة بشرية وهي قوة جبلته وفطرته التي فطره الله عليها بشرا سويا وهي أضعف قوتيه.

 وإن شئت فقل: إن القوة الأولى هي القوة المجددة عليه بالنبوة والمتزايدة في مراقي الرفعة، والقوة الثانية هي البقية الباقية من الفطرة التي أذابتها أشعة النبوة فلم تبق منها إلا ما تتوقف سلامة الهيكل الإنساني عليه بحسب الفطرة التي اقتضتها حكمة الله في تركيب المزاج، بقاعدة "لا تبديل لخلق الله"، بحيث لو أنزلت إلى ما دونها لا صفحل منه. لو أنزلت إلى ما دونها لاضمحل منه الهيكل الإنساني فذهب المقصود من بعثته. 

رسولا بشيرا، ليكون إبلاغ مراد الله إلى الخلق بواسطة لها اتصال بعالم البشر المبلغ لهم، واتصال بعالم الملك الذي منه التلقي : ( قل أو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمانين الزانا عليهم من الشفاء فأنا رسولا ) الإسراء: 10، وقال: ( ولو جعاناة ملكا لجعلناه رجلا والبسنا عليهم ما يلبسون الأنعام: . " إذن نحن إزاء تحليل الشخصية النبي صلى الله عليه وسلم الجبلية المباينة بالضرورة الجبلة غيره من البشركما يعرضها القرآن الكريم . 

فهو صلى الله عليه وسلم بشر امتزج في تكوينه الجانب الملكي أو الملائكي أو الملكوتي بالجانب البشري المادي، فكان ضرورة أن تأتي الإنبثاقات المحمدية ثم المحمدية الرسولية متسقة مع خصائص المكونين مع تهذيب وتعديل وتكييف للركن المادي بما لا يضايق ولا يصادم الملائكي الصافي الرفرفاف الطاهر النقي. ولعل المرحلة المحمدية كانت أقوى مرحلتيه صلى الله عليه وسلم : المحمدية والمحمدية النبوية الرسولية التي تتجلى فيها هذه الصياغة المعجزة لكيان يشري الخلوها من تهذيب الوحي وبناءاته، مما يجذب أسوياء البشر للإجماع على " الإعجاز" الذي تجلى به محمد بن عبد الله على الحياة والناس .

اقتضت حكمة الله تعالى في تعهد هذه الكينونة الخاصة المصطفاه للعالمين صلى الله عليه وسلم توزيعا خاصا عجيبا لما تقوم به التركيبتان بما يساوقها على الاستثناء الجليل في المصطفين الاخيار من عباده بيقول الإمام ابن عاشور ." . ". ولكلنا القوتين شعار ومدد، وإمداد كلنا القوتين يكسبها شدة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل رجحان قوته الملكية على قوته البشرية يمد الله تلك القوة بما يكسبها تزكية وإشعاعا، وذلك بإفاضة الأنوار القدسية كل أن على الروح المحمدية". يتجلى هذا في كثير من اختصاصاته دون المؤمنين : ورد بها الوحي والحديث : فرض قيام الليل، الوصل في الصيام، مع تهي المؤمنين عنه " فقالوا: إنك تواصل، فقال: "إني لست كهيئتكم، إلى أبيت يطعمني ربي ويسقيني"، ودوام يقضته حتى في منامه: "إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي"...

أتى مدخل الإمام ابن عاشور الفكري المقصود من مقالنا مما يبدو مفارقة عند النظر البراني المتعجل فكيف تتسق هذه العزمات الشديدة ، والزهادة البالغة مع ولع بالطيب وإقبال على لذة النساء بجمعه عددا فاق ما أذن به الشرع لغيره من المسلمين السعا أو إحدى عشرة على اختلاف الروايات :" حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" ؟ تنقدح الريحة الإمام رحمه الله كما هو مألوف من العظماء والأفذاذ بتفسير جليل جلال المقشر قدرة المبين فرداة علو شأنه صلى الله عليه وسلم، الذي نسجت خلاياه نسجا فريدا تكاد كل خلية فيه تختص بالإشراف على شأن من شؤون المبلغين وتكاليفهم الشرعية ومآلاتهم الأبدية : تفسير الفتح النوراني الفكري إذن هو قوله :" ولذة النساء ولذة الطيب لذتان أقضيان إلى كمالات روحانية فقرب النساء فيه تكميل الملكية بتهذيب القوة الحيوانية ليصفو ما في النفس من الكدر فتتغلب القوة الملكية.

 لأن الله أعطى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قوة زائدة، كما ورد في حديث أنس في البخاري: "كنا نتحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطي قوة ثلاثين رجلا ... وحكمة خلق هاته القوة في جسده الشريف أن تكون تلك تلك القوة غير المعتادة مناسبة لأن دخل فيه روح ملكية غير معتادة؛ لأن بين إمداد قوى الجسد وقابلية القوة الروحية ملابسة وثيقة ، وكما أن القوى الجسدية تمد القوة الروحية بما تحتاجه كذلك تمد الهيكل البشري بقوى زائدة؛ لأن شأن المادة الجسدية أن تكون أوزاعا بين ما يحتوي عليه الجسم الروحاني من الجهاز الملائكي الذي يوقده ويشعه العقل الذي مقره القلب والدماغ، ومن الجهاز الجثماني الذي به حفظ بقاء الهيكل المحتوي على العقل الموقد".

السر المتفرد ذركة هنا شأو بعيد عن الظاهر الحقير الوزي؛ إذ ما من بد للأحمال والأوزان أن تتوازي فدعوته صلى الله عليه وسلم تفردت بتوجهها للتقلين إلى نهاية الدهر و ما يترتب عليه من تعلق مصائر هم في الدارين بالاتساق مع الرسالة الخاتمة ..

فإن كان لابد لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم من أنصبة وافرة من قوى القواهر الضرورات والشهوات على جلها تخففا من جوانبها وفاهياتها عن عزائم خصوصية النبوة والرسالة، فانزدهي الروح الطاهرة بمفرحات النفس والقلب والحس الجمالي : الذي خبل عليه أسوياء الرجال : حب النساء، يتخذ له عند حامل الرسالة صلى الله عليه وسلم وضع الرفعة المتسقة مع نسيجه الخلقي الذي لا تختجاه محض الرغبة والغريزة إذ ترفع الشهوة العارمة لألس روحي سابح في أجواز الملكوت الإلهي ظهرا ونقاء وقريا ورقي مقصد، وروعة غاية، ومجتذب دافع للتسامي المقام الرسالة الخاتمة .

وإذ يقرن ذلك " بالطيب". يضفي تنشق ريح سحره على طهارة حجرات النبوة، سبحا روحيا في أكناف النبوة المعيقة بعبق الرسالة الخالدة الآخذة إلى سكون الجمال الأبدي السعيد تسوقه خاصة من خصائص جبلة الطاهر صلى الله عليه وسلم : طيب رائحتة على كل أحواله : حيا وميتا.

ومنا يستأنس به لتعضيد هذا الفتح الفكري العاشوري الجليل حديث القرآن الكريم والسنة الطاهرة على قوة نزول الوحي وشدته عليه صلى الله عليه وسلم، وقوة الطاقة التي تقتضيها كينونة بشرية كان لابد أن تعد إعدادا يلائم ما لا سبيل لتصور قوتها إلا بالوحي الصادق تقريبا للإدراك لا الإحاطة بها علما ( لو أنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَل أرأيته، شما متصدعا من خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمثل نظرتها الناس أعلهم يتفكرون ( الحشر: 21 - وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البَرْدِ فَيَقْصِمَ عَنْهُ، وَإِنْ جَبينة ايتقصد عرقا .

 وفي الصحيحين حديث زيد بن ثابت حين نزلت الا يستوى القاعدون من المؤمنين فلما شكى ابن ام مکتوم ضرارته نزلت: (غير أولى الضرر) قال وكانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي وأنا أكتب فلما نزل الوحي كانت فخذه ترض فخذي.

أفلا تكون قوة شأن فراش النبوة الطاهر الطيب بطيب صاحبه جيلة، مما رأه الصحابة الكرام من زوجية خاصة تفوق مألوفهم في الرجال، إعدادا للجهازين البدني والروحي للقاء جبريل بخصائصه الملكية الخارقة كما وصفها حديث حين رأه على حقيقة خلقه يلقى إليه بالقرآن الذي لو نزل على الجبل لخشع وتصدع ؟ ولهذا فهو كما روى ابن الحاج في المدخل :" قال سيدى أبو الحسن الشاذلي في صفته صلى الله عليه وسلم هو بشر ليس كالأبشار، كما أن الياقوت حجر ليس كالأحجار" .

وبعد ألا تكون بهذا الفتح الفكري من ابن عاشور وما شجعنا على التذبيل عليه، قد حصلنا على تفسير وحكمة دامغة لتخرصات الغرائزيين المكرورة تضاف لما تسوقه كتب السيرة المطهرة من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من حكم جليلة ساطعة البرهان على شفوق الظهر النبوي، مما يزيل عن كاهل المسلم تحريج الغرائزيين.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services