293

1

رياض الأطفال بين ضرورة إجتماعية ورهان تربوي

تجربة روضة عبد المؤمن وريناد في باتنة

مع بداية كل موسم إجتماعي جديد يتكرر المشهد نفسه في مختلف المدن الجزائرية أولياء مهرولون في الصباح الباكر يرافقون أبناءهم نحو رياض الأطفال، بعضهم يحمل في يده ملفاً إدارياً للتسجيل وآخرون حقائب ملونة ، بينما تتزاحم على الوجوه مشاعر مختلطة من الفرح والقلق.
ريبورتاج:ضياء الدين سعداوي 

في زمن يتسارع فيه إيقاع الحياة لم تعد رياض الأطفال مجرد رفاهية.بل صارت ضرورة إجتماعية لا غنى عنها، خاصة مع ازدياد أعداد الأمهات العاملات والأسر التي تحتاج إلى فضاءات آمنة تحتضن أبناءها خلال ساعات النهار، لكن خلف هذه الضرورة العملية يبرز سؤال أعمق: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المؤسسات في تنشئة الطفل وصياغة شخصيته؟

في مدينة باتنة وتحديداً في القطب العمراني حملة 1 تقدم روضة عبد المؤمن وريناد مثالاً حياً عن كيف يمكن لرياض الأطفال أن تتحول من مجرد فضاء للحراسة إلى مؤسسة تربوية وثقافية ورياضية، قادرة على المساهمة في صناعة جيل المستقبل.

الأولياء في سباق مزدوج بين العمل و الأبناء 

تقول سعاد وهي موظفة بإدارة عمومية: "يبدأ يومي في الخامسة صباحاً ، علي أن أجهز نفسي وابني معاً. لا أستطيع تركه في البيت وحده، والروضة هي المكان الوحيد الذي يمنحني الإطمئنان. حين أتركه هنا، أعرف أنه ليس فقط في مكان آمن، بل يتعلم ويلعب أيضاً."

قصة سعاد تعكس واقع آلاف الأمهات والآباء الذين يعيشون ازدواجية يومية بين الرغبة في العمل لتأمين مستقبل الأسرة، والحرص على تربية الأبناء ورعايتهم. وهنا تلعب رياض الأطفال دور "الجسر" الذي يربط بين الحاجتين.

لكن بالنسبة للكثير من الأولياء لا يكفي أن تكون الروضة مكاناً آمناً بل يجب أن تقدم قيمة مضافة في تربية الطفل وتكوينه.

من فضاء للحراسة إلى مدرسة للحياة

فوزية درنوني مديرة روضة عبد المؤمن وريناد توضح أن المؤسسة اختارت منذ سنوات كسر الصورة النمطية عن رياض الأطفال. تقول:"هدفنا ليس فقط إستقبال الأطفال في غياب أوليائهم بل إعدادهم للحياة. نحن نزرع فيهم قيم الإحترام، نعلمهم حب القراءة، نفتح أمامهم آفاق الرياضة والفن، ونرافقهم في تجاوز صعوبات التعلم."

هكذا تحولت الروضة إلى فضاء متعدد الأبعاد يجمع بين التربية والتعليم والمرح، ففي الصباح يشارك الأطفال في أنشطة تربوية كالقراءة والرسم، ثم ينتقلون إلى تمارين رياضية، قبل أن يختموا يومهم بلحظات لعب حر.

التحديات الجديدة لغة وهوية في عصر الشاشات

من أبرز التحديات التي تواجهها الأجيال الجديدة هي اللغة ، في زمن أصبحت فيه الأجهزة الذكية شريكاً يومياً للأطفال، بات كثير منهم يميلون إلى الإنجليزية أو الفرنسية على حساب العربية.

قصة محمد أحد أطفال الروضة خير دليل، تحكي والدته:"كان ابني يتحدث بالإنجليزية فقط لأنه يشاهد الفيديوهات على الهاتف ،كنت خائفة أن يبتعد عن لغته وثقافته، بعد دخوله الروضة بدأ يستعيد تدريجياً العربية ويتجاوب أكثر في القسم."

هذه الحالة تكشف الدور الحيوي لرياض الأطفال في إعادة التوازن اللغوي والثقافي للطفل وحمايته من الذوبان في محتويات رقمية عابرة للحدود.

السوروبان تدريب العقل بالخيال 

إحدى أبرز البرامج التي تقدمها الروضة هو السوروبان الحساب الذهني بالمعداد الياباني.الذي صار أداة فعالة في تعزيز قدرات الأطفال على التركيز والتحليل.

تقول المدربة نور الهدى طيلاب:"السوروبان يمنح الطفل ثقة كبيرة بنفسه، صحيح أنه يساعد في الحساب لكن الأهم أنه يبني شخصية متوازنة ويدرب الدماغ على الإبداع والتفكير المنطقي."

هذا النوع من الأنشطة يعكس كيف يمكن لرياض الأطفال أن تواكب أحدث المناهج العالمية وتمنح الأطفال منذ الصغر أدوات تساعدهم في المستقبل الدراسي والمهني.

الجيدو ،الإنضباط في ثوب رياضي

لا تقتصر البرامج على البعد الذهني بل تمتد إلى التربية البدنية فقد اختارت الروضة إدراج رياضة الجيدو ضمن أنشطتها.

تشرح المدربة علبة:"الجيدو ليس مجرد قتال هو قبل كل شيء إحترام وانضباط، الطفل يتعلم كيف يسيطر على حركاته، كيف يحترم خصمه وكيف ينهض بعد كل سقوط."

داخل قاعة التدريب تتجسد هذه الفكرة عملياً، أطفال يتبادلون الحركات ببراءة، يضحكون أحياناً ويتعثرون أحياناً أخرى، لكنهم يتعلمون من كل لحظة دروساً تتجاوز الرياضة إلى الحياة نفسها.

العودة إلى الجذور ذاكرة الطفولة الحية

ما يميز روضة عبد المؤمن وريناد ليس فقط برامجها الحديثة بل أيضاً عمق ارتباطها بالذاكرة الجماعية لمدينة باتنة.

كثير من المدعوين في حفل افتتاح موسم هذه السنة، كانوا أنفسهم أطفالاً في هذه الروضة قبل سنوات ، مثل فوفاالمهرجة الصغيرة التي شاركت في حفل الافتتاح. تقول مبتسمة:
"كنت طفلة هنا واليوم عدت كمنشطة، سعادتي كبيرة أن أزرع البسمة في وجوه الأطفال، مثلما كانوا يزرعونها في وجهي."
أيضا رحمة الممرضة بالمركز الإستشفائي الجامعي التهامي بن فليس بباتنة، التي عبرت عن فرحتها و وجهها يرسم ابتسامة عريضة و هي تقول" قضيت معظم اوقاتي طفولتي في روضة عبد المؤمن و ريناد، أكثر من قضائها بالمنزل ، الأستاذة فوزية كان لها الفضل في بناء شخصيتي على أفضل وجه و قادتني إلى النجاح"

هذه الحلقة الدائرية بين الماضي والحاضر تعطي للروضة بعداً إنسانياً خاصاً يجعلها أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية بل جزءاً من ذاكرة المدينة وهويتها.

تربية متوازنة في عالم غير متوازن

الناظر إلى مشهد الدخول الإجتماعي يدرك أن الطفولة اليوم تعيش في عالم غير متوازن ، هواتف ذكية تستهلك الوقت، شاشات تبث محتويات متناقضة، ضغوط إجتماعية واقتصادية على الأسر.

في هذا السياق تتحول رياض الأطفال إلى خط الدفاع الأول لحماية الطفولة وتوفير بيئة متوازنة تنسجم فيها التربية مع اللعب والعلم مع المرح واللغة مع الهوية.

إستثمار في المستقبل

مع كل دخول اجتماعي يتكرر المشهد ذاته، أولياء يهرعون نحو رياض الأطفال بحثاً عن الطمأنينة وأطفال يخطون أولى خطواتهم في دروب الحياة، لكن خلف هذه التفاصيل اليومية تكمن حقيقة أكبر، أن الإستثمار في رياض الأطفال هو إستثمار في مستقبل المجتمع كله.

روضة عبد المؤمن وريناد ليست سوى مثال واحد لكنها تعكس ما يمكن أن تكون عليه رياض الأطفال حين تتحول من ضرورة اجتماعية إلى مشروع تربوي متكامل، إنها ليست فقط بيتاً ثانياً للأطفال بل مدرسة للحياة، ومصنعاً للمستقبل.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services