378
0
رمضان في الجزائر : بين القيم السامية والتقاليد المتباينة ..؟

بقلم مسعود قادري
يوم أول مارس 2025 ، صادف هذه السنة يوم حلول الضيف السنوي الكريم المبارك على الأمة الإسلامية ، شهر رمضان الفضيل الذي يقدسه المسلمين ويعدون له كل ما يستحق من تكريم روحاني ومادي تقديرا لفضائله وخصوصياته التي ميزه الله بها على باقي شهور.
فهو الشهر الذي اختاره تبارك وتعالى لنزول القرآن الكريم كآخر رسائله المقدسة إلى البشر وهي الرسالة الخاتمة والجامعة لكل امور الدين والدنيا .
القرآن الكريم حامل رسالة الإسلام ،المنظمة لعلاقات البشر بربهم وفيما بينهم ومع بقية المخلوقات .. نزل القرآن الكريم في ليلة مباركة من ليالي رمضان الكريم خصها الله على سائر الليالي بالتبجيل والتقدير والتعظيم بان جعلها افضل من الف شهر تكريما للنبي محمد صل الله عليه وسلم وأمته التي جعلها خير أمة أخرجت للناس في هذا العالم الذي لم يعرف رسالة اسمى وأعدل وأرقى من رسالة محمد صلى الله عليه من قبل ، فهي الرسالة الخاتمة والمهيمنة على بقية الرسالات والديانات السابقة السماوية والوضعية منها .."ومن يبتغ غير الإسلام فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .." ( قرآن كريم".
الرسالة المحمدية ـ رغم كل مايدسه اليهود والنصارى والمشركون ـ ستبقى مابقيت السموات والأرض وسيزداد إشعاعها لينير درب الكثير من الغافلين والجاجدين من الكفرة والملحدين الذين اغواهم الشيطان وطمس الله على قلوبهم فتكبروا وتجبروا وعصوا الله ورسوله واجتهدوا في الكيد للإسلام والرسالة المحمدية منذ ظهورها وإلى اليوم وغدا ولكن لن ينالوا منها بحفظ الله لكتابه الكريم ، بل سيرد الله كيدهم في نحورهم ..
استقبال الضيف بما يليق بالمقام ...
في كل سنة ، يستعدالمسلمون في العالم لاستقبال شهر رمضان المبارك في أبهى الحلل التي تليق بمقام زائر عزير يحمل معه الكثير من الخيرات والفضائل التي يفرح بها المومنون فيجتهدون في الرقي بأرواحهم لتفوز بما وعد الله به الصائمين المتقين من جزاء لايعلمه إلأ هو...
لرمضان في الجزائر عادات روحية كما هو الحال عند بقية المسلمين في العالم وعادات مادية اختصوا بها ورسخوها في تراثهم عبر الأجيال .
فالعادات الروحية الظاهرة تبدا مع منتصف شعبان في استعداد المعلمين والأئمة وحفظة كتاب الله لمراجعة الكتاب العزيز تحضيرا لصلاة التراويح التي يزداد الإقبال فيها على المساجد من الجنسين للتمتع بكتاب الله وتلاوته العطره من خيرة المقرئين عبر مساجدنا التي تتزين بالأنوار وتغيرثيابها الخارجي بالطلاء المناسب وتجدد أوتنظف أفرشتها ـ حسب الطاقة ـ لاستقبال ضيوف الرحمن الذين يجدون الراحة والترحيب في بيوت الله التي لايتوانى المحسنون في تزويدها يوميا بما تحتاج من مياه تتسابق شركات إنتاجه على توفيرها للمصلين عامة وللقائمين في رمضان خاصة، حيث يكون الصائم في حاجة ماسة إلى الماء بعد الإفطار ..
في نهاية الشهر الكريم تسهر الهيئات المسجدية مع معلمي المدارس القرآنية على تشجيع الطلبة الحافظين لكتاب الله أو أجزاء منه، العملية التكريمية تتم تزامنا في بعض المساجد مع ختان أطفال من أبناء الحي المحتاجين بمتابعة وإشراف من الهيئات الصحية المحلية بمناسبة ليلة القدر المباركة...
سنة حميدة للتضامن والتعاون ...
كما أحيت الجزائر سنة حميدة منذ عهد غير قريب تتمثل في تعميم صور التضامن والتعايش في هذا الشهر المبارك من خلال انتشار عملية التضامن مع الفقراء واليتامى والمعوزين بتوزيع طرود غذائية( قفة رمضان ) مرة أو اثنتين في الشهر حسب نشاط الجهة المكلفة بالتوزيع وإمكانياها.
العملية تتسابق على القيام بها، الجمعيات الخيرية والمساجد وبعض الهيئات العمومية . كما انتشرت عبر ربوع الوطن مطاعم إفطار الصائمين في المدن وعبر الطرق الرئيسية للبلاد مساهمة من المجتمع المدني وخاصة الجمعيات الخيرية والمحسنين في توفير الإفطار للصائمين أينما كانوا ولكل من يحتاج من عابر السبييل والضعيف والمسافر وغيرهم، وقد كان لهذا العمليات الخيرية الإنسانية أثر كبير في رفع الوعي بين المواطنين والتخفيف من ثقل الحمل على المحتاجين وعابري السبيل، كما ساهمت مساهمة فعالة في التقليل من حوادث المرور التي كانت تقع قبل موعد الإفطار حيث يتعجل السائق الوصول بالمبالغة في السرعة وعدم التركيز قبل الإفطار فيتعرض البعض لما لاتحمد عقباه ...؟ .
الزيارات العائلية وصلة الرحم
رمضان، هو أيضا شهر التواصل والتراحم والتعاطف والزيارات العائلية التي تدعم صلة الرحم بين الأقارب والصداقات بين الأحباب وهو موسم المكارم والفضائل والصدقات ونبذ الفرقات والخلافات اتباعا لتعاليم الكتاب والسنة النبوية التي تحث على التمسك بفضائل الصيام الكثيرة التي تقرب العبد من ربه.
في الحياة الريفية بالخصوص تعتبر ليالي شهر رمضان المبارك بالنسبة للنساء مناسبة للتواصل والتقارب وزيارة الوالدين والإخوان بينما يكون الرجال والشباب في المساجد والمقاهي .
الزيارات يتخللها تبادل الحلويات والمشروبات المناسبة مع المكسرات عند الميسورين ليكون للسهر طابع رمضاني بحت تخرج منه الأسر والعائلات أكثر قربا وتماسكا ..
تزيين المحيط عن تعوالمنزل وتجديد الأواني
في جانب الحياة العامة يتمتع الشهر الفضيل بمكانة عالية عند المواطن الجزائري مهما كانت درجة إيمانه وعلاقته بأركان الدين الأخرى ومنها الصلاة التي يغفل عنها البعض لكنهم لايفرطون في الصوم ويستعدون لشهره مع بداية شهر شعبان أو نصفه من خلال العديد من المظاهر التي يقوم بها الرجال والنساء على السواء ..
به وترقى به روحيا إلى الدرجات العليا من الإيمان والإحسان والبحث عن سبل الخيرات..
على المستوى الداخلي للعائلة، تجتهد النسوة مبكرا في ترتيب وتزيين أمور البيت الداخلية بحملة تنظيم عامة تشمل كل البيوت خاصة بيت الضيافة والمطبخ الذي سيكون محور النشاط خلال شهر الصوم لربات البيوت وبناتهن وكناتهن إن وجدن ..؟
قد توزع السيدة الأولى في البيت مهام المنزل بين من معها وتتولى هي تجديد الأواني الخاصة بالطهي والأكل ليكون المطبخ كله عند الميسورات جديدا يليق بالزائر الموسمي ، بينما تكلف واحدة أخرى من البنات أو حتى رب المنزل بشراء البهارات والفلافل وملتزمات الطبخ والحلويات إلى جانب تحضير غرفة الاستقبال تأهبا لاستقبال مفطر عابر أو أقارب وأصحاب يدعون لمشاركة الأسرة فطورها الرمضاني المميز .
وبمجرد مرور اليوم الأول من الصيام تدخل العائلة في جو روتيني رمضاني لاتغيب عن مطبخه الشربة في المقدمة مع البراك والسلاطة ، وما زاد عن ذلك فحسب ظروف كل عائلة ومتطلبات كل يوم ومناسبة .. المهم يبقى في كل عائلة جزائرية رمضان شهر الكرم والتقوي والعبادة وصلة الرحم وخصائصة لاتعد ولا تحصى ومع أنه يذهب ويعود إلا أن حلاوته وحبه في ذهابه وفي عودته فقد يمل العامل شهر عطلته السنوية رغم ترددها سنويا إلا أنه لايمل شهر الصيام وهذا سر إيماني عميق يتمنى كل مسلم أن يصوم شهره وينتظر عودته في العام المقبل إن كتب الله له البقاء ليتجهز أحسن ويصحح نقائص الموسم السابق .. والله لايضيع أجر المحسنين ..
سلوكات لاتليق بالمناسبة ..
يستغل ائمة المساجد مناسبة اقتراب شهر رمضان لتوعية المصلين والمواطنين بفوائد ومزايا الصوم ويحثونهم على التخلي عن بعض السلوكات السيئة التي تفسد الصوم و من بينها السلوكات التي اجتهد الاستدمار الفرنسي النصراني في ترسيخها بين أفراد المجتمع ليشوه بها سمعة الدين عامة والصوم خاصة من بين السلوكات التي صارت مميزة للمجتمع الجزائري في رمضان وتشذ عن الواقع فتحول الصوم إلى عبىء ثقيل على الكثير من المواطنين ، بينما هو شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران والتراحم بين الأقرب والجيران .
أبرز سلوك ، تقوم به فئة من التجارـ سامحها الله ـ رغم تعارضه مع الشرع ومقاصد الصيام والقانون ، لأنه يضر بفكرة التراحم والتفكير في أحوال الغير، والرضا بالربح القليل عبر تخفيض نسبي للأسعار دعما لذوي الدخل المحدود وعديمي الموارد والفئات المتوسطة ومنح الجميع فرصة الصوم في ظروف جيدة تجعل التقارب بين فئات المجتمع تتوطد ويزداد حب الناس لبعضهم البعض .. .؟ ! لكن فئة من تجارنا ـ سامحهم الله ـ لاتبالي بالمستهلك إطلاقا ، عكس نظرائهم في العالم العربي والإسلامي وحتى في العالم الغربي ، حيث انتشرت الجاليات الإسلامية بكثرة ، يفكرون في الصائم كمستهلك دائم له احتياجاته وظروفه المادية فيراجعون أسعار المواد الأساسية وحتى ملابس الأطفال للعيد ، ليصوم الجميع في طمأنينة وهناء وراحة بال ودون الحاجة لإبداء حاجته للناس إلا عند الضرورة القصوى.
تجارنا ـ إلا من رحم الله ـ يبدأون في معاكسة الشرع والقانون قبل فترة الصوم بأيام ، فيتسابق البعض لاحتكار السلع والمواد المطلوبة ليضاعف سعرها حبا في الربح السريع على حساب إخوان له يشاركونه العقيدة ومتاعب الحياة اليومية . .؟ !
هذه الفئة من التجار أرهقت المواطنين في كل المناسبات، فهي أسرع لجيوبهم من كل زيادة في المرتب أو المعاش أو المنحة التي تقترحها الدولة ، إذ بمجرد التفكير في الزيادة يقفز هؤلاء لزيادة أسعار موادهم فيبقى الفقير فقيرا.. وهم الأغنياء وينسون أن الله هو الغني وأن مايقومون به سحت ولايقبله الشرع والقانون وعواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة ...؟ !.
الفئة الثانية التي لاتستفيد من فضائل الصوم ، هي الفئة التي تنتظر هذا الشهر المبارك لتجعل منه شماعة تعلق عليها سلوكاتها العدوانية ضد الغير وتبرر به ما تقوم به من تصرف طائش في الطرق والساحات والأسواق دون اعتبار لمن هم فيه من الكبار والصغار والنساء و..فتفسد صيامها وصيام الآخرين .. هذه الفئة سبب ماتقوم به هو الاختلال في الراحة وقلة النوم ، حيث يقضي افرادها لياليهم في السهر بالمنتزهات حتى موعد السحور فيدخلون بيوتهم ليناموا سويعات قبل موعد العمل ، فيحولون حياة غيرهم إلى كوابيس إما بسياقتهم الجنونية أو افتعالهم للأسباب التي يتنافرون بها مع غيرهم .. هذه الفئة تسبب الكثير من الإزعاج للمواطنين والسلطات ويحدث بعضها أضرارا مادية ومعنوية لاتحمد عقباها.؟ !..
لكل هؤلاء نقول تقبل الله صيامنا جميعا وتقبل منا صالح الأعمال وهدانا إلى سواء السبيل في هذه الشهر الذي هو مناسبة عظمى للتجارة مع الله فلا ندعها تمر دون جني ثمارها لأننا لانضمن بقاءنا لموسم آخر.. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل ...