20

0

رهان الرباط الذليل: كيف سقطت رهانات المخزن في مستنقع التحولات الإقليمية؟

 

بقلم: بن معمر الحاج عيسى

 

 

لم يكن المخزن المغربي يومًا لاعبًا مستقلًا على رقعة الشطرنج الجيوسياسية في المنطقة، بل ظل طيلة العقود الماضية يدور في فلك المحاور المتقلبة، يتكئ على الولاءات العمياء، ويختبئ خلف عباءة “الشرعية التاريخية” الهشة، مدعيًا مركزية لم يحصل عليها يومًا، ومكانة لم يُمنحها إلا بقدر ما كان ينفذ من أدوار مرسومة له من خارج الدار البيضاء والرباط. ومع بروز تحولات إقليمية كبرى، وتصاعد موازين القوى الجديدة، سقطت الرهانات الواهية التي نسجها القصر الملكي في صالوناته، وظهر للعالم أن ما سُمي بـ"الانفتاح الدبلوماسي المغربي" ما هو إلا ارتهان ذليل ومخزٍ لإملاءات الخارج وصفقات العار.

إن رهان المغرب، منذ توقيع اتفاق التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني في ديسمبر 2020، كان يقوم على معادلة فاسدة: بيع الموقف العربي والإسلامي من فلسطين مقابل "الاعتراف الأمريكي" بمغربية الصحراء. لكنه رهان انكشفت حقيقته سريعًا، إذ لم يُؤتِ ثماره، ولم تُترجم الوعود إلى مكاسب حقيقية، سوى تغول الاستيطان الصهيوني في الرباط والدار البيضاء ومراكش، وتسابق المسؤولين المغاربة إلى تبييض صورة الاحتلال في المحافل الدولية، مقابل خيبات متتالية في ملف الصحراء، وتحول المشهد الدولي نحو دعم مسار تقرير المصير الذي تطالب به جبهة البوليساريو.

إن هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة منطقية لحالة الإفلاس السياسي التي يعيشها المخزن، سواء داخليًا أو خارجيًا. داخليًا، فالمغرب يعيش حالة قمع غير مسبوقة، وارتفاع جنوني في الأسعار، وتراجع حاد في مستوى الحريات، واعتقال نشطاء الرأي، وانهيار الثقة بين الشعب والنظام. وخارجيًا، فشل المغرب في الحفاظ على علاقات متوازنة مع جواره، ودخل في خصومات مفتوحة مع الجزائر وتونس وموريتانيا، وفقد أوراق الضغط التي كان يدعي امتلاكها في إفريقيا، بعدما انكشفت حقيقة دوره كوكيل للمصالح الغربية والصهيونية.

والأخطر أن المخزن ارتكب أكبر خطأ استراتيجي حينما ربط مصيره بأمن الكيان الصهيوني، وتحول إلى بوابة استخباراتية له في شمال إفريقيا وغرب الساحل، وسهّل له التحرك الميداني والسيبراني تحت غطاء التعاون الأمني والعسكري. هذا الانزلاق الكارثي، جعل المغرب في مرمى الشعوب الحرة، وأفقده مصداقيته التاريخية كبلد يدعي نصرة القضايا العادلة. فالمغرب لم يربح شيئًا من التطبيع سوى استيراد الأسلحة والتكنولوجيا التي لا توجه لتحرير أراضٍ محتلة، بل لتكميم أفواه المعارضين وإخماد الانتفاضات الشعبية القادمة.

تحولات المنطقة، خاصة بعد صمود محور المقاومة في فلسطين، وانكشاف الخذلان العربي الرسمي، أثبتت أن الرهان على العدو الصهيوني لا يجلب السيادة، بل الاستعمار الجديد. والرباط اليوم تعيش في عزلة معنوية، لم يعد فيها سوى أصوات النفاق والولاء، تغني لملكٍ يعقد الصفقات في الخفاء ويبيع التاريخ في العلن، بينما يواجه شعبه الغلاء والبطالة والقمع والنسيان. لم تعد المؤسسات الدولية تصدق مسرحية "الإصلاح المغربي"، ولا تنطلي على أحد أكذوبة "الاستقرار في ظل الملكية"، بعد أن أصبحت الرباط مرتعًا للتجسس الصهيوني، ومنصة لنقل المعلومات إلى الموساد، وتحولت الأراضي المغربية إلى قواعد أمامية تخدم أجندات تل أبيب لا مصلحة الشعب المغربي.

إن ما يسميه المخزن "دبلوماسية متقدمة"، ما هو إلا سلسلة من التنازلات المذلة، واصطفاف أعمى خلف قرارات واشنطن وتل أبيب وباريس. وإن من يتاجر بقضية فلسطين، ويزايد على معاناة الصحراويين، لا يمكن أن يُؤتمن على مصير شعبه. المغرب بات عبئًا على الجسم العربي والإفريقي، وورقة محروقة في يد الإمبريالية، بعدما باع استقلاله بيده، وسقط في فخ المساومة والارتهان.

رهان الرباط لم يكن يومًا على الشعوب، بل على الأجنبي. واليوم، مع صعود الجزائر كقوة إقليمية وازنة، وعودة الزخم الشعبي العربي حول فلسطين، وانكشاف زيف مشاريع التطبيع، تسقط الأقنعة، ويُعرّى المخزن أمام ذاته وأمام تاريخه. الرباط لم تعد عاصمة "الأنوار" كما كانت تتغنى أبواقها، بل أصبحت رمزًا للذل والانبطاح، تقايض الكرامة الوطنية ببضع صفقات تسليح ومواقف دبلوماسية مدفوعة الثمن.

في زمن التحرر، لم يعد هناك مكان لحكام يراهنون على العدو وينقلبون على إخوتهم. ومهما حاول المخزن أن يجمّل صورته، فإن الذاكرة العربية لا تنسى من باع القدس ولا من خان الثورة. وسيبقى رهان الرباط الذليل درسًا سياسيًا في الخيانة الوطنية، يُكتب على جبينها لعقود طويلة قادمة.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services