140

0

وترجل آخر الكبار، فارس القلم والفكر والسياسة..

أستاذنا الدكتور الوزير طالب الإبراهيمي كما عرفته!!

 

محمد مصطفى حابس : جينيف / سويسرا

 

انتقل الى جوار ربه بالجزائر، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، الطبيب و المفكر و الدبلوماسي الجزائري،الذي فقدته الجزائر و العالم العربي و الإسلامي يوم الأحد 5 أكتوبر 2025، الذي يصادف أيضا يوم 5 أكتوبر 1988، تاريخ احداث أكتوبر المعروفة و التي أنهى فيها مشواره الأول أي العمل الوظيفي في الدولة الجزائرية..

وقد دُفن الدكتور أحمد طالب في نفس اليوم عصرا، مع والده العلامة محمد البشير الابراهيمي  في قبر واحد في مقبرة “سيدي أمحمّد”، بعدما صُلِّي عليه في مسجد الإمام الإبراهيمي في شارع الشهداء بمدينة الجزائر، فيا لعجائب الأقدار، كما وصف ذلك زميله و رفيق دريه أستاذنا الكبير، سي الهادي الحسني!

وقد شهد جنازته حشد من خلق الله كثر، من كل حدب و صوب، فيهم رجال من مسؤولي الدولة و فيهم شخصيات سياسية من الموالاة و المعرضة، ناهيك عن عشرات الشخصيات العسكرية والمدنية و الفكرية و الإعلامية الكبيرة، لا حد لها و لا عد!!..  و أظن أن هذا الإجماع على حضور جنازة الوزير و المفكر الابراهيمي ينم عن احترام وتقدير كبيرين لهذا الرجل المجاهد بالسيف والقلم واللسان!!

و للأجيال الجديدة نقول لهم و للتاريخ، أن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي شارك في الثورة التحريرية قبل يومها الأول بصفته مسؤولا عن الطلبة المسلمين الجزائريين، و مؤسس مجلة الشاب المسلم (1952/1954) وسجن بعد ذلك،  كما شارك بعد الاستقلال في بناء الدولة الجزائرية من خلال إشرافه على وزارة التربية والتعليم، كما أشرنا أعلاه، وقد تفطّن إلى أهمية مادة التاريخ في تحصين الأجيال بالوطنية فأسرع إلى تعريبها سنة 1966م، ثم تولى حقيبة وزارة الثقافة والإعلام التي ترك فيها بصمته بارزة من خلال تأسيس مجلة “الثقافة”، وتعريب جريدتي “النصر” و”الجمهورية” الأولى صادرة في الشرق الجزائري و الثانية في الغرب الجزائري، ثم أسندت له وزارة الشؤون الخارجية ليترك بصمة دولية ديبلوماسيا وسياسيا. وانكبّ الابراهيمي بعد إحالته إلى التقاعد المبكر سنة 1988، على كتابة مذكّراته التي كان يراها مادة مفيدة للمؤرِّخين لتلافي التزييف والتحريف في كتابة تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954م، بعد جمع و نشر تراث والده، أغلبها تحت عنوان " آثَارُالإِمَام مُحَمَّد البشيرالابراهيمي"، بدار الغرب الإسلامي بلبنان.

 وقد رحل الابراهيمي بعد مشوار طويل مميز و منوع صوب العديد من الجبهات كان جلها حافلا بإنجازات واعدة، تاركًا وراءه إرثًا ثريًا من النضال والعمل السياسي والدبلوماسي. وقد عرف الإبراهيمي بمسيرته الحافلة ابان الاستقلال بالعطاء والتفاني في خدمة وطنه، حيث شغل العديد من المناصب الهامة في الدولة الجزائرية، لم تعطى لغيره، أن يكون الرجل وزيرا لثلاث حقائب وازنة متكاملة، وزارة التربية الوطنية والإعلام والثقافة و الخارجية، فهذا لعمري تيسير رباني للخلص أمثاله، رحمه الله.   

طالب الإبراهيمي يطلب مني مساعدته في جمع أعداد مجلة " الشاب المسلم"

 وقد ذكر، كاتب هذه السطور، بعض هذه المناقب لشخص الوزير و الكاتب أحمد طالب الابراهيمي، منذ أقل من 3 سنوات تقريبا، بعد صدور المجلد الرابع من مذكراته، وقد عنوننا مقالنا يومها، بـ:" أخيرا بعد طول انتظار لاح فجر “مخاوف وأمال” (1988-2019) "، لمن أراد الرجوع إلى ذلك المقال للاستزادة.

أين عرفنا القارئ الكريم بالاصدار الجديد لطالب الابراهيمي، و كيف تعرفت عليه شخصيا في تسعينات القرن الماضي، لما كان يزور ابنه بشير المقيم أيامها في سويسرا معنا و كان الابن يشتغل بالبنك الإسلامي بجنيف، أو لما يأتي الدكتور الابراهيمي للسياحة أو العلاج في بسويسرا، حيث كنا عموما نسلم عليه أيام الجمعة في المسجد الكبير وأحيانا أيام العيد و نستفسر عن باقي مذكراته و جهوده الفكرية، وأول ما تحدثت معه كان حول مؤلفاته ونشاطه الفكري بعد خروجه من العمل الوزاري، حيث حدثه الأخ التونسي محمد بن هندة صاحب مكتبة عربية في جنيف، أنه يعرف شاب جزائري مهتم بتراث جمعية العلماء وتاريخ الجزائر عموما، وله بعض "الخربشات" في الصحافة الجزائرية و اللندنية، فطلب الإبراهيمي أن نلتقي في هذه المكتبة تحديدا، قصد مساعدته في أمور ما، و من الأمور التي حدثني عنها، أنه بصدد إتمام جمع تراث والده الشيخ العلامة البشير الابراهيمي وقد طبع بعضها في دار الغرب الإسلامي بلبنان لصاحبها التونسي الحبيب اللمسي ( رحمه الله) الذي طبع العديد من آثار جمعية  العلماء و تاريخ الجزائر وأمور ثقافية أخرى .. والدكتور أحمد طالب الابراهيمي في هذه الفترة  كان بصدد جمع أعداد جريدة "الشاب المسلم" بالفرنسية،

Revue "Le jeune musulman

لسان حال شباب جمعية العلماء، التي كانت تصدرها جمعية العلماء قبيل الثورة التحريرية (1952-1954)باللغة الفرنسية في عهد رئيسها الراحل الشيخ العربي التبسي في خمسينات القرن الماضي، وكان أحمد طالب من أبرز أقلامها ومسيريها بل مؤسسيها، حيث كان معه كبار أقلام الجزائر ايامها أمثال المفكر مالك بن نبي وتوفيق المدني والدكتور الهاشمي التيجاني والدكتور علي مراد والدكتور عبد العزيز خالدي ومصطفى الأشرف ومصطفى كاتب ومحمد الشريف الساحلي وعطاء الله سفاري، وعمر أوزقان والشيخ العربي التبسي وحتى ترجمات مقالات سيد قطب وغيره من الأقلام الإسلامية، وقد نشرنا مقالا مطولا في الموضوع بالفرنسية في 6 صفحات (12/17)، في ذات المجلة – أي الشاب المسلم عدد 54/2024- بمناسبة الذكرى 72 لتأسيسها، بعنوان: "في ذكرى ميلادها الـ 72، مجلة «الشاب المسلم»، بثوب قشيب مميز.. بعد طول انتظار، صرخة ملحة لجاليتنا المسلمة في الخارج"، ما ترجمته:"

 Le Jeune musulman:approche et attitudes réformistes, message humaniste et perspective universelle “ À l’occasion de son 72e anniversaire, un petit magazine musulman de premier plan lutte dans la cour des grands médias francophones de la planète ! ” (p :12/17)

 

قصة ضياع نسخة مجلد أعداد مجلة " الشاب المسلم"

 

 ومن هذا اللقاء بجنيف بسويسرا، يرغب مني الدكتور طالب تحديد أن أساعده في البحث في المكتبات الجامعية الفرنسية و الأوروبية عموما، عن أعداد أخرى لم يجدها بعد لإتمام مشروعه وطبعها عاجلا في مجلد، لأنه لم يجد كل اعداد مجلة " الشاب المسلم " و لا ينقصه إلا عددان او ثلاث لجمعها ونشرها كاملة عبر دار الغرب الإسلامي بلبنان!! فقلت له متأسفا أني مطلع على المجموعة الكاملة في مجلد كبير واحد وقد كنت استعرتها من المركز الثقافي الإسلامي بالجزائر العاصمة في ثمانينات القرن الماضي، و اختلسها مني ( بهذه العبارة) - مع بداية العشرية السوداء - أحد الأساتذة وذكرت له اسمه وفصله، من " السياسيين الإسلاميين الجدد"، أصحاب الائتلاف والاعتلاف، وصار برلمانيا كبيرا  معينا ضمن مجموعة المجلس الاستشاري، بعد رفض القوائم الفائزة في البرلمان الجزائري للجبهة الإسلامية، بعدها صار وزيرا في حكومة الانقلاب وذكرت له كيف أخذها مني ( هذا المخلوق ) و لم يرجعها لي وكيف استحوذ على الأمانة أشهر و أشهر بالتسويف و بأعذار أوهن من عين العنكبوت، حتى سافرت إلى للخارج، لكن ربنا سطر لأن للمركز الثقافي الإسلامي بالجزائر نسخة ثانية، كما أخبرته أنه كانت عندي أيضا صورة طبق الأصل قليلة الجودة أيامها ؟ فلم يستغرب الدكتور أحمد طالب من قصة "ضياع النسخة الاصلية مع هذا الشخص" وذكر لي أمورا أخرى عن زعماء تيار هذا الوزير الذين كانوا يروجون علنا فرية آلمته كثيرا ولمدة سنوات، قول بعضهم للناس " أن أحمد طالب الابراهيمي، ليس ابن الإمام البشير الإبراهيمي من صلبه، لكنه بالتبني  !!"، ولا حول و لا قوة الا بالله !!..

 وقد حدثني يومها مطولا بحصرة على علاقته بالأخ الشيخ عبد القادر حشاني، وكيفية تصفيته، ظلما وعدوانا، حيث أخبرته قبلها أني كلمته بأيام قبيل اغتياله، و اقترحت له "الهروب" إلى الخارج، فرفض، قائلا لي بعزة "و لمن نترك شعبنا و أرضنا".. " هنا يموت قاسي"، فكان له ما أراد، رحمه الله !!...

جيل طالب الإبراهيمي لم يهتم بكتابة مذكراته، فمن لها ؟

كما تعرفت طبعا على الدكتور الابراهيمي قبل ذلك عابرا قبيل تأسيس حزبه السياسي، الذي رفض اعتماده من طرف السلطة الجزائرية، وكان قد عرفني به شيخنا العلامة السفير إبراهيم مزهودي لما كان إماما خطيبا بمسجد الرحمة بالعاصمة، والشيخ مزهودي الرئيس الشرفي لجمعية العلماء في تسعينات القرن الماضي لمن لا يعرفه كان أيضا سفيرا للجزائر في مصر في عهد بومدين و كانت له قصة مع وزير خارجية الجزائر أيامها بوتفليقة، وقد ذكرتها في بعض مقالاتي مفصلة، وأراني هذا الشيخ الفاضل يوما صورة تاريخية متداولة في الكتب الجزائرية، فيها  صورة الشيخ العربي التبسي والشيخ الإبراهيمي جالسان، وخلفهما شابان طويلان، وسألني من يكون هذا الشاب وذاك الشاب النحيف الطويل؟ أجبته مترددا، بقولي سمعت أن أحدهما طالب الابراهيمي والثاني لا أعرفه!! فقال لي متبسما، الثاني هو صاحبكم "التبسي" هذا الذي خطب فيكم اليوم الجمعة، لكن "بلا قندورة ولا لحية أيامها"، فعرفت من يومها، أن الشيخ إبراهيم مزهودي كانت له علاقة قديمة بالوزير طالب الإبراهيمي والوزير الأول عبد الحميد ابراهيمي بن الشيخ مبارك الميلي، من زمان من قبل الثورة و كل منهما يذكر فضل الشيخ العربي التبسي عليه. 

و للتوضيح فقط  للأجيال الجديدة، فالشيخ إبراهيم مزهودي من كبار جمعية العلماء، أصيل قرية يوكس الحمامات بولاية تبسة والمتزوج ببنت العلامة  مبارك الميلي، صاحب كتاب، "رسالة الشرك و مظاهره"، ووالد المرحوم عبد الحميد براهيمي والسفير محمد  الميلي (رحمهما الله)،الذي كان أيضا عالم و ديبلوماسي كبير خسارة لم تجمع مذكراته هو أيضا و غيره من أبناء جيلهم المخضرم.

كدنا نفقد الأمل في مذكرات الإبراهيمي لولا رعاية الله و بزوغ فجر "مخاوف وآمال":

كما تعرفنا على الدكتور أحمد طالب من خلال أستاذنا الكبير سي الهادي الحسني، الذي اشتغل معه في إعداد سلسلة " آثار الإمام البشير الابراهيمي"، ومنذ سنوات قليلة ماضية فقط ، كنا نعد لحوارات مطولة لرموز الجزائر وقدماء مسيرتها، قبل أن تختطفهم منية الأقدار، مثل ما رزئنا في المدة الأخيرة بفقدان الدكتور عثمان سعدي و الدكتور السعيد شيبان، رحمهما الله.. قلت نعد في حوارات مطولة بالفرنسية والعربية منها ما برمجناه مع الدكتور طالب الإبراهيمي و سوفناه عدة مرات، معلوم أن الرجل إعلامي أيضا، لما لا وهو مؤسس "جريدة الشاب المسلم" بالفرنسية لسان حال شباب جمعية العلماء في الفترة (1952-1954)، ورئيس "الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين"، وكان بعد الاستقلال وزيرا في عهد الرئيسين بومدين والشادلي، ولا سيما في وزارتي التربية الوطنية  و الثقافة ، ثم الشؤون الخارجية من 1982 إلى 1988 ، كما كان مرشحا لرئاسيات 1999.  


و المرحوم بالإضافة لامتلاكه للغات عديدة خاصة منها العربية و الفرنسية بفصاحة نادرة لأمثاله و رجال جيله، ولم يقتصر أيضا تمكنه في السياسة فقط بإنشاء حزب في عهد التعددية، لم يعتمد لحاجة في نفس يعقوب، بل تعداه إلى المجال الفكري، فهو مفكر وأديب، له العديد من الأعمال الفكرية التي وجدت صدى لدى الكثير من الباحثين والأكاديميين، منها إشرافه على جمع تراث والده الشيخ البشير الابراهيمي في أربع مجلدات رفقة مجموعة من الباحثين يتقدمهم أستاذنا الشيخ محمد الهادي الحسني حفظه الله و رعاه، كما جمع كل أعداد مجلة الشاب المسلم، و كان آخر حواراته مع الاعلام، حوار مقتضب نشر في العدد الأخير الشهر الماضي، رقم 59- 2025 / 1447. من مجلة الشاب المسلم بالفرنسية و الإنجليزية، لمن أراد الاطلاع عليه، و رغم مرضه الأخير، فقد رد كتابيا على الحوار بانضباط كبير و دقة في المصطلحات و التواريخ، بفرنسيته الراقية و المعهودة، رحمه الله.

والمرحوم طالب الإبراهيمي، حاورناه أيضا و جالسناه في العديد من المناسبات في أوروبا، واستفدنا من تجاربه النضالية و الفكرية العديدة، ونادرا ما اختلف معه بعض إخواننا في بعض الرؤى و الطروحات الخاصة بالوضع السياسي في الجزائر في بعض المحطات من تاريخها المتشعب، و علاقته لما صار وزيرا للتربية مع بعض رموز جمعية القيم و المفكر مالك بن نبي!!.

طالب الإبراهيمي و مشروع شخصيات للتاريخ وللأجيال

ومن باب فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، كان في بعض حواراتنا مع الدكتور أحمد طالب ووزنه كنجل الامام الابراهيمي وهو متفرغ للعمل الفكري، أن يؤسس باسمه أو مع بعض أقرانه مؤسسة تجمع تراث علماء و رجال الجزائر، عن والده وأصحاب والده في الجزائر و في العالم الإسلامي أجمع، وشهادات أقلام أخرى لتنوير أجيال اليوم، فنحن في حاجة الى المزيد، من مثل هذه المذكرات التربوية الشيقة لرجال قدموا حياتهم لهذا الوطن المفدى، أمثال الإمام الإبراهيمي ليكافئ في الختام بالموت تحت الإقامة الجبرية وقد تبعه في ذلك مشايخ كثر.. الأمر الذي ترغب أجيال اليوم ليس فقط إماطة الغبار عنهم والتعرف عليهم و التعريف بهم في مرحلة ثانية، بل حتى ترجمة هذه الاعمال الى لغات أخرى  بما فيها الإنكليزية و الإسبانية ، نهيك عن الفرنسية، بل إماطة اللثام عن هؤلاء الرجال الذين صاحبوا الإمام و التفوا حوله و تتلمذوا عليه ورابطوا معه في خندق الدفاع عن ثوابت الأمة من لغة ودين و وحدة التراب الوطني، وهم كثر منهم الشيخ احمد سحنون و الشيخ العرباوي و الشيخ سلطاني و الشيخ مزهودي و الشيخ محمود بوزوزو .. وكنا نأمل أن يمن الله بالصحة والعافية عليه لكي يتمكن الدكتور أحمد طالب و من هم في سنه أو أقل، لتنوير أمة طال بالغدر ليلها حول هذه القامات التي رحلت مهضومة الحقوق و لا نعرف عليها الا اليسير من العموميات الذي ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ )..

كدنا نفقد الأمل في قلم الإبراهيمي، بسبب مرضه في المدة الأخيرة ووفاة زوجته

وحتى بعد ذلك في السنوات الأخيرة، كدنا أن نفقد الأمل في قلم الإبراهيمي، لتقدمه في السن و مرضه العابر في المدة الأخيرة ووفاة زوجته، لكن حمدنا الله على كل مكروه في السنوات الاخيرة أن الدكتور طالب الإبراهيمي استطاع إنهاء الجزء الرابع من المذكرات، وقد أتعبته الاشغال و أرهقته كثيرا خاصة بعد مرور موجة وباء كورونا، وكان أمل الإبراهيمي رغم التعب و المرض أن تمنحه الاقدار وافر الصحة و العافية لإتمام الجزء الرابع من مذكراته، وكنت في البداية أظن أنها مذكرات الشيخ الإمام البشير الابراهيمي، حتى أخبرني أحد الأستاذ من جينيف تربطه علاقة صداقة مع نجل الابراهيمي، أن المذكرات المعنية هي مذكرات الوزير طالب الإبراهيمي وليس الإمام  الإبراهيمي .. 

 

مسيرة حافلة بالبذل والعطاء في خدمة دينه ووطنه والإنسانية عموما

 

ونحن نودع اليوم واحدا من جيل المربين الرساليين المؤمنين بالرسالة التربوية والروحية و الوطنية، الذي فارق الحياة بعد مسيرة حافلة بالبذل والعطاء في خدمة دينه ووطنه وتراث جمعية العلماء المسلمين و صفحات مشرقة من تاريخ الجزائر عموما.. نشاطر في هذه الظروف الصعبة عائلة الابراهيمي عموما أحزانها في هذا الرزء الفادح، خاصة ابنه زميلنا بشير طالب الإبراهيمي الذي كان مقيما معنا في سويسرا و اشتغل في البنك الإسلامي بجنيف، وكان والده المرحوم طالب الابراهيمي ببساطته يحل ضيفا على مسجد جنيف ويصلي معنا في الأعياد و المناسبات وكثيرا ما كان يحدثنا عن أمجاد الإسلام والجزائر و جيل الثورة و ما يتطلب منا و من جيلنا عمله، إذ كانت تربطه علاقة متميزة مع  إمامنا الكبير الشيخ محمود بوزوزو(من تلاميذ الإمام ابن باديس و المرشد العام للكشافة الإسلامية في عهدها الأول ، من أربعينيات القرن الماضي)، وخطيب مسجد جنيف في العقود الأخيرة، رحمهما الله، وبقيت هذه العلاقة و الاهتمام بتاريخنا بيننا حتى بعد وفاة الإمام محمود بوزوزو (رحمهم الله جميعا).

يرحل الابراهيمي عنّا وفي قلبه حسرة وفي حلقه غصّة !!

وبرحل الابراهيمي عنّا و عن دنيانا الفانية، وفي قلبه حسرة وفي حلقه غصّة، بسبب إهدار طاقات وطنية كبيرة كانت قادرة على إخراج الجزائر من الحلقة السياسية المفرغة الضارة بالبلاد والعباد. ورغم ذلك فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، فقد تنجب “مذكراته” المفيدة  و أفكاره التجديدية جيلا يسعى لتجسيد الدولة الديمقراطية بمعاييرها النوفمبرية ، إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. وهل ستكتب لنا الأقدار أن يعيش بعض رموز جيل نوفمبر، انتصار منطق “سمعنا وأطعنا”، على منطق “سمعنا وعصينا” الذي كثيرا ما هدم دول و ذبح أجيال و شرد شعوبا، دون اكتراث، بقوله تعالى : ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾... ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾!!

 نم هـادئا فالشّعب بعـدك راشـد...يختط نهجك في الهـدى ويسير!!

بموت الابرهيمي تكون الجامعات و المراكز الديبلوماسية قد فقدت واحداً من أبرز أعمدتها التي جمعت بين والفكر والسياسة و الممارسة الميدانية، بل تكون المكتبات حقا قد فقدت رفوفا كبيرة من كتبها و مجلاتها، لكن عزاؤنا فيما قاله الشّاعر الجزائري الفحل محمد العيد آل خليفة الذي تربطه بالمرحوم ووالده علاقة استثنائية، والذي أنشد يقول يوم رحيل إمامنا، العلّامة عبد الحميد بن باديس، الرئيس الأول لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

نم هـادئا فالشّعب بعـدك راشــــد *** يختـط نهجـك في الهـدى ويسير

لا تخش ضيعة ما تركت لنا سـدى *** فالـوارثـون لمــا تركـــت كثير

 هنيئا لك أستاذنا ذخرك عند الله مما قدّمت يداك من باقيات صالحات، وعزاء لك فيمن كنت تعلّمهم و نكونهم وتواسيهم .. وإلى لقاء في جنّة عرضها السّماوات والأرض أُعدّت للمتقين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين ولا عدوان إلّا على الظّالمين، و"إنّا لله وإنّا إليه راجعون". 

 
 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services