580
0
نشاط جمعية العلماء المسلمين إبان الحركة الوطنية محور ملتقى بالعاصمة

أجمع المشاركون في الملتقى الوطني المنعقد، اليوم، بمقر المجلس الإسلامي الأعلى بالعاصمة ، على أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين شكلت منذ تأسيسها سنة 1931، ركيزة أساسية في مسيرة النضال الوطني ، حيث لعبت دورا رياديا في تعزيز الوعي، والمحافظة على مقومات الهوية الوطنية.
نسرين بوزيان
جاء ذلك خلال الملتقى الذي حمل عنوان "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين خلال الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1931–1962"، في سياق إحياء الذكرى الـ63 لعيدي الاستقلال والشباب، والذكرى المئوية لتأسيس جريدة " المنتقد"، وذلك بتنظيم من المكتب الولائي لشعبة الجزائر للجمعية، بالتنسيق مع المكتب الوطني، وتحت رعاية وزير المجاهدين وذوي الحقوق ، لعيد ربيقة.
في كلمته الافتتاحية، أكد رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد الحليم قابة، أن الجمعية ساهمت مساهمة فعّالة في تهيئة الأرضية الفكرية والاجتماعية والسياسية التي مهدت لثورة نوفمبر 1954.
وأوضح أن الجمعية لعبت دورا مركزيا في نشر الاسلام والتعليم باللغة العربية ، من خلال إنشائها المدارس الحرة في مختلف ولايات الوطن، لمقاومة سياسة التجهيل التي فرضها الاستعمار الفرنسي.
وأشار قابة إلى أن الجمعية، من خلال خطابها الديني ، عملت على تنشئة الأجيال على حب الوطن، وروح التضحية والفداء، وأسهمت في منح الشرعية الدينية للنضال المسلح، وذلك من خلال دعمها العلني لثورة التحرير المجيدة، مشددا على ضرورة الحفاظ على الذاكرة الوطنية وصونها من النسيان و التحريف.
المقاومة بالكلمة
بدوره، أبرز وزير الدولة وعميد جامع الجزائر، محمد المأمون القاسمي الحسني ، أن جريدة "المنتقد"، كانت أحد أهم أدوات المقاومة بالكلمة خلال ثورة التحرير، حيث لعبت دورا بارزا في فضح جرائم الاستعمار الفرنسي، وحشد الرأي العام لدعم ثورة التحرير.
ووصف القاسمي" المنتقد" بأنها رباط فكري ومواجهة شرسة بين الباطل والاستعمار، وبأنها شكلت صوت الأمة الجزائرية في وقت كانت تعاني فيه من مصادرة الكلمة وقمع الهوية.
وفي معرض حديثه عن العلامة عبد الحميد بن باديس، أكد القاسمي أن الشيخ كان يجمع بين العبادة والجهاد، وبين العقيدة والوطن، وسعى إلى رفع راية الإسلام والعربية والجزائر من خلال جهاد الكلمة، ونشر العلم، ومكافحة الجهل والفرنسة، كما شدد ذات المتحدث على أن الجمعية عملت منذ تأسيسها على نصرة القيم الوطنية، والحفاظ على وحدة الشعب الجزائري.
وفي ختام كلمته، دعا عميد جامع الجزائر إلى ضرورة مواصلة بناء العقل المرجعي ، من خلال إعادة الاعتبار للعلم والمعرفة، والابتعاد عن خطابات الهشاشة والسطحية، التي لا تخدم مسار بناء الدولة الوطنية.
جبهة نضالية شاملة
من جهته، تطرق مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954، حسين عبد الستار، إلى السياق الصعب الذي نشأت فيه الجمعية، موضحا أنها كانت تعمل في ظل استبداد استعماري شديد، ومراقبة أمنية مستمرة، ورغم ذلك استطاعت أن تفرض حضورها كقوة فكرية وإصلاحية وطنية.
وأشار إلى أن الجمعية جمعت عند تأسيسها 72 عضوًا من مختلف المشارب الفكرية والسياسية، وهو ما يدل على بعدها الوطني الجامع، وقدرتها على توحيد الصفوف حول القيم العليا للأمة، مؤكدا أن جمعية العلماء كانت جبهة نضالية شاملة، جمعت بين الإصلاح الديني والمقاومة السياسية والثقافية.
الوطن قبل كل شيء
من جانبه، أكد الداعية والمفكر محمد الهادي الحسني، الرئيس الشرفي لجمعية العلماء، أن شعار الجمعية "الحق فوق كل أحد، والوطن قبل كل شيء"، كان أول شعار وطني شامل في الجزائر قبل الاستقلال، مشيرًا إلى أن الجمعية لم تكن تنتمي إلى حزب معين، بل كانت اطارا جامعا لكل الجزائريين، هدفه تحرير البلاد وتوحيد الأمة.
وأضاف الحسني أن الإصلاح التربوي والعلمي الذي دعا إليه ابن باديس، أصبح لاحقا مرجعية فكرية لجبهة التحرير الوطني، رغم الفروقات الأسلوبية، بل وحتى التباين في الرؤية الأيديولوجية أحيانًا، معتبرًا أن تعليم ابن باديس، ووضوح عقيدته، كان لهما الأثر الكبير في مقاومة الاستعمار الفرنسي.
مدارس الجمعية أنجبت القادة والشهداء
كما نوّه عضو المنظمة الوطنية للمجاهدين، المجاهد بوعلام شريفي، بالدور المحوري الذي قامت به الجمعية في مواجهة الظواهر السلبية، وتعزيز الوعي ، معتبرا أن اعتدال الجمعية في خطابها كان سر قوتها واستمرارها.
وأشار إلى أن مدارس الجمعية التي تخرج منها نخبا من القادة والمجاهدين والشهداء، الذين كان لهم دور حاسم في استرجاع السيادة الوطنية وبناء الدولة بعد الاستقلال.
منظور استعماري حاقد
في تصريح ل "بركة نيوز" كشف عضو المكتب الوطني للجمعية، المكلف بالبحث العلمي وإحياء التراث، سمير زريزي، أن الجمعية تحتفظ اليوم بوثائق استخباراتية فرنسية نادرة، رصدت نشاطاتها منذ تأسيسها.
وأكد أن هذه الوثائق، رغم أنها كتبت من منظور استعماري حاقد، إلا أنها تمثل شهادات موضوعية دقيقة عن فعالية الجمعية ونفوذها في المجتمع، مشيرًا إلى أن الجمعية بصدد أرشفة هذه الوثائق، وترجمتها، وفهرستها بطريقة علمية، تمهيدًا لعرضها عبر منصة رقمية مفتوحة للباحثين والمؤرخين.