654
0
الصحفية نفيسة لحرش تروي لنا تجربتها الإعلامية التي قاربت نصف قرن
نفيسة لحرش صحفية و كاتبة جزائرية اتخذت من القلم متنفسا لها ومن الصحافة وسيلة لإبراز صوت المرأة وطرح انشغالاتها .تألقت بخطوات ثابتة مبرزة قدراتها و كفاءتها في زمن كانت المرأة الصحفية تعد على أصابع اليد ، أثبتت نفسها ووضعت لها مكانة تليق بها كامرأة و صحفية محترفة نافست بقلمها ابداعات الرجال، وعن تجربتها التي دامت أكثر من أربعين سنة، تحدثت لنا في هذا الحوار الذي جمعنا بها.
شيماء منصور بوناب
بزوغكم في عالم الكتابة والصحافة لطالما كان صوتا قويا يعبر بصدق عن طموحات المرأة، ما هو سر قوة شخصيتكم و ماهي أهم الظروف التي ساعدتكم على تكوينها؟
بالحديث عن ما أنا عليه اليوم من امرأة تحدت نفسها ومجتمعها لتصيغ عالم يليق بها و بالمرأة الجزائرية الطموحة و القادرة على ابراز ذاتها ،يجعلني أعود خطوات كبيرة للوراء إلى خلفية نشأتي وتربيتي، فأنا ابنة مناضل من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الذي لطالما كان مؤمنا بأهمية تعليم الفتاة حالها كحال الرجل رغم لوم أصدقائه على ذلك .
فتمسك والدي بمبدئه في تنمية قدرات المرأة و تعليمها ،عزز قراراتي وأكسبني قناعة جديدة آمنت بها وعملت عليها من خلال تطوير ذاتي و صقل معتقداتي بما يخلق لي الإضافة في كل مرة، خاصة حين يتعلق الأمر بفكر تطوير المرأة الذي عانى في فترة مضت من التهميش و الاضطهاد، وهو ما عانيت منه شخصيا من قبل أسرتي و محيطي العام .و من هنا يمكن القول أن هذه المؤثرات الخارجية بنت شخصيتي و أكسبتها رؤية جديدة في الدفاع عن حق المرأة و أحلامها من خلال الكتابة و الصحافة التي كانت متنفسي و وسيلتي في إبداء رأيي و ايصال رسالة المرأة وصوتها.
أما عن مسيرتي فإنها نتاج خبرة دامت قرابة الأربعين سنة لا يمكن اختصارها في خمسة دقائق لما تحمله من أحداث ومواقف مهمة أثرت في شخصيتي وحياتي ، ولكن بالعودة لأول محطة بدأت بها مسيرتي تعود بي الذاكرة لأيامي كطالبة حين كتبت أول مقال لي سنة 1974في المجلة الجزائرية التي أشعلت فضول الكثير من الصحفيين لما تحمله خفايا تلك الكلمات من أبعاد أحدثت ضجة واسعة بين الجرائد الوطنية التي كانت أنذاك حوالى أربعة جرائد فقط ، وهنا كانت البداية التي حولتني من باحثة في التاريخ في معهد البحث العلمي للثورة الجزائرية إلى مهتمة بالصحافة أرتشف من الكتابة قوة الدفاع بالقلم وحب الابداع بالكلمات.
و من هذا المنطلق بدأت الكتابة عن المرأة في الجهاد و الثورة و أنا في المتحف الوطني للمجاهد الذي كان فرصتي لانتقاء أدق المعلومات التي تخدم مقالاتي وتعطيها قوة و صلابة تعكس دور المرأة قبيل الثورة و ما بعدها في مسيرة خلدتها الأقلام و رسختها الذكريات، وبعد سنتين بالضبط من البحث العلمي انتقلت لعالم الصحافة الذي وجدت نفسي فيه و كونت به ذاتي إلى غاية اليوم ، رغم تقاعدي و انشغالي الذي لم يقف هاجسا بيني و بين الحس الإعلامي .
ولوج المرأة لعالم الصحافة لم يكن بالأمر الهين في فترة ما بعد الاستقلال ، ما هي التحديات التي واجهت المرأة الصحفية بالأمس و تواجهها اليوم؟
الصحافة عالم قناعات و رسالات حقيقية تحمل طابع الخدمة الاجتماعية لنصرة القضايا المجتمعية وايصال صوت الشعب الذي يعد من أولويات الصحفي دون الاهتمام بأي تفاصيل الترسيم و المناصب، وهو ما تعكسه تجربتي في العمل في ميدان الصحافة لمدة خمسة سنوات كاملة دون بطاقة صحفي أو أي ترسيم رغم خبرتي في عدة جرائد يومية و المجلة الجزائرية التي صقلت موهبتي باعتبارها مجلة نسائية للكاتبة و المناضلة زهور ونيسي.
وبذلك يمكنني القول أن مجال الصحافة ليس مجالا سهلا خاصة في فترة بدايتي حين كان على المرأة بذل أكثر من مجهود مقارنة بما هو عليه اليوم ، اذ أصبحت الصحافة مجرد أداء مهمة لا غير غابت فيها الممارسة التنافسية و حب المهنة نظرا لتغير الأولويات و القناعات التي اقتصرت على الجانب المادي فقط دون احتساب الغاية و الهدف من الصحافة .
هذه النظرة الضيقة للصحافة لم تكن في وقتي حين بدأت ممارسة الصحافة مع قلة القلة من النساء، فأذكر أنني غالبا ما كنت في المؤتمرات و الندوات التي تعج بالرجال على حساب النساء اللواتي يعدن على أصابع اليد الواحد كأنهن ضيفات لا غير وهو ما قد أحتسبه نسبيا ب 0،06بالمئة من النساء في عالم الصحافة الجزائرية .
هذا الموقف فرض علينا كنساء و صحفيات شد الحزم للتنافس مع الرجال بالإبداع و الكلمات الموضوعية التي دفعتني لفرض رأيي و اقناع غيري بمنطقي و توجهي خاصة وأنني لم أتخرج من معهد الصحافة مثل باقي زملائي ، ولعل هذا العامل كان جوهر شغفي و مثابرتي للوصول للأفضل و التميز في مجالي من خلال الاطلاع على ما كتبه الصحفيون و المحررون و الاستفادة منهم لتحسين أدائي أكثر.
و بذلك فإن العمل الإعلامي ليس فكر صحفي فقط انما هو لغة و ابداع يؤثر في القارئ عبر انتقاء الكلمات و الأسلوب و الرسالة الهادفة التي مع الأسف أصبحت اليوم مجرد وسيلة لإحداث ضجة إعلامية تثير الرأي العام بأي منحنى بعيدا عن ركيزة الصحافة في التقصي و الحصول على المعلومة التي تغني القارئ بمفهوم جيد مفيد من الواقع الحي .
وبالنسبة لولوج النساء لعالم الصحافة اليوم مرتكز على امتلاك شهادة جامعية دون تكوين حقيقي وهو ربما نتاج المنهج الاكاديمي للجامعات الجزائرية التي لم تغير من أسلوبها و لم تواكب المستجدات رغم التطور المعلوماتي و الالكتروني الذي دفع بالتكوين نحو الارتقاء الإعلامي بمضمون واعي و هادف.
الكتابة و الصحافة عالم وقوده الموهبة و محركه التكوين ، وما هو سر تألق الصحفيين الجزائريين في القنوات العربية؟
نجاح الصحفيين الجزائريين في البلدان العربية لا ينفى نجاحهم في الجزائر باعتبارها القاعدة الأساسية في التكوين والتوجيه الإعلامي الذي مكنهم من النجاح في قنوات عربية لها اسم ثقيل في عالم الصحافة والاعلام "كالعربية و الجزيرة "التي تملك توجه اعلامي و اشهاري لا يقارن بالقنوات الجزائرية حديثة النشأة خاصة .ثم أن مع الأسف القنوات الجزائرية لا تدفع بالإبداع نضرا لمقومات الإدارة الجزائرية التي لازالت معتمدة على البيروقراطية التي تتحكم في المسؤولية الإعلامية و تسيطر على أراء الصحفيين دون فتح المجال للتميز أو الخروج عن المعتاد.
هذا الاشكال خلق معضلة الهجرة للبلدان العربية للتميز فيها على حساب الوطن الأم في عدة مجالات سواء في الكتابة والبحث العلمي و التكنولوجيا .... وقد يعود هذا الأمر للمحيط الذي توفره البلدان الأخرى في احتواء الإبداع و تطوير القدرات .
نشهد اليوم الكثير من المؤسسات الإعلامية وعدد كبير من الصحفيين دون وجود أعمال مميزة خاصة بعد أن تغلب العمل الإداري على العمل الميداني في ضل ترأس بعض دخلاء الاعلام للقنوات و الجرائد ؟
التفصيل في هذه النقطة معضلة بحد ذاتها لما تملكه من توجهات متشعبة الآراء لأن القضية ليست قضية تخصص، فمن منطلقي أنا تحديدا لم أكن متخصصة في الاعلام كما أن أكبر الصحفيين في العالم لم يتخرجوا من معاهد الإعلام ، اذا فليس بالضرورة أن يكون التخصص هو المقياس، إنما المقياس يكمن في عملية التسيير بحد ذاتها لأن الصحفي فور تقلده منصب المسؤول يصبح بيروقراطيا رغم تخرجه من معهد الاعلام و ممارسته للصحافة ، لأنه في التسيير يخاف على منصبه أكثر مما يعمل على دفع الإبداع .
هذه الإشكالية بالذات دفعتني للخروج من العمل الإعلامي المؤسسي إلى الإعلام الخاص وهو حال العديد من الصحفيين الذين أسسوا لأنفسهم جرائد خاصة مثل الشروق و الخبر التي تنشر حتى في الدول الأخرى، وعليه فالمشكلة ليست في الأفراد بقدر ما هي في المحيط الذي يتأسس ويدفع الصحفي نحو المسؤولية التي تغير توجهه نحو الانشغال بالمناصب على حساب المهنة .
وفي النقطة أشدد على ضرورة التخلص من البيروقراطية في مختلف الإدارات الجزائرية، لدفع المشاريع الجديدة بما يساهم في تنمية القدرات الشابة الجزائرية للارتقاء بالإعلام والصحافة القادرة على مجابهة كل التغيرات و الظروف التي تفرض علينا كأفراد و مؤسسات مواكبة العصرنة و ديناميكية التجديد التي تدفع بروح التشاركية لبناء الجزائر الجديدة.
توسع آفاق الصحافة فتح المجال لظهور الإعلام الإلكتروني كبديل للصحافة الورقية بعد أن فرض نفسه في الساحة الإعلامية بشكل واسع ، رؤيتكم لذلك؟
جاء الإعلام الالكتروني لسد الفراغ الذي تركه الإعلام المؤسسي ، قصد التعبير عن متطلبات المجتمع بكل أريحية و حرية ، وهو ما يشمل الإعلام الجمعوي الذي يعتمد بدوره على الإعلام الإلكتروني بدل المؤسسي ،نظرا لما يقدمه من خدمة للمجتمع في نشاطاته و اسهاماته التي دفع بها الانفتاح التكنولوجي العالمي نحو الشمولية و الآنية التي ساهمت في انتشار هذا الإعلام بشكل واسع الأفق حتى في الجمعيات .
ومن بين هذه الجمعيات أذكر ما نقوم به في جمعية المرأة في الاتصال في مجال الإعلام الإلكتروني الذي دفعنا في سنة 2010 لإنشاء إذاعة الكترونية انطلاقا من قناعتنا بأن الإعلام الإلكتروني سيحل محل الإعلام المؤسسي الذي لم يتغير لحد اليوم نتيجة ما يقدمه الإعلام الإلكتروني من أفكار جديدة تبني الأسس الصحيحة للمجتمع و توجهه حسب مستجدات العصر.
ومع ذلك لابد من الإشارة الى أن هذا الإعلام الإلكتروني رغم مميزاته الا انه لا يتلق أي دعم او انتباه واهتمام من الجهات المعنية التي عليها صياغة قانون ينصفه و ينصف المنتسبين اليه في اطار يجعل منه اعلام احترافي يستغل لتطوير المجتمع و تغييره.
وبالتالي انوه بأن التحفظ الإلكتروني وغياب الاهتمام به جعل من الأيادي الخارجية تستغل ما نقدمه و تستفيد منه على حسابنا، لذا لا بد من تخصيص نخبة من المختصين لدراسة هذا الاعلام الالكتروني بما يعزز مميزاته و يرتقي به من خلال تقديم الاشهارو اخضاعه للرقابة التي تمنع تطاول الدخلاء عليه.
نعرف اليوم اختلالا في سلم القيم و تغيرات كبيرة عرفها المجتمع الجزائري ، ماهي أهم الثوابت التي على المرأة التمسك بها للمحافظة على الأسرة ؟ وما هي رسالتك للشباب الهاوي للكتابة؟
بالنسبة للمرأة فقد انطلقنا في جمعيتنا النسائية من محور الدفاع عن قضيتها عبر المساواة في الحقوق لمحاربة العنف و التهميش الذي يسعى لإلغاء واقع المرأة الذي يفرض بالدرجة الأولى تغيير الذهنيات بشكل يستدعي تغيير القوانين أيضا بما يسمح للمرأة أن تبرز ذاتها و قدراتها التي تنافس بها الرجل انطلاقا من مقدراتها ومهاراتها التي كشفت عنها سابقا في محاربتها و نضالها الثوري جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل و لا يشمل ذلك السياسة فقط انما يتسع في كل مجالات الحياة.
من جهة أخرى أؤكد على التأطير و التكوين مرة أخرى للشباب الهاوي للكتابة و الابداع بالقلم حتى يجسد غاياته في الواقع من منطلق حقيقي يرسم به سياسة جديدة تغير المجتمع و تحسنه وفق ابداعاته و أفكاره الحية المستنبطة من قراراته في التجديد و التطوير .