274
0
ميناء أشدود يتحول إلى نقطة احتجاز: نشطاء القافلة البحرية في قبضة الاحتلال ومصيرهم معلق بشروط غامضة

بقلم: بن معمر الحاج عيسى
بتوقيت متأخر من مساء هذا اليوم، وتحديدًا عند الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت القدس، ورد إلى مركز "عدالة" الحقوقي تأكيد رسمي بأن جميع النشطاء الذين شاركوا في القافلة البحرية باتوا محتجزين في ميناء أشدود الإسرائيلي، حيث يخضعون لما وصفته السلطات بـ"إجراءات المعالجة" قبل أن يتم نقلهم المحتمل إلى سلطات الهجرة الإسرائيلية. وبينما تسود أجواء الترقب والقلق على مصير هؤلاء النشطاء، ما يزال الغموض يكتنف تفاصيل المعاملة التي سيتلقونها خلال الساعات القادمة، وما إذا كانوا سيُمنحون خيار المغادرة الطوعية أو سيواجهون الاحتجاز القسري.
الوقائع المتلاحقة تكشف عن استخدام دولة الاحتلال لأدوات الضغط القانوني والنفسي معًا، حيث أبلغت السلطات الإسرائيلية النشطاء المحتجزين عبر الوسطاء أنه في حال رفضهم مغادرة البلاد بشكل فوري، فسيتم نقلهم إلى مركز الاحتجاز في الرملة، المعروف بظروفه القاسية والمراقبة الشديدة. هذا التهديد الصريح بالترحيل القسري أو الاحتجاز المطوّل يضع النشطاء أمام معضلة أخلاقية وقانونية: إما القبول بالمغادرة دون ضمانات أو الخضوع لاعتقال لا يُعرف مداه أو ظروفه.
وبحسب المعطيات التي حصل عليها مركز "عدالة"، فإن السلطات الإسرائيلية ألمحت إلى أن من يوافق على مغادرة البلاد قد يُسمح له بالسفر الليلة عبر مطار تل أبيب. إلا أن ما يُثير القلق هو أن هذا العرض المشروط قد يتضمن إكراه النشطاء على التوقيع على مستندات قانونية لم يُكشف عن فحواها بعد، وربما تتضمن تنازلاً عن حقوقهم أو التزامًا بعدم العودة أو التصريح بأي شهادات حول ما تعرضوا له من معاملة أثناء اعتراضهم في البحر أو خلال فترة الاحتجاز.
مركز "عدالة"، وفي موقف قانوني وإنساني واضح، يطالب السلطات الإسرائيلية بالسماح له بالتواصل المباشر والفوري مع النشطاء، والاستماع إلى شهاداتهم قبل تنفيذ أي عملية نقل أو ترحيل. هذا المطلب لا يستند فقط إلى المعايير الدولية التي تضمن حق المحتجز في الاستشارة القانونية، بل ينبع أيضًا من الواقع المتكرر لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها سلطات الاحتلال في مثل هذه الحالات، حيث يُستغل غياب الشفافية لفرض إرادات غير قانونية.
القضية في جوهرها تتعدى كونها مجرد إجراء احتجاز مؤقت لنشطاء أجانب، بل تمثل نموذجًا مصغرًا لتعامل إسرائيل مع كل أشكال التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية. فقد شهدت السنوات الماضية تكرارًا لمحاولات كسر الحصار البحري عن قطاع غزة من خلال قوافل بحرية رمزية تحمل معها رسائل سياسية وإنسانية، وكان الرد الإسرائيلي في كل مرة يتمثل في اعتراض هذه القوافل بالقوة، واحتجاز النشطاء، ثم ترحيلهم في صمت دون السماح بكشف حقيقة ما جرى في المياه الدولية.
التساؤل الأبرز الآن: هل سيسمح المجتمع الدولي، كما في مرات سابقة، بمرور هذه الحادثة دون تحقيق أو مساءلة؟ وهل سيتم التعامل مع النشطاء كأشخاص انتهكوا قانونًا إسرائيليًا – رغم أنهم لم يدخلوا المياه الإقليمية بموجب اعترافات سابقة – أم كضحايا لانتهاك جديد للقانون الدولي الإنساني وحرية الملاحة؟
القلق لا يقتصر فقط على مصير النشطاء، بل على الرسالة التي تسعى إسرائيل لإيصالها: كل من يحاول تحدي الحصار، ولو رمزيًا، سيُواجه القمع والترحيل والتعتيم. وفي ظل ذلك، تصبح المطالبة بالسماح لمركز عدالة بلقاء النشطاء خطوة أساسية في فضح هذه السياسة وإخضاعها للفحص الحقوقي، لا سيما إن تبين أن عملية النقل أو الترحيل جرت دون ضمانات قانونية كافية.
الليلة، وبين جدران ميناء أشدود، لا يُحتجز فقط عدد من النشطاء المتضامنين مع غزة، بل يُحتجز أيضًا حقهم في التعبير، وحقهم في الحماية القانونية، والأهم من ذلك، يُحتجز ضمير العالم الحر الذي ما زال يتأخر في مساءلة الاحتلال عن جرائمه بحق الإنسانية والعدالة.
وفي انتظار ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يتحول هذا الاحتجاز إلى فضيحة جديدة في سجل إسرائيل، أم يتم دفنه كما دفنت شهادات كثيرة في دهاليز الترحيل القسري؟