340086

0

مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 131

بقلم اسماعين تماووست
عندما يتم تجاوز الخط الأحمر، لا يوجد هناك مجال للتردد، بل يصبح اتخاذ التدابير الحازمة ضرورة لا تقبل التأجيل،  لقد وصلنا إلى مرحلة كان فيها الوطن بأسره في كفة، وأمنه وسلامته في الكفة الأخرى، كان علينا أن نتصرف، ليس بدافع الخوف، بل بدافع التزامنا بقيمنا، وإيماننا بقدسية هذا التراب الذي ارتوى بدماء الشهداء، الذين تركوا لنا إرثًا من الصمود والعزة.

في زمن كهذا، يكون الأمن أكثر من مجرد ضرورة، مسؤوليةً، ووعدًا للذين سبقونا،  كل مؤامرة تهدد استقرار وطننا هي طعنة في عمق ضمائرنا، ولذا كان علينا أن نكون حذرين، حريصين، وأن نتصدى بقلب لا يعرف الخوف، لأننا ندرك أن الخيانة للوطن هي كسر للعهود المقدسة،  كما جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ… ﴾، آية تذكرنا بضرورة الإعداد واليقظة لحماية الأرض، ليس من أجل مصلحة شخصية، بل من أجل قيمة أكبر، من أجل الحفاظ على إرثنا وأرضنا .

إن الوقوف في وجه الإرهاب ليس مجرد معركة مادية، بل هو تجسيد لمعركة إنسانية داخل النفس، معركة يلتقي فيها الشرف بالولاء، ويصمد فيها الإيمان أمام أقسى التحديات، قليلا هم الذين يملكون الشجاعة للوقوف في وجه الظلم دون انتظار مقابل، الذين يتخذون من التضحية هدفًا ساميًا، يدعون إلى روح الصمود والبذل.

إن الدفاع عن الوطن واجب أخلاقي  يتجاوز حدود الواجب العسكري، ليصبح رابطًا روحيًا ووجوديًا بين الفرد وأرضه، بين الحاضر والماضي، بين الحياة والموت.

إن الذين يتقدمون صفوف الدفاع عن وطنهم بقلوب نقية وأرواح مستعدة للتضحية هم تجسيد لأسمى معاني الإيمان والاستقامة.

كنتُ هناك، وسط هذا الظلام، أتلمس خيوط الحقيقة بين أنقاض الذاكرة، أتذكر أولئك الذين اختاروا الهروب بدلاً من أن يقفوا في وجه الرياح العاتية، أولئك الذين رفضوا القتال، واختاروا أن يتواطؤوا مع العدو، فأصبحوا شركاء في الخيانة.

رغم مرور الزمن، لا يزالون هناك، في أركان الذاكرة التي لا تنسى، هل يعرفون أن التاريخ لن يرحمهم؟ هل يدركون أن خيانتهم ستظل أبدًا محفورة  على صفحات الماضي؟.

في هذه اللحظات، ونحن نتحدث عن الماضي، أستذكر هؤلاء الضحايا الذين تأثروا جسديًا ومعنويًا من تلك الأيام السوداء لن يستطيعوا الهروب من آلامهم، حتى وإن طال بهم الزمان،  الألم الذي عايشوه سيظل محفورًا،  في نفوسهم. فكيف يمكن لأي شخص أن يخفف عنهم؟ كيف يمكن للزمن أن يشفى جراحهم؟ لا أحد  يمكنه أن يواسي من فقد ابنه، أو من فقد أحلامه التي دُفنت قبل أن ترى النور.

والأسوأ من ذلك، أولئك الذين كانوا شهودًا على هذه المأساة، على هذا الظلم المستمر، كيف لي أن أصف ما رأيته؟ كيف يمكن للكلمات أن تعبر عن الألم الذي رأيته في عيون من كانوا يقاتلون من أجل العدالة ؟ كيف أصف شعور أولئك الذين ضحوا بأرواحهم، بينما آخرون يبتسمون خلف قناع الخيانة؟ فكل مرة كنت أرى الدماء، كنت أسمع صوت الشهداء  يهمس في قلبي، وكان ذاك الصوت يخاطبني بلغة لا يفهمها إلا من عاش تلك اللحظات.

هؤلاء الذين فقدوا أعزائهم، هؤلاء الذين كانوا ضحايا الإرهاب، لا يستطيع الزمن أن يمحو معاناتهم، تبقى صرخاتهم مدوية في أعماق الذاكرة، لا توجد كلمات كافية لتخفيف معاناتهم، ولا أن تعيد لهم ما فقدوه.

أما بالنسبة لأولئك الذين خذلوا قضيتهم، فليعلموا أن التاريخ لا ينسى، في النهاية  لن تكون كلماتهم ولا أعذارهم كافية لتغطية عار الخيانة، التاريخ وحده هو القاضي، وسيظل يذكرهم بما فعلوه.

نعم، قد يحاول البعض أن ينسوا، أو أن يتجاهلوا تلك الحقائق المؤلمة، لكنهم لن يستطيعوا الهروب من أنفسهم. لن يستطيعوا الهروب من الحقيقة التي ستكون في انتظارهم، كما قال فيكتور هوغو: "العدالة هي الحقيقة التي تخرج في النهاية."

لقد تجسدت الفظاعة في المكان الذي أصبح فيه الشر قانونًا، حيث تجاوزت الأفعال غير المدروسة جميع الحدود، وزرع المجرمون الفتنة والدمار،  كان من بينهم من ادعوا العلم و حملوا في أيديهم تفسيرًا مشوهًا لآيات القرآن الكريم، وذلك بهدف إشعال نار الفتنة وضرب استقرار البلاد وإغرقتها في دوامة من التدمير،  أولئك المضللون، في غفلتهم، لم يدركوا أن أفعالهم كادت تدفع بالوطن إلى الهاوية .

اليوم، لا تزال أرواحهم محاصرة بآثامهم، وهذا هو حصادهم، لا سلام ولا خلاص لهم، ظنوا أنهم سيفلتون من العدالة الإلهية، لكن الزمن كان لهم بالمرصاد،  أثبت لهم أن ما زرعوه في الأرض لن يثمر إلا جذورًا مريرة.

وما يحزنني أكثر، كرجل شريف قضى سنوات شبابه في محاربة  الإرهاب و كراوي لتفاصيل تلك القصة ، هو أن هذا التطرف الذي يدعي البعض أنه يحمي الدين هو في الحقيقة ضد مبادئ الإسلام نفسها، هؤلاء الذين رفضوا التقدم العلمي والتطورو تمسكوا بشكل أعمى بالماضي، ظنوا أن كل جديد لا يتماشى مع ديننا،  لكن في الواقع، هذا الرفض يتعارض مع جوهر الإسلام، الذي ظل دائمًا يحث على العلم والتقدم طالما كان يخدم المجتمع ويحقق رفاهيته.

الإسلام، كما أراه، ليس دينًا جامدًا، بل هو دين حياة وازدهار، لذلك لا يمكن أن يكون التطرف، بكل أشكاله، جزءًا من الإسلام، وفي القرآن الكريم، لا نجد دعوة للانغلاق أو رفض العلم، بل نجد أن التقدم الذي يعود بالنفع على الإنسانية هو في جوهر تعليمات الدين، هؤلاء المتطرفون، رغم ادعاءاتهم، لا يسعون إلا لتدمير المجتمع، في حين أن الإسلام يدعو إلى العيش المشترك والاحترام المتبادل.

لقد فهموا الدين على غير مراده ، وتحولوا إلى أدوات في يد العنف والإرهاب،  في النهاية، سيكتشفون أن كل ما ألحقوه من أذى بالبشرية سيرتد إليهم، ولن يجدوا السلام الذي يتخيلونه، كما يقول أحد الحكماء: "من لا يتحمل نتائج أفعاله، لا يعرف الطريق إلى السلام".

وإلى كل الذين يتاجرون بالدين لأغراض شخصية أو سياسية، أقول إنهم في النهاية سيكتشفون أن مافعلوه  لن يكون إلا شقاءً لهم، ولن يكون لهم من السلام نصيب، لأن الإسلام، في جوهره، هو دين تسامح، ولا يمكن لأي فكرة متطرفة أن تكون جزءًا منه.

في النهاية، أؤمن أن هذا الصراع هو معركة ضد كل فكر متطرف، وأن الطريق إلى السلام لا يكون إلا من خلال العقل والحكمة.


يتبع...

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services