318845
1
مذكرات شاهد على سنوات الجمر الحلقة 121

بقلم اسماعين تماووست
كان هؤلاء الأعداء يقتلون بلا رحمة، دون أي سبب واضح، كأنما قد جُبلوا على العنف، كالغزاة في عصور الظلام، يتسللون بين الأزقة ويضربون دون هوادة، يسعون لتدمير مجتمعنا وأفكارنا، ولم يكن لهم هدف سوى إشاعة الفوضى وتحطيم الروح المعنوية للناس.
رأيت بنفسي كيف أن كل عملية قتل أو تخريب كانت رسالة موجهة لنا، رسالة تعني أنهم لن يتراجعوا حتى يحققوا مرادهم أو يهلكوا بأنفسهم.
كنت أراقب الوضع عن كثب، أدرس كل حركة وكل تفصيل، لكن حين أرفع تقاريري، كان بعضها يُقابل بالتجاهل أو التردد من قبل بعض المسؤولين الذين افتقروا إلى القدرة على استيعاب خطورة اللحظة.
كانوا يعتقدون أن الأمور قد تكون أبسط مما تبدو، أو أن الحلول التقليدية ستكون كافية. لكنني كنت أعلم أن التأخر في اتخاذ القرارات ليس مجرد ضعف إداري، بل هو سلاح يستخدمه الأعداء لصالحهم، لقد رأيت كيف أن تراخي المسؤولين وعدم قدرتهم على فهم التفاصيل الدقيقة للأحداث كان سببًا مباشرًا في تفاقم الوضع، وهو ما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة لم تكن في الحسبان.
كل لحظة تأخرنا فيها، كان الأعداء يستغلونها لتعزيز مواقعهم وبث الفوضى، كنت أقول لهم مرارًا وتكرارًا: "الأمور تتطلب رد فعل سريع وحازم.
كل دقيقة تأخير تعني مزيدًا من الدماء المهدورة." ومع ذلك، كانت القرارات تُؤجل، والاجتماعات تُعقد دون نتيجة، وكأنهم لم يدركوا أن الوقت كان عدونا الحقيقي.
الإهمال في اتخاذ التدابير الحاسمة كان بمثابة حاجز لا يمكن تخطيه.
كان مثل حبل يخنق كل الجهود ويجعلها بلا جدوى. لقد دفعهم هذا الإهمال إلى ارتكاب أخطاء فادحة، كانت تكلفتنا باهظة، ليس فقط من حيث الخسائر المادية، بل من حيث ثقة الناس فينا، نحن من كان يفترض أن نحميهم. وبما أن الوقت كان عاملًا حاسمًا، كان من الضروري أن نكون قادرين على التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل، أن نستشعر الأخطار التي قد تنفجر في أي لحظة، وكأنها قنبلة موقوتة تتربص في الظلام.
إن دور الأجهزة الأمنية، وخاصةً جهاز الاستخبارات الذي كنت أعمل فيه، لا يتوقف عند جمع المعلومات فقط، بل يتعدى ذلك إلى استباق الأحداث وإخماد الحرائق قبل أن تشتعل. كان هذا ما كرست له حياتي، أن أكون في الصفوف الأولى، أن أتحرى وأحلل وأتخذ القرارات الصعبة، لقد كنت أدرك أن العمل الميداني والاستخباراتي يتطلبان سرعة في الفعل وإحساسًا دائمًا بالمسؤولية.
"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" (الأنفال: ٦). كانت هذه الآية تتردد في ذهني كلما واجهنا خطرًا جديدًا، تذكرني بأن القوة ليست فقط في العدد أو العتاد، بل في اليقظة الدائمة والقدرة على التحرك قبل فوات الأوان.
كان علينا أن نعيد تقييم استراتيجياتنا باستمرار، وأن نكون مستعدين لكل ما هو غير متوقع، لأن التردد هو الحليف الخفي للأعداء.
بينما أسترجع ذكرياتي، أجد نفسي عائدًا إلى زمن نشأتي في بيئة محافظة ومتدينة، حيث كانت القيم والأخلاق تُعتبر أسس الحياة، نشأت في منزل يملؤه الاحترام والتقوى، وكان الدين جزءًا لا يتجزأ من هويتي، لكن على الرغم من تلك التربية، أدركت منذ الصغر أن مسار الحياة ليس سهلًا، وأن الظلام يمكن أن يتسرب إلى أي مكان، حتى في أقدس البقاع.
في خضم تلك البيئة، بدأت أرى العالم من حولي بشكل مختلف. لم يكن كل ما يتم تقديمه لي من قيم دينية هو الحقيقة المطلقة. كنت أواجه الحقيقة المؤلمة: أن هناك أناسًا يتخذون من الدين ستارًا لممارساتهم الشريرة. أدركت أن ما أواجهه في حياتي المهنية هو ليس مجرد صراع، بل هو صراع ضد أعداء الإنسانية، أولئك الذين لا يعرفون الرحمة ولا يخافون من العقاب.
كنت أقف في وجههم، متحديًا كل ما يعترض طريقي. "لا يمكنني أن أكون مدافعًا عن أي عقيدة تتستر خلف أفعال الشر،" كنت أقول لنفسي. "أنا هنا لأحارب هؤلاء الذين يسعون لتدمير كل ما هو جميل في العالم، بغض النظر عن معتقداتهم."
كلما دخلت أزقة المدينة المظلمة، كنت أشعر بثقل المسؤولية. كانت مهمتي أكبر من مجرد محاربة الجريمة؛ بل استعادة الأمل للأبرياء الذين عانوا من جبروت هؤلاء المجرمين. أستحضر القوة التي غُرست في داخلي منذ طفولتي، تلك القوة التي علمتني أن الحق لا يتجزأ، وأن إنسانيتي هي ما تجعلني أواصل المعركة.
وفي كل مواجهة، كنت أتعلم شيئًا جديدًا عن معنى العدالة والحق. لم أكن أقتصر على كوني رجلًا عاديًا في بيئة دينية، بل أصبحت محاربًا من أجل الإنسانية. لم أسمح لنفسي بأن يُسجل اسمي في كتب التاريخ كأحد الذين سقطوا في الفخ، بل كمن واجه الظلام بشجاعة، مُصرًا على أن تظل القيم الحقيقية التي تربيت عليها مشتعلة في قلوب الأجيال القادمة.
إنني أُدرك أن المعركة مستمرة، لكنني أؤمن أن النور سينتصر في النهاية، وأن كل جهد نبيل سيظل محفورًا في ذاكرة الإنسانية.
عشت في صميم معركة مريرة ضد قوى الظلام، معركة لا تقتصر على الأجساد، بل تتجاوز ذلك إلى الأرواح، أدركت أن نجاحي لم يكن مجرد نتاج جهودي الفردية، بل كان انعكاسًا لتعاون مستمر مع الرجال الشجعان من الأسلاك الأمنية والمدنيين، "لو لم يتكاتف الجميع، لو لم يتجاوز الشرفاء والرجال الشجعان خلافاتهم، لكانت الأمور اليوم تحت سيطرة الفوضى."
كانت التقارير تتوالى، والمعلومات تتدفق، لتشكل شبكة متراصة من الأبطال الذين لم يخافوا من مواجهة المجرمين، بينما كنت أقود الفرق في العمليات، شعرت بوزن المسؤولية على عاتقي، وأن كل قرار أتخذه قد يغير مصير العديدين. كنت أمثل الصوت الذي ينادي في الظلام، "لن نسمح لهذه الجرائم بأن تدمر قلوبنا، لن نترك المجرمين يفلتون من العقاب."
استجمع المدنيون شجاعتهم وقدموا المعلومات التي كانت أساسية في تفكيك شبكات الإرهاب. لقد كان الموقف أشبه بلعبة شطرنج مع الموت، حيث كان كل تحرك محسوبًا بدقة، وكل ضربة تُنفذ بحسابات دقيقة. كنت أدرك تمامًا أن الإرهابيين ليسوا مجرد مجرمين، بل هم كائنات تتغذى على الخوف والفوضى.
"إذا لم نحاربهم معًا، سنصبح نحن ضحاياهم"، كنت أتحدث بفخر وأنا أنظر إلى زملائي. ومع كل عملية، كانت تنكشف الحقيقة، ويستعاد الأمل في قلوب الأبرياء الذين عانوا من جبروت هؤلاء. لم يكن الأمر سهلاً، وكان الطريق مليئًا بالتحديات، لكن كل انتصار كان يُثبت أن العمل الجماعي يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا.
في مواجهة الغضب والجبروت، كنت أعزز عزيمة زملائي، وأدفعهم للمضي قدمًا رغم كل التحديات. "لن نتوقف، حتى نحقق الأمن للجميع، حتى يعرف كل مواطن أنه يمكنه السير بدون خوف." كما قيل"الوحدة قوة، والفردية ضعف"، وهكذا، أثبتت أن العدالة ليست مجرد كلمة، بل هي فعل مستمر، يحتاج إلى كل شخص في المجتمع.
كانت هذه المعركة، على الرغم من صعوبتها، هي ما أظهر القيم الحقيقية للإنسانية، وعلمتنا كيف يمكن للإرادة المشتركة أن تُحدث تحولًا حقيقيًا.
في نهاية المطاف، تعلمت أن الأبطال الحقيقيين هم أولئك الذين يقفون معًا، الذين يرفضون الاستسلام، والذين يحاربون من أجل الأمل حتى في أحلك الأوقات.
يتبع...