بقلم الحاج بن معمر
في عالم تتشابك فيه المصالح السياسية مع الحقوق الإنسانية، تظل القضية الفلسطينية قضية مركزية في الضمير العربي والإسلامي، ومع تصاعد التحديات الإقليمية والدولية، برزت أطروحة مثيرة للجدل أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته، والتي اقترح فيها إمكانية تهجير الفلسطينيين من الأراضي المحتلة إلى دول مجاورة، بما في ذلك مصر.
هذه الفكرة، التي تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقيم الإنسانية، لا تُهدد مستقبل الفلسطينيين فحسب، بل تُشكل خطرًا جيوسياسيًا على استقرار الشرق الأوسط برمته، وتُعيد إحياء مخاوف مرتبطة بمشاريع إعادة تشكيل المنطقة تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تروج له بعض الأجندات الخارجية لفرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ توليه الرئاسة، أكد على التزام مصر الثابت بدعم القضية الفلسطينية ورفض أي محاولات لتصفيتها.
في خطاباته المتكررة، أشار السيسي إلى أن مصر لن تسمح أبدًا بأن تكون جزءًا من أي مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين، معتبرًا ذلك انتهاكًا للقيم الإنسانية والأخلاقية التي تؤمن بها الدولة المصرية، في عام 2018، وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب، أكد السيسي أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما أشار إلى أن أي حل للصراع يجب أن يراعي حقوق الشعب الفلسطيني ويحقق تطلعاته في الحرية والاستقلال.
الرئيس السيسي أيضًا شدد على أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودعم جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، معتبرًا ذلك خطوة أساسية نحو تحقيق السلام العادل والدائم، مصر، تحت قيادة السيسي، لعبت دورًا محوريًا في الوساطة بين حماس وفتح، وساهمت في تخفيف حدة التوترات في قطاع غزة من خلال تقديم المساعدات الإنسانية ودعم مشاريع إعادة الإعمار.
من جهتها، الجزائر، كواحدة من الدول العربية التي تتمتع بموقف ثابت تجاه القضية الفلسطينية، قدمت دعمًا سياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا في مواجهة أطروحة ترامب، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكد في أكثر من مناسبة أن الجزائر ستظل داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض أي محاولات لتهجيره أو تصفية قضيته.
الجزائر، التي لعبت دورًا تاريخيًا في دعم حركات التحرر الوطني، تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية في سياستها الخارجية، خلال القمم العربية والإسلامية، دعت الجزائر إلى توحيد الجهود العربية لمواجهة أي مخططات تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في فلسطين، كما قدمت مساعدات مالية وإنسانية للفلسطينيين، ودعمت مشاريع التنمية في الأراضي المحتلة.
*الخطر على الشرق الأوسط ومشروع "الشرق الأوسط الجديد"
أطروحة التهجير لا تُهدد الفلسطينيين وحدهم، بل تُشكل قنبلة موقوتة لتفجير الاستقرار الهش أصلاً في المنطقة، ففكرة تهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة تُعيد إلى الأذهان كابوس "النكبة" عام 1948، الذي خلَّف ملايين اللاجئين، وأسس لأزمات مزمنة في الهوية والمواطنة.
مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، وتكريس الاحتلال الإسرائيلي كحقيقة ديموغرافية، وهو ما يتوافق مع رؤية "الشرق الأوسط الجديد" التي تروج لها بعض الأجندات الغربية والإسرائيلية، والتي تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح خارجية، عبر تفكيك الكيانات الوطنية، وخلق كيانات هشة تابعة.
هذا المشروع، الذي يُشار إليه أحيانًا بـ"الفوضى الخلَّاقة"، يسعى إلى تحويل الشرق الأوسط إلى فسيفساء من الكيانات المتنازعة، مما يسهل الهيمنة عليها سياسيًا واقتصاديًا، في هذا السياق، يُعتبر تهجير الفلسطينيين خطوة نحو تفكيك القضية الفلسطينية، وتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، مما يُضعف الموقف العربي الموحد الشعبي على الأقل، ويفتح الباب أمام صراعات جديدة على الحدود والموارد.
كما أن دمج ملايين الفلسطينيين في دول مثل مصر أو الأردن قد يُعيد إنتاج أزمات اجتماعية واقتصادية تشبه تلك التي خلَّفتها الحروب في سوريا واليمن، مع ما يرافق ذلك من تفشي البطالة وانهيار البنى التحتية واشتعال الاحتقانات الطائفية. هذا بالإضافة إلى أن أي قبول عربي بفكرة التهجير سيفتح الباب أمام تطبيقات مماثلة في مناطق أخرى، مثل تهجير السوريين أو اليمنيين، مما يُعزز فكرة أن المنطقة قابلة لإعادة تشكيلها قسرًا وفق مصالح القوى الكبرى.
التعاون المصري-الجزائري كحائط صد:
في مواجهة هذه الأطروحة، يمكن لمصر والجزائر أن تعملا معًا على عدة مستويات لتعزيز موقفهما المشترك، أولاً، يمكن للبلدين تعزيز التنسيق الدبلوماسي في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لتقديم مشاريع قرارات تدين أي محاولات لتهجير الفلسطينيين.
هذا يشكل ضغطًا دوليًا على الولايات المتحدة وحلفائها للتخلي عن هذه الأطروحة، ثانيًا، يمكن للبلدين دعم الوحدة الفلسطينية من خلال العمل على دعم جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وتقديم الدعم السياسي والمالي لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
هذا يعزز من قدرة الفلسطينيين على مواجهة أي مخططات تهدف إلى تقسيمهم أو تهجيرهم. ثالثًا، يمكن للبلدين إطلاق حملات إعلامية مشتركة لتوعية الرأي العام العالمي بمخاطر التهجير القسري، والآثار الإنسانية والسياسية التي يمكن أن تترتب على ذلك، هذا يشمل إنتاج أفلام وثائقية ومواد إعلامية تظهر معاناة الشعب الفلسطيني.
رابعًا، يمكن للبلدين تقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمساعدات الطبية، هذا يعزز من صمود الشعب الفلسطيني في وجه المحن.
أخيرًا، يمكن للبلدين تعزيز التحالفات مع الدول العربية والإسلامية لتشكيل جبهة موحدة ضد أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، هذا يشمل تعزيز العلاقات مع دول مثل الأردن والسعودية بحكم قربهما من الصراع.
في مواجهة أطروحة ترامب حول تهجير الفلسطينيين، تبرز مصر والجزائر كقوتين عربيتين رائدتين في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. مواقف البلدين الثابتة والمبدئية تعكس التزامًا عميقًا بالقيم الإنسانية والعدالة الدولية، في عالم تتقاطع فيه المصالح السياسية مع الحقوق الإنسانية، تبقى مصر والجزائر شاهدتين على أن العدل والسلام هما الطريق الوحيد لإنهاء الصراعات، وأطروحة التهجير، مهما كانت مغلفة بخطاب سياسي، تبقى مجرد فكرة غير قابلة للتحقيق في واقع يعرف قيمة الأرض والإنسان.
مصر والجزائر، بقيادتيهما الحكيمة وتاريخهما النضالي، ستظلان دائمًا في مقدمة المدافعين عن القضية الفلسطينية، وفي الوقت الذي تطفو فيه مثل هذه الأطروحات الخطيرة، فإن التعاون الاستراتيجي بين البلدين يعد ضمانة قوية لمواجهة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، أو إعادة رسم خريطة المنطقة تحت شعارات زائفة تخدم مصالح خارجية على حساب دماء وأرض الشعوب.