851
0
من ذكريات الثورة المباركة
20 أوت : اليوم الذي مجد الثورة وقزم المستعمر ..
.jpeg)
بقلم: مسعود قادري
عندما يتحول المرء من مقر سكناه بالعاصمة إلى أي جهة من الوطن ، شرقا أو غربا ، شمالا أو جنوبا، ينتابه شعور وطني عجيب وفخر واعتزاز كبير بالانتماء لهذه الأرض المباركة التي أنجبت أجيالا من الرجال الصناديد الذين لم يقبلوا بالغرباء بينهم فقاوموهم طيلة 132سنة دون كلل أو ملل .
فمن ثورة الأمير التي دامت 17سنة وثورة أحمد باي لم تتوقف الثورات الشعبية عن مواجهة العدو ودفع ثمن المقاومة باهظا من النفوس والممتلكات الثابتة والمنقولة التي حولت كلها لأبناء المعمرين ليعيثوا فيها فسادا ويحرموا ملاكها الأصليين من ابسط حقوقهم في الحياة ، وهو ما كان يدفع بأبناء الوطن الشرفاء إلى استئناف الجهاد في منطقة أخرى لتزداد حمية الشعب ويبقى الشعور الوطني حيا متقدا في أبناء الأمة لينفجر بعد المعاناة الشديدة في وجه المستدمر الغاشم الذي ظن أهله أن قضوا على كل نفس وشعور بالانتماء للوطن والدين واطمأنوا بان هذه الأرض الطاهرة صارت جزءا من دولة المستعمر النصرانية، ولم يكونوا يعلمون إنهم يقفون على بركان تزداد حرارته يوما بعد يوم لينفجر انفجارا عنيفا سنة1954 بثورة وطنية عارمة اختلفت عن الثورات السابقة بأنها كانت تتويجا لكل الجهود وتوحيدا للطاقات والهدف الواحد والوحيد الذي حدده قادة الثورة ولا غنى عنه أو تنازل ..
نيل الحرية والاستقلال عن هذا الكيان الغريب الذي لا تربطنا به أيه صلة ـ لا عرقية ولا لغوية ولا دينية ـ ولا يجمعنا به أي إحساس إنساني أو شعور بشري، بل بيننا وبنيه انهار من الدماء وملايين النفوس البشرية التي أزهقت ظلما وعدوانا لتروي الأرض بالدماء وتتغذي ببقايا أجساد أبنائها ، فانتفضت من تحت أقدام الدخلاء بانطلاقة الثورة واضحة في أهدافها ومراميها وأسلوب جهادها المعتمد على ألمبدأ العام القائل :" ما أخذ بالقوة لا يسترد إلى بالقوة ..ّ وأن النصر لن يكون إلا بالمثابرة والجهاد المستميت والتوكل على الله ثم الشعب والصبر على المعاناة وسلوك النصارى الذي لا تربطهم بالإنسانية إلا القيم المزيفة والشعارات الجوفاء التي لا وجود لها في غير واقعهم ..
عند انطلاق الثورة المباركة في نوفمبر 1954 اعتقد قادة فرنسا الخبيثة أن الزلزال الذي ضربهم انطلق من منطقة الأوراس التي تعرضت لحصار شديد ظنا من جنرالات العدو العائدين من فيتنام يجرون أذيال هزيمة نكراء بعد معركة "ديان بيان فو" الشهيرة التي أهينت فيها فرنسا وكل كل دول الحلف الغربية المستدمرة ... ظن ضباط فرنسا أن انطلاقة نوفمبر ستكون كالثورات المحلية السابقة وسيتم القضاء عليها في ظرف قصير بما أعد لها من جيش جرار تضمن كل معدات المرحلة للحرب المدمرة والهادفة إلى تخويف الشعب بقوة العدو .
لكن مالم تحسبه فرنسا وأذنابها أن الذي اعدوا للثورة لم يتركوا مجالا للارتجال والعشوائية ، بل استخلصوا العبر من كل الثورات السابقة لتكون المعركة فاصلة مهما طال زمانها و ارتفعت تكاليفها ..بعد سنة وزيادة عن الانطلاقة، وهي الفترة التي القي فيها القبض على القائدين مصطفى بن بولعيد ورابح بنطاط واستشهد فيها قائد المنطقة الشمال القسنطيني مراد ديدوش وخلفه الشهير يوسف زيغود الذي قرر أن يظهر للعدو قوة الثورة الحقيقة ويخفف الضغط على منطقة الأوراس فشن الهجوم الشامل على منطقة الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955 التي فوجئ العدو بها مفاجأة لم يكن يحسب لها حسابا ففقد صوابه وعجز عن توجيه ضربات المجاهدين فأبرز قوته وعنجهيته وأسلوبه الحضاري ...؟ ! وصب جم غضبه على المواطنين العزل الذي حشدهم في ملعب المدينة وأبادهم جميعا فكان يوم 20اوت هو اليوم الثاني للثورة المباركة التي أخذت أبعادا عالمية وشعبية ووضعت المحتل الفرنسي في مكانه الهمجي الصحيح بعيدا عن القيم التي يتغنى بها ويسعى لتصديرها لغيره من الأمم والشعوب..
في السنة الموالية وتخليدا لهذا الحدث الكبير عقد مؤتمر الصومام داخل الجزائر وبعيدا عن أعين فرنسا ومخابراتها . فكان الحدث الي خطط لمستقبل الثورة بعد أن مجدها هجوم الشمال القسنطيني ورفع من شانها بقدم ما قزم المستدمر وأظهر عيوبه وبربريته في التنكيل بالشعب بالتقتيل والتهجير والتشريد وهي نفس الصور التي نشاهدها يوما في غزة الجريحة وورثها "النتن" عن "ميتران وسوستيل " وغيرهما من قادة فرنسا التي ظنت أن الأرض صارت لها بعد طول استدمار، وأن أهلها لم يعودوا يقوون على مواجهة قوتها المدعمة بالحلف الأطلسي المساند حاليا لقوى الشر الصهيونية في فلسطين .. لكن الله أراد أن يمن على الذين استضعفوا في الجزائر بنصر عظيم أعاد لهم حرية وطنهم وأمتهم وأنه بفضله الكريم المنان سينصر المجاهدين المرابطين في غزة والأراضي المقدسة رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين وخبث الخبثاء والمطبعية المثبطين ...
عندما نجوب وطننا العزيز الذي لا نحس بقيمته إلا عندما نغادره لنرى أوطانا أخرى لا تملك ما نملك من خيرات باطنية وظاهرة ومن قدرات بشرية وطاقات خلاقة في مختلف الميادين لكن هذه الأوطان ووظفت طاقاتها القليلة بطرق عقلانية وأعطت المسؤولية لمن يستحقها والوظيفة لمن يقدرها ويقدسها ويعرف قدرها.. بينما طاقتنا البشرية اغلبها معطل بسبب غياب سياسة منح الفرص لمن يستحقها وإعطاء الوظيفة لمن هو مِؤهل لها بدل من منحها لمن يتطفل عليها وعلى ما تدره عليه من عائد مادي وامتيازات لا يستحقها..
في ولاية 20 أوت الثورية الواسعة الأرجاء الغنية بجمالها الطبيعي ، بشواطئها الخلابة ومواردها الفلاحية المتنوعة ومواردها الطاقوية العالة التي تضعها في مقدمة المناطق المنتجة للطاقة وتجعل منها ولاية من الولايات الغنية لكن غناها لم يظهر لا على بعض من سكان مناطقها ولا على طرقها وشوائها التي تشتكي الضياع في بعض أجزائها وتبكى ضعف خدماتها وسبل الوصول إليها لاكتشاف كنوزها وخبراتها المبهرة للزائر الوطني والأجنبي ..