285
0
مختارات...ضمانات ثقافية عبد الرحيم حسن / العراق
انتقاء و تقديم : م. مراح
أحببت الرجوع بقراء "بركة نيوز" إلى أرصدة من الفكر والثقافة والمعرفة والأدب أزهرت بها في أيامها مجلات وصحف عربية وإسلامية. كثيرا منها ما تزال قوة الحياة تسري فيها، بل أحيانا سابقة لعصرهامعبرة عن مشكلات نعايشها اليوم في المجالات المذكورة.
عثرت على عمود صحفي مرجعي في قوته الفكرية ونموذجيته الإعلامية وسلاسة أسلوبه، وقوة حجته، وفرادة إبداعه ، ورصانة القيادة التي أُعملت فيه . وجدته المثل الأسنى لتقييم روايةالجائزة التي لطخت بها كاتبتها بيوض إنعام حياء الفطرة في غير طائل فني فضلا غيره من قيم الأدب والفن ، بله إنسانية .
"ضمانات ثقافية" عمود القسم الثقافي في مجلة "العالم ": التي كانت كما تعرف عن نفسها "مشروعا إعلاميا ثقافيا إسلاميا، صدرت في ذروة مرحلة الصحوة الإسلامية في النصف الاول من الثمانينات. استمر صدورها ما بين 1984 و 1999، وصدر منها حوالي 670 عددا. في السنوات العشر الأولى كانت أسبوعية، وفي العام 1994 تحولت إلى إصدار شهري لأسباب مالية. وبعد ثلاث سنوات عادت للصدور الاسبوعي حتى توقفت في شهر مايو 1999" .
حقا الأمر كما ذُكِ أزهرت أيامنا الثقافية والفكرية والسياسية في تلك الحقبة، مواكبة أكبر الأعاصير التي هزت العالم كانهيار المعسكر الشيوعي، وأكبر النوازل التي حلت بالعالم الإسلامي، وأسست من ثمة لشكله الذي نتفحص ملاحه يوما فيوما : حرب أفغانستان والخليج والانتفاضة الثانية المباركة وأسلو المشؤومة، وحيوية الصحوة الإسلامية المعتدلة الواعية وإبداعاتها الزاخرة في مختلف الحقول بعقول مفكرين وكتاب وعلماء وفقهاء من الطراز الرفيع.
ولدت " العالم" قويةً مكتملةً واضحةً مبدعةً تنظيما : محددةً أقسامها بإحكام مدروس، مُخَطَّطَةً مساحاتها الصحفية ، مُخَاطِبَةً القوى الإدراكية العربية ومثيرة الإحساسات والمَثَارَات العاطفية والجمالية بلغة إعلامية وفكرية وثقافية ومعرفية منسوجة الأساليب حسب خصوصية الحقل، وذائقة الُمسْتَقْبِلِ وأشواقه الإسلامية والحضارية .
فلا أثر للمبالغة وهي تحدث عن نفسها الآن : عن ميزات المجلة بعدد من الأمور:
1. أنها كانت إسلامية، تطرقت لكافة قضايا الحياة: السياسية والاقتصادية والثقافية والاحتماعية من منظور إسلامي.
2. أنها كانت محترفة، من حيث الطرح والعرض والإخراج والانضباط في الإصدار. فعلا هي كذلك كانت في روعة الرونق الصحفي وفخامته الورقية الصقيلة، واحتراف التوظيف الماهر للصور والرسوم التشكيلية المعبرة .
3. أنها كانت تضاهي المطبوعات العربية الأعرق، وتفوقت عليها بأعداد التوزيع خصوصا في دول المغرب والشمال الأفريقي. وهنا وجب التنويه بصناعة منطقتنا الحدث العربي.
4. أنها كانت تعتبر مجلة الحركة الإسلامية، فتبنّتها الحركات الإسلامية، واحتوى طاقمها الإعلامي كوادر من ذوي التوجهات الإسلامية من أغلب الحركات، فكانت المنبر الإعلامي الأكثر تعبيرا عن الصحوة الإسلامية آنذاك.
5. أنها روّجت مشروع الوحدة الإسلامية عمليا، فكان محرروها ومراسلوها يمثلون كافة التوجهات المذهبية والسياسية.
6. كانت مطبوعة عصرية بما تتطرق له من قضايا وما تمارسه من أساليب وما تتمتع به من عرض جميل، فكانت تصدر بالألوان والورق الصقيل وحسن العرض، كما سبقت إضافتنا التنويهية.
7. مساندتها للنضال التحرري في جنوب إفريقيا وعمومها .
8. ساهمت في رفد كوادر الحركة الإسلامية آنذاك بمنظور مبدئي لقضايا الحياة، حتى اعتمدتها بعض الحركات وسيلة لتدريب الكوادر من خلال المتابعة الأسبوعية والمناقشة داخل الحلقات التنظيمية".
كان أبرز المساهمين فيها من الجزائر أخونا الصحفي مراسلها القدير الأستاذ عبدالله بوفولة ، وكتابةً الأستاذ الدكتورأحمد بن نعمان والدكتور إبراهيم نويري ، وعلى قلة محمد مراح الفضل الأوفر في تعرفنا على "العالم" والارتباط الفكري والإعلامي بها فلأستاذنا المفكر القدير الدكتور علي القريشي أستاذنا في مرحلة الإجازة بجامعة الأمير عبد القادر للعوم الإسلامية بقسنطينة ـــ الجزائر المتميز بالمُكنة الأكاديمية والألق الفكري والشعلة الثقافية والإعلامية. تكرمت علينا العالم بإشتراكات مجانية مدة طويلة، وكانت تزهر بها المكتبات والأكشاك بــ 6 دنانير جزائرية .
رغم التزامها بخط الثورة الإيرانية ، فقد حافظت على التنوع الفكري والسياسي وقدرا عاليا من الموضوعية. وأبرز وجوهها من مرجعيات الشيعة الشيخ " محمد حسين فضل الله ، العلم اللبناني الفكري من مصاف كبار المفكرين والعلماء كالإمام محمد باقر الصدر {1935 ــــــ 1980} صاحب المؤلفات المرجعية الخالدة: فلسفتنا ـــــ اقتصادنا ــــ الأسس المنطقية للإستقراء.و المفكر الفيلسوف علي شريعتي { 1933 ــــــ 1977}.
ضمانات ثقافية
عبد الرحيم حسن / العراق
كثيرا ما يجري الكلام عن الإبداع في الفكر والفن وكأنه عملية مستقلة عن البناء الثقافي ككل ، وارتباطه بشروط خارجة عن فعل الابداع ذاته . وبالإمكان إرجاع فعل الإبداع إلى قوة ثقافة ما واستنادها إلى تبريرات عقائدية، كما هو الحال في الثقافة المبدئية لمجتمع قائم على فكرة فلسفية ما تزال تحتفظ بحيويتها أو مبررات مادية،، كما هو حال المجتمعات المتمتعة بقوة اقتصادية وتطور تفني عالى .
وبالامكان أيضا إعطاء حركة تجديدية مكانها من الابداع من خلال استنادها إلى موروث حضاري قوي، كما هو الحال في الثقافات المحافظة والتي لا تزال ثقافاتها القديمة تتمتع بنوع من الاستمرارية والتقاليد العريقة .
ويُغْفِلُ كلا التفسيرين المتقدمين لقوة الثقافة قضيةَ توفير الضمانات الثقافية الكفيلة باستمرار فعل الابداع وبقائه في خدمة المجتمع بدلا من أن يتحول إلى فعل عبثي هادر للطاقات . وهي الضمانات التي استطاعت أن تحمي نتاجات المبدعين في حقول الأدب والفلسفة وعلم الكلام واللغة والعلوم طوال التاريخ الإسلامي ، وتُحَمِّلُه الصفة الشرعية رغم وجود تضارب في الآراء حول ماورد في معظمه . وهي ذات الضمانات التي يدعو غيابها في اللحظة الحاضرة إلى التشكيك في فعل الابداع في أكثر من حقل من حقول المعرفة والآداب .
ونرى أنه من الضروري لحدوث الإبداع واستمراره أن تكون هناك فكرة مبدئية عامة لها من الرصانة الفكرية ما تقبل من خلالها جميع التعارضات وأن تقف فوقها فتدعم التيارات الصحيحة والأقرب إلى التصور الحق وتبطل زيف الاتجاهات المضللة .
ولا بد من وجود قناعة فكرية وإيمان يشبع عاطفة قطاعات واسعة من الأمة . إن لم تكن الأمة بكاملها ، لهذه الفكرة المبدئية حتى ليملك عليها قواعد تفكيرها وحسها الجمالي وسلوكها الأخلاقي ، ويكون طريق الذوق والحكم على الأعمال الفنية والأدبية وسبيل المحاكمة العقلية الرصينة لمجالات الإبداع الفكري الأخرى، وينبغي أن تتحقق لهذه الفكرة المبدئية هيمنة قانونية تصبح بموجبها أداة تقرير العلاقات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع وأن تقوم مؤسسة شرعية تتولى صيانتها وديمومتها .
وقد تختلف نسبة تحقق هذه الضمانات ولكنها تبقى ضرورية وفاعلة، ولو أخدنا التاريخ الإسلامي نجد أن هذه الضمانات قد تحققت بالكامل في عصر صدر الرسالة، ولنسبة أقل في العصور التالية ولكنها بقيت الأساس الذي يصون الثقافة من الابتذال ، ويدعّم فعل الإبداع . كما أننا لو أخذنا التاريخ الغربي ودرسنا تطور فكرة مبدئية فيه ، مثل الديمقراطية أو الحرية، لوجدنا فيها الضمانات التي جعلت من فعل الإبداع ممكنا من خلال الحساسية الشعبية والممارسة السياسية البرلمانية والتراث الثقافي الذي تراكم عبر قرون عدة .
ونقطة البداية ، إذن هي إحداث ثورة فكرية تضمن الكشف عن الفكرة المبدئية الصالحة التي تتفاعل معها الأمة وتستجيب لحاجاتها المادية والأخلاقية، وأن تجري التوطئة لها لتحمل مكانها الفاعل من حياة الفرد والمجتمع . وما عدا ذلك سنكون قد وقعنا في أَسْرِ ثقافة تلفيقية أو توفيقية تسلك بنا كل طريق إلا طريق الثقافة القوية المبدعة . العالم /السبت ١٩آب {أغسطس}١٩٨٩/ ـــ ١٧ محرم ١٤١٠ ه ـــ العدد ٢٨٨.
majalahalaalam.com
https://www.majalahalaalam.com