78
0
مدني نعمون... صوت الركح الذي صعد إلى الخلود

أسدل اليوم الستار على فصل من فصول الفن الجزائري الأصيل، توفي الممثل الجزائري القدير مدني نعمون، صاحب الابتسامة الدافئة، تاركًا وراءه فراغًا لا يُملأ في قلوب محبيه، وعلى خشبة مسرحٍ كان فيها دومًا النبض.
ماريا لعجال
رحل ابن القصبة العتيقة، الذي وُلد السابع من شهر مارس من سنة 1944، حيث ارتشف من أزقتها أولى حكايات الجزائر، وحملها معه إلى الإذاعة وهو لا يزال طفلًا لم يتجاوز العاشرة. هناك، بصوته الطفولي، شق طريقه في برامج الأطفال، قبل أن يتتبع حلمه ويتحول إلى مسيرةٍ فنية امتدت لأكثر من ستة عقود.
مدني نعمون، الاسم الذي يجسد مرآة لوجدان الجزائريين، وذاكرتهم المرئية. من المسرح إلى الشاشة الصغيرة، تقمص أدوارًا تُروى لا تُنسى. في "الغولة" و"إحمرار الفجر"و**"المحقور" كان دوماً صوت المهمشين، صرخة في وجه الظلم، وابتسامة رغم الأوجاع.
الجمهور العريض، فقد عرفه في سنواته الأخيرة عبر شخصية "عمي برهان" في مسلسل "السلطان عاشور العاشر". هناك، زاوج بين الوقار وخفة الدم ، حيث جسد شخصية فذة لاتشبه أحدا.
غير ان صراعه الأخير، لم يكن فوق الخشبة، ولا في المملكة العاشورية، بل في جناح صغير بعيادة "الأزهر" بدالي إبراهيم، حيث خاض معركته بصمت ضد سرطان الرئة، و مع حلول صباح خافت الضوء، ترجّل الفارس عن جواده، مطمئنًا أنّ فنه سيواصل العيش في ذاكرة أجيال لم تولد بعد.
في حياته، لم يطلب مدني نعمون الأضواء... كانت هي من تبحث عنه. وفي رحيله، تهافتت الكلمات والدموع من زملائه وتلامذته، ومن جمهور تربى على نبرته الهادئة، ومواقفه التي لا تُنسى.
وسيوارى الثرى غدًا، في مقبرة قاريدي بالعاصمة، لكن صوته سيظل يدندن في أذن الوطن: أن الفن ليس مهنة، بل رسالة... أن الوفاء للجمهور لا يُدرّس، بل يُعاش.