367

1

مالك بن نبي ومحطات من إنجازاته في مسيرة الجزائر المستقلة (1963- 1973)

“كي كان حي اشتاق تمرة، وكي مات علقوا له عرجون” ( الزعيم التاريخي قايد أحمد، رئيس جبهة التحرير الوطني)

 


 

 مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا

 

يذكر جل طلبة مالك بن نبي والدارسين لفكره وسيرته عموما، أن مالك بن نبي عاد من منفاه للجزائر بعد الاستقلال عام 1963 ولم يعش فيها الا عشر سنوات تقريبا من عمر الاستقلال، الى يوم وفاته رحمه الله، إذ كانت جنازته بتاريخ  يوم 31 أكتوبر 1973، وكما ذكرنا في مقال سابق كانت جنازة فاترة من الجانب الحكومي، إذ شارك في تشييعه وزيران  لاغير ، و ليس بالصفة رسمية، فقط باسمهما الشخصي، أحدهما السعيد آيت مسعودان رحمه الله (1933-2009) وزير البريد والمواصلات أيامها، بالإضافة إلى قايد أحمد رئيس الحزب الحاكم الواحد (أيامها جبهة التحرير الوطني)، الذي عرف بتعاطفه مع مالك بن نبي وطلبته، بينما حضر ممثل الحكومة الليبية ومبعوث الزعيم القذافي، وحتى طالب الابراهيمي وزير الثقافة والاعلام يومها، لم يحضر الجنازة واكتفت إحدى جرائد الدولة بإعلان وفاة مالك بن نبي في سطور معدودات، كما ذكرنا ذلك في مقال سابق.

 

من مواقف و مناقب الزعيم قايد أحمد، مع رجال الصحوة المُبكّرة:

 

و على ذكر رئيس حزب جبهة التحرير( الحزب الحاكم)، الزعيم المرحوم قايد أحمد (1921-1978)، الذي مات في منفاه في الرباط بالمغرب، والذي كان مساعدا ومساهما في دعم الصحوة الإسلامية منذ بدايتها في ستينات القرن الماضي، وكثيرا ما تدخل لنصرة طلبة مالك ومسجد الطلبة في نزاعاتهم مع التيارات المناهضة للدين والوطن، ولما سمع هذا الأخير أن رئاسة الجمهورية عرضت على أسرة بن نبي التكفل بجنازة بن نبي، و أن رد أسرة مالك كان الرفض المطلق للعرض، أين تكفل طلبة مالك وأصدقائه بترتيبات الجنازة، حيث أقيمت صلاة الجنازة بمسجد الجامعة بالساحة الرئيسية أمام المكتبة الرئيسية. وامهم يومها الدكتور عبد الحميد بن شيكو، حفظه الله، كما يذكر لنا ذلك أستاذنا الدكتور محمد بوكعباش، أحد طلبة مالك بن نبي، في شهادته، التي نتطرق اليها لاحقا بحول في هذه السلسلة.

وفور مراسيم الجنازة و لما سمع قايد أحمد بعرض الرئاسة المتأخر لتقديم المساعدة لعائلة مالك، انتفض قائلا، وهو يعرف بالتفاصيل ما عاناه الأستاذ مالك بن نبي من تضييق و "حقرة"، فقال لرشيد بن عيسى، يصدق في حكومتنا قول المثل الجزائري باللسان الدارج:

" كي كان حي اشتاق تمرة، وكي مات علقوا له عرجون" !!.

و العُرْجُون- كما هو معلوم عند أهل اللغة- جمع عَراجينُ : العِذْق، ما يحملُ التَّمْرَ، وهو من النَّخْل كالعنقودِ من العنب.

 

شهادة شيخنا الدكتور محمد بوجلخة، حفظه الله :

 

ويذكر لنا من جهة أخرى، شيخنا الدكتور محمد بوجلخة المقيم حاليا في أمريكا، في شهادته التي ننقلها لكم في مقال مستقل قادم بحول الله،  قوله:" أن قايد أحمد، كغيره من الوطنيين، كان رجلا فاضلا خدم الجزائر والإسلام أثناء الثورة وبعد الاستقلال، و يذكر أنه كان أوصى في احدى المرات لما اشتد الصراع الأيديولوجي بين طلبة مسجد الجامعة وطلبة التيار الشيوعي المهيمن في ذلك الوقت على مرافق الجامعة، على الاتصال به عند أي إشكال، بل وأعطى لأحد الطلبة رقم هاتفه للتواصل به عند الحاجة أو الضرورة"، و يذكر الدكتور بوجلخة عن بعض الطلبة - اظنه عبد القادر حميتو - أنه لما اعتقل بعض الطلبة بمركز شرطة (كافينياك) بالجزائر الوسطى، بعد مناوشات مع  الشيوعيين، ولم يعتقل الشيوعيون، هتف أحد الاخوة الطلبة للمناضل قايد أحمد وأخبره بالقضية، فنزل فورا من مكتبه، وذهب لمقر الشرطة بنفسه، ودخل لجناح الزنزانات واخرج الطلبة المعتقلين بنفسه، وعنف مسؤولي الشرطة وأنذرهم وحذرهم، أمام فرح ودهشة الطلبة المفرج عنهم الذين لم يكونوا يعلمون أن مسؤولا بهذه الرتبة يتدخل بنفسه للإفراج عنهم"، و لله الحمد!!.  

 وتاريخيا يعتبر قايد أحمد من الشخصيات الوطنية والاقليمية البارزة والمهمة، ترعرع في وسط عائلي محافظ بسيط ومحفز على طلب العلم، نال شهادة البكالوريا التي كانت فخراً له و لمدينته تيارت (تيهرت) بالغرب الجزائري، كما أنه كان يؤمن بانتصار الثورة الجزائرية، فلم يدخر جهداً في العمل على الترقية الاجتماعية والثقافية في أوساط الشباب الجزائري لمواجهة القوة الاستعمارية الفرنسية واذنابها، وقد انضم قايد أحمد منذ صغره إلى التيار الليبرالي ممثلاً في حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري تحت رئاسة المرحوم فرحات عباس، ثم أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب، ونائباً لرئيس بلدية تيارت سنة 1948م. ومع اندلاع الثورة التحريرية التحق بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1955م، وأصبح عضواً بالمنطقة الثامنة للولاية الخامسة، إلى غاية تعيينه بالقيادة العامة لأركان جيش التحرير الوطني إلى جانب العقيد هواري بومدين سنة 1960م، ومَثَّلَ جيش التحرير الوطني في أول لقاء بإيفيان (على الحدود السويسرية - الفرنسية) سنة 1961م حول مفاوضات الاستقلال، ولطالما كان يؤمن بفكرة الحرية والاستقلال وإقامة دولة جزائرية في إطار المبادئ الاسلامية، ونظراً لخبرته شغل عدة مناصب بعد الاستقلال، منها وزيراً للسياحة ووزيراً للمالية ومسيراً لحزب جبهة التحرير الوطني.

 

من منجزات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة :

 

ذكرنا في مقالات سابقة أنه من إنجازات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة، إنجازات جادة في تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة، نمر عليها اليوم غافلين، و ذكرنا منها على سبيل الذكر، لا الحصر، المشاريع الدعوية التالية:

 - فكرة حلقات مالك بن نبي في بيته.

 - فكرة تأسيس مسجد الطلبة.

 - فكرة مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام”

- و فكرة “ملتقيات الفكر الإسلامي” (1967 / 1990) كأعمال ثقافية متميزة و متكاملة، في العالم الإسلامي قاطبة.

 

طلبة مالك على الجبهات الأربع لمشاريع الصحوة:

 

فنحن نلاحظ كيف أن بعض الطلبة يشاركون في الكتابة في مجلتهم

 “ماذا أعرف عن الإسلام”،  بأقلام وأفكار راقية وهم من طلبة مسجد الجامعة؛ مثل عبد الوهاب حمودة ( 1939-2017) ورشيد بن عيسى، ومولاي سعيد، ومصطفى خياطي، وهم طلبة شباب يترددون دوما على ندوة مالك بن نبي، الذي شارك بأربعة عشر مقالا (14) في ذات المجلة، كما لخصوا و ترجموا للفرنسية مقتطفات من مقالات الامام ابن باديس( 1899- 1940 ) والامام حسن البنا ( 1906-1949)، وسيد قطب ( 1906-1966)، وابن خلدون ( 1332-1406)، ومقالات متخصصين في الاقتصاد، وشمل ذلك بعض المقالات في تاريخ الأديان، وتاريخ التشريع، وعلم الاجتماع والأخلاق ، كما أخذت فقرات من "المنقذ من الضلال" للإمام أبي حامد الغزالي (1057-1111)، ومن كتاب الدكتور أحمد عروة (1926 - 1992) "الإسلام في مفترق الطرق" وهو الطبيب و الكاتب و الشاعر، ومن الأستاذ محمد حميد الله (1908ـ 2002)، في السيرة النبوية، ومحمد لعزيز لحبابي (1922-1993) أستاذ الفلسفة في المغرب والجزائر، ومن لويس ماسينيون (1883-1962) الفرنسي، مع شدة عداوته لمالك بن نبي، ومن صديقه، الحميم طول حياته الدكتور عبد العزيز خالدي (1917-1972)، ومن الفيلسوف الذي أسلم وهو الفرنسي روني قنون (1886 - 1951) الذي أصبح اسمه عبد الواحد يحيى، والأستاذ أحمد بن جدو مدير معهد الترجمة في جامعة الجزائر رحمه الله الذي أسس جامع الأبيار، والأمريكي كريسي موريسون رئيس أكاديمية العلوم في نيويورك، ومنظر كهف الاقتصادي، وصاحب كتاب "العلم يدعو للإيمان"، المترجم عن كتابه بالإنكليزية:  

"Man Does Not Stand Alone" by Abraham Cressy Morrison.

 

تعميما للفائدة أصبح ضروريا تحليل مضامين هذه المشاريع تحليلا اجتماعيا علميا!

 

كما يعلق أستاذنا الدكتور عمار طالبي، في مقدمته لمجموعة مجلة “ماذا أعرف عن الإسلام”، أنه " يستطيع الباحثون أن يحللوا مضامين مقالات ومسيري المسجد تحليلا اجتماعيا علميا، لتكون دراسة هذه الكوكبة من العقول والسواعد التي أنجزت هذه المشاريع الواعدة "، وهي تحتاج إلى دراسة، وما نشأ أيضا عن ندوة مالك بن نبي من ملتقى التعرف على الفكر الإسلامي، ثم تحوله إلى ملتقى الفكر الإسلامي الذي دام 24 سنة، وما له من أثر في الثقافة الإسلامية وتوعية شبابنا بأوجهها المختلفة وصفات المشاركين في الملتقى من مختلف الجنسيات والثقافات بما في ذلك غير المسلمين، وأغلب هذه الأبحاث والدراسات التي قدمت ذات صبغة علمية راقية، وكانت تذاع كل أسبوع محاضرات منها في التلفزة الجزائرية، وكانت تعقد هذه المؤتمرات في مختلف المدن والولايات، ولا تقتصر على مدينة الجزائر العاصمة وحدها، بل ينزل هؤلاء الأساتذة والطلبة في الولايات الداخلية ضيوفا في بيوت  الجزائريين".

 

المشاركين في ملتقيات الفكر قامات علمية دولية كبيرة:

 

ومن المشاركين في ملتقيات الفكر الاسلامي قامات علمية دولية كبيرة، منهم على سبيل المثال: الدكتور مصطفى الزرقا (1904-1999) السوري الفقيه الحقوقي، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي(1929-2013)، والشيخ محمد الغزالي(1917- 1996)، والشيخ يوسف القرضاوي(1926-2022)، والشيخ عبد الله كنون (1908-1989) رئيس رابطة علماء المغرب، وهو عضو في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والدكتور عثمان أمين (1905 - 1978) أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، وزملاؤه كالدكتور زكي نجيب محمود (1905-1993)، وكذلك الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة (1909-1991) والشيخ الحبيب بلخوجة التونسي (1922-2012) رئيس المجمع الفقهي الدولي بجدة، والشيخ مختار بن محمود (1904 - 1973) الأستاذ الزيتوني، والشيخ أبو الحسن علي الندوي (1913-1999) من الهند، وإسحاق ظفر الأنصاري (1932-2016) من باكستان، وغيرهم؛ مثل الجزائري محمد أركون(1928-2010) والمغربي العزيز لحبابي (1922 - 1993) ومحمد سكر (1922-2008) شيخ مدرسة الإقراء بدمشق، و محمد حميد الله (1908-2002) وعثمان الكعاك (1903-1976) من تونس والذي وافاه الاجل في الملتقى العاشر للفكر الإسلامي في مدينة عنابة، و كان ذلك أول ملتقى يحضره كاتب هذه السطور و هو تلميذ، يوم 15 جويلية عام 1976.     

وبالجملة فإن الملتقى سانده جامعيون من مستوى أكاديمي محترم مرموق، وكان يحضر هذه الملتقيات تلاميذ وطلبة من الثانويات والجامعات، وكانت تجري المناقشات والتعقيبات على المحاضرات، وجلها منشور و متوفر في بعض المكتبات ولله الحمد..

 

إدارة هذه الملتقيات التي تبنتها الدولة الجزائرية، بقيت وسطية بنبوية خالصة:

 

أما إدارة هذه الملتقيات التي تبنتها الدولة الجزائرية  في رحاب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، 

فإن الأستاذ عبد الوهاب حمودة هو المسؤول الأول ( الأمين العام للوزارة)، وتساعده لجنة من الأساتذة أمثال الدكاترة: سعيد شيبان (1925 - 2022)، وأحمد عروة (1926 - 1992)، وهما من أساتذة الطب، و شيخنا الدكتور عمار طالبي (متعه الله بالصحة والعافية) أستاذ الفلسفة في الجامعة الجزائرية، وذلك للتشاور في الإعداد لمحاور هذه الملتقيات واقتراح من يشارك فيها، ويشارك في ذلك أحيانا الأستاذ محفوظ السماتي (1936 - 2021) عميد كلية الآداب في جامعة الجزائر، وكذلك الأستاذ محمد الصغير بناني نائب رئيس جامعة الجزائر.

 

الملتقيات مدرسة متنقلة، و مكتبة ثقافية علمية فكرية:

 

 والواقع أن الملتقيات مدرسة متنقلة عبر ولايات الوطن، و مكتبة ثقافية علمية فكرية، يشارك فيها بعض الطلبة من الخارج، كما يشارك فيها ذو اتجاهات ومذاهب مختلفة من السنة والشيعة؛ أمثال الشيخ محمد علي التسخيري (العراقي - الإيراني) (1944 -2020)، وهادي خسرو شاهي (1939 -2022)، ومن السلفية أمثال الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي السعودي مستشار الملك، وكان مديرا لجامعة محمد بن سعود الإسلامية، ووزير الأوقاف، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، يتداول هذه المناصب، ولا يغيب عن الحضور إلا نادرا.

 و ذكر الدكتور عمار طالبي في شهادته، أنه "حاول بعض الناس تشويه هذه الملتقيات؛ مثل تصريح علي كافي، لما ذهب إلى القاهرة بمعية الأستاذ محمد سعيدي اليساري الذي جمع له زعماء اليسار المصري وقال: "إن الشيخ  محمد الغزالي من أسباب الإرهاب"، وهذا أبعد ما يكون عن  شخصية الغزالي الذي عاشرته مدة طويلة في الجزائر لما كان معنا رئيس المجلس العلمي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، فهو أكره الناس للعنف والتطرف، وكان متضايقا جدا من زيارة بعض الشباب الذي يدّعي السلفية، وكتب في قسنطينة كتابا في موضوع " السنة بين المحدثين والفقهاء"، فأثار ذلك ضجة كبرى في أوساط  شيوخ السلفية في السعودية، وكتبوا اثني عشر كتابا في الرد عليه، وهم الذين كفّروا القرضاوي والبوطي وشنّعوا عليهما"، على حد تعبير، الدكتور طالبي في شهادته، حفظه الله.

 

بملتقيات الفكر كانت الجزائر مدة ربع قرن “عاصمة عالمية  للثقافة الإسلامية”:

 

و يبدو- حسب بعض العارفين في السياسة -  أن قرار إرجاع "ملتقيات الفكر الإسلامي" من عدمها يأتي من وراء البحار في الضفة الأخرى للمتوسط، كما أتخذ  قبله أو معه " مشروع وأد تعميم التعريب"، وبالتالي ستبقى وصمة عار في جبين الحكومات الجزائرية المتعاقبة مهما كانت علاقتهم بالدين والوطن، وستكتب في أرشيف تاريخها، أن منع ومصادرة "ملتقيات الفكر الإسلامي" ظلم  صريح للإسلام في أرض الشهداء وخيانة  لفكر مؤسسيها وتضحياتهم و ازدراء لحق الشعب الجزائري في  طلب العلم يحاسبهم عليه العباد يوما ما،  كما يحاسبهم رب العباد، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. 

لا لشيء، إلا لأن، "ملتقيات الفكر الإسلامي " حدثٌ علمي وفكري وثقافي عالمي  كبير و متميز، كانت قد عاشته الجزائر على مدار نحو ربُع قرن تقريبا، من أواخر سنة 1967 إلى سنة 1990 كانت الجزائر خلالها أقرب إلى أن تكون “عاصمة عالمية  للثقافة الإسلامية”، يقصدها العلماء الأعلام من كل أقطار الدنيا: من دول المشرق الإسلامي ومغربه، ومن  دول أوروبا وأمريكا، مسلمين من مشارب فكرية وإيديولوجية ومذهبية متنوعة مختلفة، وغير مسلمين أيضا من أعلام العلم والفكر والثقافة.

 

الملتقيات قدمت خلاصات الفكر الصحيح للأجيال

يشهد القاصي والداني أن تلك الملتقيات المسماة “ملتقيات التعرّف على الفكر الإسلامي” كانت جامعة متنقلة، تقدّم للمئات ممن يحضرونها من أساتذة وطلبة جامعات وتلاميذ الثانويات، وللآلاف الذين يتابعونها من بعيد، خلاصات الفكر الصحيح، وتعلمّهم الحدّ المطلوب مما يُسمى “الثقافة الذاتية” وهي القدر اللازم مما ينبغي أن لا يجهله كل مسلم ومسلمة من دينه وحضارته وتاريخه، كما تدرّبهم على أصول التحاور والنقاش والجدل أحيانا..

ويمكن أن يشهد على ذلك الألوف ممن "تتلمذوا" وتعلمّوا بشكل أو بآخر في ذلك المنتدى العلمي المعرفي الوارف الظلال، وقد صاروا جميعا، اليوم إطاراتٍ عليا في مواقع متنوعة، في الداخل والخارج، في حقول العلم والفكر، والإدارة والتسيير !!

إذ كانت ملتقيات الفكر الإسلامي - بالنسبة لهؤلاء الحضور، كما وصفها استاذنا حسن خليفة - أقرب إلى أن تكون تربّصا علميا ثقافيا مفتوحا مدة أسبوع، يستمعون فيه إلى عشرات المحاضرات والمداخلات، ويستمعون أيضا إلى عشرات المناقشات والتعقيبات عن كل محاضرة ومداخلة… محاضرات لذوي العقول الكبيرة الوازنة، وذوي العلم الغزير النافع المتدفق من علماء وأساتذة وخُبراء ومستشارين في الفكر الإسلامي والفكر الإنساني، فيتعلّمون ويتمرّنون، بكل ما يعينهم على صقل ذواتهم وشحذ شخصياتهم وتطوير أنفسهم، وفق ثوابت الوطن.

الملتقيات كانت كسبا خالصا للجزائر حكومة وشعبا:

 

ينبغي التأكيدُ هنا على أمر أساسي وهو أن تلك الملتقيات كانت كسبا خالصا للجزائر حكومة وشعبا، على أكثر من مستوى، وفي أكثر من مجال، و لنستعرض بعضا من ذلك:

ـ خسرت الجزائر، دولة وحكومة وشعبا الكثير بـ"توقيف" تلك الملتقيات الجليلة والجميلة، خسرت الدعاية الإيجابية لنفسها، وخسرت تسويق صورتها الرفيعة المشرقة في خدمة الفكر الإنساني.

- خسرت الجزائر ريادة وقيادة فكرية ثقافية على مستوى العالمين الإسلامي والعربي؛ إذ كانت تجتمع فيها مئاتُ العقول الكبيرة العالمة، من أقطار شتى، وكان ذلك يمنحها قوة تأثير هائلة، فتكون قاطرة خير ودولة مبادرات عالمية في فضِّ النزاعات، وحلِّ الخلافات بين الأشقاء والأصدقاء، ويمنحها ـ  بفضل الله تعالى أولا ـ ثم بفضل تلك النخبة من العلماء وحضورهم الدائم وصداقتهم ومعرفتهم بالجزائر.. يمنحها السّبق في أن تكون دولة ريادة في بسط النفوذ الناعم على عواصم ودول شقيقة وصديقة.

ـ وهناك خسارات أخرى، لو استمرت تلك الملتقيات لتركَّز الفهم الصحيح للإسلام في النفوس والعقول، ونشأت أجيالٌ وأجيال على المعرفة الحقيقية للإسلام من أصوله وأفواه علمائه الأصفياء الراشدين، وما كان ليحدث ما حدث من فتن واحتراب، في العشرية السوداء..

- كان في إمكان الجزائر بفضل تلك الملتقيات العالمية الرائدة  أن تكون وسيطا ناعما قويا بين الفرقاء المتخالفين. وما يحدث اليوم في العالمين العربي والإسلامي : إيران ـ السعودية ـ دول الخليج ـ العراق، سوريا- اليمن- ليبيا - مصر- … لو حرصت الجزائر على بناء “سمعة” دولية من خلال العلماء لأمكن لها الضغط بالعلماء والشعوب التي تحب العلماء و لحققت الكثير من الكسب في ديار الإسلام..

فانظر إلى هذه الكسوب التي قتلها إيقاف الخير العميم في تلك الملتقيات. وأعظمها خدمة الدين وطلب مرضاة الله تعالى، وهو أعظم ما يقدمه الإنسان فردا وجماعة ودولة لله سبحانه وتعالى.. ﴿ لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍۢ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾.. إنه ﴿ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.

 
 
 
 
 
 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services