63

0

معانى من الهجرة النبوية..إنشاء مجتمع الإسلام ودولته

"خاتم النبيين" للإمام محمد أبو زهرة{1898 ـــــ 1974}

 

 

إعداد وتعليق: محمد مراح

الهجرة النبوية هي المرحلة الكبرى الثانية من مراحل الدعوة؛ فعلماء السيرة يقسمونها باعتبار السِرِّ والجهر بها إلى مرحلتين السرية نحو ثلاث سنوات من بعثته صلى الله عليه وسلم، والجهرية نحو عشرين سنة في مكة المكرمة  ثم المدينة المنورة .

وقد حفظ لنا كُتّاب السيرة الطاهرة كلّ ما بلغهم من روايات عن الهجرة إلى المدينة المنورة على نحو مفصل دقيق صافي، وأعمل العلماء المتقدمون والمتأخرون النظر في الحِكَم والغايات والأهداف فيها، فخلّدت المصنفات والتآليف كنوزا من العلم والهدى والتشريع والفوائد يستهدى بها المسلمون في كل زمان ومكان .

أغتنم السنة الهجرية الجديدة لنقل  وساطة نفيسة بين القارئ وبعض معانى  الهجرة النبوية الشريفة التي قدحت بها قرائح كبار علماء الإسلام في العصر الحديث.

أنتقى  له بعضها ، وصل  بمنابع العلم الرصين ، الذي يمثله علماء كبار ، يندرجون تحت قوله تعالى :"فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وحديث :" العلماء ورثة الأنبياء" . 

من دوافع هذه الوساطة واختياراتها ، ربط الشباب المسلم بالمسلك السليم الذي يتبعه المسلم لتعرف على دينه ، وفق ما مضى عليه  العلم في الإسلام وفي حضارته منذ بزوغها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، الذين أسسوا لمناهج وأصول العلوم الشرعية، واجتهاداتها ، التي توجها أئمة المذاهب الإسلامية الكبرى  وعباقرة  تلاميذهم الذين طوروا المذاهب و مناهج الاستدلال والاجتهاد .

فهذا منهج السلف الحق، وغيره ضلال عنه، وبدع أشد خطرا على الإسلام من المذاهب والأيديولوجيات المادية  والروحية قديما وحديثا .

لأنها تلغى التراث العلمي لخمسة عشرة قرنا ،  بدعوى السنة؛ فيحلمونها بذلك وزر القضاء على  أعظم تراث تشريعي شهده العالم .

نطلب هذا المعنى الكبير وما اندرج تحته من معانى الهجرة النبوية  هنا، لدى الإمام محمد أبي زهرة في سفره النفيس خاتم النبيين {3 أجزاء ، 1120صفحة} في الطبعة المتداولة له. أنجزه الإمام بقمة الملاءة العلمية التي عرفت من كبار علماء الشريعة في عصرنا الحديث ؛ والإمام فيما يذهب إليه بعض العلماء أكبر علماء الشريعة والفقه الإسلامي في القرن العشرين ، وأكبر المجتهدين . من تآليفه التي لم تسبق ولم تضاهى إلى اليوم الأسفار الخالدة  حول أئمة الفقه الإسلامي ومذاهبه { الإمام جعفر الصادق ـــ أبو حنيفة ـــ مالك ـــ الشافعي ــــ أحمد ـــ ابن حزم ــــ ابن تيمية}، عرض فيها مذاهبهم ومناهج اجتهاداتهم وأصولها ، مع مناقشات واجتهادات وترجيحات العالم ومناقشات علمية رفيعة . تحظى اجتهاداته الفقهية بأعلى التقدير والتبني، من علماء الشريعة والباحثين ؛ فلا يكاد يخلو بحث فقهي من تبنى اجتهاد  وأراء الإمام . كما كان يحظى بمكانة سامية في ملتقيات الفكر الإسلامي . 

عرض الإمام أبو زهرة رحمه الله لمعانى الهجرة البعيدة من خلال ميزته الرئيسة؛ وكانت باب انتقال المسلمين من الجماعة إلى المجتمع والدولة؛ لذا ساق للمسلم المعاصر العناوين الكبرى لهذا المحتمع المسلم والدولة الإسلامية التي أسسها النبي الكريم ، فتغدو النموذج الأعلى للمسلمين في كل تاريخهم ، يستهدون بقيمها ورسالتها ورسالتها لهداية الناس لربهم ، وقيادة الحضارة الإنسانية وفق قيمها الأقوم سبيلا .

هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وخرج من مكة المكرمة، وهى أحب أرض الله تعالى إليه ، و انتقل  إلى المدينة المنورة، وما كان ذلك إلا لأنه بأمر ربه أنشأ دولة، ولأنه ما جاء لرهبانية أو روحانية مجردة، أو لتهذيب النفوس فقط، بل بعث رحمة للعالمين ولا بد من أن تقوم دولة تقيم الحق، وتخفض الباطل، وتمنع الظلم، وتجمع الإنسانية، وتنشر التعاون بين الناس، وتمحو كل الفوارق حيث يستطيع إقامة الدولة المؤمنة التي تتناهى عن الشر، وتتعاون على الخير، وكذلك كل رسول يأتى بشريعة تقوم عليها دولة،

جاء محمد عليه الصلاة والسلام على فترة من الرسل لإقامة الدولة الفاضلة لأنه خاتم النبيين، ولأنه آخر صرح في بناء النبوة الإلهية، فكان لا بد من أن تودع رحمته في جماعة مؤمنة، وأن تكون هي حاملة تبليغ الرسالة من بعده، تقاوم في سبيلها، وتسالم في الدعوة إليها ومد مبادئها، وتنتقل الرسالة في الأجيال مع هذه الأمة التي حملت الأمانة، ومع دولة تحميها.

وإن قيام الدولة الفاضلة، بعمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في حياته والحواريين من بعده فيه تطبيق عملى للفضيلة والعدالة والمساواة. وإذهاب روح التفاوت والعنصرية، وبث الإيمان والفداء، ورجاء ما عند الله تعالى. ويكون ذلك حجة في الأرض على الذين يدّعون، أن قيام دولة فاضلة على مبادئ الأخلاق ليس حلما لا يتأتى تطبيقه، ولكنه عمل ثبت تحقيقه، وقامت في الوجود أعلامه، وأن الذين يفرطون في حقوق الإنسانية، يسرفون على الناس في ظلمهم زاعمين أن الفضيلة والأخلاق علاقات شخصية، ولا تصلح أن تكون أساسا للعلاقات الاجتماعية .وأن قيام الدولة الإسلامية حجة قائمة على الذين يزعمون أن الدين علاقة بين العبد وربه. وأنه مقصور على المساجد والكنائس ؛لأنه لو كان الدين كذلك ما هاجر النيى صلى الله تعالى عليه وسلم، و لارتضى البقاء في مكة المكرمة، واكتفى أن يطلب من المشركين أن يتركوه وما يعبد، وأن يتركهم وما يعبدون، ولعلهم كانوا يرتضون بذلك،  .

:الأهداف الاجتماعية والدولية للدولة الإسلامية                         

 أ.تهذيب النفس:   أول الأهداف الاجتماعية تهذيب الآحاد ليكون منهم وحدات متلائمة يتكون منها مجتمع،

ب تكوين الأسرة:  واتجه الإسلام إلى تكوين الأسرة الفاضلة. لأن الأسرة نواة البناء الاجتماعي. وهى الوحدة الأولى في إقامة دعائمه. ولذلك عنى القرآن الكريم ببيان أحكامها. وشرح الواجبات والحقوق فيها بين الزوجين. وبين الآباء والأبناء. وإن كل الأحكام الشرعية الخاصة بالعبادات والتعامل جاءت مجملة. وبين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تفصيلها بالعمل. لا بالقول فقط، إلا أحكام الأسرة، فقد تولى الله سبحانه وتعالى بيانها تفصيلا في كتابه الكريم، بين التزامات الزوجية والعلاقات الأسرية، وعلاجها إذا أصابتها آفة، وبين أحكام الميراث تفصيلا لا إجمال فيه، وأحوال الطلاق وما يتصل به. وإن ذلك كله حجة قائمة على الذين يريدون أن يحرفوا الشرع عن مواضعه، ويجعلوا للأسرة نظاما لم يأت به كتاب الله تعالى. وهو عند الله منكر، لأنه تقليد للذين لا يعرفون مكانة الأسرة، ولا حريتها.

ج . رأى عام  : قامت الدولة الإسلامية التي أقامها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تنفيذا لحكم الله على تكوين رأى عام فاضل. ولذلك حث الإسلام على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واعتبرهما عنوانا للأمة الفاضلة يقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم :   » . لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدى الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن بقلوب بعضكم على بعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم» . وإن الرأي العام الفاضل تسوده الفضيلة، وتقتل فيه الرذيلة، وإن الجماعات الإنسانية التي انحرفت، وسادتها الرذيلة، أول مظاهرها فقدان الحياء،

د. الكرامة:   إن دولة الإسلام التي ألفها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المدينة المنورة تدعو إلى تكريم الإنسان. لأنه إنسان لا لكونه شريفا نسيبا، ولا لكونه أبيض أو أسود، ولا لكونه مسلما، بل للإنسانية فيه، ولقد قال الله تعالى في ذلك، لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا.

د. العدالة:  أوجب القرآن الكريم العدالة بكل ضروبها، وعدها عنوان الإسلام، ويروى في ذلك أن أكثم بن صيفى لما بلغته دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل بنيه ليعرفوا دعوته عليه الصلاة والسلام، فتلا عليهم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (  .وإن العداله مطلوبة على الولي والعدو على سواء، ولذلك قال الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ( .فالعدل حتى مع العدو المشنوء أقرب للتقوى.والعدالة في مضمونها تشمل ما يسمى العدالة القانونية، وهى أن يكون القانون الذى يحكم به الناس واحدا، وأن يكون تطبيقه على الجميع واحدا، فلا يضار الفقير في تطبيقه، ولا يحابى الغني في معاملته، وأساسه المساواة في التطبيق.

وتشمل العدالة في مضمونها العدالة الاجتماعية بأنَ يُمَكَّن لكل إنسان من أن يعيش عيشة كريمة غير مقطوع ولا ممنوع، وأن يمكن من استغلال مواهبه فيما يفيد شخصه، وجماعته، وأن تهيأ الفرص لكل إنسان أن يعمل بطاقته جسمية كانت أو عقلية

ويشمل مضمون العدالة الدولية، وهى تقوم على ثلاثة مبادئ متقررة في حكم القرآن الكريم، وبعمل النبي  صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى الوفاء بالعهد، والمعاملة بالمثل من غير أن يجارى الأعداء في انتهاكهم لحرمة الفضيلة، فإذا قتلوا النساء والذرية لا نجاريهم، وإذا انتهكوا حرمات الفضيلة لا ننتهكها، لأن دين العدل والفضيلة لا يجارى الناس في مآثمهم. وثالث الأمور في العدالة الدولية أن الأساس في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، حتى يكون اعتداء أو استعداد للاعتداء، أو محاربة لحرية الاعتقاد ووقوف ضد الدعوة الإسلامية التي تدعو إلى أن يكون الدين كله لله تعالى، بحيث لا يفتن مؤمن، ولا يعتدى على اعتقاد

التعاون

النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أقام الدولة الإسلامية بالتعاون والتآزر، وجاء القرآن مقررا ذلك المبدأ الكريم بأدق معانيه، وكانت الدولة الإسلامية التي أوصى بها القرآن الكريم، ونفذها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد أتت بمبدأ لم يسبق إليه سابق، ولم يلحقها فيه لاحق، وهو سداد دين المدينين الذين استدانوا في غير فساد أو سرف، وعجزوا عن سداد الدين، فإن ذلك مصرف من مصارف الزكاة. وبينما كان القانون الروماني في بعض أدواره أجاز للدائن أن يسترق المدين، كانت الدولة الإسلامية التى أنشأها محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بإذن الله تعالى تعمل على سد الدين عن المدينين..

ولئن انتقلنا من الأمة إلى الجماعة الإنسانية نجد أن القرآن الكريم والسنة المحمدية يوجبان أن يكون التعاون أساس العلاقات الإنسانية عامة، ويعمل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الدولة التي أقامها على التعاون الإنساني العام استجابة لقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (

وقد يقول قائل: ألا يتعارض مبدأ التعاون مع الحرب؟ ونحن نقول:   الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة- ٢٥١) .فكانت حرب الأشرار من قبيل التعاون على الخير، ودفع الإثم والعدوان، وكذلك كانت حروب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لدفع الأشرار، ومنع الملوك الغاشمين من أن يرهقوا شعوبهم بمنع حرياتهم]

ه. الرحمة والمودة : قيام دولة الإسلام على أساس الرحمة الشاملة والمودة المقربة، ومنع البغضاء المنفرة، ولقد قامت الدولة الإسلامية على أساس الرحمة والمودة، أما الرحمة فأساسها الرحمة بالأخيار، لا بالأشرار، فليست الرحمة في الإسلام: مجرد انفعال نفسى، بل هى الرحمة بالكافة، ولقد قال بعض الصحابة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «يا رسول الله أكثرت من ذكر الرحمة ونحن نرحم أزواجنا وذرياتنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا أريد، إنما أريد الرحمة بالكافة» . ولذلك شرعت العقوبات الزاجرة رحمة بالكافة، فقد قال عليه الصلاة والسلام «من لا يرحم لا يرحم» وإن بعض أنواع الرأفة يشمل في أطوائه أشد أنواع القسوة، وهى الرأفة بالمجرم، فكان من قانون الرحمة العادل أن يعاقب المذنبون.وإن الرحمة العادلة التى تكون للآحاد، إنما تكون على الضعفاء من العبيد، والفقراء واليتامى، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «أبغونى في ضعفائكم، إنما تنصرون وترزقون، بضعفائكم

وإن المودة ليست واجبة بالنسبة لأبناء الأمة الإسلامية وحدهم، بل هي واجبة حتى للمخالفين فى الدين ما داموا لم يعادوا المسلمين أو لم يعتدوا عليهم، ولقد بين الله سبحانه وتعالى تلك الحقيقة، وهى القانون الشامل في معاملة المسلمين لغيرهم، فقال الله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة ٨- ٩ . ويروى أنه في مدة الحديبية بلغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن قريشا نزلت بهم جائحة فأرسل مع حاطب بن أبى بلتعة خمسمائة دينار ليشتري  بها بُرّا، ويوزعها على فقراء قريش.بل إنه في أثناء الحرب، لا تنقطع المودة مع شعوب الدولة المحاربة من غير المقاتلين، ولا تنقطع المودة إلا مع المقاتلين أو من يشتركون في القتال بالعقل والتدبير، والترتيب والتنظيم، فأولئك هم الذين يحادون الله ورسوله

 [رعاية المصلحة الاجتماعية بضوابط قرآنية]- المصلحة ودفع الفساد، وقد قامت الدولة الإسلامية التى بينت أسسها في القرآن الكريم، وطبقها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأرسى قواعدها عمليا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، قامت على رعاية مصالح العباد في الدنيا والآخرة على القاعدة التي ذكرت في القرآن الكريم: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص- ٧٧) .وهكذا كانت المصلحة الجماعية هىي من غايات الإسلام.   

بهذه الرؤية العميقة عمق رسوخ  عَلَم من علماء الشرع الإسلامي الحنيف فيه . رسم الإمام الشيخ محمد أبو زهرة  العناصر الرئيسة لهدف الهجرة النبوية الأعظم .

ويجدر بنا التنبيه إلى  ضمور أو تلاشى هذه المعاني الكبيرة وأمثالها للذكريات  والمحطات العظيمة في .سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، في الحياة العامة للمسلمين ، و صرف الناس عنها  باستهدافها بصفة " البدع " ؛ التي لا يجوز الوقوف عندها بوصفها أعيادا ومناسبات إسلامية . والمشهد الإسلامي العام  السائد هو نتيجة مخطط أو مخططات أعدت في مراكز رصد وتفكير عالمية كبرى ، لتوجيه المسلمين في تدينهم وقضاياهم ؛ اتجهت جهود جبارة لانحسار  الوعي الإسلامي المتدفق الذي فاضت به الشعوب الإسلامية    وتصوراته و رؤيته التي من خصائصها التشابك مع الواقع المحلي والدولي سلبا وإيجابا ، وحمل هدف العودة إلى الإسلام في كل مناحى الحياة . فلما أنهك هذا الوعي بالوسائل والعوامل المعروفة ، سربت المشروعات البديلة لساحات التنفيذ؛ فصار الشعور الإسلامي العميق في نفوس الشعوب يُشْغل ويُغْوَى بثوب مزركش بقداسة السنة النبوية المطهرة ، يرتدى فيصير شخصية المسلم المعاصر التي لا يرى ما يستحق به المسلم الصفة إلا عقيدة السلف { قولا واحدا } وغيره بدع وضلال ، وصورة لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها بدع ومخالفات لسنته الشريفة ، وصورة واحدة للباس الإسلامي . وغيرها مما يرى الجميع ويعرف . ومشتق آخر لهذا المشروع يتحول فيه أصحابه لأبطال بدر والقادسية إذا كانت أرض المعركة بلدا إسلامية ، ويرسل حمائم السلام للصهيوني ، ولا يجد حرجا في وصف الحركات المجاهدة في فلسطين  بالخارجة عن الحاكم ، واستشهاد قادتها يترحم عليهم بــ " مستراح منه" .

كما سُرّب بساحة التدين الإسلامي و الوعي به مشروعات إنكار السنة ، و"مجتهدين"  مهدوا للدجال الطريق، بسحب آلاف الشباب الذين صنعهم الوعي الإسلامي الأصيل . ففتنوا بشحروريات شحرور وأضرابه .

كما سربت على المستوى النفسي طاقة أحمد عمارة الخليط من البوذية والديانات والمذاهب الروجية الوثنية والمسيحية واليهودية ، بغلالة إسلامية ، لاستقطاب الذين يعانون من مشكلات نفسية ، وصدمات اجتماعية  .

وأقرب حصيلة عملية لهذه الزروع الشيطانية المنازلات الجبارة بين المجاهدين والمقاومين في غزة وفلسطين. كللها طوفان الأقصى الذي أشعر الكيان بحقيقة الخطر الوجودي عليه .

فالحصيلة بالنسبة لموضوعنا هنا ، أن المشروعات البديلة للوعي الإسلامي العميق  ثبت هزالها وعبثها وضلالها وتضليلها . وبرهنت الوقائع على منطق بدء الخروج من تيه الذل والتخلف عبر مقاومة رأس حربة القوى الكبرى التي تدرك مكمن عزة المسلمين . تمدهم الجولات التي حقق فيها العرب نصرا على الكيان بتلك القوة ؛ ففي الجولات الكبرى في العقدين الأخيرين كانت المقاومة إسلامية ، ألحقت هزائم و أفزعت الصهيوني . ومن قبل حرب أكتوبر 1973 التي كادت ان تنهى الكيان من الوجود ، لعبت فيها الروح الإسلامية دورا فاصلا حاسما في أرض المعارك ؛ يروي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى ، كيف كان هو وكثير من الدعاة يذهبون للجنود في خنادقهم على أرض المعركة ويرفعون معنوياتهم ويثبتونهم بمنطق الإيمان .

 

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services