269

0

ما لم تسطع السياسة المغاربية إنجازه، قد يحققه التاريخ والجغرافية !!

تركيا تحتضن ملتقى مغاربي، حول "باب المغاربة" المغتصب بالقدس الشريف

 

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا

 

خدمة للقدس والمسجد الأقصى، وإحياء لتراث المغاربة في المدينة الفلسطينية المباركة، دُعيتُ منذ أشهر للمشاركة في ملتقى إطلاق "وقف باب المغاربة" والذي يعنى - كما يأمل منظموه - بإحياء تراث المغرب العربي في القدس خصوصا وفلسطين عموما، بمشاركة شخصيات وعلماء من بلدان المغرب العربي، و ضيوف من القدس والعالم الاسلامي، وأكدت حينها حضوري - بحول الله - للإخوة في تركيا، جزاهم الله خيرا، لأن المؤتمر سيكون في وقت عطلة ومكان مناسب لي في تلك الفترة الصيفية، وتحديدا في مدينة اسطنبول بتركيا يومي 13 و14 من شهر جويلية 2024م. و قد برمج اللقاء الذي ضم مجموعة من الشخصيات و الرموز من دول المغرب الإسلامي والجالية المغاربية من مختلف دول أوروبا، طبعا كان اللقاء خاص دون بث وإعلام خارجي، والهدف الأساسي من اللقاء طرح مشروع

 " إحياء تراث المغاربة في القدس و المسجد الأقصى"،

في شكل مؤسسة تعمل على الاهتمام به بمختلف الوسائل الثقافية المتاحة، و كانت - حسب المنظمين- جلسة (ورشة) خاصة لإنضاج المشروع، والاستفادة من كل الأفكار والمشاريع التي تطرح من المشاركين، كما برمجت فقرات علمية أخرى تصب في مضمون اللقاء الذي سيكون بدوره ذو طابع ثقافي مغاربي فلسطيني بحت، في حضوره ومضامينه، ومن أهدافه تمتين وتثمين اللحمة بين بلدان المغرب الإسلامي، والإجتماع على مشروع واحد محل إتفاق بين الجميع.

 وكان حضوري هذا من باب استفادتي الشخصية بالدرجة الأولى، من الأساتذة الأكارم أصحاب الاختصاص و الذين عاشروا و تتلمذوا أو حتى ولدوا في تلك البقعة المباركة، أما أنا فلا أعد أن أكون قارئا نهما لبعض ما كتب عن تاريخ و جغرافيا فلسطين وقدسها الشريف، لإتمام بعض بحوثي و كتبي التي لازالت مخطوطة معلقة منذ عقود، و عن "حارة المغاربة" خصوصا وهو أحد الأحياء المشهورة في البلدة القديمة بالقدس، كما يعرف الجميع، وسمّي بحي المغاربة نسبة لسكّانه من المغرب العربيّ (وليس المغرب الأقصى، كما يشاع خطأ)، هؤلاء العرب و البربر القادمين من شمال إفريقيا، الّذين سكنوا فيه بعد مشاركتهم ضد الحرب الصليبيّة مع قائد المجاهدين صلاح الدين الأيّوبيّ لتحرير القدس، وقد ترجم " باب المغاربة" بالإنكليزية خطأ ونسب جهلا من طرف بعض العرب بالتاريخ والجغرافية واللغة للمغرب الأقصى الشقيق !!

 MOROCCO GATE

و الأصح ، كما توضحه الصورة المرفقة :

BAB AL-MAGHARIBA (North African Gate or AL-MAGHARIBA GATE)

ومن أهم رموز الحي المغاربي، كانت المدرسة الأفضليّة (على اسم الملك الأفضل - ابن صلاح الدين)، التي بناها قبل أكثر من 800 عام في قلب حي المغاربة، وكانت مركزًا روحيًا هامًا لسكّان الحي.

 

دور العلامة سيدي بومدين ومغاربة شمال إفريقيا في تحرير القدس :

بعد فتح القدس على يد صلاح الدين الأيوبي في عام 1187، لعب المغاربة دورًا بارزًا في المدينة، كما شكّلوا – أي المغاربة ربع الجيش- أي نسبة تتراوح ما بين 20% إلى 25% من الجيش الذي قاده صلاح الدين في معركة حطين، والتي استرجع فيها القدس من الصليبيين بعد الفتح، وأوقف الملك الأفضل نور الدين بن صلاح الدين الأيوبي حارة المغاربة على المغاربة الذين شاركوا في تحرير القدس، وكذلك على الوافدين منهم إلى المدينة من طلاب العلم والحجاج، على رأسهم سيدي بومدين الولي الصالح، ومن يعرف قصة العالم المجاهد؛ بطل العالم الإسلامي وعلاَّمته الكبير شعيب سيدي بومدين الغوث، ومن يعرف أحداث معركة حطين، ومن ويقرأ في كتب التاريخ ويبحث فيها يعرف أن تسمية “باب المغاربة” تتصل في أصل نسبتها بأتباع الشيخ العالم المجاهد شعيب أبو مدين الغوث التلمساني الجزائري، أتباعه هم أساسا طلبة القرآن حيث كان يقيم في مدينة بجاية الجزائرية.

وقد تشكلوا جيشا حربيا وراء أبي مدين وساهموا باستبسال في الجهاد لاستعادة القدس من الصليبيين بمعركة حطين مع القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، رحمة الله عليهم جميعا.

 و أصبحت بعد ذلك "حارة المغاربة" جزءًا مهمًا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القدس، حيث كانت تقع بالقرب من المسجد الأقصى وحائط البراق، الذي يسميه اليوم الصهاينة " حائط المبكى" زورا و بهتانا!!.

 

عائلات جزائرية لا زالت تطالب بإرثها المغتصب في "حارة المغاربة"..

 

وقد عرفنا وتعرفنا - في مقالات سابقة – أن هناك عائلات جزائرية من قسنطينة و بجاية و تلمسان، لا زالت تطالب بأجزاء من أرض أجدادها المقدسيين في حارة المغاربة عبر العدالة المحلية والدولية، رغم ذلك ألح علي بعض أساتذتنا الأفاضل، أن أشارك بورقة متميزة - في نظره - مقترحا علي، العنوان التالي : " شخصيات جزائرية مقدسية استوقفتني "، السلسلة التي كنت قد كتبت فيها منذ سنوات عن شخصيات جزائرية مهاجرة في المشرق كفلسطين و الشام و.. أو كلمة عن المساهمات الجزائرية في تحرير الأراضي الشامية أو الفلسطينية.. أو شيء من هذا القبيل !!

  وفعلا أعجبني الاقتراح و بدأت أجمع أشتات أفكاري ومراجعي للموضوع، وإذا بأشغال أخرى تدخل على الخط ألهتني عن مباشرة الموضوع، ثم تلتها أسفار وتنقلات، فاعتذر عن الحضور على مضض - لضيق وقت التحضير- قائلا لنفسي:

 ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن"!!.

 

أصداء و أجواء ملتقى "باب المغاربة" في إسطنبول : ..

 

و ما إن أنهى المؤتمر أشغاله الأسبوع الماضي فقط، ووصلتني بعض توصياته التي خلص الباحثون من خلال أبحاثهم ومناقشاتهم، حتى عاودتني الحسرة، وعضضت أناملي ندما على ما فرطت وما ضاع مني من خير عميم، و لفتح باب شهية القارئ الكريم ليغوص في أسباب حسرتي وندمي، أسرد بعض ما زودني به بعض الافاضل عن أجواء الملتقى، على الله سبحانه وتعالى يوفق اخواننا في لقاء قادم للاستفادة والإفادة، وما ذلك على الله بعزيز، منها على الخصوص :

- أن الملتقى المنعقد بإسطنبول تحت يافطة "باب المغاربة"، يومي 13/14جويلية-يوليو 2024 ، حضرته كوكبة من الباحثين والنّاشطين في العمل الجمعوي من بلدان شمال إفريقيا، المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا؛ بالإضافة إلى فلسطين، وبعض العناصر الأخرى من الدّول العربيّة والأوروبية..

- أطّر الملتقى مجموعة من الدّكاترة والأساتذة والباحثين من ذوي الاختصاص، مركّزين في محاضراتهم على ضرورة وجود دور مغاربي لإحياء إرث الأجداد وتجديده؛ فقد كان لهم باب بالقدس هو "باب المغاربة" لايزالون يُذكرون به في مدينة السّلام التي حوّلها الاحتلال إلى نقطة توتّر عالميّ، وبؤرة عنصريّة مقيتة؛ مذكّرين الحضور المغاربي بجهاد أجدادهم، مستصرخين إيّاهم كي يأخذوا من هممهم فيكونوا - إن شاؤوا - خير خلف لخير سلف للاضطلاع بأدوار طلائعيّة تميط اللثام عن التّاريخ الذي أريد طمسه، وعن الشّخصيّة المغاربيّة الأصيلة؛ فهي دعوة لتصحيح التّاريخ واستشراف مستقبل يتغذّى من مروءة الأجداد و استماتتهم في الدّفاع عن الذّات والمقدسات.

 

دعوات إلى المرافعات محلّيّا ودوليّا من أجل إثبات الإرث و الحقّ بحي "باب المغاربة"

 

كما دعوا إلى المرافعات بجميع أنواعها وأشكالها محلّيّا ودوليّا من أجل إثبات الإرث وإثبات الحقّ بحي "باب المغاربة"، فإنّ الحقوق لا تسقط بالتّقادم ولا بالهدم وتغيير المعالم؛ فإنّ حيّ باب المغاربة من الأحياء الأثريّة البارزة المصنّفة عالميّا في القدس القديمة، ويقع غرب المسجد الأقصى، وهو ملاصق لحائط البراق، الذي ربط الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، البراق به، قبل أن يصلّي في المسجد الأقصى، إماما بجميع الرّسل والأنبياء صلوات ربّي وسلامه عليهم أجمعين. وهي دلالة واضحة الارتباط بالإسلام كدين وعقيدة أمة !!

حيث كان لحارة المغاربة قبل الهدم، دور أساسيّ في تاريخ مدينة القدس وحياتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والرّوحيّة والثّقافيّة على مدار قرون. وفي يونيو1967 هدم الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، حارة المغاربة بأكملها وشرّد أهلها وسكّانها وضيوفها، محوّلا بذلك ثمانية قرون من التّاريخ الإسلاميّ الزّاخر إلى ركام، وأنشأ على أنقاضها "ساحة المبكى" التي خصّصت للصّلاة والاحتفالات اليهوديّة زورا وبهتانا وتزويرا للتّاريخ الإسلاميّ العالميّ دون وجه حقّ ..

 

الحرب الظّالمة على غزّة من أولويّات اللقاء

 

ولم تفت قضيّة القدس والحرب الظّالمة اليوم على غزّة عن الحضور في الملتقى، مسلّطين الضّوء، تعريفا و تشخيصا سواء من جهة المحاضرين، أو من جهة المتدخّلين، بحكم ما لغزّة من أولويّات لا تخفى على حرّ، ناهيك عن الأمّة الإسلاميّة جمعاء، ملاحظين أنّ الاهتمام بحيّ المغاربة إنّما هو اهتمام بفلسطين؛ إذ لا رجوع لحيّ دون مدينته وبلده ولا إمكانيّة لوجود المغاربة فيه إلّا إذا وقع التّحرير وانتفى المحتل وانسحب من المكان... فالحديث عن الحيّ كان الهدف الأكبر منه تحسيس النّاس حيثما كانوا، ومنهم المغاربة، بالقضيّة الفلسطينيّة وبغزّة التي تُباد الآن دفاعا عن الكرامة الإنسانية وليس الإسلامية فحسب، وعن القدس التي فيها (باب المغاربة) ودعوة إلى التّمسّك بالدّفاع عن الأعراض اقتداء بالأجداد الذين ما خنعوا ولا استسلموا.. ولا يزال الكثير من أحفادهم شاهدين صامدين في القدس القديمة، لا يبغون عنها حولا ... و الله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services