619

0

ليس في غزة ما هو أبلغ من حكاية الخيمة..

بقلم: جون مصلح

 تلك التي نُصبت أول مرة فوق رؤوس من شُرِّدوا من بيوتهم. فظنّوا أنها أيام قليلة وتنقضي فإذا بها تتحوّل إلى قدرٍ يطول ويطول… برد يلسع العظام شتاء وحرارة تخنق الأنفاس صيفا وأرض بلا ماء ولا خدمات تحوّلت لسقفٍ جديد للحياة..

النزوح… مدرسة الصبر الكبرى

أكثر من مليون إنسان عاشوا هذه التجربة القاسية منذ شهور طويلة أطفال ونساء وشيوخ ومرضى يُفتّشون في تفاصيل يومهم عن لقمة تسد الجوع أو جرعة دواء تبقي الروح حيّة هؤلاء لم يعودوا مجرّد نازحين… بل أصبحوا خبراء الصبر يحملون على أكتافهم معنى البقاء حين تغلق سبل الحياة.. والمأساة لا تتوقف هنا فالمليون الثاني ينظر إليهم بعيونٍ مرتعشة يخاف أن يلقى نفس المصير. إنهم المروعون من فكرة ترك البيوت. يحدّقون في الخيام كأنها أبواب موتٍ بطيء… فالأولون هم السابقون وهؤلاء ينظرون إلى أنفسهم كأنهم اللاحقون... فيا رب يا عزيز مقتدر… اجعل لهذه الأمة من بعد العسر يسرًا ومن بعد النزوح رجوعًا كريمًا ومن بعد هذا البلاء فرجًا ونصرًا وامنحهم خلاصًا يحفظ لهم ما تبقّى من كرامة وموطن.. والله غالب ...

 حضور وطني يعزز الموقف الفلسطيني

إنّ مشاركة القائد الفتحاوي الكبير سمير المشهراوي في جلسات محادثات القاهرة الأخيرة ليست حدثًا عابرًا بل خطوة وازنة تحمل في طيّاتها أبعادًا سياسية ووطنية عميقة. فالرجل يمتلك سجلًّا نضاليًا حافلًا وخبرة طويلة في العمل الوطني إلى جانب رؤيته الواضحة وفكره السياسي المتّزن وهو ما يضفي على الوفد الفلسطيني بعدًا جديدًا يرفع من مستواه التمثيلي ويعزز من قدرته على إقناع الأطراف الإقليمية والدولية.. إنّ وجود شخصية الاخ ابو باسل المشهراوي في قلب هذه المحادثات يجعل الوفد الفلسطيني أكثر شمولًا وتمثيلًا لمختلف أطياف الشعب الفلسطيني ويمنحه قوة مضاعفة في التأكيد على أن قضية فلسطين أكبر من أن تُختصر بفصيل أو جهة واحدة. فالرسالة التي تصل إلى الخارج واضحة: القرار الفلسطيني جماعي ووحدة الصف هي السبيل الأمثل لمواجهة التحديات والتصدّي لمحاولات فرض الحلول المجتزأة. لقد لاقت هذه الخطوة استحسانًا واسعًا في الشارع الفلسطيني إذ شعر الكثيرون أنّ صوتهم بات حاضرًا بشكل أعمق وأن الوفد المفاوض يستند إلى خبرات تراكمت عبر عقود من التجربة والنضال. إنّ إشراك أصحاب الرأي والخبرة يفتح آفاقًا أوسع لسير المفاوضات نحو نتائج أفضل. ويزرع بذور الأمل بإمكانية إنجاز المهمة الصعبة: وقف الحرب الوحشية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ورفع المعاناة عن أبناء شعبنا الصامد. ومن شأن هذا الحضور الجامع أن يعيد الاعتبار لفكرة الوحدة الوطنية الحقيقية، ويمهّد الطريق للمصالحة الكاملة التي طال انتظارها. فبدون وحدة الموقف سيبقى شعبنا عرضة لمزيد من الويلات والمآسي. أما اليوم، فالمشهد يبدو أكثر قوة وأكثر قربًا من لحظة استعادة القرار الفلسطيني الموحد. وإننا كأبناء التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح نثمّن عاليًا توجيهات القائد محمد دحلان ورفاق درب النضال في قيادة التيار الذين واصلوا الحضور والمشاركة الفاعلة في كل مرحلة صعبة تمر بها قضيتنا الفلسطينية. إنّ هذه المواقف المسؤولة تزيدنا يقينًا بأن طريق الوحدة والوفاق هو السبيل لإنهاء الانقسام ووقف نزيف الدم والتوجّه جميعًا نحو معركة إعادة البناء واستعادة الحياة لغزة الحبيبة.

 غزة.. معركة تتجاوز حرب 73

بعد عامين من الطحن في غزة.. عامين من القتل والتشريد والحصار والجوع يخرج الإعلام العبري وفى ظل الحديث عن صفقة وليونه فى المواقف وقبول من الطرف الفلسطينى ..ليعلن بأن جيش الاحتلال يستعد لهجوم بخمس فرق عسكرية دفعة واحدة: الفرقة الضاربة 98، والفرق 36، 143، 99، و162. وهذه القوة تفوق قوة حرب 73 التي اجتمعت فيها معظم جيوش الدول العربية .. فأي معركة هذه التي يُحشد لها ما لم يُحشد في حروب دولية ؟ وأي مدينة صغيره محاصره هذه التي أرعبت كياناً يمتلك ترسانة نووية حتى اضطر أن يجهز لها خمسة جيوش كاملة بعد عامين من معركه ضرووس شنت ضدها.. الحقيقة واضحة وإن حاولوا إخفاءها:  نتنياهو لا يريد صفقة جزئية ولا صفقة كاملة. لا يسعى إلى تسوية ولا هدنة بل يريد هدم غزة فوق أهلها وإبادة من ينجو وتهجير من يبقى.

يريد تغيير ديموغرافية الأرض. ليُصفّي القضية الفلسطينية من جذورها وفق عقيدة مشبعة بأساطير التوراة المحرفة والتلمود وأحلام اليمين المتطرف بـ "إسرائيل الكبرى".لقد قالها هو ووزراؤه مراراً أمام الشاشات: لا سلام، ولا اعتراف ولا دولة فلسطينية. الهدف هو السيطرة الكاملة وتفريغ غزة من أهلها. وزرع هوية استعمارية جديدة على ركامها .. لكن ما لا يفهمه نتنياهو أن الموت في غزة لم يعد يُرهب أصحاب الأرض. فالشعب الذي عاش عامين تحت القصف اليومي. بين الركام والمجازر. صار يعرف الحقيقة.. إن رفع الراية البيضاء لن يوقف القنل .. وأن النزوح لن يمنع التهجير. وأن الاحتلال لا يريد سوى الأرض بلا شعب. لهذا فإن الرسالة الوحيدة لشعبنا المظلوم والمكلوم في هذه اللحظة الفاصلة هي: لا نخرج من بيوتنا.. و لا نمنح العدو ما يشتهيه. فالمصير واحد.. "هيك هيك ميتين نموت فى دورنا أشرف"

 غزة.. التهجير المعلن والمستقبل المسلوب

لم يعد ما يحاك ضد غزة خافيا فالمخطط بات واضحا إفراغ المدينة والمنطقة الوسطى، آخر معاقل الحياة تحت مسميات خادعة ، مناورة.. اخلاء مؤقت.. بينما الحقيقة أنها جريمة تهجير قسري مكتملة الأركان. المخيمات تُجهز قرب ميراج والمعدات تدخل تباعا في محاولة لإخراج الناس من بيوتهم ومن هناك إلى المجهول .. ثم إقناع العالم بأنها هجرة طوعية.. أي طوعية هذه والناس يبساقون بالنار والجوع والحصار. هنا لا مجال للعناد السياسى أو المواجهة التى قد تكون غير مجديه. المطلوب وعي وذكاء نافذ، والبحث عن أي مخرج يحافظ على ما تبقى من حياة ووجود. فالبقاء ولو بالحد الأدنى هو شكل من أشكال المقاومة أمام محاوله مشروع الإلغاء الشامل.

لكن إن أصر الاحتلال على المضي في مخططه فلن يغيّر ذلك من جوهر الحقيقة شيئا غزة ليست مجرد جغرافيا بل ذاكره و وجود وحقوق لا يمكن التفريط فيها. . والنهاية التي يتوهمونها ستبقى وصمة عار أبدية وليشهد التاريخ أن هذا الشعب لم يوافق ولم يهاجر يوما طوعا. محاوله تهجير غزة القسرى اليوم أمام أعين الجميع.. يدان معها كل العالم.و نحن و التاريخ لن نسامح ولن نرحم أحدًا.

 غزة… غرفة انتظار بلا أبواب

نعيش في غرفة انتظارٍ ممتدة منذ عقود، جدرانها مشيدة بصفقات مشبوهه و خائنة ووعود سلام مكذوبة. خارج الغرفة مدينة بلا أبواب، محاصرة بالجدران من البرّ والبحر والسماء. ننتظر الانفراجة، فيأتي الحصار، ننتظر الهدوء، فيأتي القصف، ننتظر الحياة فيأتي الموت. كل شيء حولنا يصرخ، ونحن ممزقون منقسمون في الداخل، ومشتتون في الخارج . تتوزع مساعينا لأجنداتٍ غيرنا، هذه ثمرة الانقسام والتشتت. لكن الصمت ليست دائما رضا ، قد يكون نار تتأجج مع كل لحظة ظلم. كفى انتظارا،  آن لغرفة الانتظار أن تتحوّل إلى غرفة قرار، آن لصمتنا أن ينهض وأن نصنع من وحدتنا قوة تهدم القيود . سنحوّل كل دمعة وكل لحظة فقد إلى وقود يشعل نار الحياة. وحين تتوحد كلمتنا  وتُصلَح شؤوننا الداخلية ويُحكَم بالعدل وتعلو القيم، عندها فقط تسقط الجدران وتُفتح الأبواب، لن يرث أطفالنا الانتظار كما ورثناه. لن ننتظر الفرج من الخارج، بل سنصنعه بأيدينا وبعزيمتنا حتى تصبح المدينة قادرة على التنفس من جديد.

بهاء… حين سرقت الحرب الحلم

الحكايات أحيانا تبدأ بالفرح وتنتهي بالدموع كالنهر الذي ينساب بهدوء ثم يبتلعه جوف الأرض فجأة تاركًا القلوب عطشى والعينين ممتلئتين بالأسى من بين هذه الحكايات تبرز قصة "بهاء" الابن الأوسط لى. شاب حمل بين ضلوعه الحلم وفي قلبه النقاء، ولاسمه نصيب فى هيئته  لكن الحرب لم ترحمه..سرقت منه أغلى ما يملك فجأه.. بهاء… "أبو جندل"، قلبه طيب وروحه شفافة عرفناه طفلاً محبوبًا..كنا نمزح معه وعباراته الطفولية لا تزال حية بيننا، كبر أمامنا وتحولت الطفولة إلى شاب طويل القامة حسن البنية جميل الملامح رائع الاخلاق يحمل أحلامه كما يحمل الشمس بين كفيه. ثم جاء قراره بالزواج فجأه الموضوع جاء سريعا ميسرا كأنه محفوف برعايه الرحمن ..كتب كتابه، جهّز شقته الصغيرة، وعش الزوجية بدأ ينبض بالحياة ليلة الزفاف كانت كأن الأرواح نفسها احتفلت بالفرح والابتسامات امتلأت بالبهجة والجميع مشارك بقلبه وجوارحه ، انقضى الاحتفال الجميل دون الشعور بالوقت وكل شئ على ما يرام .. الأمل اكتمل مع خبر الحمل… المولود الأول الحفيد الأول الابن الأول وتبين فيما بعد أنه ولد فازداد الشوق لرؤيته. جاءت لحظة الولادة ليلاً ..وكنت أنا وصديقي معا ..وذهبنا معا وسميت المولود على أسمه يسرى وكان وقعه وأثره المعنوى على صديقى عظيما فرح من كل قلبه على فرحنا . وبهاء يحمل قلبه بين كفيه وعيونه تشع نورًا حين رأى ابنه كزهرة نضرة قطعة من القلب وروح العائلة. لكن غزة لم تدم له هدوءًا،  الطائرات تحلق فوق المنازل الانفجارات ترتطم بالأرض والموت يرقب من كل شارع ومن كل بيت.. حرب مجنونه شنت على كل شئ فى غزه .. في تلك الليلة السوداء قرر بهاء حماية زوجته وطفله،  أخرجهما إلى بيت أهلها حيث كان منزلهم مهددا ومنطقتهم خطره.. وما لم يتوقعه كان القدر يخبئ له فاجعة لا تُحتمل. الصواريخ ارتفعت الأرض ارتجّت، الغبار تصاعد والصراخ ملأ السماء انفجار ضخم يهز المنطقه الدخان الكثيف يختلط برائحة البارود والتراب بهاء يركض يحاول أن يرى أن يلمس أن ينقذ ما يمكن إنقاذه.. عندما انقشع الدخان، لم يبقَ من البيت سوى أطلال ولم يبقَ من الحلم سوى صدى صامت رحلت زوجته.. رحل يسرى الصغير بين ذراعيها وكأن الحياة نفسها ابتلعتهما. ضحكات الأيام الأولى،  أحلامهم الصغيره والجميله.. كلها ذهبت في لحظة واحدة تاركة جرحًا لا يندمل.. بهاء..بعد الفاجعة صار ظل إنسان، عيناه تتبعان الفراغ يلمس الصور وكأنه يريد أن يعيدها للحياة.. وابتسامته تحولت إلى ذكرى مؤلمة، والألم أصبح جزءًا من نبضه وكل ثانية تمرّ تُسجل كسهم حاد في ذاكرته.

عائلتنا والمحيطون به..كل من يعرفه..شعروا بالفراغ نفسه وكأن جزءًا من روحهم قد سُلب معهم لم تكن الخسارة له فقط بل لكل من أحبهم وأحبوه لكل من شاركهم الحياة.. في غزة..كل شهيد له ألف حكاية… وليست مجرد أرقام هذه الأرض تحفظ دموعنا كما تحفظ دماءنا. رحم الله يسرى الصغير وأمه وتقبلهم وجميع شهداؤنا الأبرار وجمعهم مع كل الأحبة في جنات النعيم. هون عليك يا أبا جندل… لعل الله اصطفاك ليختبرك فالصبر على البلاء عظيم الأجر.. وأكثر الناس ابتلاءً هم الأنبياء والصالحون، ونسأل الله أن يعوضك خيرًا في الدنيا والآخرة..أنت وكل قلب فقد عزيزًا غاليا .. حفيدى الاول يسرى وامه إلى عليين.

 

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services