689

0

لماذا رَجَمَ سكانُ "جزيرةِ العُبّادِ" سدنةَ المَعبد؟

                 

بقلم: محمد شريم.

*المنسق العام لمنبر أدباء بلاد الشام.

 

     حلت بإحدى الجزر النائية وكانت تسمى "جزيرة العباد" الكثير من الكوارث المتلاحقة بسبب ما حدث فيها من الزلازل والفيضانات والبراكين، وهذا ما أدى إلى تدمير الكثير من منازل الجزيرة وبساتينها، ولم تسلم حظائر الحيوانات من ذلك، فعاش الناس في كرب عظيم.

     وبعد أن يئس الناس من أن تبادر حكومة الجزيرة لمساعدتهم، توجه الأعيان منهم إلى دار الحكم طالبين المساعدة، وتقدموا بعدد من المطالب، كان من أهمها أن تضع الحكومة خطة للتقليل من آثار هذه الظواهر الطبيعية التي تضرب جزيرتهم بشكل متواصل، فتلقوا الوعود، ومن بعدها وعود أخرى دون جدوى!

     وذات يوم، أرسلت حكومة الجزيرة دعوات إلى أعيان الشعب لحضور اجتماع هام في دار الحكم، وذلك للمشاركة في اتخاذ القرار النهائي المتعلق بالخطة الموضوعة لتجاوز مشكلة الكوارث التي تلم بجزيرتهم!  

     فذهب الأعيان إلى دار الحكم في الموعد المحدد متفائلين بالفرج، وافتُتِحَ الاجتماع الذي حضره سدنة المعبد والوزراء أيضا بخطبة ألقاها حاكم الجزيرة، شكر فيها عامليه على النتائج المبشرة التي توصلوا إليها في سبيل التخلص من الكوارث المتلاحقة، كما شكر السكان على صبرهم وتحملهم، ثم طلب من كبير الوزراء أن يتحدث عن نتائج جهود الحكومة في هذا الأمر.

     فبدأ كبير الوزراء حديثه، وكان الأعيان على قدر كبير من التشوق لمعرفة تلك النتائج المبشرة، فأعلن الرجل عن توصل الحكومة إلى اتفاق مع سدنة المعبد لكي يكرسوا جل جهدهم  للصلاة والابتهال حتى تتوقف الكوارث التي تتلاحق على الجزيرة، وذلك مقابل زيادة المنح والعطايا التي تقدم للمعبد وسدنته لمساعدتهم على القيام بهذا الواجب.

     وأعلن كبير الوزراء أمام الأعيان أن سامي المقام حاكم الجزيرة أكد على ضرورة دعوتهم  لحضور مراسم توقيع هذه الاتفاقية الرسمية التي ستبرم بين الحكومة وسدنة المعبد.

     فوقف أصغر الأعيان سنا، وقال: وماذا فعلتم يا كبير الوزراء غير الاتفاق مع سدنة المعبد؟ فإرادة الله تحتاج إلى خطة عمل من البشر، وبعد ذلك يعين الله بإرادته العظيمة البشر على تنفيذ خطتهم! فتصدى كبير سدنة المعبد للمتحدث قائلا: ألم تعلم أن إرادة الله نافذة في كل الأحوال؟! ثم، ألم تتعلم أنه ليس لأي كان من جماعة العباد أن يتدخل في عمل المعبد؟! لقد قام رجال الحكم بما بتوجب عليهم عمله، وخطة عملهم التي تفضلت بالحديث عنها ها هم أولاء ينفذونها وذلك بالتوقيع معنا على هذه الاتفاقية. ما يهمكم أنتم هي النتائج التي نبشركم بها منذ الآن، أما الطريقة التي تتحقق بها هذه النتائج فاتركوها لنا نحن!

 ووقع حاكم الجزيرة الاتفاقية مع كبير سدنة المعبد، ثم قام بتقليد كبير السدنة و"سام الانتماء"، في حين قام كبير السدنة بخلع "عباءة البركة" التي كان يرتديها، وألبس حاكم الجزيرة إياها وسط تصفيق حار من سدنة المعبد ووزراء الحاكم، أما الأعيان فقد صفق بعضهم بحرارة تماشيا مع الحال السائد، أما الآخرون فقد صفق بعضهم بفتور، في حين اكتفى بعضهم بالمشاهدة!

     وبعد انفضاض الاجتماع انصرف الأعيان إلى بيوتهم، وهم جميعا – من صفق منهم ومن لم يصفق – يدركون خطورة التحالف الجديد بين رجال الحكم وسدنة المعبد، وكان كل منهم يخفي خيبة أمله من هذا الاجتماع، ولم يبح بها حتى لزملائه خوفا من أن يتهم بالتجرؤ على امتهان المعبد والتقليل من شأن سدنته!

     ومضت سنوات بعد سنوات، ولم تتغير الأحوال، فالكوارث هي الكوارث، ولا حيلة للناس في مواجهتها أوالتقليل من أخطارها. فازداد تذمر الناس من سوء الحال، وضاعف الأعيان من متابعتهم للأمر مع دار الحكم، وبدأ الكثير من الناس يعلنون عدم قدرتهم على دفع ما عليهم من الضرائب لحكومة الجزيرة، لضيق ذات اليد، فما كان من حاكم الجزيرة بعد أن شعر بالضيق الشديد وأن الهشيم على وشك الاشتعال إلا أن قال للأعيان: الأمر الآن لدى سدنة المعبد، لقد ضاعفنا لهم العطايا والهدايا، ولم يستجب الله لدعائهم، فاذهبوا إليهم لحثهم على أن يضاعفوا صلواتهم وأن يلحّوا على الله في الدعاء لعله يجيب دعواتهم، أو أن يصلحوا أنفسهم إن كان ثمة حاجز بينهم وبين السماء!

     ولما سمع الناس ما قاله الحاكم، تنادوا وذهبوا إلى السدنة في معبدهم، وأحاطوا بالمعبد، وطلبوا من السدنة الخروج لمقابلتهم، فلم يخرج أحد، فمكث الناس أياما، ونصب بعضهم الخيام، مصممين على أن يخرج كبير السدنة لمخاطبتهم، حتى صار السهل الذي يتربع عليه المعبد شبيه بالسوق، يجوبه بعض المرتزقين. وبعد أن أيقن السدنة أن جموع الناس بازدياد، خرج في اليوم السابع كبير السدنة وحوله بعض معاونيه، وأطل على الناس من شرفة المعبد ملوحا بيديه، لكن أحدا لم يبادله التحية. فخاطب أحد السدنة الناس قائلا: أيها العبّاد العظام، يا سكان جزيرتنا العظيمة، اسمعوا وعوا، ها هو ذا سماحة مولانا الجليل، وظل شعب الجزيرة الظليل، كبير سدنة المعبد أدام الله بقاءه يتلطف بالموافقة على أن يتحدث إليكم.

     فتقدم كبير السدنة، بزيه الرسمي الفخم، وخاطب الناس قائلا: أيها العباد الزهاد، نحن نرى ألمكم، ونتفهم غضبكم، ولقد قمنا بواجبنا خير قيام، فصلينا وابتهلنا، ولكنها إرادة الله، ولا راد لقضائه، فمنذ أن خلق الله الأرض، خلق معها الزلازل والبراكين والفيضانات، وهل يمكن للدعاء أن يرد القضاء؟ إن كل ما يمكننا عمله هو أن ندعو الله – جلت قدرته - لكي يوفق دار الحكم التي أرسلتكم إلينا، وحرضتكم علينا، لأن تجد طريقة تقلل بها من آثار هذه الكوارث المدمرة على سكان جزيرتنا الحبيبة.

     وقبل أن يتم كبير السدنة كلمته، تجرأ رجل من الحضور فصاح من بين الجموع قائلا: ألم تقل أنت لنا منذ سنوات: ما يهمكم أنتم هي النتائج التي نبشركم بها منذ الآن؟ وصاح آخر: ألم تكتم صوتنا بقولك: ليس لأي كان أن يتدخل في عمل المعبد؟ وصالح ثالث: هل ألقيتم باللوم على دار الحكم حينذاك أم كنتم ستارها الذي تتستر به؟

       وكان من بين المترزقين الذين يجوبون المكان إسكاف فتيّ، وقد جلس قريبا من المعبد،  مقابل الشرفة التي يقف عليها السدنة، يصلح حذاء أحد الحضور، ولما انتهى الإسكاف من عمله، تلاسن مع صاحب الحذاء على أجرته، فانتابته موجة من الغضب، فقذف بالحذاء بعيدا، فطار الحذاء عن غير قصد من الإسكاف نحو المنصة ليرتطم بوجه كبير السدنة، فظن الناس أن الثورة على السدنة قد بدأت، فمال كل واحد من الناس إلى ما كان حوله مما يمكن قذفه كالحجارة أو الحطب، فانصبت المقذوفات على الشرفة، وهرب كبير السدنة ومعاونوه إلى الداخل، فتحمس الناس، فاقتحموا المعبد باحثين عن السدنة وكبيرهم، فلم يجدوا أحدا، ولكنهم عثروا أسفل المعبد على نفق طويل تتتابع على أرضه باتجاه المخرج نقاط من الدم التي لم يتسن لها أن تجف بعد!

   وكان من بين الحضور شاعر الجزيرة وحكيمها فقال:

   إنْ حالفَ السُّلطانَ سادنُ معبدٍ

   وبــدا بإخــلاصٍ لـــه وتــــودُّدِ

   فاعلـــمْ بأنهمــا عليــك تآمــرا

   وعليــك نبذُهمـــا بغيـــر تـردُّدِ

 

    

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services