239
0
للأبواق التي تجتر فرية مفادها أن “جمعية العلماء تخلفت عن ركب الثورة"!!”
نقول مرة أخرى : "لولا العمامة البيضاء، ما وجدنا اليوم من ينطق الشهادة!! ..
مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا.
كتب أهل الاختصاص من أصحاب الفقه و الفكر والسياسة و التاريخ و القانون وحتى الشعر منذ عقود، كتبا ودراسات و تحليلات حول صفحات مشرقة من تاريخ الأمة و منها محطات تاريخية مضيئة من عمر الجزائر وجمعية العلماء المسلمين برجال الإصلاح فيها و مجاهدي الثورة المباركة، و ردا على هذه الافتراءات الكاذبة و المغلطة التي تباغتنا مع كل إشراقة ذكرى جديدة، جمع كاتب هذه السطور قطوفا وملخصات من وثائق وشهادات عديدة منها على سبيل الذكر مقالا في المدة الأخير بعنوان:
كلمة للأبواق التي تجتر أكذوبة مفادها أن “جمعية العلماء تخلفت عن ركب الثورة”، ومقالا آخر بعنوان:
” جمعية العلماء لم تتخلف عن الثورة، بل هي من فجرتها”،
و ذكرنا حينها أسماء رجال علماء ونماذج وبطولات و محطات وحقائق تاريخية مذهلة بمراجعها دون تزييف و لا تحريف، وكما قال أحد مشايخنا، عن هذه الكوكبة الربانية من علماء الأمة، أمثال ابن باديس و الإبراهيمي و التبسي و الميلي وغيرهم رحمة الله عليهم جميعا، قال، ما نصه :
"أنا مقتنع تماما بأن كل ما يقال في حق هؤلاء الرساليين الكبار، هو دون الحقيقة الموضوعية التي جسدها جهادهم الفكري والتربوي والاجتماعي والسياسي والحضاري، ولكي يرتقي إدراكنا لبعض مجاهداتهم وينفذ إلى استبطان عمق ما فيها من مكابدة، ينبغي أن نعيش نفس التحدي الحضاري الذي عاشوه، وأن يرتقي تجاوبنا معه إلى مستوى الرسالية التي ارتقى إليها تجاوبهم معه، عند ذلك يمكن أن ندرك بأن الكلمات عاجزة بشكل مستمر عن الإحاطة بالحقيقة في كل أبعادها الأفقية فما بالنا بأبعادها العميقة ! والخبرة تؤكد بأنه ليس من عاش كمن رأى، وليس من رأى كمن سمع، وليس من سمع كمن تخيل!"[ 1]
ويبدو ذلك جليا - على حد قوله - خاصة لما أدرك خبراء السياسة الاستعمارية في الجزائر، خطورة الدور الذي يضطلع به العلماء في مواجهة المشروع الاستعماري، ونبهوا في تقاريرهم السرية على سبيل المثال بأن " العلماء يمثلون أكبر الخطر على الفكرة الاستعمارية في الجزائر "، ويقصدون هنا بالخصوص جمعية العلماء المسلمين تحديدا، لأن العالم الرسالي الواحد يشكل بمفرده قوة تنوير ومواجهة غير عادية، فما بالك بالقوة التي تشكلها " الكتلة العلمائية المؤسَّسة" من حجم جمعية العلماء المسلمين! إنها قوة تأثير وصمود ومواجهة غير عادية فعلا. وأذكر هنا كذلك ما قاله سفير أمريكي في دولة إفريقية في تقرير سري له، وهو يرصد دور وتأثير العلماء العاملين في هذا البلد: " إن عمامة بيضاء في هذا البلد أخطر من قنبلة ذرية " [ 2] فكيف إذا استند عمل هؤلاء على جهد مؤسسي يجمع الطاقات العلمائية ويوجه فعاليتها الاجتماعية!
وذكرنا أيضا، في مقال آخر، أن الثورة خططت لها أياد متوضئة و كتبت حتى بياناتها في بيوت رجال الإصلاح، وكتبنا مقالات أخرى تصلح أن تكون كتيبا صغيرا، قد يستفيد منه من يرغب من شبابنا - في الغرب خاصة - قصد إماطة اللثام على الخطوط العريضة لصراع وجود وليس صراع حدود"، كما يقال، تصحيحا لمفاهيم مغلوطة لتاريخنا خاصة ما كتب بأقلام فرنسية مغرضة، لأن التاريخ لا يكتب بصيغة الحاضر، و قد اقترح علينا أحد مفكرينا الافاضل توسيع الفكرة، بجعله كتابا جماعيا لأقلام أخرى مقترحا علينا حتى عنوان الدراسة :
" ثورتنا الكبرى والمشروع الإصلاحي لجمعية العلماء: تمهيدا وإنجازا وتامينا"،
و هو مشروع ضخم يصلح أن يكون رسالة أطروحة أو سلسلة و ليست كتابا واحدا فقط، و لحد الساعة الموضوع لا يزال يراوح مكانه مثل غيره من الأعمال الجماعية، و قد أشار علينا بعض الافاضل، ذات يوم، و تحديدا بتاريخ 5 ماي من عام 2022، بمناسبة ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين، ووعد بعضنا، بإتمام ما تيسر و لو بمقالات فصلية، ولكن ظروفا عابرة و أشغال آنية أنست البعض منا، وها هي الفرصة تتجدد وتحين و لو بعد سنين، و لله الحمد من قبل و من بعد !!
العلماء يمثلون أكبر الخطر على الفكرة الاستعمارية في الجزائر
و لا بأس أن نعيد ونذكر أن الجزائر في مرحلة الاستعمار الفرنسي [1830- 1930م] مرت بأخطر أوضاعها الأمنية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية، فكانت بحاجة إلى هيئة شعبية جامعة، تكافح للدفاع عن هويتها الحضارية العربية والإسلامية ضد المستعمِر الفرنسي.
وعندما تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان قد مر من عمر احتلال الجزائر قرنا من الزمان [1830-1930]، فعلت فيه فرنسا أقصى ما تملك من أساليب الإبادة والإذلال والتطويع القهري للشعب الجزائري، من أجل تحقيق ما تهدف إليه، من محو كل مظاهر الحرية والاستقلال والتميز، التي تفصل بين المجتمع الجزائري وخصائصه، وبين ما يريد الاستعمار أن تكون عليه الجزائر بعد احتلالها.
كان الاستعمار الفرنسي استعمارا استيطانيا لا غير، مثلما هو واقع الحال اليوم مع الحركة الصهيونية في فلسطين المحتلة، يريد محو لقب الجزائر من على هذه البقعة من العالم، فحاول تتويج جرائمه تلك بإقامة احتفالات في سنة 1930، تعرف عند أهل التاريخ بالاحتفال المئوي، بمرور قرن على احتلال الجزائر، لتشييع جنازة الإسلام والعربية منها معا.. فأتى تأسيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر بعد قرن من الاستكبار الفرنسي، وتحديدا يوم 5 ماي 1931، متخذة شعار «الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا» شبيه بالجدار الفولاذي الحامي المحفز لحمل أعباء التجربة النضالية، فقد بذل الآباء الأوائل جهودهم وطاقاتهم للحفاظ على هوية الأمة وعقديتها، والدفاع عن الشخصية الجزائرية في وجه خطط الاستعمار التغريبية، والتصدي للخرافات والبدع التي شوهت الإسلام، وثقافة المجتمع العريقة وقيمه الحضارية [ 3].
وبعد فشل هذه المقاومة المسلحة في جهات بعينها نشأت حركات المقاومة السلمية، السياسية منها حركة الأمير خالد في سنة 1920، حفيد الأمير عبد القادر، ثم تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا في سنة 1926 في فرنسا، من قبل المناضل مصالي الحاج، الذي حلّ في سنة 1936، ليؤسس على أنقاضه، حزب الشعب الجزائري 1937، ثم حركة الانتصار بعد ذلك، والإندماجيين، والحركة الإصلاحية بقيادة رجال الإصلاح من علماء وطلبة ودعاة..
مالك بن نبي و التأريخ للثورة و بذور الإصلاح:
و يؤرخ الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله لظهور بذور الإصلاح ببروز الشيخ صالح بن مهنا، “وإنه لمن الواجب علينا أن ننوه ببعض ما كان من أمر مناجاة الشيخ (صالح بن مهنة) الضميرية الفردية - إن صح التعبير- فإن صوت مناجاته كاد يوقظ أهل قسنطينة كلها حوالي سنة 1898 والحق أن هذا الشيخ الوقور كان في طليعة المصلحين، إذ أنه قام قومة مباركة ضد الخرافيين (الدراويش)”[..]، ويوجد كذلك الشيخ حمدان بن لونيسي وعبد القادر المجاوي، وهما من شيوخ عبد الحميد بن باديس رحمهم الله، وقبل ذلك، كان المفتي الحنفي، الشيخ محمد بن محمود ابن العنابي [1775-1850]، الذي ألف كتابا بعنوان “السعي المحمود في تنظيم الجنود” في سنة 1826 يستنهض به الدولة العثمانية وإيالاتها[..]، ويوجد أيضا الشيخ عبد الحليم بن سماية، والشيخ محمد بن مصطفى ابن الخوجة، اللذين كانا على اتصال بالشيخ محمد عبده، الذي زار الجزائر في سنة 1903 وكان في استقباله وتضييفه الشيخ عبد الحليم بن سماية[..].
وربما وجد في الجزائر غير هذه الشخصيات، ولكن آلة القمع النشطة في كتم الأنفاس قد همشت الكثير من الطاقات الإصلاحية وبعضهم ممن ذكرنا؛ لأن حركة الإصلاح يومها لم تكن معزولة عن غيرها في بقاع العالم الإسلامي الذي يتطلع إلى نشاط يخرجه من الواقع الذي هو فيه، فهذه البذور كانت الصورة التفاعلية لما وقع في المشرق العربي، على يد السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، ومدرسة المنار للشيخ رشيد رضا.
و حتى قبل هذا التاريخ، كانت حركات جهادية تقاوم المستعمر و ترفضه، ورغم فشل هذه الحركات الجهادية في تحقيق المطلوب، فإنها أبقت على الجذوة الجهادية فلم تخمد روح المقاومة، بحيث أن منطقة تندوف الصحراوية وهي من المناطق الداخلية، تقع بأقصى الجنوب الغربي الجزائري، لم تحتل إلا في سنة 1934[..]، أي بعد أكثر من قرن من الإحتلال، وذلك بفضل بقايا حركة المرابطين، ثم لم يمر إلا ربع قرن آخر حتى اندلعت ثورة الفاتح من نوفمبر 1954
الثورة تصنع الأُمَم وتُحيي الرّمَم
إنه الجهاد أو الحرب أو الثورة التي تشهد بقيام أمة، أو نهايتها، تدل على حياتها أو وفاتها، وهل اندحرت حضارات وماتت ومات أهلها إلا لأنهم انهزموا وذلوا وتصالحوا مع هزيمتهم؟ الحرب صانعة العز والقوة وميلاد الأمم، ولو كرهناها؛ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[القرة 216]، شئنا أم أبينا: من حارب واستعاد حقوقه ساد، ومن انتظر الأمم المتحدة “الاستعمارية” فليبكِ الدهر كله فهو خاسر من أول خطوة، إلا من كان حاميا لحماه، متوفزا يحمي سيادته، وذلَّ قومٌ يبحثون عن حمايتهم من عدوهم، ذلك ما حذر منه رجال الأمة وعلمائها عبر التاريخ.
الإنسانُ أسيرٌ لتاريخِهِ لا لطبيعتِه :
تحت عنوان " هَمسُ التاريخ"، كتب المفكر الخليجي د. محمد الأحمري، مقالا ممتعا حول استعمار الشعوب بتاريخ 8 ماي 2024، يبين فيه، هذه الظاهرة، بحيث يصف مقولة " الإنسانُ أسيرٌ لتاريخِهِ لا لطبيعتِه" بانها "حكمةٌ صادقةٌ"، وأصدَقُ منها أن يُقالَ: “الإنسانُ نتيجةٌ لأفكارِهِ لا لتاريخِه"، والرجل صاحب باع في الموضوع، كان بحثه في التاريخ لنيل الدكتوراه من جامعة لندن، حول " الوقف في فترة تأريخية محددة من القرن الثامن عشر في الجزائر". كما يتسم فكر الدكتور الأحمري كذلك، بالتحذير من المسخ الثقافي وأنه ليس سوى مقدمة لاستعمار الشعوب والأوطان، حيث يؤكد على ضرورة الحفاظ على الهوية للحفاظ على استقلالية الذات، كما ذكر ذلك قبله مالك بن نبي في بعض كتاباته، معرفا ذلك بقوله:
ومن المهم أن نعرف أن التاريخ لا يجري بحسب هوى السياسيين ولا المؤرخين ولا المفكرين ولا قادة الجيوش ولا الأحزاب، بل هناك تيارات مؤثرة وواقع وحسابات أخرى، فمثلا، هناك دورة الأعمار داخل أي حضارة، تلك التي أعجبت ابن خلدون أو قالها[..]، ومِن بَعدِهِ نظَّر لها وطوَّرها شبنجلر، حيث جعلا عمرا زمنيا للأمم و للحضارات و للدول ومصيرا يشبه عمر الفرد، إلا أن أعمار الدول والحضارات أطول زمنا من عمر الفرد. ثم هناك أفكار داخل أي مجتمع يستهين بها الغالبون، ويتجاهلون تأثيرها وقد تكون إكسير الحياة للحضارة وللمجتمع، وهي التي تسمح له بالتمدد والتوسع والانتشار، كما كان من دور للدفع الأخلاقي والدعوي للمسلمين في مبعث أمتهم، أو للمسيحيين في أول عهدهم ثم في زمن الاستعمار حيث رافق الإنجيل الجديد إنجيل الملك جيمس الاحتلالات والحروب البريطانية في العالم، فنشر قوة بريطانيا ومسيحيتها ولغتها وهيمنت بهذا على أغلب العالم مثل أمريكا الشمالية، وأستراليا، والهند، وبقية مستعمراتها في العالم.
لم يَعرف بلد آخر ما عرفته الجزائر من أساليب الصليبية، حتى الأندلس وحتى فلسطين لم تعرفا هذه الأساليب!!
و لتصوير الواقع الجزائري خلال الفترة الإستعمارية 1830-1962، لا أجد أنسب وأدق وأبلغ من الشهادة التاريخية التي سجّلها سيد قطب رحمه الله في مقالة أوردتها جريدة “البصائر” سنة 1953م، جاء فيها [ 4]:
“لقد أُريدَ بالجزائر أن تكون أندلسًا جديدة، أُريدَ بها أن تنسلخ من جسم الوطن العربي الإسلامي وأن تبتلعها الصليبية الأوروبية الجديدة، لم يَعرف بلد آخر في الشرق أو في الغرب ما عرفته الجزائر من أساليب الصليبية، حتى الأندلس وحتى فلسطين لم تعرفا هذه الأساليب، لقد امتدت هذه الأساليب إلى تفتيت التماسك العنصري والعائلي، وامتدت إلى تخليط الأنساب وتحطيم الأخلاق، امتدت إلى إزالة الصبغة العربية والصبغة الدينية، وتم هذا في غفلة من العالم الإسلامي والأمة العربية في القرن الماضي، لهذا كله تخلصُ لي من كفاح الجزائر دلالة لا تخلصُ لي من كفاح أي بلد آخر، دلالة مطمئنة تدعو إلى الثقة والتفاؤل، إنّ هذا العالم الإسلامي لن يموت ولن يفنى، ولو كان يُراد له الموت لمات ولو كان كُتِب له الفناء لَفَني”.
الاحتلال الفرنسي مشروعًا استيطانيًا حرّكته روح صليبية حاقدة منتقمة
وكانت الجزائر وحدها في الميدان فلم يكن بجوارها أحد كما هو الحال بين بعض الأمم، فكان الاحتلال الفرنسي للجزائر مشروعًا استيطانيًا حرّكته روح صليبية حاقدة منتقمة، لم يهدف لإخضاع الأرض واستنزاف ثرواتها فحسب، بل كان من صميم غايته اقتلاع جذور خصمه الحضاري اللدود - الإسلام- ووضع قدم للنصرانية على ساحل أفريقيا الشمالي الذي لطالما كان قاعدة للجهاد، وسدّا منيعا تحطمت عليه كل محاولة لاختراق العمق الإسلامي من مغربه.
و التصوير الثاني، بعد تصوير سيد قطب ، ما كتبه المفكر د. الطيب برغوث، في كتابه "أسرار القوة والقدوة، في المسيرة الدعوية للشيخ أحمد سحنون" في سلسلة، آفــاق في الخبرة القيادية (ص: 5-7)، حيث كتب في مقدمة كتابه، عن هذا الرجل الرباني وصحبه، من رجال جمعية العلماء، حيث مجاهدا بالسلاح و القلم، مجاهد إبان الثورة المسلحة، ومجاهد الثورة الثقافية التربوية بعد الاستقلال، مبينا:
- أن المعركة الحضارية الضخمة التي دارت رحاها في الجزائر خاصة ومنطقة المغرب الإسلامي عامة، منذ نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر حتى نهاية العقد السابع من القرن العشرين ( 1830 - 1962 ) ، تعد من أشرس معارك التاريخ الحضاري التي خاضتها الأمة بصفة خاصة، ومن أهم ملاحم التاريخ الحضاري الإنساني بصفة عامة، لأسباب كثيرة في حاجة إلى تجلية حتى تستفيد منها أجيال الأمة وأجيال الإنسانية على مر التاريخ.
ولعلنا نقتصر هنا على الإشارة إلى سببين هامين، في هذه الدراسة:
- استمرار المواجهة للمشروع الاستعماري بلا انقطاع، منذ اللحظة الأولى من وطء أقدام الغزاة أرض الجزائر حتى اللحظة الأخيرة من وضع الحرب أوزارها وخروج المستعمر من أرض الجزائر، بعد 132 سنة من المواجهة الحضارية الشرسة، فبالرغم من طول وشراسة المواجهة وفداحة التضحيات، وكثرة الاخفاقات، فإن المجتمع الجزائري لم يفتر لحظة عن مقاومة المشروع الاستعماري بكل ما أوتي من قوة، حتى تكلل جهاده بتحرير أرضه من الغزاة.
- نجاح المجتمع الجزائري في إيقاف مشروع الاجتياح الحضاري للأمة، أو ما كان يعتبره المستعمرون حركة استرداد، ويقصدون بها استعادة ما أخذته منهم الفتوحات الإسلامية، وقد بدأت هذه الحركة الاستردادية باستعادة الأندلس وامتدت إلى منطقة الشمال الإفريقي، لتنكسر هناك على صخرة الصمود الحضاري الأسطوري للمجتمع الجزائري، وتمكنه في النهاية من تحرير نفسه وتحرير المنطقة كلها، والمحافظة على هوية المجتمع وانتمائه الحضاري لأمة الإسلام وحضارة الإسلام العالمية الإنسانية الكونية.
(يتبع إن شاء الله)
مراجع وهوامش:
1- د. الطيب برغوث: "أسرار القوة والقدوة، في المسيرة الدعوية للشيخ أحمد سحنون"، سلسلة آفــاق في الخبرة القيادية، 2011.
2- د. الطيب برغوث: "أسرار القوة والقدوة.."(نفسه، الصفحات 5-7).
3- د. عمار طالبي: ابن باديس حياته وآثاره 3/309، ، الشركة الجزائرية سنة 1968
4- سيد قطب، البصائر، العدد 214 السنة الخامسة 1953، مذكرات الشيخ خير الدين.