في مستهل كلمتي أود أن أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالشكر لفخامة الرئيس سيريل رامافوسا على دعوته الكريمة لبلدي،بصفته بلدا ضيفا لمجموعة العشرين، للمشاركة في هذه القمةخلال الرئاسة الدورية لجنوب إفريقيا، وعلى حسن الضيافة والترحاب الذين لمسناهما منذ أن وطأت أقدامنا أرض هذا البلد الصديق.
كما أشيد بالجهود التي بذلتها الرئاسة الجنوب إفريقية من أجل التحضير لقمتنا هذه، عبر العديد من اللقاءات الوزارية والاجتماعات بين الخبراء التي ناقشت الكثير من المواضيع الحساسة والهامة المرتبطة بأولويات قمة العشرين.
يأتي هذا الاجتماع في ظرف، تهيمن فيه على عالمنا اليوم،تحديات بالغة التعقيد على الصعيدين السياسي والاقتصادي؛تحديات قد يؤثر عدم معالجتها واستمرارها على التجانس العالمي، لتلقي بظلالها المباشرة وغير المباشرة على جميع الدول باختلاف مستويات نموها، وهو ما يتطلب منا توحيد الجهود لمجابهتها بأفكار مبتكرة ومبادرات دقيقة وشاملة.
السيد الرئيس،
لا غرو من أن الفقر والبطالة وعدم المساواة والتفاوت في التنمية والثروات، في العديد من البلدان وبالخصوص في القارة الإفريقية، إضافة إلى الأزمات العضال وليدة التغير المناخي ونقص الطاقة والمسائل المتعلقة بالأمن الغذائي والمستويات غير المسبوقة للمديونية لدى الدول ذات الدخل الضعيف، لهي مسائل جديرة بالاهتمام كونها أخطار تهدد المجموعة الدولية، وتحتم علينا مواصلة التفكير في خطط ومبادرات دولية قوامها التضامن، لنخرج بنتائج ملموسة وميدانية تستجيب لتطلعات شعوبنا لاسيما شعوب الدول الأكثر فقرا التي ترنو إلينا منتظرة مدها بيد العون.
يبدو جليا اليوم أنه وبالرغم من الجهود المبذولة ومن النتائج المحققة بفضل العمل الدؤوب والحثيث لهيئة الأمم المتحدة، إلا أن الطريق لا زال طويلا لتحقيق أهداف التنمية التي تتطلع إليها شعوب المعمورة لاسيما الفقيرة والأقل تقدما.
وللتذكير فإنه بُعيْد 5 سنوات من عام 2030، وهو الأجل الذي حددته المنظومة الأممية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تبقى هذه الأهداف بعيدة المنال في مجملها؛ إذ أن 12 بالمائةفقط منها هي في طور الانجاز، بينما يجابه نصفها مصاعب جمة تتطلب تعبئة أوسع لتحقيقها.
وفي هذا الصدد، أجدد الإشادة بالأولويات التي أشرفت على انتقائها جنوب إفريقيا كبلد يترأس مجموعة العشرين، لإيجاد حلول ونتائج واقعية وملموسة للتحديات التي تواجهها بلداننا اليوم، بغية أن نبدأ حقبة جديدة تتسم بتقاسم النمو والتنمية بين جميع الدول لاسيما الدول الأكثر فقرا والدول التي تواجه مشاكل الجفاف والتصحر في إفريقيا.
إن مجموعة العشرين لتمثل قاطرة للتحولات العالمية الشاملة، ونتشرف أن يكون الرئيس رامافوسا الصوت الصادح للقارة الإفريقية من أجل تعبئة الموارد اللازمة والعمل مع شركاء مجموعة العشرين لإيلاء عناية خاصة لقارتنا، لأننا نعتقد أن ارتفاع معدلات التنمية في الدول الإفريقية وثيق العرى بالاستقرار والسلم والتنمية ويتساوق مع انخفاض الهجرة نحو البلدان المتقدمة اقتصاديا، وإيجاد الحلول للنزاعات داخل القارة الإفريقية التي عادة ما كانت أسبابها انتشار الفقر والتهميش.
وبالإشارة إلى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فإن بلادي قد قطعت أشواطا متقدمة في تنفيذ الأهداف المتفق عليها، ولم تتوانى يوما في مد يد العون لدول الساحل الإفريقي في إطار التنسيق الجهوي والدولي ومن خلال الوكالة الجزائرية للتعاون والتضامن الدولي عن طريق مشاريعتنموية، خصصت لها بلادي ميزانية معتبرة.
السيد الرئيس،
في ما يخص الأولويات المطروحة على طاولة اجتماعنا هذا، اسمحوا لي:
أولا: أن أغتنم هذه السانحة لتضم بلادي صوتها لصوت جنوب افريقيا التي دعت إلى معالجة عاجلة لمسألة ثقل الديون وخدماتها على الدول النامية والأكثر فقرا من خلال مقاربة تتضمن مسح جانب منها أو تحويلها إلى استثمارات مباشرة ومجدية في هذه الدول.
وحرصا منها على المساهمة في إيجاد الحلول لهذه المعضلة، فقد بادرت بلادي بمسح ديون 18 دولة إفريقية من أجل التخفيف من عبء المديونية لدى هذه الدول الشقيقة.
إن إشكالية الديون لا تقتصر فقط على حجمها بقدر ما يكمن تعقيدها في الجوانب التقنية المتعلقة بسياسات تقييم المخاطر من طرف الشركات المالية الدولية، والتي تجعل من خدمات الديون مرتفعة بشكل مرهقلاقتصاديات هذه البلدان. بقدر ما نعي نحن التعقيدات التقنية لمسألة تقييم المخاطر، فإننا ندعو لإصلاحات عميقة من شأنها إيجاد مخرج للدول التي تئن تحت وطأة الديون السيادية.
ثانيا: تنتهز الجزائر هذه الفرصة لتضم صوتها إلى أصوات الدول الداعية إلى إصلاح المنظمات المالية الدولية ضمن مقاربة حوكمة اقتصادية ومالية راشدة، من خلال مراجعة آليات اتخاذ القرار، ضمانا لتمثيل عادل، منصف وشفاف للدول النامية والقارة الإفريقية في هيئات التسيير لهذه المؤسسات، بمراعاة الثقل الديمغرافيوالاقتصادي المتصاعد لهذه الدول؛ هذا المطلب الذي نسجل حضوره في أجندات جميع الاجتماعات والمنتديات العالمية حري بنا اليوم أن نخطو لأجله خطوات جريئة قصد تجسيده على أرض الواقع.
ثالثا: في مجال الطاقات المتجددة، فإن بلادي ما فتئت ترافع من أجل تعبئة التمويلات الدولية وحشد الموارد لدعم الجهود العالمية الهادفة لتمكين الدول النامية والدول الأكثر فقرا من الوسائل والتكنولوجيات المساعدة على الانتقال نحو استعمال الطاقة الخضراء. وتدعو الجزائر في هذا الصدد إلى تجسيد شراكات ثنائية ودولية بين الدول أعضاء مجموعة العشرين والدول الشريكة موضوعها الانتقال الطاقوي، فبإمكاننا معا أن نحقق وثبة تاريخية في هذا المجال.
رابعا: تؤيد الجزائر جميع المبادرات الرامية إلى الرفع من حجم التمويلات المخصصة للوقاية من المخاطر الكبرى والاستجابة السريعة للكوارث. لقد علمتنا التجارب ألا بلد في العالم بمنأى عن احتمالية وقوع كارثة على أراضيه، وهو ما يتطلب استجابة وطنية ودولية سريعة للتكفل بالمتضررين. إن المؤسسات المالية والبنوك الدولية مدعوة للتفكير في آلية تمويل خاصة بالاستجابة السريعة للكوارث، تُفعّل في حال ما إذا طلبت إحدى البلدان المتضررة ذلك.
السيد الرئيس،
إن بلدي ليرحب أيما ترحيب بانضمام الاتحاد الإفريقي لعضوية مجموعة العشرين، ونحن على ثقة أن هذا الانضمام سيساهم في الدفاع عن مصالح القارة الإفريقية في المنتديات الدولية وسيسمح للعالم وللدول الأكثر تقدما بالتعرف على نظرة إفريقيا للمسائلالاقتصادية الدولية لاسيما ما تعلق منها بتمويل التنمية، الولوج للأسواق العالمية والتحويلات التكنولوجية.
إن الشراكة الرابحة بين الطرفين، وأعني بالذكر أفريقيا ومجموعة العشرين، ستجد مكانها الطبيعي ضمن منطقة التبادل الحر للقارة الإفريقيةZLECAF التي تكتسي بالنسبة للدول الإفريقية أهمية خاصة لتطوير الاندماج والتعاون الجهويين، وترقية النمو الشامل والمستدام للقارة.
وينضم بلدي إلى المطالبات الدولية المنادية بضرورة محاربة التدفقات المالية غير الشرعية من القارة الإفريقية والاستغلال العادل للموارد المعدنية لتنمية الدول الإفريقية باعتبار أن هذه الموارد موجودة فوق أراض إفريقية وتعود إلى الأفارقة قبل كل شيء.
السيد الرئيس،
لقد كان العالم شاهدا لمدة عامين متتاليين على الفظائع التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بما لا يمكن توصيفه سوى بإبادة ممنهجة مكتملة الأركان ضد الشعب الفلسطيني، وقفت الإنسانية عاجزة أمامهاوأمام ما حدث من إجرام في حق المدنيين الأبرياء.
ولم تستطع اجتماعات مجلس الأمن العديدة ولا الإدانات الدولية وقف هذا الدمار وهذه المجازر المروعة رغم مضي عامين على هذا التجويع والتقتيل الممنهجين.
الآن، وبصيص الأمل يراودنا في غد أفضل للشعب الفلسطيني، اسمحوا لي أن أشيد بالأدوار الكبيرة التي بذلها الأمين العام للأمم المتحدة والدول المحبة للسلام في سبيل وقف الإبادة في قطاع غزة، كما أخص بالشكر كلا من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيد دونالد ترامب، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، رئيس جمهورية مصر السيد عبد الفتاح السيسي ورئيس تركيا السيد رجب طيب أردوغان على المجهودات الحثيثة التي بذلوها والتي مكنت من وضع حد لهذه الإبادة الجماعية البائسة في حق الشعب الفلسطيني.
إن الدمار الهائل في قطاع غزة يستدعي حشد الموارد على المستوى الدولي قصد إعادة بناء ما دمرته الحرب وإعادة الأمل للشعب الفلسطيني المكلوم.
ولا مندوحة من التأكيد بمرارة أن ما وقع من تنكيلللشعب الفلسطيني هو أمر قلما شهدته الإنسانية في تاريخها، ولذلك، فكلنا أمل بأن تكون دول مجموعة العشرين السباقة في إطلاق تعبئة عامة قصد بناء غد أفضل للشعب الفلسطيني. ويصر بلدي أن يعلن انضمامه إلى كل خطوة قد تتخذها مجموعة العشرين بهذا الصدد.
أشكركم على حسن إصغائكم وأتمنى أن يكلل لقاؤنا هذا بالمأمول من النجاح والتوفيق.