372

0

كلمة في حقِّ سماحة الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة رحمه الله رحمة واسعة، وتَقبَّله في الشهداء

 

بقلم نافذ حماد

تعرفت إلى الشيخ يوسف في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وكان يومها مديرًا لمكتب الشيخ محمد عواد عميد معهد الأزهر بغزة، والمشرف على إصدار مجلة المعهد، وكنت بدأت للتو العمل محاضرًا في الجامعة الإسلامية، حيث كنا في حينها نُدَرِّس طلاب الجامعة في قاعات المعهد.

وظلَّت علاقته بمعهد الأزهر بعد ذلك وامتدت، فكان مديرًا للعلاقات العامة، ثم أمينًا للمجلس الأكاديمي، ثم مديرًا للوعظ والإرشاد، إلى أنْ أصبح شيخ وعميد المعاهد الأزهرية بغزة.

وفي العام 1982م كتب الشيخ عقد زواجي، حيث كان مأذونًا شرعيًّا وقتئذ.

وفي العام 1999 شاركت بكلمة في ندوة بإشرافه بعنوان: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مُحدِّث عصرنا، حياته ومنهاجه.

وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان عام 1420هـ، وفق 2/ 1/ 2000م، وكان الشيخ على رأس وزارة الأوقاف، تم تكريمي وحصولي على درع من الوزارة وشهادة تقدير على جهودي في خدمة الدين والوطن، مع ثلة من أهل العلم وحفظة القرآن الكريم، في حفل كبير في مركز رشاد الشوا الثقافي، تحت رعاية الرئيس الراحل ياسر عرفات أبو عمار، وبحضور شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، ورئيس جامعة الأزهر بالقاهرة الدكتور أحمد عمر هاشم.

وفي العام 2015 تم تكريمي من خلال جمعية دار البر للأعمال الخيرية التي يرأسها، بتوزيع كتاب عن شخصي، بعنوان "علماء من أرض الإسراء [1]"، وذلك في حفل تكريم بقاعة فندق آدم بغزة، حضره عدد كبير من أهل العلم وأساتذة الجامعات وقيادات إسلامية ووطنية.

وفي العام 2016 شاركتُ في ندوة علمية برعاية جمعية دار البر، بعنوان: "منزلة الجامع الصحيح للإمام البخاري بين كتب الحديث".

وفي العام 2021 حصلت ابنته "دعاء" على درجة الدكتوراه في الحديث وعلومه من الجامعة الإسلامية، وكنتُ مناقشًا لها، وناقشتُ قبل ذلك ابنتين للشيخ، حصلتا على درجة الماجستير في الحديث من جامعة الأزهر بغزة.

واللقاءات عامة وخاصة تواصلت مع الشيخ، ولم تنقطع، كان آخرها اتصاله بي في الأيام الأولى من الحرب يسأل ويطمئن عليَّ، وكنت نزحتُ مرات، ثم تمكنت من الخروج من غزة بعد ما يزيد على مائة يوم من الحرب، إلى أنْ فُجعت بنبأ استشهاده مع زوجته بقصف إسرائيلي على منزله بمخيم المغازي.

وخلال تلك العلاقة التي امتدت لما يزيد على خمسة وأربعين عامًا عرفت رجلًا صاحب صفات حميدة قلَّ أن تجدها في الآخرين.

وجدتُّه عالمًا شرعيًّا موسوعيًّا يتحدث في علوم وفنون الشريعة، في التفسير والحديث والفقه والتاريخ، إلى جانب فصاحته اللغوية، وبلاغته تحدُّثًا وكتابة.

ويعيش لخدمة دينه منذ أنْ كان الإمام والخطيب للمسجد الكبير، بل ربما المسجد الوحيد في مخيم المغازي، لعشرات السنوات.

ومنذ أنْ جاءت السلطة الفلسطينية عام 1994م، وكان الشيخ على رأس أول وزارة أوقاف فلسطينية، وكيلًا للوزارة، ثم وزيرًا، وهو يكرم العلماء وحفظة كتاب الله تعالى في حفل كبير ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من كل عام.

وأشرف على طباعة أول مصحف بفلسطين "مصحف بيت المقدس"، كما أشرف على تنظيم "مسابقة الأقصى الدولية"، أول مسابقة لحفظ القرآن الكريم في فلسطين.

وأنشأ كلية الدعوة الإسلامية، وعددًا من المدارس الشرعية في محافظات غزة والضفة، حرصًا منه على التنشئة الإسلامية السليمة للأجيال.

وبذل جهودًا كبيرة من أجل تحسين أوضاع العاملين في وزارة الأوقاف والشئون الدينية، خطباء ووعاظ ومحفظين، ومساواتهم بموظفي السلطة الفلسطينية.

وحرص على دعم طلاب جامعات غزة، وتشجيعهم على مواصلة دراساتهم الجامعية، عبر جمعية دار البر دون تمييز بينهم، كما دَعم افتتاح كليات جديدة بجامعة أزهر غزة، التي حاضر فيها طلاب الدراسات العليا بعض الفصول الدراسية.

وأطلق أسماء بعض العلماء على بعض القاعات، ومنها: قاعة الشيخ حمدي مدوخ رحمه الله في مقر الوزارة بغزة، وقاعة الشيخ سليم شراب رحمه الله في كلية الدعوة الإسلامية بدير البلح، وقاعة الشيخ عبد الكريم الكحلوت رحمه الله في معهد الأزهر الديني بغزة.

وعقد الندوات والملتقيات والاحتفالات الدينية والثقافية والوطنية بحضور العلماء والأكاديميين والمثقفين والوجهاء.

وصنّف الكتب التي تبرز مكانة فلسطين، وأهمية المسجد الأقصى عند المسلمين، ومنها: فلسطين المكان والمكانة، البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية، مكانة فلسطين في الكتاب والسنة، إسلامية فلسطين.

إلى جانب كتبه الأخرى في شرح أحكام الإسلام من عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وأحكام الوقف الإسلامي.

وبدأ في الكتابة عن علماء فلسطين، يبرز آثارهم وعلومهم وسيرهم، تحت عنوان: علماء من أرض الإسراء.

وكتب أيضًا عن مشاهير قراء فلسطين، تحت عنوان: قراء من أرض الإسراء.

وفي العام 2018 شارك بورقة علمية في مؤتمر، بعنوان: الانتهاكات الإسرائيلية وتأثيرها على دولة فلسطين لحماية حقوق الإنسان، عقدته جامعة غزة.

وكان الشيخ شغل مناصب عدّة غير ما تقدَّم، منها: عضو مجلس أمناء جامعة الأزهر بغزة، ثم نائب رئيس مجلس الأمناء، ونائب رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، كما كان خطيبًا للمسجد الأقصى المبارك.

وكانت علاقاته الشخصية قوية بوزراء الأوقاف وأهل العلم والفضل في غالبية الدول العربية والإسلامية، سواء في بلاد الشام أو بلاد المغرب العربي، أو دول الخليج.

إضافة إلى هذا الجهد الكبير المتواصل، والنشاط الذي لا يتوقف في خدمة الدين والوطن، كان متواضعًا، تجد البشر في قسمات وجهه، لم يَسْع يومًا لمنصب أو جاه، وسطيًّا مقبولًا لدى الجميع على اختلاف توجهات الحركات والجماعات والأحزاب، يُقدِّمه الجميع لإلقاء الكلمات في المناسبات الإسلامية والوطنية، فإنْ حضر الجنازة، فيقدمونه لإمامة الناس في الصلاة عليها.

وكان نموذجًا في الكرم والبذل والعطاء، يقابل ضيوفه بابتسامة صادقة، مرحبًا بهم، أما في زياراته، فلا يدخل بيتًا إلا وهو يحمل معه هدية، محبة للأصحاب والمعارف. 

ولم أجد شخصًا يومًا في حياتي يَذكر الشيخ إلا ويُثني عليه، ويشيد بمواقفه وأعماله وأحاديثه التي تجمع ولا تفرق، ويقر بإنجازاته في كل مكان تولى المسئولية فيه.

لقد فقدنا إنسانًا يَندر أنْ تقابل مثله علمًا وأدبًا وتواضعًا وحبًّا لكل من يعمل للإسلام وفلسطين.

رحمه الله، وغفر له، وجمعنا به في الفردوس الأعلى.

 

بروفيسور نافذ حماد

أستاذ شرف متميز في الحديث وعلومه

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services