بقلم: الحاج شريفي
أثار الكليب الجديد "TACH" للفنان المغربي Draganov عاصفة من الجدل والغضب في الجزائر، بعدما ظهر فيه الكوميدي الجزائري محمد خساني في مشهد اعتبره كثيرون إهانة مباشرة لصورة الفنان الجزائري، بل وللجزائر ككل.
فبعيدا عن حدود الترفيه، قدم الكليب مشهدا محملا بالرموز السياسية والثقافية، في وقت تعيش فيه العلاقات الجزائرية–المغربية توترا حادا.
الكليب الذي نشر على القناة الرسمية لـ Draganov صوّر بإخراج Drisigner، ومدير تصوير Salah El Guebli، وإنتاج بصري تولته فرق مختصة في الـVFX وColoring مثل BlankkaStudio. أما التأليف والإنتاج الموسيقي فكان من توقيع JMarwan، مع ميكس وماستر داخل Kartel Vibes Studio.
أي أن العمل لم يكن ارتجاليا أو هاويا، بل إنتاجا احترافيا محسوبا في كل تفاصيله، من تكوين الكادر إلى الإضاءة والديكور.
المشهد الأول: فراغ أبيض وبارابولات المراقبة افتتح الكليب بلقطة غريبة: خلفية بيضاء باهتة، تتوسطها أطباق استقبال هوائية (بارابولات).
مشهد بارد، يوحي بفراغ رمزي. هذه الأطباق، في القراءة البصرية، ليست مجرد ديكور، بل رمز إلى المراقبة والتوجيه الإعلامي، وكأننا أمام مختبر للسيطرة على العقول.
العرش الأسود: 27 كرسيا ورسالة السلطة الانتقال كان إلى قلب الكليب: برج مكون من 27 كرسيا بلاستيكيا أسود، مكدسة بعناية لتشكل عرشا شاهقا.
جلس Draganov في أعلاه بثبات واتزان، بينما ركزت الإضاءة عليه لزيادة حضوره الرمزي. اللون الأسود هنا ليس تفصيلا بريئا؛ الأسود رمز للثقل والهيمنة، وعدد الكراسي الكبير يوحي بسلطة مؤسسية متينة، لا مجرد مقعد فردي.
دخول خساني: من فنان شعبي إلى "مهرج" في أسفل المشهد، ظهر محمد خساني بقميص أصفر لافت، وهو يؤدي حركات راقصة مبالغا فيها. لم يكن الرقص كوميديا كما اعتاد جمهوره، بل أقرب إلى الابتذال المقصود.
ظل خساني محصورا أسفل العرش، دون أي فرصة لمشاركة المكانة العلوية. الحركات كانت كاريكاتورية، تفتقر للانسجام، وكأنها تؤدي دور "المضحك الملكي".
النتيجة: صورة مهينة، وضعت الجزائري في خانة "الراقص التابع"، مقابل المغربي المتحكم. هذا المشهد كان القشة التي قصمت ظهر البعير؛ الجمهور الجزائري رأى فيه طعنة في الكرامة، معتبرا أن خساني أسقط نفسه وأسقط صورة الفن الجزائري معه.
الكلمات: رسائل استعلاء واستفزاز عند الاستماع للكلمات مع المشاهد، تظهر الرسالة أكثر وضوحا: "هزيت الراية البيضا": تعبير عن استسلام الآخر.
"ما بقيتش نلعب معاهم": إعلان القطيعة والتفوق.
"غير ديشت وغير راسايل": تحقير واضح للطرف المقابل.
"أنا رسام ووجهي يضوي كي القمر": تمجيد الذات وصورتها.
هذه العبارات، في سياق بصري يضع المغربي على العرش والجزائري في الأسفل، لم تترك مجالا للبس: الرسالة خطاب استعلائي موجه ضمنيا للجزائر.
الألوان: لغة بصرية صادمة الكليب اعتمد على ثلاثية لونية محملة بالرموز: الأبيض: الفراغ، الحياد الظاهري، ولكن أيضا "ساحة التجريب".
الأسود: السلطة الثقيلة، العرش، القوة المعتمة.
الأصفر: الفوضى، الافتعال، التهريج (لون خساني).
هذه التوليفة خدمت الرسالة: المغربي في الأسود العلوي، الجزائري في الأصفر الهزلي. حتى آخر لقطة، ظلّ Draganov في الأعلى، جالسا بهدوء، بينما لم يمنح خساني أي تطور بصري أو لحظة قوة.
الكادر اختتم على صورة تكرس الانقسام: المسيطر فوق، التابع تحت.
الغضب الشعبي: خساني في قفص الاتهام مواقع التواصل في الجزائر انفجرت غضبا؛ الآلاف وصفوا خساني بالخيانة الفنية.
اعتبره البعض "مهرجا" باع صورته وصورة بلده في كليب مهين. لم يكن الغضب موجها فقط لـ Draganov، بل بدرجة أكبر إلى خساني الذي أعطى شرعية لهذه الصورة.
الفن كسلاح ناعم لا يمكن قراءة الكليب بمعزل عن التوتر القائم بين الجزائر والمغرب: حدود مغلقة، علاقات مقطوعة، وخلافات إقليمية.
في هذا السياق، يتحول الفن إلى أداة في حرب الرموز الناعمة. ما فعله Draganov ليس صدفة جمالية، بل رسالة مقصودة: "نحن فوق، وأنتم أسفل".
الجزائر أكبر من أي كليب رغم الاستفزاز، تبقى الجزائر بلد الفن الراقي: هي من أنجبت الراي الذي غزا العالم.
هي من أعطت المسرح العربي قامات عظيمة. هي من جعلت الكلمة مقاومة والثقافة ثورة. الجزائر لا تختزل في خساني راقصا أسفل عرش أسود.
الجزائر أكبر من أي كليب مشبوه، وأكبر من أي محاولة للتقزيم.
ما جرى في كليب "TACH" ليس سوى ومضة عابرة أمام تاريخ الجزائر العميق.
فالجزائر ليست صورة راقص في أسفل كادر، ولا تختزلها عدسة مخرج يبحث عن الإثارة.
الجزائر بلد الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل الكرامة، وبلد القيم النبيلة التي تربي أبناءها على الصدق والشهامة.
إن الجزائر تملك من الأخلاق ما يجعلها تتسامى فوق الاستفزازات، ومن القوة ما يجعلها دائما في الصفوف الأولى دفاعا عن هويتها وسيادتها، هي بلد يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الفن الراقي والالتزام بالقيم الإنسانية.
الفنان الجزائري الحقيقي ليس تابعا ولا مهرجا، بل حامل لرسالة وطنه: رسالة الحرية، الشرف، والوفاء.
والجزائر، بتاريخها، بفنها، برجالها ونسائها، ستبقى دائما فوق كل العروش الزائفة، ثابتة كالجبال، مضيئة كالشمس، عصية على الانكسار.
نداء للفنانين الجزائريين إن ما حدث في "TACH" درس قاس.
الرسالة واضحة: لا مكان للفنان الجزائري حين يقبل أن يستغل كأداة استعراضية مهينة.
على الفنانين الجزائريين الشباب أن يتعلموا: الفن ليس منصة للتبعية، بل ساحة للكرامة والإبداع.
الجزائر لا تحتاج إلى "كراسي سوداء" لترفع أبناءها، فالتاريخ والفن كفيلان بأن يضعاها في الأعلى.