648
0
جمعية العلماء المسلمين مدرسة للثورة ومنارة للعلم والمعرفة

جمعية العلماء المسلمين أولى الجمعيات التي حملت مشروعا حضاريا ، حاربت به المستعمر وحضرت الأرضية الخصبة للثورة التحريرية الكبرى، أسسها خيرة رجال الوطن وصفوة مفكريها وعلمائها، عبد الحميد ابن باديس وثلة من المفكرين الأفذاذ الذين تحرروا بعقولهم وارتقوا بأفكارهم ، فتميزوا بنظرة استشرافية خلقوا من خلالها جيل واعي قلب الموازين وقضى على أسطورة فرنسا التي لا تقهر.
زهور بن عياد
مولود عويمر : مشروع وطني لمجابهة الإستعمار”
“كان للجمعية صلة قوية بالمجتمع الجزائري الذي كان يعتريه الجهل والتخلف والخوف”، هكذا استهل الدكتور مولود عويمر حديثه وهو مختص في التاريخ المعاصر والمسؤول عن الإعلام والثقافة في جمعية العلماء المسلمين. وأضاف أن الجمعية حاولت إخراج مجتمع جديد يسود فيه العلم والمعرفة والنظر إلى المستقبل، لذا فأهم مشروع سطرته يقضي بفتح المدارس في كل قرية لتمكين الفقراء من التعليم ومنحت الأمل في التحرر من الإستبعاد وزرعت الثقة في الشعب الذي فقد كل أمل بعد قرن من الإستعمار.
ومن جانب آخر يؤكد عويمرقائلا “الجمعية أسست مشروع سياسي وطني إجتماعي لمجابهة الإستعمار، وهذا الوعي السياسي والفكري هو ما جعل الشعب يفكر في استرجاع انسانيته، هذه الفكرة هي التي سعت الجمعية إلى زرعها من خلال نشاطات كثيرة منها فتح المجال لتعليم المرأة وفتح ورشات للعمل الحرفي، وهذا المشروع جاء موازي للمشروع الفرنسي القاضي بطمس الهوية الوطنية وتكريس الإعتقاد أن هذا الشعب يحتاج إلى حضانة إستعمارية”.
تعليم الفتاة وتحرير العقول
آمن الشيخ عبد الحميد ابن باديس بالدور الريادي للمدرسة في إيقاظ الوعي وشحذ الهمم وتحرير العقول، فكانت المدرسة الباديسية نموذجا فريدا وتجربة رائدة سبقت الزمن وتحدت كل الظروف والعقبات. وكان التعليم المدرسي يختلف عن التعليم المسجدي من حيث البرنامج والشروط المادية و الطلبة الفقراء الذين كانوا يتمدرسون في معهد ابن باديس يحصلون على منحة ومبيت ومطعم وطبيب معالج، وبالمقابل تكافيء الجمعية الأطباء وأصحاب المطاعم بومضات إشهارية مجانية في مجلة الشهاب التي كانت تصدرها . وفيما يخص تعليم المرأة فقد كانت نظرة الشيخ عبد الحميد ابن باديس اشتشرافية ذات أبعاد استسراتيجية للقضاء على الجهل المتفشي وخلق جيل واعي، لذا بادرت الجمعية إلى فتح مدارس خاصة بالبنات في تلمسان والجزائر العاصمة والمدن الكبرى، وأصبحت المرأة تكتب وتجادل في جريدة البصائر ومن أشهرهن نجد زهور ونيسي .وقد أعجب العلامة ابن باديس بالأفكار الكشفية لذا دعا إلى تأسيس كشافة إسلامية تعنى بتعليم الطفل طرق مواجهة الحياة .
سلاح فكري موازي
تفطن علماء الجمعية لأهمية الإعلام كسلاح فعال لنشر الوعي لذا أولت اهتماما بالغا بالصحافة باعتبارها قطاعا حساسا يجب تقويته لإيقاظ الوعي وتنمية الروح الوطنية، وتشير مختلف المصادر أن مجلة الشهاب التي أسسها الشيخ عبد الحميد ابن باديس سنة 1928 كانت الأرضية الخصبة التي تغذت منها الأفكار الإصلاحية. وقد أسست الجمعية أربع جرائد على التوالي وهي السنة والشريعة والصراط والبصائر، والتي تعرضت للمصادرة وتميزت صحافة الجمعية بمقالاتها الفكرية المعمقة .ومن جانب آخر فقد اهتمت جمعية العلماء المسلمين بالشباب من خلال خلق فضاءات ثقافية وترفيهية جسدته نوادي الشباب التي تضمنت عدة نشاطات خاصة بهم منها المسرح .
منع نشاطها في فترة الحزب الواحد
بعد أحداث 8 ماي 1945 تعرضت جمعية العلماء المسلمين لمختلف المضايقات ووجهت اتهامات لقياداتها بتهم التحريض والعصيان وتم سجنهم ، وإبان الثورة تم توقيف نشاطها الى غاية الاستقلال. بعد استرجاع الجزائر لسيادتها منعت جمعية العلماء المسلمين من النشاط بسبب طبيعة الحزب الواحد إلى غاية سنة 1990 وفي هذا الصدد يقول الدكتور عويمر”في ظل الحزب الواحد كانت الجمعية كمؤسسة متوقفة ولكن أعضائها خريجي معهد ابن باديس كانوا ينشطون في الحياة العامة كمعلمين للغة العربية ومفتشين وأئئمة منهم أحمد حماني وعبد الرحمان الجيلالي وكانوا يشاركون بقوة في عدة نشاطات خاصة على مستوى وزارة التربية ووزارة الشؤون الدينية”. ويعتبرأحمد حماني أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين بعد الإستقلال وتداول على رئاستها في الفترات اللاحقة عبد الرحمان شيبان وعلي مغربي واليوم يترأسها عبد الرزاق قسوم منذ 2011.
المشاركة بقوة في التصدي للجائحة
تواصل جمعية العلماء المسلمين في الوقت الحاضر نشاطاتها في مختلف المجالات منها التربوية كما لها مساهمات وحملات للمساندة والتازر في مناطق الظل والمناطق المنكوبة في مختلف اجزاء الامة الاسلامية كفلسطين والصحراء الغربية .وأمام تفشي جائحة كورونا قدمت الجمعية الكثير من المساعدات الطبية ونظمت قوافل مساعدات للمتضررين ولا تزال مستمرة في عطائها مكيفة أدوارها مع متطلبات الحاضرترسيخا لمباديء العظماء الذين أسسوها.