بقلم دنيا الزاهي
يعود سيناريو الأوبئة بحلته الجديدة ليطفو من جديد بمجتمعنا ضاربا أرقام خيالية، لا يمكن عدها ولا حصرها لا بخانة العشرات ولا الألاف، كيف لا ونحن نواجه وباءا تكنولوجيا لغته الخوارزميات وموطنه الفضاء الافتراضي وسلاحه سرعة التدفق والانتشار، بعمر افتراضي لا يتجاوز البضع ثواني استطاع أن يستوطن الديار وتمكن من تدمير منظومة قيمية وتربوية بأكملها .
هي أعراض تشخص لنا مفهوم الوباء التكنولوجي المستجد الذي نواجه اليوم بشواعنا وبقلب بيوتنا ووسط مدارسنا المعروف ب حمى التيك توك، و قولنا اليوم لا ينفي حقيقة ميلاده التي تعود الى عام 2016 اين وقعت شهادة ميلاده، غير أن عدواه وحالات الاصابة بهذا الفيروس لم يكن لها نصيب بمجتمعنا الا في السنوات الأخيرة، حيث طغى بل غزى تطبيق التيك توك الشاشات ورويدا رويدا استوطن العقول والسلوكيات وأعراضه في استحداث مستمر، بفضل نمط الاستهلاك المفرط واللاعقلاني الذي نشهده من قبل مراهقين شباب، ومراهقين كهول تخطت أعمارهم 60،أدمنوا بدورهم هذا التطبيق وبات شغل من لا شغل لهم، ومسرحا يعرضون فيه أجسادهم وصورهم ويروجون من خلاله لثقافة لا تعنيهم ولا تمثلهم واقعا، بل لفيروس حقنوا به عن طريق الفضول ومن باب أن كل ممنوع مرغوب، وأخر دفعه حب الظهور والشهرة لتذوق طعم التعليقات والبارطاج، وهنالك من التحق طواعية ليواكب التطور ويكون بنظر اقرانه عصري متحضر.
تعددت الأسباب والأعراض ويبقى المجني عليه واحد والمرض واحد والمسمى حمى التيك توك او متلازمة التيك توك، الفيروس الذي حال دون علاج، و برغم من أن اللقاح بين أيديا ولا يحتاج منا لاستيراد ، غير أن المنتج و المصنع مضرب عن العمل وبالتالي فأن استئصاله من هاتف وعقل شبابنا بات مستحيلا.
فلا الأسرة التي تعد الرقيب الاول تقوم بدورها في التوعية والارشاد والرقابة، ولا بدورها كحارس بوابة من خلال غربلتها واختيارها لمحتوى وتطبيق هادف يساهم في تنشئة الطفل تنشئة سليمة، وما زاد الطين بلة هو السيد المدعو تكنولوجيا وما صاحبه من تطبيقات افتراضية، مفهوم الرقابة فيها منعدم، وما بين أسرة حاضرة كمفهوم وغائبة كممارسة ودور وتكنولوجيا مهكرة، ولد وترعرع ونمى فيروس حمي التيك توك وبدوره أنجب لنا سلسلة من الفيروسات أطلق عليها أطفال التيك توك، حاملين في جيناتهم الوراثية المرض، وان لم يتم التكفل به فمستقبلا سننجب ألات لا أطفال.
هو كابوس أخر نعيشه لا تقل خطورته عن ما سبقه من أوبئة وان اختلف موطنه ومصدره ومسبباته فأضراره واحدة، ان لم تكن الضحية عضوا يستأصل أو جثة هامدة فهي أجساد مكهربة مشحونة بسلوكيات ومعتقدات فاسدة منتهية الصلاحية، غير أن احتمالية القضاء عليه في مقابل أقرانه من فيروسات تبقى ممكنة ففي النهاية نحن نتعامل مع ألة وقودها توفر الشبكة وكبسة زر يمكن استئصالهما كأولى خطوات العلاج ، مع تفعيل جلسات المراقبة والرقابة التي تبقى خير لقاح وضمان .
ويبقى أفضلهم أن نصنع بأيدينا كعكة الميلاد لأطفالنا بمقادير مضبوطة معروفة النسب خير من أن نشتري من الخارج واحدة جاهزة نعرف المحل ونجهل الصانع والمصنع والمحتوى الباطن، بمعنى أدق لنكن نحن المنتج. بالنهاية اطفالنا مسؤوليتنا وتصرفاتهم تعكس واقع ما تخفيه الجدران والطلاء ،فالنحس البناء حتى لا يسقط فوق رؤوسنا الجدار الذي بنيناه بأيدنا.