222

0

جمالية القصة القصيرة جدا

 

بقلم  / القاص بختي ضيف الله 

 

من أهم الأجناس الأدبية التي أدهشتني قراءةً متأملةً لمجموعات قصصية لكتّاب آخرين،  وتجربةً طويلةً في كتابتها؛ أتجول بين معانيها العميقة وأساليبها المتنوعة التي تقتضيها القصة ذاتها ككيان يتحرك في فكري، حياةً تمنحني شعورا لا يمكن للآلة المبرمجة أن تعيدها أو تمثل حركة خيوطها الجميلة ذات الأثر غير المنتهي.

لا أدري- تحديدا- متى كُتبت القصة القصيرة جدا أول مرة، لأنها تجربة من تجارب كل سارد أخذته إلى بيتها الجميل المغري، ربما كتبها دون أن يمنحها اسما أو جنسا تعرف به، قد يراها غريبةً بين سردياتٍ لها اليد الطولى بين الآداب العالمية كالرواية والقصة والحكاية والشعر؛ فكتبها بعضهم على استحياء على كراسته المنسية، يحتفظ بسحرها في قلبه ولم يبدها، ومنهم من أخرجها للعالمين ليتلقفها قرّاء يتذوقونها ونقّاد يفككونها، دارسين أسلوبها ومعانيها، باحثين عن سر الجمال فيها.

يرى بعض المؤصلين أنها ظهرت في تسعينات القرن الماضي كجنس أدبي جديد، له خصائصه التي تميزه عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، من تكثيف واختزال ودهشة وانزياح وقفلة.. ، بينما يرى آخرون أنها خرجت من رحم القصة القصيرة.

عندما نقف عند قفلتها أو خرجتها، ونحن مندهشون أمام روعتها، تطرح أسئلة كبيرة على بساط البحث عن سر هذه الروعة؛ في أي جزئية من جزئياتها المتناثرة كحبات اللؤلؤ يختزل البهاء ؟ أم أنه يمتد من بدايتها إلى نهايتها كسلسلة ذهبية ؟ في أي شكل من الأشكال الهندسية كان سره ؟ قد يتعجب بعض الدارسين من سؤالي الأخير؛ في تجربتي وجدت من يكتبها وكأنك تسير على خط مستقيم لتخرج إلى عالم جديد، ومن يكتبها على قطعة مستقيمة لتقف عند نهاية صادمة، ومن يكتبها على دائرة تظل تبحث لها عن نهاية، مرتبكا، يستهويك التأويل وتعدد القراءات.

نعم، إنّ التكثيف والاختزال و الازياح والقفلة والإرباك.. كلها خصائص تزين القصة القصيرة جدا، لا يختلف كتابها فيها، ولكني أردت أن أقدم لكم تجربتي؛ كم يتملكني شعور غريب وأنا أكتبها بشكلها الدائري. هذه بعض الأمثلة منها:

 

تطرف
كي يضفي عليها حياءً، ألقى على وجنتيها حمرةً..
كانت فرشاتُه أكثر حدةً؛ نزف دمٌ كثيرٌ على لوحةِ

الحياة..

مَوْت

وضَعَتِ المدينةُ حجرا؛ وضعتِ المقبرةُ آخرَ..
كانتْ لعبةً متعبةً وشَاقةً، بينَ هزيمةِ وتعادلِ..
لم يَشْهَد أبي نهَايتَها؛ اِنسحَبَ في هدوءٍ، منتصِراً للحَقيقَة..

 

ضَوءٌ هَارِب

أَخفَى جميعَ أوراقَ هويتِه عَنهمْ.. اِسْتبدَلَ عطرَه بعطرِهِم..
طَمسَ أثرَ سَيرهِ..قُبِض عَليه في حَاجزِ مزيّفِ
..

- ليسَ منَ السَّهلِ أنْ يُخفيَ العَالِمُ عقلَه..



أتمنى من النقاد والكتّاب والقراء في عالمنا العربي أن يلتفتوا إلى هذا الجنس الأدبي الجميل، دراسة وكتاب؛ فعالمه ملائم لهذا العالم المتسارع، عالم (الساندويتشات)، والهواتف النقالة، وكتب الجيب.. لتقرأ على عجل!

   

   

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services