1116
0
فجرٌ بالنار... إسرائيل تواجه ما كانت تعتبره مستحيلاً
تل أبيب على طريقة غزة: صرخات، ظلام، وانهيار الحصون
.jpeg)
بقلم: ضياء الدين سعداوي
في فجر 16 جوان 2025، تحوّلت إسرائيل إلى مسرح للنار والرعب، في مشهد أعاد إلى الأذهان ما عاشه قطاع غزة مرارًا تحت وابل القصف الصهيوني ، لكن هذه المرة، انقلبت الآية، فالصواريخ الإيرانية والمُسيّرات الدقيقة ألحقت أضرارًا مباشرة داخل العمق الإسرائيلي، وبثّت الذعر في قلب تل أبيب وحيفا، لتعلن أن زمن الحروب الأحادية قد ولّى.
ما جرى في الساعات الأخيرة من الهجوم الإيراني على إسرائيل ليس مجرد رد عسكري اعتيادي، بل نقطة تحوّل تاريخية في ميزان الردع في المنطقة ، لأول مرة منذ عقود، تجد إسرائيل نفسها في وضعية المُستهدَف المُحاصر، حيث تُقرع صفارات الإنذار في المدن الكبرى، وتُغلَق السفارات، وتشتعل القواعد العسكرية، في ظل عجز واضح للدفاعات الجوية التي لطالما تغنت بها المنظومة الصهيونية.
تل أبيب.. مشاهد من الجحيم
كانت الساعة تقترب من الفجر حين بدأت الصواريخ الإيرانية تتساقط على تل أبيب، عدسات الكاميرا لم تستطع حجب الصدمة، طفل يصرخ، صواريخ تنفجر، أضواء تنطفئ، وظلام يعم المكان. أحد السكان كان يبثّ المشهد من منزله، قبل أن يتوقف البث فجأة إثر سقوط صاروخ على بعد أمتار، الصدمة التي أصابت هذا المدني، وهي موثقة بالصوت والصورة، هي ذاتها التي عاشها ملايين الفلسطينيين في غزة، لكن الفرق أن هذه المرة وقعت داخل الكيان الإسرائيلي.
إنها لحظة الحقيقة، إسرائيل لم تعد تحارب خارج حدودها فحسب، بل باتت تدافع عن عمقها لأول مرة بهذا الشكل العنيف.
السفارة الأمريكية في تل أبيب أُغلقت، ليس بسبب خطر "إرهابي" مفترض، بل لأنها لم تعد آمنة حتى للدبلوماسيين الأميركيين أنفسهم، وهذا مؤشر رمزي خطير.
نيفاتيم.. قلب سلاح الجو الإسرائيلي يحترق
قاعدة نيفاتيم الجوية في النقب، والتي تُعد أحد أهم المراكز العسكرية الإسرائيلية، كانت هدفًا مباشرًا للهجوم. ألسنة اللهب تصاعدت بعد استهداف منشآت يُرجّح أنها تحتوي على مخازن وقود أو ذخيرة، وربما مقاتلات F-35 الشبحية. وفق الإعلام العبري، الانفجارات طالت منظومة "آرو" الاعتراضية نفسها، وهي إحدى أعقد منظومات الدفاع الصاروخي الأميركية-الإسرائيلية.
أن تضرب إيران بهذا الشكل موقعًا بهذه الحساسية، يعني أن قواعد الاشتباك الإقليمي قد تغيّرت، وأن الحصانة الجوية الإسرائيلية باتت في مهبّ الريح ، ما بعد نيفاتيم لن يشبه ما قبلها.
حيفا.. استهداف البنية التحتية الاستراتيجية
في حيفا، تلقى الكيان ضربة نوعية مؤلمة استهدفت محطة "جيزر" لتوليد الطاقة، ومنشآت نفطية داخل الميناء، هذه الضربة، التي نُفذت بصواريخ باليستية دقيقة، ليست فقط ضربة عسكرية، بل اقتصادية واستراتيجية بامتياز ، محطة جيزر تُعد مصدرًا رئيسيًا للطاقة في شمال الكيان، وضررها سيستمر لأسابيع أو أشهر، مع ما يعنيه ذلك من ضغط على السكان والبنية التحتية.
إضافة إلى ذلك، مصفاة حيفا، التي تُعالج 10 ملايين طن من النفط الخام يوميًا وتُصدّر الطاقة إلى أوروبا، تلقت ضربات مباشرة، أدت إلى انفجارات وحرائق ضخمة، ضرب هذه المنشآت هو بمثابة رسالة مزدوجة ، واحدة لإسرائيل، مفادها أن عمقك الاقتصادي في مرمى النيران، وأخرى للغرب مفادها أن دعمكم لتل أبيب لن يمر دون كلفة.
الدفاعات الإسرائيلية.. بين الكثافة والعجز
رغم التفعيل الكامل لمنظومات الدفاع مثل "القبة الحديدية"، "مقلاع داوود" و"آرو"، استطاعت الصواريخ الإيرانية أن تخترق السماء الإسرائيلية بكثافة، المشهد الذي وثّقته عدسات الكاميرا لسماء تل أبيب وهي تُمطر بصواريخ متقاطعة ومتفجرة، يعكس حالة من العجز التكنولوجي أمام التكتيك الإيراني الذي اعتمد على الموجات المتزامنة والصواريخ التمويهية والمسيّرات الاستطلاعية والهجومية.
من الواضح أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية لم تُختبر من قبل أمام هذا النوع من الهجمات المركبة والمعقدة، وهو ما يُثير تساؤلات كبرى حول فاعلية هذه الأنظمة في حال اندلاع حرب شاملة في المستقبل.
رسائل استراتيجية في قلب النيران
ما الذي أرادت إيران أن تقوله؟ إنها ليست فقط تردّ على هجوم إسرائيلي أو اغتيال ما، بل تؤسس لمرحلة جديدة من الردع الإقليمي المتبادل، طهران أوصلت رسائلها بلغة النار، لكنها رسائل مُشفّرة بدقة:
للإسرائيليين، أنتم لستم بمنأى عن الكلفة، الحرب لن تبقى على حدود غزة أو لبنان أو سوريا.
للأميركيين ، حماية إسرائيل لم تعد مضمونة، حتى وإن كانت لديكم قواعد وصواريخ اعتراضية متطورة.
للعرب المطبعين، المراهنة على التفوق الإسرائيلي رهانات خاسرة.
لأوروبا، مصالحكم النفطية في المنطقة تحت المجهر إذا ما شاركتم في أي عدوان واسع.
إسرائيل على طريق غزة
عندما تنقلب الأدوار، ويصبح المُعتدي هدفًا، ينكشف الكثير من الزيف الإستراتيجي إسرائيل اليوم تذوق من نفس الكأس التي سقت منها غزة، صراخ الأطفال، البيوت المحترقة، المنشآت المعطلة، والرعب الكامن في كل صافرة إنذار.
ورغم التعتيم الإعلامي الصهيوني المعتاد، إلا أن المشاهد المسربة من داخل الكيان تُثبت أن ميزان القوة تغيّر ،السؤال الآن: هل ستُدرك تل أبيب أنها لم تعد تملك "ترف" المبادرة العسكرية من دون حساب؟ أم أنها ستُمعن في عنادها لتقود نفسها إلى حرب شاملة لا قِبَل لها بها؟
في الحالتين، الشرق الأوسط لم يعد كما كان.. والنار التي اندلعت قد تعيد رسم خرائط النفوذ والردع من جديد.