467
0
دراما رمضان في الجزائر.. منبر للإبداع أم مرآة للانحطاط؟

بقلم الحاج شريفي
مع حلول شهر رمضان، ينتظر المشاهد الجزائري بفارغ الصبر البرامج والمسلسلات التي سترافق سهراته العائلية، في وقتٍ تعد فيه الشاشة الصغيرة نافذة أساسية تعكس ثقافة المجتمع وقيمه. لكن بدل أن نشاهد إنتاجاتٍ راقيةٍ تعبر عن هويتنا، نجد أنفسنا أمام دراما لا تمت بصلة إلى الواقع الجزائري، مسلسلات مشبعة بمشاهد غير لائقة، ونسخ مستنسخة من أعمال أجنبية، تقدم بلهجة هجينة لا نعرف هل يقصد بها جذب الجمهور أم تغريبه عن ثقافته.
لقد تحولت الدراما الجزائرية من مساحةٍ للإبداع إلى مزيج من الاقتباسات والتكرار، حيث فقدت بريقها لصالح الإنتاجات المستوردة أفكارا وأسلوبا، فهل الأزمة في نقص المواهب، أم أنها كولسة ممنهجة تكرس الرداءة وتقصي الإبداع الحقيقي؟
رمضان جزائري بمسلسلاتٍ مستوردة.. "كوبي كولي" بلا هوية
لا يحتاج المشاهد الجزائري إلى كثير من التركيز حتى يكتشف أن العديد من المسلسلات التي تعرض خلال رمضان ليست سوى "نسخ ولصق" من أعمال تركية أو مصرية، بعد إجراء تعديلات طفيفة لا تتجاوز تغيير الأسماء وإضافة بعض المشاهد المحلية لإيهام الجمهور بأن العمل جزائري خالص.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر وضوحا في السنوات الأخيرة، حيث بات واضحا أن المنتجين لا يبحثون عن الإبداع بقدر ما يسعون وراء النجاح السهل من خلال استنساخ قصص أثبتت نجاحها في دول أخرى. وبدل أن يجتهد الكتاب في صياغة حبكات تتناسب مع المجتمع الجزائري، أصبحوا مجرد "مترجمين" ينقلون السيناريوهات من لغات أخرى إلى الدارجة الجزائرية، مع الاحتفاظ بروح العمل الأصلي، حتى في طريقة الإخراج والأداء التمثيلي.
والمثير للسخرية أن بعض هذه الأعمال تأتي بنسخة أقل جودة من الأصل، حيث تضيع الحبكة بين أداء ضعيف ومشاهدَ غير متقنة، بينما كان من الممكن استثمار نفس الجهود في إنتاج محتوى جزائري حقيقي يستحق المشاهدة.
حين تتحول الدراما العائلية إلى دراما "للكبار فقط"
إذا كان شهر رمضان مناسبة تجتمع فيها العائلة حول المائدة، فإن القنوات التلفزيونية لم تستوعب بعد هذه الفكرة، إذ لا تزال تصر على تقديم مشاهد وحوارات لا تناسب أجواء هذا الشهر الفضيل.
المغازلات الفجة، الإيحاءات الجريئة، العلاقات غير الأخلاقية، والخلافات المصطنعة، كلها باتت جزءا من المشهد الدرامي، وكأن الهدف لم يعد تقديم أعمالٍ تعبر عن قيم المجتمع، بل فرض نمط دخيل على العائلات الجزائرية، حتى وإن كان ذلك على حساب الذوق العام.
ولعل الأكثر استفزازا هو التبرير الذي يقدمه البعض، بأن هذه المشاهد "ضرورية" لجذب المشاهدين ومواكبة التطورات العالمية! وكأن المجتمع الجزائري لا يمكنه الاستمتاع بدراما نظيفة دون الحاجة إلى إثارة الرغبات، وكأن الإبداع لا يكون إلا من خلال التجرؤ على الخطوط الحمراء!
غياب الإبداع.. هل هو نقصٌ في المواهب أم إقصاءٌ ممنهج؟
أمام هذا المشهد المتكرر كل عام، يطرح المتابع سؤالا مشروعا: هل الجزائر، بكل تاريخها الفني العريق، عاجزة عن إنجاب كتاب ومخرجين قادرين على تقديم أعمال ذات مستوى؟ أم أن الأمر لا يتعلق بنقص المواهب، بقدر ما هو نتيجة لمنظومة مغلقة تكرس الرداءة وتقصي الكفاءات الحقيقية؟
الحقيقة أن الساحة الفنية الجزائرية تزخر بالمواهب، لكن هؤلاء المبدعين لا يجدون لأنفسهم مكانا في المشهد الدرامي، لأن الأبواب موصدة أمامهم لصالح مجموعةٍ من الأسماء التي تتكرر كل سنة، بنفس الفرق الإنتاجية، ونفس الممثلين، ونفس السيناريوهات المستهلكة، وكأن الساحة الفنية تحولت إلى "نادي مغلق" لا يسمح بدخول الوافدين الجدد.
وبدل أن يكون التجديد سمة طبيعية في الدراما، أصبحنا نشهد توزيعا للمشاريع بين نفس الوجوه، حتى بات من الممكن التنبؤ مسبقا بمحتوى الأعمال التي ستعرض في رمضان، دون الحاجة إلى مشاهدتها!
تشويه اللهجة والهوية.. عندما يفقد الجزائري نفسه في درامته
إضافة إلى ضعف السيناريوهات واستنساخ الأفكار، هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة، وهي تشويه اللهجة الجزائرية داخل المسلسلات الرمضانية.
في محاولة لمجاراة الإنتاجات العربية والتركية، أصبحنا نرى ممثلين جزائريين يتحدثون بلهجة هجينة، لا هي جزائرية صرفة، ولا هي عربية فصيحة، بل مزيجٌ غريبٌ من المفردات المقتبسة من لهجاتٍ أخرى.
وبدل أن تكون الدراما الجزائرية مساحة تعكس لغتنا وتنوع لهجاتنا، أصبحت وسيلة لفرض لهجة مصطنعة لا تمت إلى الواقع الجزائري بصلة، وكأن المنتجين يخجلون من تقديم أعمال بلهجتنا الأصلية، في حين أن الدول الأخرى تعتز بلغاتها وتروج لها من خلال الفن.
الدراما الجزائرية.. إلى أين؟
إن الدراما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي مرآة للمجتمع، تعكس همومه وقيمه وطريقة تفكيره، وعندما تتحول هذه المرآة إلى نسخة مشوهة من إنتاجات أجنبية، فإن ذلك يعني أن هناك أزمة حقيقية يجب الوقوف عندها.
ما تحتاجه الدراما الجزائرية اليوم ليس المزيد من النسخ والتكرار، بل ثورة فنية تعيد لها هويتها، وتفتح المجال أمام الطاقات الجديدة لتقديم محتوى يعكس واقع الجزائريين، بدل أن يفرض عليهم واقع لا يشبههم.
فمتى نستفيق من هذا السبات الفنيّ، ونعيد لدرامانا أصالتها التي فقدتها؟ متى نرى إنتاجات تستحق أن تحمل اسم الجزائر، بدل أن تكون مجرد ظل باهت لأعمال الآخرين؟
حتى ذلك الحين، سيبقى المشاهد الجزائري يبحث عن محتوى يليق به، بعيدا عن شاشة لم تعد تعكسه، بل تعكس شيئا آخر لا يمت له بصلة.