1780

1

البروفيسور ياسين بن عبيد : "الجزائر ليست بحاجة لأن تستجمع الشواهد على أنها أمة كبيرة"

شدد الباحث الأكاديمي ومدير المركز الثقافي بجامع الجزائر الدكتور ياسين بن عبيد، خلال لقائه مع طاقم جريدة "بركة نيوز"، أن الجزائر ليست بحاجة لأن تثبت وجودها تاريخا وثقافة وحضارة وليس عليها ان تستجمع الشواهد لأنها أمة كبيرة وتاريخها واضح قبل الاستعمار الفرنسي، داعيا شباب ابناء اليوم أن يوطنوا أنفسهم على أن يستثمروا لا في السهولة ولكن في الصعوبة من أجل ضمان الاستمرارية.

حاورته: بثينة ناصري

 

قبل التطرق لمهامكم الحالية نود لو تعرج بنا على مسارك الأكاديمي والأدبي؟

كانت بدايتي مع حفظ القرآن الكريم ثم الالتحاق بمقاعد الدراسة فكان لي الحظ في الالتقاء آنذلك مع أصحاب الكعب العالي من مفكرين ودكاترة وكلهم أبناء تلك المرحلة بهذه المواصفات، وقدر لنا أن نتحصل من خلالهم على القدر الكافي على الأقل  مما كان مستطاعاً استيعابه في مرحلة من العمر، كانوا على قدر من البيداغوجية والاخلاص لوظائفهم بالشكل الذي مكننا من  تكوين عدة متينة وبقية المسار أثبتت هذا المسعى.

 وبخصوص الجامعة كان أول العهد بها بعد الانقطاع عن الدراسة النظامية وإلا فهاجس التكوين ظل يسكنني من البداية ولم انقطع عنه من لدن إلى هذه اللحظة التي احدثكم فيها، لكن من الناحية العملية حصل الانقطاع وتخللته سنوات شغل وتدريس في الدور الاكمالي في اللغة العربية، ولما آن الأوان إلى أن نلتحق بالجامعة، كانت الانطلاقة من المدرسة الوطنية للتعليم فدخلت الجامعة من هذه البوابة بعد التكوين، ولم أتوقف عند حدود الليسانس ففكرت ما بعد التدرج أي بعد أن أنهيت التدرج في جامعة سطيف، فكانت الوجهة إلى باريس إلى معهد اللغات والحضارات الشرقية INALCO، وسجلت في تخصص الآداب والنقد المعاصر وكان الأمر مهيأ بالخصوص وأن مسألة الإشراف كانت في صالحي لأني صادفت هناك جيل المستشرقين الفرنسيين الكبار في طريقه إلى الانطفاء.

وأشرف عليا واحد من آخر المستشرقين الفرنسيين الكبار البروفيسور "ويلي لكتو فاز" في النقد والادب المعاصر على أساس أن أدرس الأدب الصوفي الجزائري، فكانت المرحلة الأولى تسجيل في شهادة الدراسات المعمقة "Diplôme d'Etudes Approfondies" في النص الصوفي دراسة جزئية، وكانت الدراسة محكومة بضوابط وقوانين البحث في الجامعات الفرنسية، وكان ينبغي المرور بهذه المرحلة وهذا إعدادا للدكتوراه وتقديم أرضية لما سيكون عليه العمل لاحقا في الدكتوراه، وبشكل جزئي حصلت قراءة ليست شاملة بل محكومة بالجزئية للمشروع الأدبي الصوفي في الثقافة الإسلامية بصورة عامة وفي الثقافة الجزائرية بصورة خاصة وفي الثقافة الجزائرية المعاصرة بصورة أخص، وكانت الوجهة إلى التجربة الصوفية الرائدة في الواقع غير معروفة لأن صاحبها كان لا يرغب كثيراً في الظهور.

يعني من الناحية الإجرائية كانت الدراسة اتجهت إلى محاولة قراءة الفعل الصوفي الادبي وتحديدا من خلال النص غير معروف لصوفي جزائري كبير غير معروف، وكانت صلة به قريبة جدا حميمة ولصيقة يومية التي مكنتني من دخول هذه التجربة، وكما عشتها من ناحية السلوكية العملية وكذا الفكرية وفي نسيجها النصي، فاقترحت النص للدراسة على أن يكون هو المختبر لهاته الشهادة وحصل الاتفاق على هذا، وتقدمت في الدراسة على ما هو مقتضى فالنظام الدراسي الغربي.

 

وبعدها سجلت هنا في الجامعة الجزائرية لأني لم انقطع عنها للحصول على درجات الماجستير في نفس السياق دراسة نفس الشاعر ونفس التجربة لكن بالعربية هذه المرة لنيل شهادة الماجستير، وتم الامر كذلك ونوقش العمل هنا، فتحصلت بذلك على شهادتان في الدراسات المعمقة في باريس والماجستير في الجزائر، وطبعا في هذا المستوى لا يعني التوقف عن البحث فكان بشكل آلي التسجيل للدكتوراه في نفس المسار ولم تكن عندي القابلية للتنازل عن الموضوع بالخصوص وان مجموعة من المعاني التمت لدي ووضحت لي الرؤية لمواصلة المشوار في نفس الجامعة وتحت اشراف نفس المشرف لأنه تعلق بالموضوع تعلقا شديدا واظهر مرونة غير مفاجئة لمن يعرف طبيعة هذه النوعية من الناس.

فكان الشروع بعد التسجيل الاداري في العمل من حيث أنه اخذ وقت سنوات لان الدراسة عن بعد ليست دائما مريحة والبقاء هناك كذلك ليس بالأمر المريح، وجمعا بين متناقضات كثيرة أتممت العمل الذي أخذ سنوات ونوقش في شهر مارس 2009، تحت هذه التسمية " التصوف الادبي في الجزائر المعاصرة .."، فنصوص تلك المرحلة طبق عليها هذا العنوان بشكليه الكلي والجزئي الفرعي، وبعدها التحقت كأستاذ في الادب العربي وتحديدا في النص الصوفي بجامعة الجزائرية بسطيف، وبقيت ادرس هذه المادة الى الوقت الذي التحقت فيه بالمركز الثقافي بجامع الجزائر، وبقدر ما كانت الرحلة شاقة ومضنية فقد كانت نافعة ومثمرة جدا، حيث أن الامر كان مختلفا عندما قمت بتنويع الدراسة من باريس الى الجزائر والذي لم اتوقعه أن الفضاء الكوني يتسع لثقافتنا ولا يتحرج من نصوصنا يكفي ان الباحث تكون له العدة الكافية والرؤية بالخصوص لكي يطوع النص وفق مناهج حثيثة يمكن أن تصنع قراءة جديدة وآنية لمنتوج له المرجعية التاريخية ما يعود به الى بواكير هذه التجربة وهذا هو الجديد الذي راهنت عليه من خلال تطويع النصوص على طرق حديثة، ولم يحصل مساس بالمضامين بل بالعكس وتكشفت كثير من المضامين بمناهج يعتقد غيرنا انها مناهج وجهتها النص الحديث الذي ليس له صبغة المدونة الصوفية التي درستها بامتياز، كما أتيح لي أن أثنت أن للنص الصوفي حياة يستحق أن يعرف ويدرس وبالخصوص أن فيه مواد ما يوفر الفرصة للدراسة الأدبية الفكرية واللغوية ولا يشكو عجزا في هذا الاتجاه، واحسب انني أعطيت الموضوع سنوات من العمر لم اندم عليها باعتبارها تبعث على الاعتزاز.

 

اخترت مجال الشعر وتخصصت في الشعر الصوفي تحديدا كتجربة فريدة في الجزائر، هل يمكنك اطلاعنا عن دوافع هذا الاختيار؟

أصبح النص الصوفي في الجامعة الجزائرية يدرس كما يدرس نص آخر والآن مقياس في الأدب الجزائري والأدب العربي عموما يدرج التجربة الصوفية والذي صادف هذه الفترة، ومن مترسباتها أن جاءت هذه النتائج لتؤكد أن ما للنص الصوفي من حق في الحياة وبالإضافة الى النص الصوفي، درست آداب أخرى كالأدب المقارن والتيارات الفكرية كالنص الشعري القديم والحديث وما يدور في مدار التجربة الشعرية العربية التي كانت اكثر من غيرها في المجال الاكاديمي الجزائري وكذا التجربة الغير عربية، والتحق بالمنحى الاكاديمي المنحى الثقافي العام الذي وجهته تاج الادب من حيث هو شعرا ونقدا وترجمة فلمحدثكم اهتمام بالشعر وتذوق وممارسة له، أنا الآن بتعداد سبعة (07) مجموعات شعرية كان أولها الوهج العذري وآخرها ما اذكره هو "كوثر الروح"، وبين العنوان الأول والأخير مدونات حظيت باهتمام نقدي من هنا ومن هناك من المثقفين عموما ومن النقاد خصوصا ومن طلبة الجامعات في مذكرات التخرج وحتى الدراسات الحرة من الليسانس الى الدكتوراه، وما استحيا في نفسي المزيد من الحب للشعر والايمان برسالة الشعر، فأدنى رسائله الرسالة اللغوية أعلاها الفكر والثقافة وما يدخل في هذا المعنى، وتخلل هذا كذلك حضور المنتديات واللقاءات الثقافية والأدبية والشعرية لان هذا هو الاهتمام، فكانت فرصة للتعرف على تجارب كثيرة على نصوص وعلى مدونات وأشخاص من الأدب الجزائري ممن غذوا التجربة الشعبية الجزائرية وشرفوها في بلدان الشعر، أدركت أناس كتبوا الشعر في أرقى صوره واخترقوا به الآفاق البعيدة واكسبوا الثقافة الجزائرية الأدبية والشعر الجزائري سمعة وشخصية قوية جدا، فلم يحصل في مسابقة من المسابقات العرب الشعرية إلا وفيها شاعر جزائري، وأشدد على أن الشعر في الجزائر لا يزال بصحة جيدة وبخير وهذه الصورة التي أكدتها المناسبات والمشاركات في مختلف المسابقات.

فقد كان لي اهتمام بالجانب بالفكري وبالخصوص في المرحلة الأخيرة، ونحن نشهد تجاوزا فكريا من قبل بعض ممن تموقعوا في الخارطة الفكرية وأرادوا بها صناعة سمعة وريادة، ولكن أعجب أنهم لم يجدوا مسلكا لهذا وطريقا اليه الا الاعتداء على المسلم والموروث وما لا يستحق أن يعتدى عليه، وهناك أسماء عربية في هذا الموضوع وللأسف بعضها جزائري اتخذوا نص الدين مركبا لشطحات غريبة أهون ما فيها هو استدعاء المنظومة الغربية واسقاط ما تعبث به على المقدس الاسلامي المشكل في النصوص المؤسسة، فهؤلاء بدا لي ولغيري أن تيار مثل هذا يجب مقاومته ومقارعته بالحجة وإن كانت أسماء كبيرة، لأنه روج لها واعطيت من الشرعية ما لا تستحقه وصنع منها واجهات لمثل هذه الأفكار مع كل ما يمكن أن يدفع الى هذا.

فكان يجب أن يتوجه المثقف الأصيل الذي له نزوع الى أصالته ويسكنه هاجس الاستمرار في هاته الأصالة ولما يقتضي النظر الدفاع عنها بكل وسيلة، ولكن لنا أساتذة في هذا النضال ولنا كتاب وباحثون كبار نهجوا هذا النهج ووضعونا في مدارجه أدوا ما عليهم، ومنهم المفكر الكبير فقيه الفلاسفة والفقهاء الاستاذ طه عبد الرحمن وغيره من فتحوا الباب على هذا هذه الممارسة، وشجعوا غيره من الكتاب عليها، وكان من ثمار هذا التشجيع محاولتي أن اقوم بواجبي فآخر العناوين التي يمكن ان نتحدث عنها هو "ثابت الحقيقة ومتغير النظر"، ومن هذا يتناول الظاهرة جذورها التاريخية والحالية ثم بشكل رأسي عمودي يتجه الى الافكار من حيث هي، لا من حيث هي نسق تاريخي لكن من حيث هي بنى وبؤر للفكر الذي لا شيء فيه يفرضه علينا، لأن مؤهلات الفكر الديني الأصيل توجد في ذاته منطلقاتها معلومة وليس هناك حاجة الى أن تغذى هاته النصوص بغيرها ولا نقبل بهذا والحديث يطول في هذا المضمار.

وهناك عنوان آخر أنا سعيد انني وضعته وهو كتاب عن الإمام الغزالي ابو حامد حيث حاولت دراسة الاعتراض عليه، بغير موجب وبغير داعي لا فقهي ولا فكري ولا فلسفي ولا روحاني ولا عقلاني، هذا الرجل الذي اختزل الثقافة الإسلامية في عصره والذي جمعت الثقافة الاسلامية بجميع مشكلاتها في شخصه، كأنه رزق أعمارا بدل العمر وكأنه اعطي ما يعطيه جيل في القرن الخامس الهجري، واستطاع اعادة صياغة المنظور الثقافي في عصره وأكد التاريخ الذي بعده أنه على حق، فرجل مثل هذا يهاب به لا يخرج عن النسق البشري فهو في النهاية بشر يخطئ ولان يصيب، ولكن على الأقل إذا حصل اختلاف مع هذا النوع من الناس يختلف معهم بأدب وبدل أن يتناول شخصه تتناول الأفكار، فهناك تجاوزات كثيرة لتذويب تلك الصورة التي صنعها هو في عصره في نطاق ضيق جدا، الحقيقة تأبى هذا وقد ابته وفي التاريخ هناك من انبرأ يدافع عن الغزالي على الرغم من أنه لم يدركه بحكم المعطى الجغرافي في المشرق وفي المغرب والأندلس ولم يدركوا عصره لأنه مات قبل فترة قليلة من ظهورهم اتحدث عن "ابن رشد".

 هناك خطابات في هذا الجانب حاولت دراستها وردها إلى سياقها التاريخي وسياقها النفسي لان لا شيء في السياق المعرفي يبرر تلك الهجومات حاولت الالمام  بها منافحة عنه ودفاعا عن مقوماتنا التي يشكلها الغزالي واشباهه من كبار العلماء والمثقفين.

واشير أيضا لدراسة التجربة الأدبية الجزائرية والاسلامية بصورة عامة في رسالة دكتوراه بالفرنسية والتي نشرت في ألمانيا وبالتحديد بمدينة "ساربروكن" باعتبارها مدينة جامعية تعنى كثيرا بالآداب الروحية واتصلوا بي وعرضت عليهم نصي ونشروه هو الان له نسخة في المكتبة الوطنية الالمانية، ولأنه موضوع بالفرنسية وزع في المدار الفرانكفوني في عمومه في كندا و بلجيكا وجزء من سويسرا و فرنسا طبعا والبلدان الافريقية وكل الجهات الناطقة باللغة الفرنسية وصلها هذا الكتاب وهذا توفيق من الله تعالى.

لو حاولنا وصف المشهد الثقافي اليوم في الجزائر، كيف تقيمون ذلك وهل الشعر اليوم يحظى بالمكانة التي تليق به؟

ربما لن أكون دقيقا إذا قسمنا الحديث عن المشهد الحالي لأن ظروفا ما حالت بيني وبينه، فأنا من جيل الثمانينات كان الفعل الثقافي مختلفا والتقاليد الثقافية، وهذه الفترة انتجت مدونات فردية وجماعية من النصوص التي لها من البهاء والقوة والتفاؤل مع المعطى الكوني ما يكفي، والتي ساهمت في إخراج النص الجزائري إلى الإقليمية والغالب فيهم أنهم شعراء ونقاد لم تأتي بهم الأكاديمية ولا الإنتساب إلى الجامعات ومراكز البحث المنتجة للفعل الأدبي ولخطابه،  هم من النوع الآتي من الطبيعة والسجية، بما يعني أن تعاطيهم للأدب كان عفويا بدأ بهواة وانتهى بمحترفين جملته ولحمته، فالإيمان بالحرف وبالفعل الأدبي أكسب ذلك الجيل قوته.

فعند الحديث عن جيل اليوم له فضيلة الاستمرارية ومحاولة التكوين ولكنه وقع في فخ السهولة فجيل الثمانينات كان يعاني من صعوبة الخروج إلى المشهد لأن وسائل النشر كانت قليلة كما أن العلاقات كانت تتميز بطبيعة التدافع والمنافسة جعلة من البعض الذين استتبوا في مراكز القرار يحجبون غيرهم فكثير من الأسماء انطفأت، فجيل اليوم لا يشكو من هذا فأدنى هاته الوسائط وأكثرها شيوعا "الفيسبوك" الذي يتيح لكل من يريد أن يقول شيء يقوله فلا رقيب عليه ولا حسيب، فوقع جيل اليوم في فخرالسهولة، فمشتقات الوسائل الاجتماعية حتى على مستوى النشرفي بلادنا تحديدا الآن من له أموال يستطيع ان ينشر ما يريد ولا أحد يعترضه من ناحية الرقابة الفنية الصارمة .

 فمثلا في المكتبات وفي محلات العروض المادة الادبية يدهشك الكم الذي لا يرافقه دائما الكيف بصراحة، وإذا كان لي نصيحة أنصح بها أدباء اليوم وشعراء اليوم من الجيل الجديد أن لا يتعجلوا الشهرة وأن يخلصوا للفعل الادبي لأنه في النهاية هو جزء من الأشخاص الذين يدخلون للتاريخ، فأيهما افضل بالنسبة للذكي، أن تمضي لك سورة في التاريخ مشرقة، قوية، أم تلك السورة الهزيلة الآتية بسهولة النشر ومن انتهازية الوضع الذي سيتحول يوما ما ولن يبقى على ما هو عليه، وستشهد لك الاعقاب أنك كنت في مرحلة من المراحل لا شيء ، في حين أن هناك استثناءات من الشعراء والكتاب يحتفى بهم أحياءا.

للأسف الشديد أن هذه النوعية التي خرجت عن المدار الجزائري حقيقة، فمثلا في الأردن حيث النشر منتشر وهو ليس سهل ولكنه غير مكلف كثيرا، بالخصوص أن دور النشر هناك تستطيع ان تحتال على غير المحلي فترحب بنصه على أن تتصرف فيه تصرفا تجاريا، وأبناء المحلي يعتقدون أن للنشر خارج الجزائر مزية وهي ليست كذلك، فيستسلمون لهاجس الانتشار والشهرة وما الى ذلك من هاته البوابة وما يقترحونه من  نصوص على المشارقة لنشره، لا تمثل الأدب الجزائري ولا تمثل الجيل الحالي لأن فيه أقوياء في المجال، وأنا أحصر الحديث في الشعر لأنني أهتم به أكثر من غيره.

ربما شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة حملات من السطو والتشكيك بالتاريخ والهوية من قبل بعض الدول، فماذا تقولون في هذا؟

 إذا نظرنا إلى الجهة المنتجة لهذا الخطاب المتشكك لا نستغرب أن يقول رئيس دولة، مشككا في وجود الجزائر قبل الوجود الفرنسي على أرض الوطن، فهذا غير مستغرب قيل قديما ويقال حديثا الذي نستغربه هو أن يصدر التشكيك بما في بطونه من تهويل ومن اعتداء من جهات غير غربية هذه هي المشكلة، حصل اعتداء على تاريخية ثقافة وتاريخ وما الى ذلك واختزل هذا التشكيك في أشخاص ومواقف ومبادرات وموروث، والإعتداء على الجزائر من خلال الأمير عبد القادر من الغرب لا نستغربه ولكن من جهات عربية والأكثر من كل هذا هو أن تنبت نبتة في الجزائر بالذات بإيعاز من الخارج  تقول مثل هذا الكلام، فهذه هي المشكلة التي ينبغي أن ننتبه إليها.

الجزائري اليوم مثقفا، مفكرا، عاميا، رجل دولة، سياسيا ينبغي لكل من في هذه المنظومة أن يتفطن الى خطورة هذا الخطاب ويعلم أن طرق الاجهاز على الأمم هذه هي بوابته، والأدهى لما يكون على ألسنة يفترض أنها جزائرية وتدافع عن بلادها ظالمة أو مظلومة، فالجزائر ليست بحاجة لان تثبت وجودها تاريخا وثقافة وحضارة وليس عليها ان تستجمع الشواهد على انها أمة كبيرة.

وفي دائرة الإختصاص التي أتحرك فيها وان كانت سوف تبدو بعيدة ولكنها قريبة من مدة نحن نشتغل على فكرة المقاومة الروحية أو الدينية، جئنا الى هذا المنظور من بوابة أن أكثر تمثيليات التصوف هي تيارات مجاهدة.

و بما أن الجزائر دولة تعرضت للإحتلال فبالضرورة يكون المقاوم للاحتلال في الجزائري في المكون الاجتماعي العام فيه الصوفي والغير الصوفي، بما يعني أن الجزائر ذات خصوبة في هذا المجال لأنها تعرضت لاحتلال استيطاني، فكل أوطان العالم من الشرق الإسلامي اتخذت مدرسا لها ومعلما واستاذا في التجربة الجزائرية فبلد مثل هذا لا يصلح لدى العقال أن يقال عنه ان ليس له تاريخ و ليس له ممارسة تشهد على وجوده وتشهد بان أمته أمة كبيرة.

 فما هي الرسالة التي تقدمها للشباب في إطار السيرعلى منهاج  العلم والمعرفة؟

يعد هذا السؤال وصف للواقع الحالي فأنا أقول على شباب اليوم  أن لا يقع فريسة السهولة لأنها قاتلة وما وصلت اليه بالسهولة بنفس السهولة يذهب، الأمور التي تأتي عن تعب ومثابرة ومشقة تبقى وتثبت، لأنها تدل على أن صاحبها مؤمن  بها، فوطنوا أنفسكم أبناء اليوم على أن تستثمروا في الصعوبة، فلما نقرأما كتبه أسلافنا من سيرتهم الذاتية وفيه من يتحدث عن ما كان يعانيه في سبيل الحصول على المعرفة، شيء سرياني يشبه الخرافة ومع ذلك ما بقي أثره وما ثبت تاريخه الى اليوم إلا بهذا، فنتحدث عن شريف تلمساني الرجل الذي في محصلته العلمية كل ما يعلم حتى الموسيقى، شيء مدهش كل هذا يلتقي في شخص واحد،  كان يدرس عند معلم بعيد الدار ويوميا ينتقل إليه بلا مركبة، وفي يوم من الأيام أوحت الأمسية بأن الليلة وما يتبعها يجوز أن تكون ماطرة وخشي أن يقطع بفعل هذا عن المجيء، ودع المعلم كعادته وفي توقيته المعتاد وذهب الغد، فعلا سقطت الثلوج ملأت الدنيا لكن المدهش أن أستاذه وجده الغد في المكان ولكن قبل الوقت، تعجب الاستاذ من مجيئه الباكر وحين سأله، قال له بصراحة يا سيدي لم أغادر، قال له أين بت؟ قال له بت في الإصطبل، قال له لماذا؟ قال خشيت أن نقطع عن درس اليوم.

فيجب على الإنسان أن يؤمن بالمعرفة والعلم والتكوين فاليوم نحن في عالم لا يؤمن بالضعيف أناس وهيئات وأجهزة لها من العدة ما يكفي ولكنها عطلت فكيف بالذي لا يملكها، فعدة اليوم هي المعرفة بأشكالها المختلفة التقليدية والكلاسيكية.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services