342
0
المجلس الأعلى للغة العربية يحتفى بذكرى الاستقلال بإطلاق منصة الكشاف لمجلة أول نوفمبر

بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لاستقلال الجزائر، وفي إطار التأكيد على مكانة اللغة العربية ودورها في الإسهام الحضاري الجزائري، نظّم المجلس الأعلى للغة العربية، اليوم الثلاثاء، ندوةً إعلامية خاصة، استعرض خلالها أبرز إنجازاته خلال السداسي الأول من سنة 2025، والذي كان احدثها إطلاق المنصة الرقمية لمجلة "أول نوفمبر".
شروق طالب
وفي كلمته الافتتاحية، اكد صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للّغة العربيّة، بأنّ هذا اللّقاء يأتي في إطار الاحتفاء والاستذكار بيوم المجد، اليوم الخالد في ذاكرة الجزائريين، يوم استرجاع الحريّة والسيادة بعد سنوات طويلة من الاستعمار الغاشم.
وأشار إلى أنّ هذا اليوم يخلّد تضحيات العلماء والشهداء والمجاهدين، الذين أعادوا للوطن كرامته وسيادته، وكتبوا بتضحياتهم صفحة مشرقة في تاريخ الجزائر.
وأكد أن أعظم ما يمكن تقديمه لهؤلاء العظماء هو مواصلة السير على نهجهم، والعمل بصدق وإخلاص في خدمة الوطن، بالحفاظ على ركائزه الأساسية وهويته الحضارية.
وأشار إلى أن ستة شباب جزائريين تحدوا كل الظروف وتمكنوا من التخطيط لإسقاط المستعمر، واليوم يثبت شباب الجزائر من جديد قدرتهم على حمل المشعل، من خلال منجز حضاري يُضاف إلى سجل الإنجازات الوطنية.
وفي هذا السياق، ثمّن رئيس المجلس مساهمة شباب اليوم في رقمنة "منصة أول نوفمبر"، التي تُعد الأولى من نوعها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، معتبرًا إياها خطوة نوعية في توثيق الذاكرة الوطنية بأساليب حديثة، وواجبًا وطنيًا يعكس الوفاء لتضحيات الأجداد.
كما أضاف أن إطلاق المنصة يمثل نقلة نوعية في توثيق الذاكرة الوطنية، حيث تم تزويدها بمحرك بحث ذكي يتيح استخراج المعلومات من كامل أعداد مجلة أول نوفمبر، التي بلغت 198 عدداً، ساهم في إثرائها مئات الأقلام الوطنية، واحتوت على أكثر من 3400 مقال موزعة على ما يزيد عن 14 ألف صفحة.
وأكد بلعيد أن هذه المجلة، التي تُعد لسان حال المنظمة الوطنية للمجاهدين، أصبحت اليوم متاحة في صيغة رقمية مدعّمة بقاعدة بيانات مفصلة، وفّرها مشروع "كشاف المجلة"، لتكون مرجعًا مفتوحًا للباحثين والمهتمين بتاريخ الجزائر، في خطوة تعكس حرص المجلس على تعزيز حضور اللغة العربية في الفضاء الرقمي.
وتوجت الندوة بالانطلاقة الأولى لمنصة مجلة أول نوفمبر، وذلك بحضور الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين.
منصة الكشاف لمجلة أول نوفمبر
وفي هذا الصدد، أكدت الاستاذة سهام موساوي، باسم فريق عمل مجلة أول نوفمبر، أن هذه المبادرة الإعلامية ليست مجرد احتفاء بذكرى الثورة، بل هي لقاء متجدد لتجديد الوفاء لعهد الشهداء، وإثبات أن أبناء الجزائر لا يزالون على الدرب، حاملين لواء الذاكرة الوطنية، ومواصلين رسالة التحرر والمعرفة.
وأوضحت أن المنصة الرقمية الجديدة هي امتداد حيّ للمجلة الورقية، تحمل في طياتها كنوزًا من المبادئ والموروث الثقافي والمعرفي الجزائري، وتسعى لتجديد روح ثورة نوفمبر المجيدة في قالب عصري يواكب التحولات الرقمية.
وأضافت أن العمل على هذه المجلة الرقمية انطلق في أوت 2024، واستمر حتى اليوم، حيث خضع لمراحل متعددة من التجميع، التوثيق، والتصنيف.
وقد استفاد الفريق من تكوينات خاصة سهّلت إنجاز المجلة، التي بدأت تأخذ شكلها عبر المدونة الرسمية بفضل دعم المنظمة الوطنية للمجاهدين، التي وفّرت أرشيفًا غنيًا تمثّل في صور ضخمة الحجم ومواد توثيقية نادرة.
وقد تم لاحقًا تصنيف هذا المحتوى ضمن مشروع سُمي "الكشاف"، وهو مرحلة مفصلية تم من خلالها تنظيم المجلات وجدولتها بشكل دقيق. كما تم دمج رابط المنصة ضمن الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للغة العربية، ما يتيح للزوار وصولًا مباشرًا وسهلًا إلى هذا الرصيد الوطني الثمين.
وفي الجانب التقني، أوضح الأستاذ قادري وليد أن المنصة تشكّل مشروعًا وطنيًا رائدًا، هدفه إحياء تراث يمتد لأكثر من خمسين سنة، عبر مقالات ووثائق تؤرخ لتاريخ الجزائر بمختلف محطاته.
وبيّن أن تصميم الموقع مرّ بمراحل دقيقة، شملت تصميم الواجهة، إدارة الأرشيف، ومعالجة الصور، حيث واجه الفريق تحديات كبيرة تتعلق بحجم الملفات، إذ تجاوزت بعض المقالات 600 ميغا، مما تطلب تقنيات خاصة سمحت بتقليص الحجم بنسبة 75% دون المساس بجودة المحتوى.
واشار قادري ان منصة تتيح خاصيات بحث متعددة، من بينها البحث حسب اسم المؤلف، بحيث يكفي إدخال الاسم لتظهر قائمة بجميع المقالات التي كتبها، مع معلومات تفصيلية أسفل كل نتيجة تشمل الاسم، السنة، العدد، فضلا عن إمكانية القراءة المباشرة أو تحميل المقال بصيغة PDF.
كما نوه ان المنصة صنفت محتوى المجلة ضمن 54 مجالًا موضوعاتيًا، وهو ما شكل تحديا، بجانب باقي التحديات التقنية التي توجت عمل متكامل.
معجم الثقافة الجزائرية
وفي سياق استعراض إنجازات المجلس الأعلى للّغة العربية، برز منجزٌ ثقافي وطني بارز تمثّل في إصدار "معجم الثقافة الجزائرية" في طبعته المترجمة إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
وقد قدّم هذا المعجم الثنائي اللغة كلٌّ من الأستاذ محبّ الدين صادق، مترجم النسخة الفرنسية والمساهم في تمويل المشروع، والأستاذ عمّار قواسمية، مترجم النسخة الإنجليزية، حيث استعرضا المحاور المعرفية التي يتناولها العمل، على غرار: اللهجات واللغات، المعتقدات والأديان، الأقاليم والعمران، وغيرها من الجوانب التي ترسم ملامح الهوية الثقافية الجزائرية.
وأكد المتدخلون أنّ هذا المعجم يُعدّ مرآةً عاكسة لأصالة التراث الجزائري الممتد عبر آلاف السنين، كما يجسّد التزامًا وطنيًّا عميقًا بحفظ الذاكرة الجماعية، وتوثيق مكوّنات الهوية الوطنية بكل تنوّعاتها ومكوّناتها الحضارية.
الرصيد اللغوي الوظيفي
وفي سياق متصل، قدّمت كل من الأستاذة جوهر مودر والأستاذة جويدة معبود مشروع "منجَر الرصيد اللغوي الوظيفي"، الذي يُعنى بجمع وتبويب المفردات المدرسية الخاصة بمرحلة التعليم الابتدائي.
ويستند هذا العمل إلى دراسة وصفية تحليلية للمنهاج المدرسي في كلّ من الجزائر، وتونس، والمملكة الأردنية الهاشمية، والإمارات العربية المتحدة، بهدف رصد الألفاظ المشتركة في مضامين الكتب المدرسية المعتمدة.
وقد تم اعتماد 22 مجالًا ضمن هذا الرصيد، خُصص أحدها للقيم الوطنية، تأكيدًا على أهمية ترسيخ مبادئ المواطنة لدى الناشئة، وضمان تكوين تربوي يعزّز الانتماء الوطني والوعي بالهوية الجماعية.
ويُعد هذا المشروع أداة تربوية استراتيجية تُسهم في توحيد لغة المتعلّم العربي، والحدّ من فقر التعلم، كما يعزّز فرص التحصيل الدراسي من خلال دعم التلميذ برصيد لغوي مشترك ومتكامل.
اتفاقية تعاون بين المجلس وحديقة الحامة
وفي إطار تعزيز حضور اللغة العربية في الفضاءات العلمية والثقافية، شهدت الندوة توقيع اتفاقية تعاون بين المجلس الأعلى للغة العربية وحديقة التجارب الحامة.
وبهذه المناسبة، أكدت كنزة بن مني، رئيسة حديقة التجارب، أن هذا التعاون يعكس ثقة متبادلة في الكفاءات التقنية، خاصة في الجانبين الفلاحي والبيئي، مشيرة إلى أن اللغة العربية ليست فقط وسيلة للتواصل، بل هي وعاء للمعرفة، وجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتربوية.
وأضافت أن حديقة التجارب، باعتبارها فضاءً مفتوحًا للعلم والطبيعة، تتيح فرصة لترسيخ هذه الثقافة لدى الزوار من داخل الوطن وخارجه، عبر مبادرات تثقيفية وتوعوية تعزز مكانة اللغة العربية في الفضاءات العامة.