233
0
أطفالنا وخطورة الهواتف الذكية ...إدمان لايقل عن غيره من المؤثرات !..؟

بقلم مسعود قادري
منذ عدة سنوات، اشتكى طلاب الثانويات من ثقل البرنامج الدراسي وكثافته في السنةـ الثالثة بالدرجة الأولى ـ وطالبوا وقتها بتسقيفة أو تحديد عتبة تسهل على الجميع التحضير في وقت قصيرلأن الوقت على مايبدو أصبح لايكفي لمتابعة مايجري في العالم الافتراضي فالدراسة حتى في السنوات الحاسمة لم تعد مهمة بالنسبة للبعض ..
السبب بكل بساطة هو، أن فئات معينة من تلاميذنا في كل الأطوار صارت رهينة الهواتف الذكية . فهي تفضل تخصيص الوقت الكافي لهذا الرفيق الملازم لها ليلا ونهارا ولاتستغني عنه إلا إذا استلمه للنوم أو أجبرت على التوقف للأكل أو أمور ضرورية ..!.؟
فالهواتف الذكية وما فيها من خطر على حياتهم ومستقبلهم وخاصة على الدراسة التي صارت ترهقهم ساعاتها الطويلة وحصصها المكثفة وتلهيهم على التفرغ الكلي لمتابعة المحتويات الهدامة التي تبدو لهم ثقافة عصرهم لايفهمها الأولياء والهيئات المشرفةعلى المنظومة التربوية . ومع أن الأسر والهيئات فقدت خصائصها ولمتها المعتادة بسبب هذ القادم الجديد الذي يفرض نفسه على من اتبعه ولا يقبل شريكا له في الحوار أو المؤانسة ..؟. فالعائلات الكبيرة والصغيرة أصابتها غربة داخلية وفقدت لذة اللقاءات العائلية التي كانت تجمعها على الأقل حول مائدة العشاء أو في سهرة ليليلة بمناسبة معينة .. ..!.؟ فاللقاء موجود، لكنه لقاء جاف لاحوار فيه ولا فكاهة ولا ابتسامة ، فالكل منكب على هاتفه يتفاعل بمفرده مع مايرى أو يسمع . والكل في نفس الوضع إلا الكبار الذين لاعلاقة لهم بهذه الوسيلة التقنية المفرقة للجماعة، ومن لم يكن منشغلا بهاتفه فهو ينظر لسلوكات الآخرين الغريبة التي يبدونها وكأنهم اصيبوا بمس جنوني . ..!.؟. والمس يكون عاما عندما يلتقي افراد عائلة أو مجموعة من الأصدقاء في مناسبة لايتفرغون لموضوعها ولا يحسون بها لأن الحاضرين منشغلون برفاقهم الأذكياء ويعيشون في عالم غير المتواجدين فيه..؟
الكل يشتكي من غياب التواصل المباشر بين أفراد العائلة أو أية مجموعة يسيطر عليها الهاتف .. ومع ذلك ، ساهم الجميع فيما وصلنا إليه حتى صار يهدد مستقبل ابنائنا في دراستهم ويطالبون بتسقيف مافيها من مواضيع ليتفرغوا لشؤون العصر المختصرة في التفرغ للهاتف وما يقدمه في كل حين وآن عبر شبكات مختلفة تتسابق لسرقة العقول وتوجيهها نحو اللامعقول.!؟ .
في غياب مجلس أعلى للتربية ودراسات معمقة عن محتوى المنظومة التعليمية التي فقدت لسنوات عديدة جانبا أساسيا من مهمتها،عندما تحولت إلى منظومة لحشو المعلومات مفرغة من جانبها التربوي الأساسي الذي أريد له الابتعاد عن المدرسة ليتخلى المجتمع المقبل عن كل مقومات الأمة ويتبع النهج الغربي المنتج للبرامج التي نسارع نحن في تطبيق أبحاثها ودراساتها المنطلقة من واقعهم فتتخذ مدارسنا وأبناؤنا ـ كفئران تجارب وعندما تفشل التجربة بنحث لها عن أسباب في تاريخنا ومقوماتنا لنتهم لغتنا وديننا وتراثنا في إفشال ماكان ناقصا من مصدره..؟
فالمجتمع الجزائري له خصوصيات لاعلاقة لها في الجانب التربوي بالتحديد ، بالمجتمعات الغربية التي يسعى قادتها ومخططوها إلى فرض أسلوبهم في التعليم والتربية على العالم ليسهل على ساستهم توجيه الأجيال نحو الأهداف التي يبتغونها في عالم يعدونه بأفكارهم ومعتقداتهم وينجزونه بإمكانياتهم وطرقهم .. الأجيال الصاعدة من شبابنا أريدلها في العشرية الماضية أن تبقى أغلبيتها متخلفة في خدمة طبقة معينة لاينتمي أبناؤها لمدارسنا ولا محيطنا وهي الطبقة التي يعدونها كخلف لقيادة البلاد وفق المنظور الذي يريدونه والذي يتنافى تماما مع قيمنا ، بل يتعارض مع أهداف بيان أول نوفمبر الذي يساوي بين كل أبناء الشعب في فرص الحياة عامة والتربية والتعليم بالخصوص ولا مجال للطبقية في أمة دفعت الثمن غاليا لتتحرر ممن أوجدوا الطبقية وميزوا بين خلق الله وحقوقهم في الحياة مع أنهم يدعون عكس ذلك تماما !؟..
بعد أن طالب تلاميذ الثانوي في فترة معينة تحديد سقف امتحانات ـ الباكالوريا ـ خاصة ، هاهم يطالبون الآن بتخفيض ساعات الدراسة والتقليص من البرنامج ليقتصر على صفحات قليلة أو ربما فقرات في كل مادة يمكن مراجعتها في لمح من البصر والتفرغ لما هو أحدث وأجود في نظرهم وهو مايبتغيه صناع المحتوى في الوسائط الاجتماعية الغربية.. لايهم من يكونوا.. يهود نصارى ، بوذيون هندوس . فأي محتوى في الإثارة ومضيعة الوقت، يكون ملفتا للانتباه وجذابا يستحق في نظر الكثير من شبابنا وطلبتنا التشجيع والتعميم والنشر فيساهوا بذلك في نشر أسلوب حياة لاعلاقة لهم به ولا تربطهم به أية صلة ، وعندما يستيقظون هم وأولياؤهم يكون القطار قد سار وقطع شوطا طويلا .؟ .. لمواجهة الظاهرة التي استفحلت بين شباببنا وحتى أطفالنا ، تتكاتف الجهود للتخفيف من حدتها على الأقل بعد أن صار خطرها لايقل عن خطر بقية المؤثرات العقلية المتكالبة على المجتمع المستهدف من الجيران والأعداء ..
وهنا نتوجه بسؤال إلى الهيئات المشرفة على المنظومة التربوية .هل استغلت هيئات السبر والإحصاء في دراسة المحيط التربوي ومتطلباته الحقيقية العلمية والمادية والوقت المخصص للمواد التعليمية ، وهل أجريت دراسات ميدانية عن معدل الوقت الذي يخصصه أطفالنا عموما مع هواتفهم ..
لو قامت هيئات مخصصة بعمليات سبر للآراء بدراسة ميدانية لعينيات مختلفة من محيط التعليم عامة ـ مع مراعاة المناطق وتأثير هذه الوسائل على الأبناء بين الريق والمدينة مثلا ، وهذا لمعرفة الوقت الذي يقضيه أبناؤنا مع هواتفهم أوأمام الحواسيب .. فقد نجد أن وقت الدراسة يريدونه أقصر وقت في أيامهم، والدراسة اليومية ترهقهم كثيرا ببرامج مكثفة تتعبهم ويريدون قضاء أقصر وقت في الفصول والاختصار الشديد في المحتوى لأنهم يرون الوقت لايكفيهم لإشباع رغباتهم في متباعة أحدث المحتويات الفيسبوكية والتويترية و....
بعض تلاميذ العصر، صاروا يضحون بالنوم ووقت الأكل وجزء كبير من وقت المراجعة اليومية لصالح الهاتف الذكي الثري بمحتويات تختفي وراءها هيئات لاتريد الخير لمجتمعاتنا وتفضل بقاء ابنائنا شبه أميين لاينفعون شعوبهم وأوطانهم لتبقى هذه الأخيرة تحت رحمة أقوياء الغرب والشرق الذين يعرفون كيف يتعاملون مع الوقت ويطبقون المقولة التي نحفظها نحن ولا نطبقها " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك .!؟ . هذه المقولة هي من انتاج حضارتها وقد سبقونا لتطبيقها دون حفظها وعلموا أبنائهم على احترام الوقت حتى لايكونوا فريسة سهلة لأي مؤثر خارجي سواء الهاتف أو بقية الوسائل السمعية البصرية الحديثة التي تغرقهم في احلام غير قابلة للتحقق في الحياة و تلهيهم عن طلب العلم والاجتهاد لنيل السمو والرقي في الحياة ..
الأولياء يشتكون من هجران أبنائهم للدراسة وانشغالهم بالهواتف وبدل ان يبحثوا عن الحلول مع المدرسين والمربين يلجأون مباشرة للبحث عن الدروس التدعيمية والحلول الترقيعية التي لاتأتي كلها بالنتائج المرجوة . ..
عندما يكلف الآباء انفسهم ويبالغون في شراء الهواتف ذات القيمة المالية والجودة في الذكاء والقوةلأطفالهم ، لايفكرون في نتائج مايقومون به معتقدين أن حبهم لأبنائهم يفرض عليهم معايشة العصر وتحقيق الرغبات بدلا من التحاور والبحث عن الفوائد المرجوة من الهواتف.
وهنا أورد مقولة لأحد المربين في هذا الشأن مفادها:" أن الكثير من الآباء عندما يحققون لأبنائهم كل مايطلبون يعتقدون أن ذلك يدخل ضمن العاطفة الأبوية والحب للأبناء ، وهي في الحقيقة عملية عكسية تماما لأن الطفل الذي لايتعلم من الصغر أسلوب الحوار ومعرفة المفيد الآني من الضار المستقبلي، لايمكن أن يتحرر فكريا ويتعلم التحليل المنطقي والموضوعي الجيد والبحث عن حلول لمشاكله بنفسه بدلا من الاعتماد على الغير وخاصة الأبوين ثم على الغير، وقد لاتكون له شخصية مستقلة أوفعالة في مجتمع لايرحم الضعفاء والمتواكلين .؟.
الأسلوب الإشهاري الذي تتبعه حاليا وزارة التربية من خلال تنبيه الأولياء عبر رسائل قصيرة في هواتفهم النقالة لما يترتب عن ترك أبنائهم ضحية المخاطر التي يمثلها الإدمان على الهواتف الذكية ، وكذا الإشهار الذي تقوم به قنوات التلفزيون الوطني حول نفس الموضوع ، نرجو أن يكون لهذه الحملات صدى واسع في أوساط الأولياء عامة والمقلدين وقوم تبع خاصة..؟ هؤلاء الذين يكلفون أنفسهم ما لايطيقون باقتناء هواتف بأسعار خيالية لأبنائهم فقط لأن زملاءهم في المدرسة والثانوية يملكون آخر الأجيال من نماذج الصناعات الألكترونية الدقيقة الذين يتنافسون في معروضاتهم ويقدمون للسوق التي صارت أغنى الأسواق العالمية وأكبرها مردودية لأهلها وفائدة لتجارها الذين تضاعف عددهم بعشرات المرات في مدننا وقرانا وتفوقوا ـ من حيث عددهم في الشارع الواحد ــ على عدد محلات المواد الاستهلاكية الأساسية ومتاجر الملبوسات المختلفة .؟!.
السباق الحقيقي هو بين من يعرض السلعة والخدمة بأسعار خيالية ويلقى الرواج والإقدام والعناد من الأبناء والأولياء من جهة ، و المربين والمسؤولين عن حياة أجيال المستقبل التي تهددها هذه المجهريات وما تقدمه من ترف وأحلام ترفع من ثراء أصحابها وصانعي محتوياتها الذين يتلاعبون بالمشاعرويدخلون أتباعهم في متاهات تبقيهم مرتبطين طوال اليوم بغيرهم دون معرفة الهدف الحقيقي من المتابعة ..