247
0
التحول الجذري لكرة القدم.. من معركة الحرية إلى عنف الملاعب

كرة القدم رياضة ذات الشعبية الواسعة في الجزائر، و تعود إلى فترة الوجود الإستعماري الفرنسي، وتم الإهتمام بها من طرف المستوطنين الذين استوردوها من أوروبا لتستوطن الجزائر، وقد تغلغلت أصولها وتوسعت شعبيتها ، لتكون من الرياضات الأكثر شعبية وانتشارا بين الأطفال والشباب .
استطلاع: زهور بن عياد /عبد النور بصحراوي
اتخذت هذه الرياضة طابعا نظاليا حين أنشأت جبهة التحرير الوطني فريقا لكرة القدم سنة1958 ، وكان الهدف من وراء تأسيسه رفع الروح المعنوية ومواكبة النظال الثوري لتدمج الرياضة كأسلوب راق لإثبات الوجود والتعبير الصريح عن اهتمام الجزائريين بقضية بلادهم، لذا فقد كان فريق كرة القدم سفيرا للقضية الوطنية تحمل مسؤولية النظال والتعريف بالقضية الجزائرية . وبقيت كرة القدم بعد الإستقلال تحضى بمكانه هامة في المجتمع الجزائري، ليست كرياضة شعبية لها جانبها الترفيهي فحسب بل كرياضة لها تاريخ مرتبط بنضال الجزائرالمكلل بالحرية والإستقلال.
في السنوات الأخيرة تحولت هذه الرياضة الشعبية إلى رياضة اكتست طابع العنف، وأصبحت الملاعب الجزائرية مسرحا خصبا للظاهرة، ولم يقتصر الأمر على مجرد تراشق بالكلام بين مناصري الفرق المحلية، بل صارت الملاعب مرتعا لكل أنواع الشغب والعنف، يكون ضحيتها شباب أغلبه من القصر، كما يدفع رجال الأمن الساهرين على ضمان حسن سير المباراة جزءا كبيرا من الضريبة ، وأمام تنامي الظاهرة عجز الكثير من المسؤولين المتعاقبين سواء على وزارة الشباب والرياضة، أو الوزارات الأخرى عن إيجاد الحلول، ومعالجة الظاهرة التي صارت وللأسف ترتبط ارتباطا سلبيا بكرة القدم الجزائرية مؤثرة على سمعة الرياضة الأكثر شعبية في الجزائر.
متنفسا للشباب
تعتبر ظاهرة العنف في الملاعب ظاهرة عالمية وتمس العديد من الرياضات وخاصة الأكثر شعبية ككرة القدم، وليست الجزائر استثناء في هذا الصدد إذ تصاعدت موجة العنف في عديد الملاعب وخاصة في السنوات الأخيرة بشكل يتوجب طرح العديد من التساؤلات حول أسباب الظاهرة ومآلاتها وكيفية الحد منها .
فالزائر للملاعب الجزائرية في مختلف ربوع الوطن أثناء المبارات بين الفرق المحلية، يستغرب الإنتشار الواسع لقوات الأمن والشرطة وكأن المنافسات الكروية تحولت إلى معارك حقيقية بين مناصري الفريقين، وصارت هذه الملاعب مسرحا لمختلف أنواع الشغب والعنف اللفظي والجسدي، وفضاءا لتفريغ شحنة الغضب وكل المشاعر السلبية للشباب، وقد شوهت هذه السلوكات سمعة كرة القدم الجزائرية، وصار التعدي من بعض الأنصار يمس مختلف المنشآت الرياضية التي تكلف الدولة مبالغ ضخمة لإعادة إصلاح ما تم إفساده ولم تقتصرأعمال الشغب على ما يمس الرياضة فحسب، بل امتدت لتشمل مختلف المنشآت العمومية التى أقحمت في صراع من نوع آخر وما حدث من إعتداء على شركة سوناطراك ومن أعمال الشغب والتخريب في فيفري من سنة 2021 من طرف بعض أنصار المولودية خير دليل على أن العنف إتخد صورخطيرة وتعدى حدود الرياضة والمنافسة ليأخذ بعدا آخر يزجي بالشباب في بحر العنف والإجرام.
توسع واستفحال الظاهرة
الخبراء يرجعون استفحال ظاهرة العنف للتحولات التي عرفها المجتمع الجزائري، تعددت الأبحاث والدراسات الأكاديميه حول موضوع استفحال ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية واختلفت الأسباب والعوامل، ولكن ما تم الإجماع عليه من طرف كل الدارسين والمهتمين بالظاهرة أن العنف في الملاعب ينتشر من سنة إلى أخرى ويزيد توسعا واستفحالا في المجتمع الجزائري. ويرجع بعض الخبراء ظاهرة العنف إلى مجمل التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والرياضية، والتي أحدثت إختلالات كبرى داخل المجتمع الجزائري كاتساع الهوة بين مختلف الطبقات الإجتماعية، وهذا ماجعل الشعور بالتهميش والحرمان يتنامى بل وأحيانا بالاقصاء الكامل، فهذه المشاعر السلبية عبر عنها الشباب بعدة أشكال منها إغلاق الطرقات وتخريب بعض المؤسسات لا سيما منها الملاعب الرياضية، ووصل العنف إلى إرتكاب جرائم قتل في الملاعب راح ضحيتها شباب في مقتبل العمر.
غياب المؤسسة التربوية
ومن جهته أكد الدكتور سميرعيمر المختص في علم الاجتماع أن العنف في معناه العام هو ظاهرة تمس العالم اجمع وأنها مرتبطة بعدة عوامل تصب أساسا في بعدين إجتماعي ونفسي، تبرز في سلوكيات مشينة في مختلف مناحي الحياة السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الرياضية وغيرها، ترجع أساسا الى طبيعة النفس البشرية التي تعبرعن عواطفها فرحا أوغضبا في كثير من الأحيان بشكل عنيف، خاصة إذا ساهمت مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة ومؤسسات الإعلام في تعزيز تلك المشاعر.
وأرجع الدكتورعيمرسبب ظاهرة العنف في الملاعب في الجزائر، إلى أن ذلك يرتبط بثقافة وتنشئة كل فرد والتي يتقمصها ليصبح مناصرا ومشجعا، بالإضافة إلى عوامل أخرى أبرزها حسب الدكتور عيمر، استقالة مؤسسات التربية والتوعية من ممارسة مسؤولياتها، انطلاقا من الأسرة وصولا إلى المدرسة والمسجد وكذا المؤسسات الرسمية المنظمة للأحداث الرياضية و التي بشكل أو بآخر تساهم في العنف من خلال التنظيم السيئ للمنافسات الرياضية وعدم مراعاة كرامة المناصرين من خلال توفيرالأجواء الملائمة داخل وخارج المنشئات الرياضية و كذاعدم تفعيلها للقوانين التي تضمن الرقابة والسير الحسن للفعاليات الرياضية. وكحلول للحد من ظاهرة العنف في الملاعب، دعا الدكتور سمير عيمر إلى تفعيل القوانين وعودة مؤسسات التنشئة الإجتماعية للعب أدوراها في التوعية ونشر ثقافة الرياضة والمنافسة الشريفة القائمة على الروح الرياضية.
بناء ثقافة رياضية للنوادي
قال الإعلامي مسعود قادري ، أن ظاهرة العنف في الملاعب ظهرت في الثمانينات نتيجة إلغاء قانون الإصلاح الرياضي وعن تاريخ ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية، كشف الإعلامي مسعود قادري، والذي يعتبر أحد أعمدة الإعلام الرياضي في الجزائر، أنه غداة الإستقلال وسنوات السبعينات لم تعرف هذه الظاهرة، في ظل وجود صرامة، خاصة وأن قانون الإصلاح الرياضي الذي ضمن تسييرا جيدا للأندية الرياضية، انعكس على سلوك الجماهير المشجعة، غير أن الأمر لم يدم طويلا مع إلغاء قانون الإصلاح الرياضي حيث بدأت ظاهرة العنف في الظهور الى العلن مطلع الثمانينات.
ومع الانفتاح السياسي والإعلامي مطلع التسعينات ساهمت الصحف الصادرة آنذاك في الشحن السلبي للجماهير بأساليب حربية في بعض الأحيان بعيداعن أخلاقيات مهنة الصحافة، ما انعكس على أداءات اللاعبين والتي تؤثر بشكل مباشرعلى سلوك المناصرين خاصة في حال كانت النتائج سلبية، مع أن هذا لا ينفي وجود بعض الصحف التي كانت تقدم رسالة تربوية أخلاقية تحترم أخلاقيات الصحافة والرياضة. ومع الزخم الذي عرفه قطاع الإعلام بمختلف وسائله وخاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي يرى الأستاذ مسعود قادري أنها زادت من استفحال الظاهرة، ودعا قادري إلى تكثيف الجهود من الهيئات الرسمية المنظمة للمنافسات الرياضية والمؤسسات المرافقة لها كمؤسسات الأمن والإعلام، لتكثيف الجهود وممارسة المسؤوليات في إطار يسمح بمنافسة رياضية شريفة تكون كفيلة ببناء ثقافة رياضية للنوادي واللاعبين والجماهير، تحد من الظاهرة ، في انتظار تعزيز دور الفاعلين في المجتمع لإقتلاع الظاهرة من جذورها والإرتقاء بالممارسات الرياضية بعيدا عن كل أشكال العنف والشغب.