487
0
إشكالية التمويل والدعم الرسمي للمسرح خلال رمضان: الواقع والتحديات والبدائل
.jpeg)
بقلم :الباحث: مراد ترغيني - ناقد مسرحي جامعة خنشلة
يعتبر المسرح أحد أهم الفنون التي تعكس هوية المجتمع، إلا أن وضعه في الجزائر يواجه العديد من التحديات، لا سيما خلال شهر رمضان، حيث ينخفض الدعم والتمويل مقارنة بالإنتاجات التلفزيونية.
وبينما يحظى الإعلام بميزانيات ضخمة لإنتاج مسلسلات وبرامج رمضانية، تعاني المسارح من قلة التمويل، مما يحدّ من جودة العروض المسرحية وقدرتها على استقطاب الجمهور. وعليه، تطرح هذه الدراسة إشكالية جوهرية: إلى أي مدى يؤثر نقص التمويل على الحركة المسرحية في رمضان، وما البدائل الممكنة لتعزيز الإنتاج المسرحي خلال هذا الشهر؟
واقع التمويل المسرحي في رمضان
يظهر التمويل الموجه للمسرح في رمضان ضعفًا ملحوظًا مقارنة بالإنتاجات الأخرى، ويمكن تفسير ذلك من خلال عدة عوامل:
هيمنة الإنتاج التلفزيوني: يوجه الدعم بشكل أساسي نحو البرامج والمسلسلات الرمضانية التي تجذب الإعلانات والمشاهدات العالية، مما يجعل المسرح في مرتبة ثانوية.
غياب سياسة دعم واضحة: لا توجد استراتيجية محددة لدعم العروض المسرحية الرمضانية من قبل وزارة الثقافة، حيث يتم التركيز على المهرجانات والمواسم المسرحية الكبرى.
ضعف التسويق والاستثمار الخاص: تعتمد أغلب المسارح الجزائرية على التمويل العمومي، في حين أن الاستثمار الخاص ضعيف بسبب غياب رؤية تسويقية تحفّز الرعاة والمستثمرين.
تأثير نقص التمويل على جودة العروض المسرحية
يؤدي غياب الدعم الكافي إلى عدة مشكلات جوهرية:
إنتاج محدود: تقل العروض المسرحية الرمضانية نظرًا لارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يؤدي إلى تقديم عروض قديمة أو ضعيفة الجودة.
ضعف الترويج والجذب الجماهيري: بدون ميزانية كافية للترويج، تجد العروض المسرحية صعوبة في استقطاب الجمهور، الذي ينجذب أكثر إلى الإعلام الرقمي والتلفزيون.
تراجع اهتمام الفنانين والمخرجين بالمسرح الرمضاني: نتيجة غياب الدعم، يفضل العديد من المخرجين والممثلين الانخراط في مشاريع تلفزيونية مربحة على الاشتغال في المسرح خلال هذا الشهر.
بدائل لتعزيز التمويل المسرحي في رمضان
لمعالجة هذا الإشكال، يمكن اقتراح عدة حلول عملية تساهم في تعزيز التمويل وتطوير العروض المسرحية خلال رمضان:
أ. إعادة هيكلة الدعم الحكومي
-إدراج برامج دعم خاصة بالمسرح الرمضاني ضمن ميزانية وزارة الثقافة، على غرار دعم الإنتاج التلفزيوني.
-تشجيع التعاون بين المسرح والتلفزيون عبر إنتاج مسرحيات تلفزيونية تعرض في رمضان، ما يعزز التمويل المزدوج.
ب. تفعيل دور القطاع الخاص والشراكات
-تحفيز الشركات الكبرى والبنوك على رعاية العروض المسرحية الرمضانية مقابل امتيازات إعلانية.
-إنشاء صناديق تمويل خاصة لدعم العروض المسرحية الرمضانية بالشراكة مع مؤسسات اقتصادية وثقافية.
ج. الاستثمار في التسويق الرقمي والترويج
-استغلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للترويج للعروض المسرحية وجذب الجمهور.
-تنظيم حملات دعائية تستهدف الفئات الشابة والعائلات لتعزيز الإقبال على المسرح.
د. تطوير نموذج العروض المسرحية الرمضانية
-تقديم مسرحيات قصيرة وخفيفة تتناسب مع إيقاع الشهر الفضيل.
-تنظيم مهرجانات مسرحية رمضانية تخلق حركية ثقافية مستدامة.
-الاعتماد على العروض التفاعلية والمسرح المفتوح في الساحات العمومية لجذب جمهور أكبر.
رؤية نقدية أكاديمية
من منظور أكاديمي، يعكس ضعف التمويل المسرحي في رمضان إشكالية أوسع تتعلق بسياسات الدعم الثقافي في الجزائر.
فمن غير المنطقي أن تُمنح الأولوية الكاملة للإنتاجات التلفزيونية بينما يظل المسرح، بوصفه فنًّا حيًّا، مهمشًا خلال هذا الشهر. ويكشف هذا الوضع عن غياب استراتيجيات طويلة المدى لتنمية المسرح وجعله ركيزة أساسية في المشهد الثقافي الرمضاني.
إن دعم المسرح في رمضان لا يجب أن يكون مجرد مبادرة موسمية، بل ينبغي أن يكون جزءًا من رؤية متكاملة تستند إلى مبدأ "المسرح كرافد أساسي في المنظومة الثقافية".
وبذلك، يتطلب الأمر إعادة النظر في سياسات التمويل الثقافي، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، والاستثمار في آليات تسويقية حديثة تواكب التحولات الرقمية والتكنولوجية.
خاتمة
رغم التحديات، يبقى المسرح الجزائري قادرًا على أن يكون جزءًا أساسيًا من المشهد الثقافي في رمضان، شريطة توفر تمويل مستدام واستراتيجيات ترويج فعالة. ومن خلال تفعيل الشراكات، وتطوير نماذج عرض جذابة، يمكن للمسرح أن يستعيد مكانته في رمضان كمصدر ترفيهي وثقافي يعكس القيم المجتمعية والهوية الجزائرية.