302

1

إرشاد الأزمات في مجتمع الازمات ما بين الواقع والمأمول

 

 بقلم د. ليلى بشارات

 

يواجه الانسان خلال سنوات حياته أزمات مختلفة كالأزمات النفسية والأزمات الصحية والأزمات الطبيعية والشخصية والحروب وأعمال العنف. وتعد الأزمات النفسية وما ينتج عنها من آثار سلبية أحد سمات هذا العصر الذي يتسم بكثرة الحروب والكواراث والضغوطات، التي ساهمت في إحداث خلل في حالة التوزان النفسي لدى الأفراد والجماعات، وتعرف الأزمة في العلوم النفسية بأنها مرحلة تؤدي إلى حدوث مشكلة في الحالة النفسية للشخص تقلل من أساليبه وقدراته للتأقلم مع الوضع الجديد، وتحدث مشكلة في التوازن النفسي للشخص. وعند قراءة واقع الأزمات في  المجتمع الفلسطيني نرى أن المجتمع الفلسطيني يواجه العديد من الأزمات التي تتسم بالتنوع والتعقيد والتشابك والشدة، إلى الدرجة التي يمكن وصفها بالمزمنة والحادة بسبب تعددها وتكرارها وما يتدفق منها من تأثيرات وأضرار سلبية على الصحة النفسية للأفراد والجماعات في فلسطين، أصبح إرشاد الأزمات أحد الفروع الضرورية لاستعادة الصحة النفسية، وتحقيق التكيف النفسي والتوافق النفسي للإنسان الفلسطيني في مجتمع يمكن وصفه بمجتمع الأزمات.

 إن واقع الأزمات التي يمر بها الانسان الفلسطيني والناتجة عن أسباب متعددة والتي يقف الاحتلال الإسرائيلي في مقدمة هذه الأسباب من حروب واجتياحات مستمرة وما ينتج عنها من تهجير ودمار وقتل وتنكيل وتشرد والتي ساهمت في تشويه معالم الانسانية، يمكن وصفها بأزمات متنوعة ومتجددة و مركبة وذلك نتيجة لتداخل العديد من العوامل، على سبيل المثال قد تتأثر الأزمات النفسية بسبب العوامل  السياسية والاجتماعية، البيئية، والاقتصادية معًا، مما يزيد من صعوبة إدارتها. وفي هذه الحالات تؤثر بشكل كبير على مشاعر الانسان ، تفكيره وسلوكاته، والتي تشعر الأفراد بعدم قدرتهم على التحكم بالأحداث أو السيطرة على النتائج، مما يزيد من حدة التوتر والشعور بالعجز والتشويش والارباك.

       تتوغل الأزمات النفسية في المجتمع الفلسطيني الناتجة عن  الاحتلال على كافة مناحي الحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للأفراد والجماعات وما ينتج عنها، فعلى الصعيد النفسي غالبا ما ينتج عنها اضطرابات نفسية كاضطرابات القلق  واضطرابات النوم والاكتئاب واضطرابات كرب ما بعد الصدمة، وصعوبات ومشكلات نفسية كالحزن والقلق والتوتر، والضغوطات النفسية أما على الصعيد الاجتماعي غالبا ما تلقي تلك الأزمات مخالبها على الأسرة  محدثة فيها إرباك واجهاد يؤثر على أداءها الحيوي لينتج عنها مشكلات أسرية قد يؤدي إلى التفكك الأسري والطلاق، ومشكلات اقتصادية كالفقر والبطالة، وعلى الصعيد الصحي الإعاقات الجسدية والأمراض الصحية وانتشار الأوبئة أما الصعيد التعليمي، فالاجتياحات والحروب ساهمت في عرقلة العملية التعليمية وزعزعة من استقرارها.

     إن ارشاد الأزمات في ظل الواقع الفلسطيني هو الخيار الذي لا غنى عنه من أجل تحسين الصحة النفسية وتعزيز مهارات التكيف و التأقلم لمواجهة الضغوضات، ويعرف إرشاد الأزمات بأنه مجموعة من التدخلات المهنية المتخصصة والتي تهدف إلى مساعدة الأفراد الذين يعانون من الخبرات والأحداث المؤلمة والصدمات النفسية، ومعالجة المشكلات النفسية والاجتماعية والصحية التي تسببها الكوارث والضغوطات وأعمال العنف والحوادث الصادمة.

إلا أن تلك الخدمات الارشادية والعلاجية لا تصل إلى المستوى المأمول بالرغم من البدايات والمبادرات المتواضعة إلا أنها ما زالت شحيحة ومتواضعة، وهناك فجوة ما بين حاجات الأفراد المتأثرين بالأزمات وماهو موجود على أرض الواقع من خدمات الإرشاد النفسي في الأزمات في كافة المجالات، فحسب بعض التقارير والإحصائيات توصف الصحة النفسية للفلسطينيين بأنها من بين الأسوأ في العالم حيث يصل أكثر من نصف البالغين الفلسطينيين إلى عتبة تشخيص الاكتئاب، ويعاني جزء كبير من الأطفال الفلسطينيين من ضائقة نفسية، خصوصًا في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويُعزى هذا الانتشار المرتفع للاضطراب النفسي بين السكان الفلسطينيين إلى تقاطع عدد من العوامل، بما في ذلك التعرض للصراع والحروب، وسوء الظروف المعيشية، والقيود المفروضة على الحركة بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

كل ذلك يعد مؤشرات تدل على خطورة ما يمربه الواقع الفلسطيني من أزمات وتحديات تعصف بالفرد الفلسطنيي والأسرة والمجتمع وتستنزف الطاقات والابداعات، وهنا لابد من وقفة جادة  وبمسؤولية تجاه ذلك لتحسين العمل الارشادي والنهوض به خاصة في الأزمات من أجل  الحفاظ على الصحة النفسية  ولذلك  نقدم بعض  التوصيات التي من الممكن أن يكون لها دورا إيجابيا في تطوير الخدمات الإرشادية في الأزمات:

·       تعزيز ثقافة الصحة النفسية وخاصة في الأزمات وأهميتها في المجتمع الفلسطيني، وهنا يتربع دور الإعلام وحملات التوعية على قمة الهرم في نشر وتعزيز تلك الثقافة الصحية لتعزيز الصحة النفسية في مجتمع الازمات.

·        توفير مراكز ومؤسسات استشارية وعلاجية لتقديم الخدمات الإرشادية والعلاجية للأفراد والجماعات، وتقديم التسهيلات المناسبة لوصول الخدمات لأكبر عدد ممكن من المتأثرين بالأزمات.

·        تطوير وتدريب فرق من طلاب الجامعات الفلسطينية لتقديم خدمات الإسعاف النفسي الأولي في حالات  الأزمات والطوارئ.

·       توظيف أكبر قدر ممكن من المرشديين النفسيين والمعالجين النفسيين والأطباء النفسيين في كافة المؤسسات الحكومية والخاصة.

·       تقديم الدعم المناسب للمرشدين والمعالجين النفسيين في الأزمات من خلال إعطاء الاولوية لسلامتهم النفسية، ومن خلال ضرورة المشاركة  الحقيقية في الإشراف أو الاستشارة بانتظام، والسعي للعلاج الشخصي عند الحاجة. كما يمكن أن يكون بناء شبكة دعم بين الزملاء مفيدًا، حيث يمكن تبادل الخبرات واستراتيجيات التأقلم للتخفيف من الآثار النفسية للعمل.

·       استثمار التكنولوجيا وتطويعها للاستفادة منها في تطوير العمل الارشادي في الأزمات، من خلال تفعيل الاستشارات عن بعد في المناطق المهمشة والتي يصعب الوصول إليها.

·       تعد الأسرة حجر الأساس والخلية الأولى في  تحقيق الرعاية والحماية الصحية والنفسية للأبناء في الأزمات، ولذلك  لابد من تقديم الدعم النفسي الفعال للأسر من خلال برامج وقائية ونمائية وعلاجية  للمساهمة من خفض الآثار المترتبة على الأفراد في الازمات.

·       توفير رزم إرشادية تربوية هادفة، بحيث تحتوي تلك الرزم على أنشطة وفعاليات وألعاب هادفة لتعزيز الروابط والعلاقات الأسرية في الأزمات تتناسب مع المراحل النمائية والحاجات النفسية للأطفال.

·       تفعيل شبكات الدعم الاجتماعية والمبادرات الإنسانية لكافة فئات المجتمع.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services