399

0

أمال زواغي ونَفَاسة الأثر

 

الدكتور محمد مراح

النَّفَاسَةُ بِنْتُ الإبداع؛ لا تمنح "علامتها" الأزلية لفاقده . وللخصائص ذاتها ، فإن العقل العالي والذوق الرفيع والشعور الشفيف ، يتعبّق النفاسة في الإبداع كلما زايل المبروء زمن خَلْقِهِ.

في هذا التقدير تتنزل إنجازات الأستاذة آمال زواغي رحمها الله تعالى رحمة من أدركوا آية الله وحكمته في تقديم الوجود لِبَنِيهِ في ما  لا قِبَلَ لملكاتهم ومتخيلاتهم وأحلامهم سبق استحضار قبل إيجاده، وتلك معجزات الله تعالى في الخلق المشهود والخلق الموعود، فمن اصطفاهم الله تعالى لِحُظْوَةِ إدراك هذه الآية وجوهرها ، يُجْرِى على إبداعاتهم جمال هذه الآية وأَخْذِها بألأباب والقلوب والنفوس ، فتجري جداولها وَأَنْهُرَهَا نميرا رقراقا زاكيا ، يخلب الأبصار ويَشْدَهُ القلوب.

في هذا البستان الإلهي على أرضه تتعقل ملكات الإنسان الإنسان " نفاسة " الإبداع الخالد عبر التاريخ ، ولعلّ هذا بعض أسرار حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عن سهل بن سعد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها".

أما الأستاذة آمال  فقد تكاثفت لديها  رغم اقتصاد الزمن في وحدات قياسه حَصَائِلٌ  متنوعة من أحجار دعوية كريمة،وَمَضَ لها من أبراقها الخلابة  الساحرة عالمُ الأسرة بعواطفه و مشاعره وجواذبه وفِطَرِهِ الحنانة بأصواتها الهادلة ، فكان  مُجْهَدَ الإبداع ِ" التأهيلُ الأسرى" ، وقد صدرت فيه كما تبين لنا في مقال سابق "عن  رؤيتها للمجال الخطير؛ لقد مدها نشاطها الدعوي بملاحظات تمركزت في مركزية الحالة الأسرية في كل عمل تغييري إسلامي برؤية حضارية .

فمجتمعنا لأسباب تاريخية وسياسية سيق إلى فوضى قيمية وفكرية ، تُفاقمُها الأوضاع والمشكلات والأحوال الاقتصادية والمؤثرات الإعلامية وطُرُوح دينية مضطربة ليس لها رسوخ في التاريخ الاجتماعي والثقافي  للبلاد ، فرسم شكلا اجتماعيا متنافر الأفكار والسلوك

والتواصل والأذواق والاختيارات .لكلّ هذا انتهت إلى قرار صلب هو ( أن الأسرة هي الهدف أولوية التغيير في هذا الخضم الهادر )، فانطلقت تجسد مشروعها" أمال زواغي والتأهيل الأسري "مسيرة ومنهجا https://www.sabqpress  فكان لها الوجْهَ الدعوي الأبين إعلاميا واجتماعيا، وتركت تراثا إبداعيا فريدا مضمونا وسمات إعلامية مميزة .

لكن مزاياها التي تضمنها المقال المذكور، من النواحي الذهنية والنفسية والتأملية؛ من نفاذ بصيرة ودقة موازين، وبعد نظر، ودراسة تكاد تكون صامتة إلا في أضيق دوائرها العائلية وأُخُوَّةٍ روحية و تقاسم هَمٍّ دعوي مدّ بصرها لِصَوَانِعِ المملكة الاجتماعية الأمّ "الأسرة" . فأخذت تُمَكِّنُ نفسها بقوة العزم والمثابرة من " التأهيل الأسري" بالدراسة الأكاديمية المتخصصة على أيدي أعلامه : جاسم المطوع ومصطفى أبو السعد  وطارق سويدان ، فحصلت على الشهائد و"الديبلومات"، والتتبع الذقيق المعمق لعطاء الدكتور إبراهيم لخليفي عبقري التربية الإسلامية الأسرية الحديثة وإبداعاته الفريدة ، والتنفيذ بإدراك فريد بجمع بين التدرّب الذاتي الميداني والتكوين الاستهدافي عبر دورات قدَّمَتها في تركيا وقطرحظيت فيها بالتقدير والإعجاب. والأهم حسب ما يُعْرَفُ من الأستاذة الكريمة إحكام سُلَّمِ الترقي لمتطلبات نجاح الرسالة النبيلة. ومما يلفت نظر الباحث في هذه السيدة العجيبة دراستها الحقوق في جامعة التكوين المتواصل بتبسة في بداية نشاطها الدعوي الأسري ، واختارت مشروع التفاوض في القانون، الذي وظفت ألياته وقواعده في المجال الدعوي و التأهيل الأسري بحكمة و ذكاء نادر .

أدركت عن دراسة ومتابعة ومعاينة ميدانية المشروع العالمي الموجه لإعادة صياغة بيولوجيا البشر؛ بتقسيمه وفق وحدة تصنيف جندرية، تصنعها العلوم الاجتماعية والاقتصاد والميول العاطفية والجنسية، والعمل له تحت قبعات حقوقية وقيم فلسفية وسياسية كالحرية ، وعهود دولية أممية، وتشريعات وطنية،  انخرطت في العمل لها جمعيات "نسوانية" في الجزائر، مُكِّنَتْ في عِقْدَي ألفيتنا الأول والثاني من وسائل مادية وإعلامية وجمعوية، أتاحت لها سهولة الترويج والوصول للمستهدفين . وهنا أذكر كيف أتيح للأستاذة أمال رحمها الله تعالى الاحتكاك المباشر مع بعض جمعيات "الحقوق النسوانية" المعروفة ، من خلال دعوات للمشاركات في ملتقيات تكوينية رفيعة المستوى النفوذي في أحد فنادق الكبيرة في عنابة  .  فاكتشفت ما أذهلها ، ففي الجلسات الأسرية ؛ لأنّ زوجتي نعيمة الأخت الكبرى لآمال رحمها الله، مترابطتان ترابط التوأم، كانت الملهمة الأولى في حياتها ومسارها، بما حباها الله تعالى من رجاحة عقل وحكمة وتأني وثاقب رؤية ، وصفاء نفسي تتسم به الأسرة الكريمة؛ كان حديثها عن قيادات هذه الجمعيات وأعلامها المشهورة ممن احتكت بهن في تلك اللقاءات ، صَدْمَةَ رُعْبٍ  من مشروعاتهن، ومن سيماهن المغايرة للسوية البيولوجية الخلقية الأزلية . فنوسع النقاش للعالم العالمي الأرحب الذي يعمل له هذا المشروع الجذري التغييري للجنس البشري. الذي يمثل مصطلح "الجندر" مفتاحه "السدومي". أحسب تلك المحطة كانت سحبا لمشروعها الأسري البديع، لعالمه الرهيب؛ نفاذا لفلسفته وحقوله المعرفية ورموزه الفلسفية والفكرية ، وهيئاته الدولية والإقليمية ، واستراتجياته الجذرية ، ووسائله الإعلامية الجبارة ، وتنظيماته العالمية التي بلغت سطوتها على منظمة هيئة الأمم المتحدة ــــ مثلا ـــ لتصير أحد أكبر المنابر الراعية لتنفيذ المشروع عبر هيئاتها التنموية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فجعلته أحد أهم وأكبر المؤشرات في تصنيفات الدول  تنمويا وحقوقيا ، بل لَوَّحَتْ بفرضه دوليا بالقوة العسكرية تحت بعض مواد فصول المنظمة ومجلس الأمن ، وابتكرت لتنفيذه مصطلح " التمكين" استخدما للقوة الناعمة المقابلة للخشنة. وجعلت " الجندرية" وحرية تصرف الإنسان في جسده أحد أهم فصول خطة الاستدامة 2030 ".

بهذا المستوى والإحاطة من النفاذ  صار " المشروع" الرهيب أحد أركان توجيه فصول مشروعها التأهيلي الأسري البديع . وقد كان لشقيقتها الروحية في المسار الأكاديمي والدعوي في مرحلة الإشراق والإبهاج الجامعي في رحاب جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية الدكتورة ليلى بلخير رائدة الكتابات الجزائرية  في حقل المرأة المسلمة والإبداعات الدعوية والفنية العملية والفكرية الإسلامية في ظلال الصحوة الإسلامية ، أثرٌ هائل  في رؤاها وقواعد بناء مشروعها ومُسُوكٌ حلقاته وقضاياه .

انعقد (المؤتمر الدولي للأنوثة من أجل ثقافة السلام ) في  نوفمبر-2014ــ . نظمته المنظمة الدولية غير الحكومية للجمعية العالمية الصوفية العلاويةAISA ، و حضرته ثلاثة آلاف مشاركة وبعض المشاركين ، ومحاور  برنامجه في مضمونها ، توجه الأحداث والمواقف نحو  تحقيق أهداف الحركة النسوانية الأنثوية النسوانية ذات التأثير العميق في مؤسسات الهيئة الأممية للمرأة والأسرة والطفولة، وحقوق الإنسان . وتمثل ( الهوية الجندرية ) قطب رحى هذه الفلسفة . تميز المؤتمر بـ الغرابة  ،من نواحي عديدة هي : [  الإعلان المفاجئ عنه – عدم التناسب بين حجمه  و التغطية الإعلامية له –عدد المشاركين والمشاركات (3 ألاف إمرأة ) – الإمكانات المادية المعنوية التي سُخرت له.شارك في الإعداد له 5 وزارت وسفارات حسب ما ورد في الصحافة – إنعقاده بقاعة المؤتمرات الفخمة لسونطراك بوهران – مؤسسات رسمية كبرى داعمة  مع القنوات التلفزية والإذاعية والصحف ، والمؤسسات الخاصة والأجنبية الهائلة العدد – الإغراءات المشجعة لبعض الداعمين كما ورد على صفحة المؤتمر : ( يمكنكم الاستفادة من مزايا ضريبية على المساهمات المالية أو العينية في إطار عملية الرعاية ] .

الشخصيات الفكرية والثقافية والأكاديمية الغالبة التي أطرت أشغال المؤتمر ، لا حظنا أنهم  بين اًصحاب الأراء الشاذة المتطرفة  ضد تشريعات الأسرة في الإسلام  ؛  منهم التونسية ألفة يوسف صاحبة الآراء التي  تركز في أبحاثها ومقالاتها على إضفاء الطهر والنقاء على الموبقات الجنسية ،منزهة القرآن عن ان ينزل بالعقوبة عليها . وحقوقياتنا المشهورات التي تنكر إحداهن أي دور إيجابي للإسلام في الحياتين الاجتماعية والسياسية و دعوة أخر ى إلى ”علمنة” قوانين الأحوال الشخصية بما يكفل المساواة بين الجنسين. و وضع دليل إرشادي قدمته Claire Morandeau لبرلمانيات جزائريات أنذاك(25 برلمانية) للدفاع عن مشروع المساواة وفق إتفاقيات سيداو المؤسسة للحقوق الشاذة بين الجنسين .والأكاديمي التونسي يوسف الصديق الذي ينكر صحة القرآن الكريم المتلو والمدون  في المصاحف، ويرى أن الحركة الماسونية حركة عادية لا حرج في الانتماء إليها كونها حركة غير دينية . والباحثة التونسية إقبال الغربي الداعية لما تسميه  ميلاد تيار جديد اسمه الإسلام النسوي. أو النسائي. أنظر مقالنا : "مؤتمر الأنوثة الصوفية في الجزائر من الخلف"، رأي اليوم 

لقد قدمت الأستاذة آمال زواغي رحمها الله تعالى في محاولتنا الوصول لمعطيات وحقائق حول الملتقى  مساعدات جليلة ؛ توفيرا لوثائق هامة جدا،  و المشاركة في منناقشة مراحل إنجاز مقال  كُتِب في الموضوع لينشر  في  البصائر ،ثم شراء هي  و زوجها السيد محمد زغداني  أعدادا من العدد الذي نشر فيه المقال وتوزيعه .

  وضعت الأستاذ آمال زواغي الخطاب الدعوي والتأهيل الأسري في الجزائر ، في موقعه الفعاّل؛ لم تقدمه عملية تعليم الأسرة كيفية يتعامل أفرادها فيما بينهم ومع محيطهم فحسب،وإنّما  هي نواة التدافع الحضاري التي تنمو بمُغَذِّيَاتِ الإسلام و حَسَّاسَاتِ المتغيرات الحضارية المباينة لكلّ ما سبقها من متغيرات في تاريخ الحضارة الإنسانية . وهذا هو السرّ الأعمق في فرادة تجربتها  في الجزائر ،  والأثر المذهل الذي عبّر عن نفسه من خلال الناس في حالتهم الفطرية .

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services