180
0
اليوم العالمي لحرية الصحافة: الاعلام شريك في معادلة البناء

الجزائر: سعيد بن عياد
في شهر ديسمبر 1993 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق لـ 3 ماي من كل سنة، وذلك بالمصادقة على تصريح "ويندهوك" الذي أوصت به منظمة اليونسكو.
هذا التصريح يؤكد على دور الصحافة التعددية في بناء وصون المجتمعات الديمقراطية وما يتمخض عن ذلك من تنمية وتطور.
دور طلائعي بجذور تاريخية
الجزائر على غرار باقي الدول تحيي هذا اليوم لرصد المكاسب وتحديد التحديات بما يقود الى اعادة تجميع القوى الاعلامية حول هدف واحد هو خدمة المجتمع ومرافقة المواطن وفقا لمعادلة عنوانها اعلام شريك بناء يقف في نفس الوقت بالمرصاد لمختلف التهديدات والتحرشات الخارجية.
هذا الدور الطلائعي الذي يقوم به الاعلام له جذور تاريخية، فقد كان للصحافة إبان المسار الطويل لحركة النضال الوطني من أجل الاستقلال وخاصة خلال سنوات ثورة التحرير أثر ملموس وحضور ميداني في مواجهة الدعاية الاستدمارية وفضح مخططاتها ومرافقة المواطن الجزائري وتأطيره من خلال خطاب التوعية والتحسيس والاعلام.
غير أنه في هذه المحطة المخصصة حصريا للصحافة ينبغي التوقف عندها لرصد ما تجسد على طريق تكريس التعددية الإعلامية وتحديد الأهداف المستقبلية وفقا لمنظور صحافة وطنية تساهم في تنوير الرأي العام الوطني والخارجي حول مدى التغيرات والتطورات التي تسجلها الجزائر في كافة مناحي الحياة وذلك بانتهاج مقاربة اعلامية فعالة ومسؤولة.
المهنية لكبح الاعلام المضلل
وهنا يتعلق الأمر بالجانب المتعلق بالمهنية وتقدير المسؤولية التحريرية على مستوى وسائل الإعلام في زمن التكنولوجيات الجديدة للاتصال ووسائط الشبكات الاجتماعية التي يتوسع مجالها بما تحمله من تجاوزات وتضليل وعبث يتطلب من الصحافة المحترفة حقا أن تبرز في مقدمة المشهد لوضع الأمور في نطاقها وكبح الهجمة الشرسة للإعلام المضلل خاصة الوارد من الخارج في حرب "غير معلنة" تستهدف الأمن الوطني والسلم الاجتماعي.
لقد تغير دور الصحافة عبر العالم ولم يعد فقط ذلك الدور التقليدي بالبحث عن معلومة أو الفوز بحوار شهير أو انجاز ريبورتاج يسلط الضوء على مناطق معزولة من العالم والتضامن مع شعوب مضطهدة وتبليغ صوتها، إنما أدت العولمة وعودة النزعة الكولونيالية الجديدة مع مطلع الألفية الثالثة خاصة منذ تفجيرات نيويورك الى اقحام الصحافة في انجاز مخططات توسعية واعلان حروب ظالمة والتغطية على جرائم ابادة كما هي الصورة في حرب الخليج الثانية بغزو العراق ودعم الاحتلال الصهيوني في ابادة الشعب الفلسطيني ومحاولة مغالطة الراي العام العالمي في التغطية على جرائم الاحتلال المغربي للصحراء الغربية وتبرير العدوان على الشعب الليبي وتجاهل الحرب في السودان وغيرها من صور اعلام رجعي ينساق وراء لوبيات قوى الاستعمار الجديد.
وضع المصلحة العامة في المقدمة
من هنا كان لزاما أن يتدارك الإعلام الوطني مدى الخطر المحدق ببلادنا وينخرط في بناء جبهة عريضة تشتغل على تعزيز الجبهة الداخلية وصيانة مكاسب البلاد السياسية ببناء دولة القانون والمؤسسات والاقتصادية بمرافقة مسار التنمية ومكافحة الفساد والاجتماعية بصون ثوابت الأمة والتصدي للغزو الثقافي الخارجي والمساهمة في حماية الشباب من مخاطر شبكات الهجرة غير الشرعية وترويج السموم القاتلة.
وفي هذا الاطار تتوزع معركة الاعلام اليوم على جبهتين الأولى داخلية تقتضي التزام درجة عالية من المهنية في مرافقة الرأي العام الداخلي من خلال خطاب اعلامي مسؤول وشامل يضع المعلومة في المتناول ويمنح مساحة للتفاعل البناء لجذب الاهتمام عن طريق انتهاج معايير أداء مطابقة للإعلام الحديث بالبحث عن المعلومة ومعالجتها وتبسيطها واثرائها مع تشبع القائمين عليه بالرسالة الإعلامية الوطنية بحيث يتم التمييز بين الخدمة العامة والتوجهات الذاتية أو الفئوية بوضع المصلحة العامة في المقدمة بما يعزز صفوف الجبهة الداخلية من جهة والثانية خارجية تقتضي العمل ضمن جسم واحد على تنوع أطرافه في التصدي لهجمات ومخططات ومؤامرات وهي حقيقة لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها أو يقلل من خطرها بالنظر لما يحوم حول بلادنا من جهات مختلفة حيث لا تتوقف أطراف معادية خفية وعلنية عن بث سمومها وترويج أخبار مغلوطة مستعملة تكنولوجيات الاتصال الجديدة مع تجرد فاضح من القيم والأعراف.
الاعلام الإلكتروني دعامة الامن الإعلامي
ومن حق المواطن الجزائري على اعلام بلاده مهما كانت طبيعة الوسيلة أن يشعر بالأمن الإعلامي من خلال حضور قوي وفعال وتفاعلي يرتكز على دعائم خطاب واضح ودقيق يضع الأمور في نصابها ويعزز الثقة باعتماد لغة اعلامية لا مجال فيها لغموض أو تشتت الأفكار أو تثبيط للإرادة.
ولنا في أكثر من بلد يدعي الديمقراطية مثال حي كيف يتحول الاعلام الى رجل واحد لما يتعلق الأمر بقضايا جيوسياسية كبرى ومصيرية بحيث تذوب الفوارق والخلافات الايديولوجية في جسد واحد عنوانه الدفاع عن المصلحة الوطنية الكبرى لكن بلغة مهنية تجذب ولا تنفر.
وهنا بالطبع تطرح مسالة المرافقة العمومية خاصة الإعلام الإلكتروني الناشئ في بلانا بحيث يحتاج الى اهتمام ملموس عن طريق تمكينه من الوصول الى الحق في التمويل العمومي بدفتر شروط خدمة عمومية بحيث لا يمكن دون ذلك من بلوغ الأهداف المسطرة التي أعلنت عنها السلطات العمومية المختصة على مستمى الندوات الجهوية التي تم تنظيمها الايام الماضية.
إن تلك الاهداف تتطلب حشد الموارد وتجنيد الإمكانيات لتمكين كافة المتدخلين في الحقل الإعلامي الوطني خصوصا الإلكترونية من أداء الرسالة كاملة غير منقوصة ذلك أنها مهمة وطنية تترجم خيار التعبئة العامة لكافة القوى والارادات في مرحلة لا تتحمل تقصيرا أو التقليل من مدى الخطر المحدق.
وواضح مصدر الخطر كما يرسمه المشهد الاقليمي والدولي أبرز معالمه تكالب القوى المتطرفة في فرنسا واطلاق العنان لتهجمات ممنهجة تعكس مدى خطورة خطاب الكراهية والعنصرية وكذا تحرك مشبوه للجيران في منطقة الساحل والصحراء تتقدمهم حكومة غير شرعية في مالي تثير خلافات واستفزازات مدرجة في أجندة قوى الشر على غرار التحالف الصهيوني المغربي الذي يشكل خطرا على كل المنطقة.