في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، بات الذكاء الاصطناعي يشكّل أداة فعالة في حفظ الذاكرة الجماعية وحماية التراث الثقافي من الضياع، سواء المادي منه أو اللامادي.
ضياء الدين سعداوي
وفي هذا السياق، نظّمت اليوم السبت، المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية محمد حمودة بن ساعي لولاية باتنة، بالتنسيق مع قسم علوم الإعلام و الإتصال و علم المكتبات ،يوماً دراسياً موسوماً بـ"تطبيقات الذكاء الاصطناعي في رقمنة وحفظ التراث الثقافي".
جمع اليوم الدراسي، نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في مجال الذكاء الإصطناعي، الإعلام وعلم المكتبات قادمين من جامعتي قسنطينة 2 و باتنة 1، وسط حضور لافت لطلبة الدراسات العليا والمهتمين بالشأن الثقافي والتقني، بهدف مناقشة أبرز الممارسات العلمية والتقنيات الحديثة في هذا المجال المتقاطع بين التكنولوجيا والهوية الثقافية.
تخلل الحدث العلمي سلسلة من المحاضرات التي سلّطت الضوء على التجارب المحلية والدولية، وأبرزت سبل تسخير أدوات الذكاء الاصطناعي لخدمة المكتبات، التراث المادي و المحتوى الإعلامي.
استهلت فعاليات اليوم الدراسي بمحاضرة ثرية للأستاذ الدكتور كمال بطوش من جامعة قسنطينة 2، الذي قدّم مداخلة بعنوان: "حماية التراث الثقافي بين النمذجة ثلاثية الأبعاد واستخدامات الذكاء الاصطناعي"، حيث استعرض فيها تقنيات متقدمة لتوثيق المعالم والمواقع الأثرية رقمياً، مع التركيز على الدور الذي تلعبه النمذجة ثلاثية الأبعاد في الحفاظ على الهوية الثقافية المهددة بالاندثار، مستشهداً بتجارب عالمية ومحلية ناجحة.
تلتها محاضرة للدكتورة وسام بن غيدة من جامعة باتنة 1، قدّمت من خلالها مدخلاً عاماً حول الذكاء الاصطناعي، موضحةً تطور هذا المجال، ومجالات تطبيقه المتعددة، مع التركيز على دور هذه التكنولوجيا في دعم جهود الرقمنة في القطاعات الثقافية والتعليمية.
فيما قدّمت الدكتورة فتيحة مرازقة من جامعة باتنة 1 مداخلة حول "التحول الرقمي في المكتبات"، ناقشت فيها تحديات ورهانات المكتبة المعاصرة في ظل التحول الرقمي، مع إبراز أهمية دمج الذكاء الاصطناعي في فهرسة وتنظيم الموارد المعلوماتية، وتحسين تجربة المستخدم داخل الفضاءات المعلوماتية.
كما شهد اليوم الدراسي محاضرة تحليلية حول "أدوات الذكاء الاصطناعي واستخدامها في تحقيق ومعالجة المخطوطات والكتب النادرة"، تم فيها تسليط الضوء على منصة "زنكي" كنموذج متطور يُمكّن الباحثين من فحص المخطوطات بدقة، عبر أدوات للتعرف البصري على الحروف، وتحليل النصوص القديمة بشكل آلي.
واختُتمت الفعالية بمحاضرة للدكتورة عائشة محمدي تمحورت حول "الذكاء الاصطناعي في الصحافة الرقمية: ثورة في التوثيق الإعلامي المعاصر"، تناولت فيها التأثير العميق للتقنيات الذكية في مهنة الصحافة، من حيث جمع المعلومات، أرشفة المحتوى، والتحقق من المصادر، مما يسهم في إثراء الممارسة الإعلامية وتحقيق صحافة أكثر دقة وسرعة.
يذكر أن هذا اليوم الدراسي، يأتي في سياق الجهود الأكاديمية الرامية إلى استكشاف الإمكانات الواعدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في خدمة التراث الثقافي، وتطوير أدوات فعالة لحمايته من الاندثار، في ظل التحديات الراهنة.