320
0
تصميم الرقائق الالكترونية.. خطوة استراتيجية تضع الجزائر في المسار الصحيح
حوار خاص مع الاستاذ المحاضر في إدارة الأعمال، ومدير حاضنة TechnoFoster الجامعية، الدكتور أنور سكيو
.jpeg)
تعيش الجزائر في الفترة الأخيرة صحوة علمية غير مسبوقة، يقودها شباب متخصص في مجال الالكترونيات، نجح في تصميم أولى الرقاقات الالكترونية المصنعة بأيادي مئة بالمئة جزائرية.
ماريا لعجال
عقب الإعلان عن الانتهاء من تصميم أول رقاقة إلكترونية صغيرة تُستخدم في البطاقات الإلكترونية، والتي تم تطويرها من قبل باحثين جزائريين من مركز تطوير التكنولوجيات المتقدمة (CDTA)، توجه موقعنا الى البحث في حيثيات هذه الصناعة، التي قادتنا الى جامعة ابن خلدون بولاية تيارت، في حوار جمعنا بالأستاذ المحاضر في إدارة الأعمال، ومدير حاضنة TechnoFoster الجامعية، الدكتور أنور سكيو.
قبل فترة تم الاعلان عن صناعة أولى الرقائق الالكترونية، خطوة حسنة للجزائر.. هل ستمكننا من الوصول الى الاستقلالية الإلكترونية؟
نعم، أعتقد أن تدشين أول معمل لتصميم الرقائق الإلكترونية في الجزائر يعبر خطوة استراتيجية مهمة نحو تحقيق الاستقلالية الإلكترونية، لكنها بداية الطريق وليست نهايته. هذا المشروع يضع الجزائر على خارطة الدول التي تمتلك القدرة على تصميم الرقائق الإلكترونية، وهي خطوة أساسية نحو بناء منظومة تكنولوجية متكاملة.
الاستقلالية الإلكترونية الكاملة تتطلب مسارًا طويلًا، لكن هذه الخطوة تؤسس لعدة مكاسب مهمة:
1. نقل المعرفة والتكنولوجيا: سيساهم المشروع في تكوين كفاءات جزائرية متخصصة في تصميم الرقائق الإلكترونية، مما يقلل الاعتماد على الخبرات الأجنبية.
2. تطوير القدرات المحلية: رغم أن تكنولوجيا 65 نانومتر تعتبر قديمة نسبيًا مقارنة بالتكنولوجيا الأحدث (3-7 نانومتر)، إلا أنها تظل مناسبة للعديد من التطبيقات الصناعية والعسكرية والأجهزة ذات التكلفة المنخفضة.
3. الأمن التكنولوجي: امتلاك القدرة على تصميم الرقائق محليًا يعزز الأمن القومي، خاصة في ظل المخاوف العالمية المتزايدة من "الأبواب الخلفية" في المكونات الإلكترونية المستوردة.
4. تقليل التبعية الاقتصادية: مع تطور المشروع، ستتمكن الجزائر من تقليل فاتورة استيراد بعض المكونات الإلكترونية، مما يوفر العملة الصعبة.
لكن يجب الإشارة إلى أن المشروع في مرحلته الحالية يركز على تصميم الرقائق، بينما سيتم تصنيعها في الخارج. الاستقلالية الإلكترونية الكاملة تتطلب إنشاء مصانع متكاملة للإنتاج، وهو ما يحتاج استثمارات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات وتكنولوجيا متقدمة جدًا.
بالنظر إلى التجارب العالمية، نجد أن دولًا مثل الصين وكوريا الجنوبية استغرقت عقودًا لبناء صناعة رقائق إلكترونية متكاملة. لذا، فإن مشروع الجزائر يمثل بداية واعدة على طريق طويل نحو الاستقلالية الإلكترونية، وسيتطلب استمرارية في الدعم والتطوير للوصول إلى الهدف المنشود.
لا شك ان العالم يعيش وسط حرب تكنولوجية، ماهي التحدّيات التي تواجهها الجزائر في هذا المجال؟
تواجه الجزائر في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية تحديات متعددة في ظل الحرب التكنولوجية العالمية، أبرزها:
1. المنافسة العالمية الشديدة: تهيمن شركات عملاقة مثل TSMC وIntel وSamsung على سوق الرقائق الإلكترونية، وقد استثمرت هذه الشركات مليارات الدولارات على مدى عقود لتطوير تقنيات متقدمة تصل إلى مستوى 3 نانومتر. دخول الجزائر إلى هذا المجال بتكنولوجيا 65 نانومتر يضعها في موقع المنافس المتأخر تكنولوجيًا.
2. الفجوة التكنولوجية: الفارق بين تكنولوجيا 65 نانومتر (التي تعود لعام 2004) والتكنولوجيا الحديثة (3-7 نانومتر) يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب استراتيجية واضحة للتطوير المستمر وتقليص هذه الفجوة.
3. الاستثمارات الضخمة: يتطلب هذا القطاع استثمارات هائلة في المعدات المتطورة والبنية التحتية، حيث تصل تكلفة إنشاء مصنع متكامل للرقائق الإلكترونية إلى عشرات المليارات من الدولارات.
4. سلاسل التوريد المعقدة: يعتمد تصنيع الرقائق على سلاسل توريد معقدة تشمل مواد أولية مثل السيليكون النقي وآلات الطباعة الضوئية التي تحتكرها شركات قليلة عالميًا، مما يجعل الوصول إليها صعبًا في ظل القيود التجارية والجيوسياسية.
5. الكفاءات البشرية: الحاجة إلى كوادر متخصصة في تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية، وهو مجال دقيق يتطلب خبرات نادرة عالميًا.
6. القيود الجيوسياسية: في ظل الصراع التكنولوجي بين القوى العالمية، أصبح نقل التكنولوجيا المتقدمة في مجال الرقائق الإلكترونية خاضعًا لقيود صارمة، خاصة مع اتجاه الولايات المتحدة وحلفائها لفرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة.
7. التمويل المستدام: ضمان استمرارية التمويل لمشروع طويل الأمد يتطلب سنوات من البحث والتطوير قبل تحقيق عوائد اقتصادية ملموسة.
8. المنافسة على الأسواق: حتى مع نجاح تصميم وتصنيع الرقائق، تبقى تحديات التسويق والمنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.
رغم هذه التحديات، تمتلك الجزائر فرصًا واعدة للتغلب عليها من خلال:
• التركيز على تطبيقات محددة ذات أهمية استراتيجية (مثل الأنظمة العسكرية والأمنية)
• بناء شراكات استراتيجية مع دول ومؤسسات رائدة في هذا المجال
• الاستثمار المستدام في البحث والتطوير والتعليم المتخصص
• تطوير استراتيجية متدرجة للانتقال من التصميم إلى التصنيع المحلي
ماهي استخدامات هذه الرقائق؟
الرقائق الإلكترونية التي ستصممها الجزائر بتكنولوجيا 65 نانومتر لها مجموعة واسعة من الاستخدامات الاستراتيجية والتجارية، تشمل:
التطبيقات العسكرية والأمنية:
أنظمة التحكم في المعدات العسكرية، أنظمة الاتصالات الآمنة، أجهزة الاستشعار والمراقبة، أنظمة التشفير وحماية البيانات، معدات الحرب الإلكترونية.
الصناعات الاستراتيجية:
أنظمة التحكم في المنشآت الحيوية (الطاقة، المياه، النفط)، أنظمة إدارة الشبكات الكهربائية الذكية، معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، أنظمة التحكم الصناعي.
قطاع السيارات والنقل:
وحدات التحكم الإلكترونية في السيارات (ECU)، أنظمة الأمان والمساعدة في القيادة، أنظمة إدارة المحركات والوقود، أنظمة الملاحة والاتصالات.
الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية:
الأجهزة المنزلية الذكية، أجهزة التلفاز والراديو، الأجهزة اللوحية والهواتف منخفضة التكلفة، أجهزة إنترنت الأشياء (IoT).
القطاع الطبي:
الأجهزة الطبية التشخيصية، أنظمة المراقبة الصحية، الأجهزة الطبية القابلة للارتداء، أنظمة إدارة المستشفيات.
قطاع الطاقة:
أنظمة التحكم في محطات الطاقة المتجددة، أجهزة قياس وإدارة استهلاك الطاقة، أنظمة تخزين الطاقة الذكية.
قطاع الزراعة:
أنظمة الري الذكية، أجهزة مراقبة المحاصيل والتربة، أنظمة إدارة المزارع.
تكنولوجيا 65 نانومتر، رغم أنها ليست الأحدث عالميًا، تظل مناسبة تمامًا للعديد من هذه التطبيقات، خاصة تلك التي تتطلب:
متانة عالية في ظروف التشغيل القاسية، استهلاك منخفض للطاقة، تكلفة إنتاج معقولة، أمان وموثوقية عالية.
الميزة الرئيسية لهذه التكنولوجيا هي نضجها واستقرارها، مما يجعلها مثالية للتطبيقات الحساسة التي تتطلب موثوقية عالية أكثر من الأداء الفائق، مثل الأنظمة العسكرية والصناعية والطبية.
كيف يستفيد المستثمر المحلي من هذه الصناعة؟
يفتح مشروع تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية في الجزائر آفاقًا واعدة للمستثمرين المحليين، مع فرص استثمارية متنوعة على امتداد سلسلة القيمة لهذه الصناعة الاستراتيجية:
الاستثمار في الشركات الناشئة التكنولوجية:
1. المشروع سيدعم إنشاء 25 مؤسسة ناشئة مبدئيا حسن الحاجة في مجال التكنولوجيات المتطورة.
2. يمكن للمستثمرين المحليين تمويل هذه الشركات الناشئة التي ستعمل على تطوير تطبيقات وحلول مبتكرة باستخدام الرقائق المحلية
3. الاستثمار في شركات تطوير البرمجيات المتخصصة في تصميم الدوائر المتكاملة والأنظمة المدمجة
تصنيع المنتجات النهائية:
1. إنشاء مصانع لتجميع الأجهزة الإلكترونية باستخدام الرقائق المصممة محليًا
2. تطوير منتجات إلكترونية موجهة للسوق المحلية والإقليمية (أجهزة طبية، أنظمة أمنية، أجهزة استهلاكية)
3. تصنيع أنظمة متكاملة للقطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة والزراعة والصحة
خدمات الدعم والتطوير:
1. تأسيس شركات متخصصة في اختبار وتقييم جودة الرقائق الإلكترونية
2. تقديم خدمات الاستشارات الفنية والهندسية للشركات المستخدمة للرقائق
3. تطوير حلول التغليف والتجميع للمكونات الإلكترونية
التدريب والتأهيل:
1. إنشاء مراكز تدريب متخصصة لتأهيل الكوادر في مجال تصميم وتصنيع الإلكترونيات
2. الاستثمار في برامج التعليم التقني المتخصص بالشراكة مع الجامعات ومراكز البحث
البنية التحتية والخدمات اللوجستية:
1. تطوير مناطق صناعية متخصصة في التكنولوجيا المتقدمة
2. توفير خدمات لوجستية متخصصة لنقل وتخزين المكونات الإلكترونية الحساسة
الشراكات الاستراتيجية:
1. تأسيس شراكات مع الشركات العالمية لنقل التكنولوجيا والخبرات
2. الاستثمار المشترك مع شركات أجنبية متخصصة لتوطين جزء من سلسلة القيمة في الجزائر
الفرص الاقتصادية المباشرة:
1. خلق 1000 منصب شغل بحلول عام 2027 سيؤدي إلى زيادة القوة الشرائية وتنشيط الاقتصاد المحلي
2. تحويل 10 براءات اختراع إلى منتجات قابلة للتصنيع والتسويق يفتح فرصًا استثمارية جديدة
الاستفادة من الدعم الحكومي:
1. الاستفادة من الحوافز والتسهيلات التي تقدمها الدولة لدعم الصناعات التكنولوجية
2. المشاركة في المشاريع الحكومية الاستراتيجية التي ستعتمد على الرقائق المحلية
لتعظيم الاستفادة، أتمن أن يقوم المستثمرون المحليون بـ:
1. التركيز على مجالات محددة ضمن سلسلة القيمة بدلاً من محاولة المنافسة في كل المجالات
2. بناء شراكات استراتيجية مع مراكز البحث والجامعات للاستفادة من الابتكارات والكفاءات
3. الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية المتخصصة
4. التركيز على التطبيقات ذات القيمة المضافة العالية والتي تلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية
بكل صدق، أرى في هذا المشروع فرصة تاريخية للمستثمرين المحليين والمتعاملين الجديين إن أرادوا المساهمة في بناء صناعة استراتيجية ستشكل مستقبل الاقتصاد الجزائري وتحوله نحو اقتصاد المعرفة التكنولوجي بما يغطي حجم الطلب الضخم على هاته الرقائق وفروع استعمالاتها في كل المجالات والقطاعات في الجزائر وشمال إفريقيا.