1382
1
البروفيسور مريبعي لبركة نيوز "الجزائر تعرف تطور في استعمال اللغة العربية والفضل يعود لقرارات رئيس الجمهورية "
تعد اللغة العربية من اللغات السامية التي مازالت محافظة على تاريخها ، فقد كانت وسيلة لنقل المعارف والعلوم عبر العصور وهذا ما جعل العرب يقدسون لغتهم، كونهم يدركون مدى أهميتها وفضلها عليهم، فهي اللغة التي أنزل الله بها قرآنه على نبيه وكفى بها نعمه.
و في هذا الصدد جمعنا حوار مع الأستاذ و الدكتور الشريف مريبعي رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، لإفادتنا بإنجازات المجمع و كذا واقع اللغة العربية في الجزائر، و مناقشة مجهودات السلطات العليا لإعطاء الدفع بالمجمع لترقية و تطوير اللغة الأم.
حاورته نزيهة سعودي
_ البروفيسور الشريف مريبعي، المولود سنة 1954 بجيجل ،تقلدت مناصب عديدة، حاليا تشغل منصب رئيس المجمع الجزائري للغة العربية هل ممكن إعطائنا تفاصيل أكثر حول مسارك المهني و الأكاديمي ؟
أنا خريج جامعة الجزائر حاصل على شهادة دكتوراه دولة منها، و كنت أستاذ بهذه الجامعة ثم تقلدت مناصب إدارية لأننا في الجامعة كنا نجمع بين النشاط الإداري و التعليمي و التكوين، فكنت مدير لمعهد اللغة و الأدب العربي.
بعد ذلك أصبحت نائباً لعميد الكلية عندما جاء نظام الكليات ثم انتدبت إلى المركز الجامعي بتيبازة فكنت نائبا لمدير المركز لمدة سنتين، ثم رجعت لجامعة الجزائر مجدداً و هناك تقلدت منصب عميد كلية الآداب و اللغات ثم مديراً لمركز البحث العلمي و التقني للغة العربية و هو مركز تابع لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي تشرف عليه المديرية العامة للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي بعدها تقاعدت لفترة من الزمن.
دعيت بعدها لرئاسة المجمع الجزائري للغة العربية بعد أن تفضل السيد رئيس الجمهورية بإحيائه و اعطائه دفعة جديدة بعد سنوات من الركود.
_المجمع الجزائري للغة العربية هيئة تحت وصاية رئاسة الجمهورية ذات طابع علمي وثقافي، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، هل يمكنكم إفادتنا بلمحة وجيزة عن هذه الهيئة و إنجازاتها على أرض الواقع ؟
من الناحية القانونية المجمع الجزائري للغة العربية له حضوة كبيرة عندما نقيسه بالمجامع العلمية اللغوية في مختلف الدول العربية، هذه المجامع إما نجدها تابعة لوزارة الثقافة أو وزارة التعليم العالي أو إحدى الوزارة.
لكن المجمع الجزائري للغة العربية موضوع تحت وصاية رئاسة الجمهورية و الرعاية السامية لرئيس الجمهورية هذا ما جعلها مؤسسة ذات أهمية خاصة، لكن للأسف منذ انشائه سنة 1986 لم يكن محظوظ نتيجة ظروف مرت بها البلاد فلم يأخذ مساره الحقيقي و لم يشرع في عمله خلال الفترة الزمنية الماضية إلى أن قام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتفعيله سنة 2023.
فترة الأستاذ عبد الرحمان الحاج صالح رحمة الله عليه هذا العالم الجليل و المعروف ملأ المكان بعلمه و غزارة إنتاجه المعرفي و لكن للأسف لم يكن معه معاونون لينطلق المجمع في عمله الحقيقي.
الآن هناك مسار جديد بدأ يشق طريقه عبره المجمع يتمثل اولا في انتخاب الأعضاء الدائمين للمجمع و تم تعيين المكتب التنفيذي المتألف من 5 أعضاء إضافة إلى 25 عضو دائم أي أصبح المجمع عامرا ب 30 عضو من خيرة المتخصصين في اللغة العربية و فروعها و علومها و آدابها.
هذه المجموعة تشكلت منها 5 لجان أولها لجنة المعاجم و إقرار المصطلحات و ألفاظ الحضارة و الترجمة، ثانيا لجنة المخطوطات و إحياء التراث، لجنة النهوض باللغة العربية نحو مجتمع المعرفة، و لجنة قضايا الاستعمال اليومي للغة العربية، و أخيراً لجنة الإشراف على النشاطات العلمية و الثقافية و الجوائز و الاتصال في المجمع.
حاليا في انتظار ظهور ثمارها على التوالي، لا تكون هذه الأعمال في المدى القريب بل على المدى المتوسط فعلى سبيل المثال لجنة المعاجم شرعت في إنجاز معجم، كما وضعت الخطة و الجانب المنهجي و تم مناقشته و الشروع في العمل الفعلي في انتظار أن تكون لنا بعض الموارد اللغوية تم إنجازها على مستوى هذه اللجنة.
_خدمة اللغة العربية والسعي لإثرائها وتنميتها وتطويرها والمحافظة على سلامتها والسهر على مواكبتها للعصر واجب، أنتم كأكاديميون كيف ترون واقع اللغة العربية في الجزائر ؟
بصراحة هناك من يتباكى على هذا الواقع و يرى أن اللغة العربية مهمشة و مهملة و متروكة، أنا في الحقيقة أنظر بتفاؤل إلى واقع اللغة العربية في البلدان العربية و الجزائر بوجه خاص، مئات الكتب تنتج باللغة العربية كذلك التعليم و الكتابة و القراءة باللغة العربية إلى غاية نهاية المرحلة الجامعية لمعظم التخصصات باستثناء التخصصات العلمية الدقيقة التي لها مشكلة المصطلحات.
عند المقارنة لما كنا عليه سابقا و حاليا هناك طفرة و تطور استعمال اللغة العربية على أعلى المستويات، رئيس الجمهورية نراه يخطب في المنتديات الوطنية و المحافل الدولية و الاجتماعات الرسمية يلقي كلمته باللغة العربية المستعملة حاليا، هذا انعكس إيجابيا على واقع الحال بحيث لا نرى أي مسؤول أو مدير يصرح عن قطاعه و يشرح بلغة أخرى غير اللغة العربية هذا يدل على قيمة اللغة العربية و مكانتها الحقيقية في المجتمع باعتبارها لغة وطنية.
_أعلنتم مؤخرا بمناسبة احياء ليوم العلم عن الجائزة التي أطلقها المجمع لأول مرة منذ نشأته، و التي ستوزع على مستحقيها في المؤتمر السنوي، هل يمكن إعطائنا بعض التفاصيل حول هذه الجائزة ؟
هذه الجائزة هي منصوص عليها في القانون و لكن بسبب الظروف التي مر عليها المجمع سابقا لم توزع، هذه السنة قررنا تفعيل هذه الجائزة لأن الغاية منها تشجيع الباحثين باللغة العربية في مختلف علوم اللغة العربية، هي جائزة رمزية بسيطة مبلغها 100 مليون سنتيم، تم تقسيمها إلى ثلاث جوائز من خلال فرع واحد فقط و هو "تأليف كتاب في أحد فروع علوم اللغة العربية".
ننوي أن تتوسع هذه الجائزة و ترفع قيمتها و تصبح لها فروع أخرى مثل ترجمة كتاب علمي أو تحقيق كتاب مخطوط لعالم جزائري مازال مغمورا و غيرها من المجالات التي تهم المجمع باعتبارها هيئة وطنية تعنى بشؤون للغة العربية و تعمل على ترقية استعمالها.
_جاء مشروع الذخيرة العربية من فكرة الاستعانة بالحاسوب واستغلال سرعته الهائلة في علاج ملايير المعطيات، وقدرته على تخزينها في ذاكرته، لإنشاء بنك آلي من المعطيات يحتوي على أهم ما حرّر بالعربيّة، في رأيكم ما أثره في تطوير و ترقية اللغة العربية ؟
مشروع الذخيرة من بين المشاريع الكبرى للمجمع كان جزائريا ثم أصبح عربيا تبنته جامعة الدول العربية لكن للأسف على المستوى العربي كل بلد يشتغل بمفرده و لم نصل إلى هذا العمل العربي المشترك من أجل ترقية اللغة العربية، الهدف من المشروع هو تقريب اللغة العربية من المواطن بكل مستوياته يستفيد من هذا المشروع الكبير و الصغير و يسهم في رفع المستوى الثقافي و العلمي للمواطن العربي هذه الغاية التي تم تحديدها لهذا المشروع.
يقوم هذا المشروع على حوسبة كل ما هو مكتوب باللغة العربية في القديم و الحديث لأنه مشروع متواصل لا ينقطع، يعني كل المؤلفات التي تصدر باللغة العربية أو تترجم إليها تحوسب و تكون في بنك آلي معطيات للنصوص يرفع على مستوى الانترنت له محرك بحث مثل "ڨوڨل" و يحوي برمجيات تساعد المستعمل على الإفادة من بنك النصوص.
يسهم هذا في رفع حجم المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت و للأسف هذا المحتوى هزيل جدا مقارنة باللغات الأخرى، فقل ما يلجأ الباحثون للغة العربية لأنهم لا يجدون ضالتهم هناك لأن المحتوى الرقمي العربي ضئيل جدا.
مشروع الذخيرة العربية من شأنه أن يعمل على إثراء المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت و يساهم في تقريب المعرفة للمواطن البسيط و المتخصص و يسهم في ترجمة و تطوير المصطلحات و المعارف باللغة العربية في العلوم و التكنولوجيا.
_بالحديث عن النقاط المشتركة التي تجمع بين المجمع الجزائري للغة العربية و المجلس الأعلى للغة العربية، حسبكم أين يلتقيان هاتين الهيئتين التابعتين لرئاسة الجمهورية ، و فيما يتميزان ؟
المجمع الجزائري للغة العربية هيئة علمية أكاديمية تعنى باللغة العربية من الناحية الأكاديمية في صياغة المصطلحات و البحث عن النظريات في اللغة و إنشاء المعاجم هذا اختصاصه و يعتبر كذلك السلطة العلمية الأعلى للغة العربية على مستوى الجزائر و له ما يماثله في كل البلدان العربية مثل سوريا و القاهرة و الأردن.
المجلس الأعلى للغة العربية له طابع استشاري أنشئ خصيصا لمرافقة قانونية لتعميم استعمال اللغة العربية له دور يتمثل في مرافقة القطاعات في استعمالها للغة العربية و يقدم تقارير للسيد رئيس الجمهورية بصفة دورية.
و من هنا فالمجمع الجزائري للغة العربية و المجلس الأعلى للغة العربية كلاهما يسعى إلى خدمة اللغة العربية و ترقية استعمالها في المحيط الاجتماعي و الثقافي و العلمي و كل واحد منهما له واجباته المنوطة به و التي تختلف عن أعمال الطرف الآخر.
_ منذ تولي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الرئاسة حاول إعطاء دفع للمجمع، كيف تقيمون هذه الجهود ؟
الجهد واضح و بين و رفيع جدا حقيقة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون قام بموقف حضاري تجاه اللغة العربية و تجاه هذه الهيئة الرئاسية الهامة، عندما عين مكتب تنفيذي للمجمع و أمر بتقديم كل الدعم له قام بخطوة جبارة و رمى بالكرة في مرمى القائمين على هذا المجمع نحن الآن نشعر بالمسؤولية الكبيرة التي ترمى على عاتقنا من أجل أن نكون في مستوى التطلعات التي رسمها رئيس الجمهورية.
عمر المجمع الآن منذ أن فعله رئيس الجمهورية هو سنة و شهرين بالتقريب، خلال هذه الفترة قمنا بأعمال منها الجانب القانوني على مستوى المجمع من خلال إعادة النظر في مختلف النصوص التي تنظم العمل في المجمع، انتخاب أعضاء المجمع الدائمين ، تشكيل اللجان و إطلاق أعمال هذه اللجان، الشروع في انتخاب الأعضاء المراسلين الذين يشكلون لجان أخرى.
قمنا بنشاطات علمية ثقافية إحياء لهذا المجمع و جعله في الواجهة الثقافية و الاجتماعية و العلمية للبلاد و لم نتأخر على أي مناسبة لاحياءها و تنظيم ندوات علمية محاولة منا تقديم خدمة للغة العربية برزانة و إخلاص و بعلم بعيداً عن الشعارات الجوفاء و التطبيل إنما هو عمل علمي دقيق يفيد البلد و المجتمعات التي تستعمل اللغة العربية.
_ أحيانا نحن كصحفيين نضطر لكتابة مصطلحات في الخبر باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، هل هناك جهود لتعريب مختلف المصطلحات خاصة العلمية ؟
من بين مهام المجامع العلمية العربية عموماً هو حل مشكلة المصطلح لأن المشكل تكمن في أن المصطلح ينتجه من يحتاجه في كل التخصصات و الميادين، مشكلتنا أننا لا ننتج مصطلحات كل ما نقوم به هو محاولة الركب من خلال تعريب المصطلحات و إيجاد مقابلات لها لما أنتجه العلوم و التكنولوجيا في الغرب هناك جهود تبذل من أجل حل هذه المشكلة.
أما الإعلام فهو من يسوق اللغة و يعمل على نشرها فعندما يقوم الإعلامي بنشر لغة مضبوطة من الناحية اللغوية أو الصياغة و التركيب أو طبيعة المفردات المستعملة فهو يقوم بدرو كبير و يعمل على ضخ اللغة وسط مختلف الفئات.
الإعلامي عليه أن يبذل جهداً من أجل استعمال المصطلحات اللائقة للأسف هناك على مستوى بعض وسائل الإعلام للغة العربية ليست محترمة، نجد ذلك في الإشهارات أيضاً من خلال استعمال اللغات الأحنبية أو ألفاظ هجينة هذا له تأثير سلبي على استعمال اللغة العربية على المواطن البسيط.
و من جهة أخرى نجد مثلا المصطلحات الرياضية في الجزائر و التي تعود الجمهور على سماعها أو قراءتها هي من أرقى المصطلحات المستعملة في اللغة العربية بحيث تأثر بها الكبار و الصغار و المتعلمون و الذين لديهم ثقافة محدودة و أصحاب المستوى العالي من المعرفة و غيرهم..
_ رغم أنها لغة القرآن الكريم، إلا أن جيل اليوم يحبذ اللغات الأجنبية على اللغة العربية ما هي الرسالة التي توجهونها لشباب اليوم لتعزيز الارتباط باللغة العربية ؟
لست مع فكرة أن الأجيال الحالية تفضل استعمال اللغات الأجنبية على اللغة العربية، بل أرى أن أغلب الشباب و الأطفال يتكلمون اللغة العربية و مستواهم أفضل من المستويات الأخرى، لكن الخطورة العويصة هي في وسائط التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك و الرسائل القصيرة المتبادلة بين الأشخاص تعتبر لغة هجينة و كأن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت لغة أخرى جديدة لا تنتمي لأي لغة أخرى فيها حروف مبتكرة تكتب بحروف لاتينية و تنطق باللغة العربية و سارت هذه المصطلحات بين الناس.
هناك اتجاه خطير على اللغة و استعمالها بالنسبة للغة العربية و ليست وحدها من تعاني إنما كل لغات العالم الأخرى تعاني مثل اللغة الإنجليزية و الفرنسية غيرها.