1424
0
الشهداء يحررون الأحياء

بقلم: عيسى قراقع
الأسرى الفلسطينيون كانوا بحاجة الى حرب، فلا يوجد شعب في الدنيا يرى الآلاف من أبنائه وبناته يقتلون ويعذبون ويهانون ويغتصبون وتدمر حياتهم في السجون والمعسكرات ومسالخ التحقيق والتوقيف ويبقى صامتاً، ولا يقبل أي شعب حر على وجه هذه الأرض ان يعود اسراه من السجون جثثاً بعد ان مزقهم زمن السجن الثقيل وأطبق الموت عليهم حتى الفناء.
الأسرى الفلسطينيون كانوا بحاجة الى حرب، لان السجون تحولت الى مكان للإبادة الإنسانية، وكان لابد ان تغلق أقسام جهنم، ويخرج المعذبون من حطامهم وإمراضهم ويستعيدوا ولو قليلا أعمارهم المهدورة، وكان على حبل المشنقة الذي يسمى المؤبد ان يسقط ، وتتحرر الرقاب من الشنق والخنق والذبح والانسحاق، قال تعالى: ما كان لنبي ان يكون له اسري حتى يثخن في الأرض.
رأيت في اتفاق وقف إطلاق النار يوم 19/1/2025 بوقف المجازر الدموية في قطاع غزة وتحرير الاف الأسرى من ذوي الأحكام العالية والمرضى والنساء والأطفال انتصاراً للحضور على الغياب، ورأيت الفرح الفلسطيني يبزغ من وسط الأزمات والرماد والكوابيس، فلا يندهش احد من الفرح الاستثنائي وسط كل هذا الألم، الفرح مقاومة، فرح الضحية التي أعلنت انتصارها على القاتل والجلاد، انها قيمة الحرية الخارجة عن حسابات موازين القوى ، ولولا هذه القيمة لما بقي الشعب الفلسطيني صامدا على أرضه متمسكا بحقوقه منذ النكبة حتى ألان.
دعوا ام الأسير تغني وتفرح، دعوها تجلس فوق بيتها المدمر في غزة وتزرع وردة بين الركام، دعوها ترى الأمل في اليوم التالي، تعانق ابنها وتسند قلبها الصابر حتى لا ينهار، هكذا نحن الشعب الفلسطيني، هذا ما يميزنا عن غيرنا، يبزغ البديل من وسط الخراب، نسمع اغنية وسط عاصفة الموت والمجزرة ، فلماذا تغضب الثقافة الجديدة البائسة عندما ازور نفسي الشهيدة وأقرأ على روحي السلام .
يرونها بعيدة ونراها قريبة وانا لصادقون، واني ارى النور في نهاية النفق، هذه كلمات الشهيد الرئيس ابو عمار، قالها في أحلك الظروف الذي مر بها الشعب الفلسطيني، هذه الكلمات تحولت الى ثقافة وصمود ونشيد وأفكار وانتفاضات ومرجعيات روحية لشعب الجبارين، فإما ان نكون او لا نكون، فلا خيار لنا سوى بلوغ ذلك البصيص من الأمل في نهاية هذا النفق المظلم. الشهداء حرروا الأحياء، وحرروا أنفسهم من مقابر الارقام والثلاجات الباردة، نهضوا من تحت أكوام الأنقاض، حرروا اللحم والعظام والصوت من الإخفاء والنسيان، ولعل اكثر من 95% من صفقات التبادل وتحرير الأسرى جاءت بعد حروب ومعارك وتضحيات، فالحرية تنتزع انتزاعاً من براثن الاحتلال، فلا تقاس حرية أي شعب بالأرقام ، وكان الشهيد الاسير المفكر وليد دقة قد قال يوماً: حرروا الشهداء الأسرى وحرروا الأسرى الشهداء، حرر نفسك بنفسك، ولم يسمح لهم ان يكتبوا السطر الاخير قبل استشهاده ، فعاد الشهداء والاسرى الى رام الله وهذا ما يجب ان يكون.
نحن أكثر الشعوب الذي اجترحت قرارات دولية تساند حقوقنا العادلة والمشروعة، ولكن هذه القرارات بقيت عاجزة وقاصرة على ازاحة الاحتلال من حياتنا وأرضنا وحماية أسرانا، والى حين يستيقظ القانون الدولي ويكون له مخالب علينا ان نكون اقوياء، نستعيد قوانا حبة حبة وننهض خطوة بخطوة، نستعيد صرخة ذلك الشهيد وذلك الاسير، ولنختار الموت العالي اذا كان لابد من الموت، ذلك الموت الذي يأخذنا في الشعاع النوراني روحاً وذاكرة. اصيبت دولة الاحتلال بالجنون وبالهوس، يلاحقون عائلات الاسرى ويمنعون الاحتفالات والاستقبالات، اغلقوا الضفة الغربية والقدس بالبوابات والحواجز، سور حديدي يشبه اسوار السجون، ويبدو انه كلما ابتسمت الضحية غضبت تل ابيب ومتطرفيها ومستوطنيها، وهناك على حاجز عطارة في رام الله اوقفت جندية صهيونية محمود درويش وسألته: الم أقتلك؟ قال لها: قتلتني ونسيت مثلك ان اموت لنقاتل بالفرح، ونرفع شعار الانتصار، لنضمد جروحنا ونتوحد موتاً وحياة، الاحياء عادوا بعد سنوات طويلات، عادوا ليبنوا البيت ويدفنوا الشهداء، فلنستقبل محمد الطوس ونائل البرغوثي والاف الاسرى الخارجين من تحت الارض، ونرفع الرايات، ونكتب لمروان البرغوثي واحمد سعدات ان ارضكم دافئة والسماء
. عندما زرت الاسيرة القائدة خالدة جرار قالت: انها منذ 150 يوماً لم تر احدا تكلمه، لقد قبعت في زنزانة انفرادية ضيقة ومخنوقة، وعندما أفرج عنها ورات الناس بدأ صوتها يستعيد ايقاعه وسخونته في ليل رام الله البارد والمحاصر بالدبابات.
وعندما زرت مزيونة والدة الاسير ناصر ابو سرور الذي يقبع منذ 32 عاماً في السجون قالت لي: الان شفيت من الجلطة الدماغية التي أصابتني ، وسأظل قوية حافظة لوصية ابني ناصر الذي قال لي: امي ارجوك لا تموتي قبلي ، الاسير المشلول منصور موقدة المحكوم بالسجن المؤبد صنع سيارة داخل السجن ، فعندما كان يخرج الى الساحة على عجلته المتحركة كان الاسرى المصابين والجرحى الذين صادرت إدارة السجون عكازاتهم يستقلون عربته ويتحركون في الساحة وهو يدور بهم عكس عقارب زمن السجن، فالجرح يداوي الجرح، والساق الخشبية لن تنسى الساق البشرية وهي تسير الى البيت.
جرحنا أحق بالكلام من ضآلة لغتنا السياسية التي بقيت بعيدة عن ما جرى وما يجري، يبدو اننا نفتقد الى ثقافة المعاني، فصورة البطل فينا تفوقت على صورة النصوص المخيبة، صحيح ان الصهيوني يحمل مدفعا وصاروخا وقنبلة لكنه لا يمتلك الإرادة، على عكس الفلسطيني الذي لا يحمل صاروخا ولكنه يمتلك الإرادة.
الاسرى كانوا بحاجة الى حرب، ومن لم يدخل السجن لا يعرف معنى الحرية، متمنياً ان ترتقي لغة الكتابة بعد الحرب على غزة الى لغة الشهداء، وان تكون لغة قادرة على رؤية هؤلاء البشر الذين يقبعون خلف القضبان، ما هذه التحليلات القاتمة والغامضة والمهلكة؟ فالطريق الى الحرية لا تحتاج الى عبقريات سياسية، الحرية تحتاج الى مقاومة، الحرية لا تحتاج الى كل هذا الجدل، الطريق واضح فإما ان تموت طبيعياً بإرادة الهية، واما ان تموت شهيداً في معركة تحرر وطني، لا وسطية في الموقف، غير مسموح ان يعبث أي احد بكل هذا الموت الشريف، فإما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدا.
سؤال الحرّية في زمن تشظّي المعنى
بقلم : جواد العقاد
كيف للعالم الذي لم يفهم لغة الدم، والذي يرى مشاهد قاسية كُتبت بالدمِ في غزة فعلياً، أن يفهم لغة الحبر؟ وكيف للكلمات أن تعبّر عن واقع قاسٍ، وآلام تُكتب بأشلاء الأجساد وشظايا الأرواح في زمنٍ تخون فيه اللغات المعنى، فنشعر بأن الكتابة خيانة للواقع وقسوته، وعلينا فعل شيء آخر تماماً. في هذا الزمن الذي تفقد فيه الكلمات قدرتها على التعبير عن حجم المعاناة، تصبح الكتابة رفيقاً للإنسان في مواجهة عالم ضاع فيه المعنى والجوهر، وتصبح محاولات الإنسان لنقل آلامه وأحلامه في كلمات، أحياناً، محاكاة وهمية لعالمٍ دموي لا يمكن للمفردات أن تحيط به.
وتظل الكتابة، على الرغم من ذلك، شكلاً من أشكال الحرّية؛ فهي عملية تحرُر من الواقع، وفي الوقت نفسه، تخوض معركة ضد الواقع، وتسعى لتغييره، وبهذا المعنى تكون عملية ثورية.
أنا أكتب تحت القصف، وحولي الرصاص والقذائف، ومحاصَر بالموت من كل الجهات.
وفي هذا السياق، تمنحني الكتابة فرصة لإعادة النظر في مفهوم الحرّية؛ إذ إنها تعطيني مساحة أستطيع عن طريقها ممارسة إنسانيتي، والتعبير عن أوضاعي القاسية التي أعيشها، ورفْض كل شيء غير إنساني وغير أخلاقي.
إنها ليست فقط وسيلة للتوثيق هنا، بل أيضاً إعلان رفضٍ للموت الذي يحيط بي من كل مكان وزمان. وعندما نتأمل اللحظة الآنية، يمكننا أن نلاحظ كيف تساهم الكتابة في منْح الإنسان شعوراً بالحرّية والأمان اللحظي، ولذلك، فهي ليست فعلاً هامشياً في حياتي، إنما جوهر رؤيتي للحياة؛ فعن طريقها أعبّر عن ذاتي، وأعكس تجربتي في هذا العالم المملوء بالقسوة، وبالمقدار نفسه هي أداة أواجه بها العالم، إذ تصبح وسيلة لترميم تلك الشروخ وإخماد الانفجارات الكبرى التي تحدث حولنا وفي دواخلنا. كما تستطيع، بصفتها أحد تشكيلات الثقافة، أن تغير الوعي بالتدريج، فهي جزء من تكوين الحضارات. وعندما أقول إن الكتابة عملية وجودية، فإن ذلك ليس من باب التهويل، إنما هو تعبير حقيقي عن دور الكلمة في المحافظة على الوجود.
ولو تأملنا التاريخ، لوجدنا أن كل الشعوب بلا استثناء تحرص دائماً على تدوين تاريخها، وجميع الحضارات تقوم على أدبيات كبرى؛ فالكتابة أداة بقاء ومحافظة على الوجود، ويمكن أن تكون كذلك مجازاً على المستوى الفردي، لكن لها أهمية حضارية جماعية كبرى. أنا محاصَر ولا أستطيع فعل شيء، وحين أكتب أشعر بالحرّية؛ فالكلمات تمنحني قدرة على تحرير ذاتي من الخوف واليأس موقتاً.
صحيح أن الكلمة تؤدي مفعولها بصورة متدرجة، لكن عندما نكتب ولا نشعر بأي تغيير في واقع ثقيل، نشعر باليأس، وكأننا نريد للكلمة أن تؤدي مفعول الرصاصة في زمن غابت فيه قيم الإنسانية والعدالة، وتصبح الكتابة في هذا السياق الوسيلة الوحيدة التي أشعر عن طريقها بأنني حُر، لذلك لا أضع لنفسي شروطاً قبل الكتابة كي يولد النص بصورة طبيعية، إنما أترك اللغة تحلّق في ملكوت الذات، وتتورط في وجعها، الذي هو وجع كل المقهورين والمهمشين. نحن نكتب الآن لأننا مهمشون، وعن طريق ذلك أبحث عن حريتي ودفاعاً عن دمي المهدور أمام الموت الشرس الذي يواجهني كمغارة مفتوحة على المجهول.
أكتب لأنني لا أملك ضوءاً أقد به عتمة روحي. في الحرب، تتخذ الحرّية مفهوماً أكثر التباساً وتعقيداً، ففي الوقت الذي يكون فيه الإنسان أسير التفاصيل الإنسانية الحياتية، والخوف، واليأس، والموت، يصبح أكثر رغبة في الخلاص وطوقاً للحرّية.
وعلى المستوى الفردي والجمعي، فإن الكتابة تصبح أحد منطلقات الحرّية وإحدى أدواتها. فهي، بصفتها شكلاً من أشكال الفنون، تساعد الكاتب في التعبير عن همومه وواقعه، وردّات أفعاله النفسية والعاطفية. فلا تقتصر الكتابة الجيدة على همها الفني والجمالي فقط، بل أيضاً تتضمن هماً فكرياً، وثقافياً، وسياسياً؛ إذ تؤسس لوعي جمعي بالحرّية، وهذا يعني، بصورة ما، أنها تصبح مقاومة ضد الواقع وما فيه من أخطار سياسية، أو استعمارية، أو اجتماعية. وبصفتها عملية تحرُّر وحرّية فكرية، فهي تساهم في تفكيك الواقع المظلم، والسعي نحو الخلاص. ما يعيشه الإنسان نفسياً وعاطفياً وجسدياً في الحرب يتجسد في الكتابة عبر التراكيب والمفردات؛ إذ نلاحظ في شِعر الحرب ظهور مفردات كجدار الصوت، والغارة، والدم، والأشلاء...
كما نلاحظ تغيُراً في النَفَس الشِعري والشكل الفني، إذ أصبحت النصوص أكثر انفتاحاً على كل الأشكال، رغبةً في الحرّية والخلاص والانعتاق. إذاً، فبعد اختبار المعاناة القاسية، يعيد الكاتب إنتاج حياته أو معاناته باستخدام اللغة، وبالتالي، فإن النص الأدبي يجسد تراجيديا الإنسان، ولا بد من أن يتخذ ملامح جديدة تعكس الواقع الجديد الذي يعيشه الكاتب. والكتابة بصفتها بحثاً دائماً عن الحرّية، فهي لا تفسر العالم فحسب، بل أيضاً تسعى لتغييره. فالنص الجيد لا يقتنع بدور الراصد المسجل للحدث، إنما يطمح إلى تغيير العالم. ففي الهزيمة أو النصر، تؤدي الكتابة دوراً مهماً في تشكيل الذاكرة الجماعية للأمة، فهي تربط السياقات الاجتماعية، بالسياسية، والثقافية. أتذكر إحدى الليالي حين قررنا الخروج تحت القصف العشوائي، وكان كل شيء حولي مظلماً ومخيفاً، والموت يحلق فوق رؤوسنا، والطائرات والمدافع لا تهدأ. كان الخروج قراراً بعد العناد، إذ تمسّكنا بالبقاء حتى اللحظة الأخيرة، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى الرحيل، فمشيت مع جدتي في عتمةٍ خانقة، وكنا نخشى حتى أن نشعل ضوء الهاتف خوفاً من أن يفضحنا بصيصه الصغير أمام عيون الموت. مشيت وكان الخوف يتغلغل في عظامي، وكأن كل خطوة أشبه بمغامرة غير محسوبة، ولا تعرف إن كانت ستقودك إلى النجاة أم إلى الفقدان الأبدي.
وحين وصلنا أخيراً إلى منطقة أقل تهديداً، شعرت بارتياح موقت، لكنه سرعان ما تحول إلى سؤال كبير: كيف أكتب هذا المشهد؟ وكيف يمكن للكلمات أن تحمل هذا الكم من الرعب والرهبة؟ إذاً، فالكتابة ليست كلمات على الورق، إنما هي الصدى الذي يجسد معاناة الإنسانية في أشد لحظاتها قسوة، إذ تمنحنا أملاً في التغيير، وتظل الأداة الوحيدة التي نستطيع عن طريقها مواجهة العدم والخراب وكل محاولات النقيض لإنهاء وجودنا. (اللوحة لـ خالد جرادة، أكريليك على قماش، 2021 )
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
أفرج الاحتلال الإسرائيلي امس عن الأشقاء الثلاثة أبناء عائلة أبو حميد، من مخيم الأمعري، بمدينة رام الله، ضمن 200 أسير فلسطيني تم إطلاق سراحهم، ضمن الدفعة الثانية من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى. والأشقاء الثلاثة هم: نصر ومحمد وشريف أبو حميد (ناجي) الذين كانوا ضمن 70 أسيرا تم إبعادهم خارج الأراضي الفلسطينية، وهم من بين أربعة أشقاء يقضون أحكاماً بالسّجن المؤبد في سجون الاحتلال، بحسب نادي الأسير الفلسطيني.
وللأسرى شقيق خامس، هو ناصر أبو حميد، القيادي في كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، الذي استشهد نهاية 2022 في سجون الاحتلال الإسرائيلية، وما يزال الاحتلال يحتجز جثمانه. وتلقب والدتهم أم ناصر أبو حميد بـ"خنساء فلسطين".
ومنعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، عائلة المعتقلين المحررين الأشقاء نصر وشريف ومحمد أبو حميد من مخيم الأمعري في رام الله، من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر. وقال شقيق المحررين الثلاثة ناجي أبو حميد لـوكالة "وفا"، إن قوات الاحتلال أجبرتهم على العودة عن المعبر، وكان برفقته والدته أم ناصر وشقيقه باسل، وزوجة شقيقه المحرر نصر، وزوجة شقيقه المحرر محمد. وكانت سلطات الاحتلال أفرجت عن الأشقاء الثلاثة من مخيم الأمعري للاجئين، وأبعدتهم خارج الوطن، وهم من بين أربعة أشقاء يقضون أحكاما بالسّجن المؤبد في سجون الاحتلال، فيما استشهد شقيقهم الخامس القائد ناصر أبو حميد نهاية عام 2022، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثمانه حتى اليوم.
نصر البالغ من العمر (51 عاما)، تعرض للاعتقال منذ أن كان طفلا، وأمضى ما مجموعه في سجون الاحتلال 30 عاما، وهو محكوم بالسّجن خمس مؤبدات، وشقيقه شريف (49 عاما) كذلك تعرض للاعتقال عدة مرات قبل عام 2002، وأمضى قبل هذا الاعتقال تسع سنوات، وهو محكوم بالسّجن أربع مؤبدات، بالإضافة إلى محمد (42 عاماً)، المعتقل منذ عام 2002، وهو محكوم بالسّجن المؤبد مرتين و30 عاما.
وفي نهاية عام 2022 استشهد شقيقهم ناصر، نتيجة للجرائم الطبية التي نفذت بحقه، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثمانه حتى اليوم، وهم كذلك أشقاء الشهيد عبد المنعم الذي اغتاله الاحتلال عام 1994، فيما يواصل اعتقال شقيقهم إسلام المعتقل منذ عام 2018 والمحكوم بالسجن المؤبد. ومن الجدير ذكره أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت على مدار العقود الماضية جميع أبناء عائلة أبو حميد، إضافة إلى والدهم، وهدمت منزلهم خمس مرات، كان آخرها عام 2019، كما حرمت والدتهم من زيارتهم لسنوات، وفقدوا والدهم خلال سنوات اعتقالهم.
الأسرى الفلسطينيون المسيحيون.. الحجارة الحية
بقلم : حسن العاصي-الدنمرك
أكاديمي وباحث فلسطيني
تعرض الفلسطينيون المسيحيون، كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني، لأهوال النكبة عام 1948، وكان لهم دور بارز في النضال الوطني ضد المشروع الصهيوني وفي صياغة الهوية الوطنية الفلسطينية. من بين الشخصيات التاريخية اللامعة التي ساهمت في هذا النضال: جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورفيقه وديع حداد، القيادي البارز في الجبهة ومسؤول العمليات الخارجية، بالإضافة إلى المفكر القومي إميل توما، وعضو حركة فتح البارز حنا ميخائيل (أبو عمر)، والروائي والسياسي إميل حبيبي، والمفكر العالمي إدوارد سعيد، الذي كان من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
كما يُذكر نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحنان عشراوي، القيادية البارزة وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، التي تعد أول امرأة تنتخب لهذا المنصب، والشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي كانت صوتًا عالميًا ناقلًا لمعاناة الفلسطينيين. وعلى الصعيد الديني، برز المطران هيلاريون كابوتشي، الذي اعتقلته إسرائيل في السبعينيات بتهمة تهريب أسلحة للمقاومة الفلسطينية، والأب إلياس خوري، مؤسس ومدير المركز الوطني المسيحي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، الذي لعب دورًا مهمًا في توثيق الانتهاكات. هذه الشخصيات وغيرها تعكس الدور المحوري للمسيحيين الفلسطينيين في الدفاع عن الحقوق الوطنية وفي النضال على مختلف المستويات.
منذ اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كثفت القوات الإسرائيلية حملة الاعتقالات في الضفة الغربية، واعتقلت 8550 فلسطينياً وفقاً لنادي الأسير الفلسطيني. وقد تم احتجاز الغالبية العظمى منهم في الاعتقال الإداري، بينما تم إطلاق سراح البعض. لقد تضاعف عدد الأسرى الفلسطينيين، حيث بات يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتّى الآن أكثر من 9,000 أسير فلسطيني، من بينهم 9 أسرى/ أسريات مسيحيين/ات، يتعرضون جميعهم لانتهاكات الاحتلال وصنوف جرائمه المختلفة، من قتل واغتصاب وتجويع وتعذيب، كما باتوا -جميعاً- منقطعين انقطاعاً تاماً عن عائلاتهم، بفعل إلغاء الاحتلال زيارات الأهالي أو حتى السماح بزيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهم. كل هذا غير المخفيين قسراً، والذين ترفض إسرائيل الإفصاح عن أسمائهم أو أعدادهم أو حتى ظروف اعتقالهم. استنادا إلى منشور أصدرته مبادرة مهد المشرق بمناسبة عيد الميلاد المجيد للطوائف المسيحية، فقد أدرجت مهد المشرق أسماء كوكبة من الأسرى الفلسطينيين من المكوّن المسيحي، وهم:
1ـ الأسير إبراهيم مسعد هاني. من سكان مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. حُكم عليه بالسجن مؤبدين و25 عاماً. لديه أربعة أبناء.
2ـ الأسير مروان إبراهيم معدي. من سكان بلدة جفنا في الضفة الغربية المحتلة. حُكم عليه بالسجن 8 سنوات. وقبل انقضاء محكوميته بشهرين فقط، استأنفت النيابة العامة الصهيونية على قرار المحكمة، فتم رفع الحكم من جديد ليصل إلى 22 عاماً. متزوج ولديه ثلاثة أبناء.
3ـ الأسير خالد شوقي حلبي. من سكان مدينة القدس. حُكم عليه بالسجن28 عاماً. واحتفاء بالحياة تزوج خالد من إحدى الفتيات الفلسطينيات. كلل الزواج المطران عطا الله حنا في الكنيسة مع العروسة والعائلتين، فيما كان خالد معهم عبر الهاتف من داخل السجن.
4ـ الأسير رامز سمير عواد. يبلغ من العمر 31 عاماً. من سكان بلدة جفنا في الضفة الغربية المحتلة. أعتقل عام 2023 اعتقال إداري في سجن عوفر. يعمل مصوراً صحفياً. تم استهدافه عدة مرات من قبل جنود الجيش الصهيوني أثناء قيامه بالتغطية الصحفية، وأصيب مرتين بالرصاص الحي.
5ـ الأسير سامر مينا العربيد. من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. موقوف منذ عام 2019 ويقبع حالياً في العزل الانفرادي. تعرض سامر لتحقيق عسكري ذاق خلاله صنوف التعذيب، من تهشيم لأضلاعه، وفقدان السمع في أذنه اليمنى. لديه ثلاثة أطفال.
6ـ الأسير رامي رزق فضايل. من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. يقبع حالياً خلف قضبان الأسر الإداري المشؤوم لمدة ستة أشهر، تم تجديدها للمرة الثالثة. والمدة قابلة للتجديد حسب مزاج ضابط المنطقة. فُجع رامي بوفاة والده وهو داخل السجن، وكان من الممكن أن يلتقي به ويودعه لولا تجديد الحبس الإداري له. لديه ابنة.
7ـ الأسير جون وليم قاقيش. من مدينة القدس المحتلة. اعتقل عام 2015 وحكم عليه بالسجن 9 سنوات، رفعتها المحكمة الإسرائيلية العليا إلى 11 عاماً.
8ـ الأسير خالد سليم سعد. من بلدة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة. تم اعتقاله في بداية عام 2024 اعتقالاً إدارياً، ومازال موقوفاً للآن في سجن نفحة الصحراوي. يعني خالد من قرحة شديدة في المعدة. أنجبت زوجته طفلته الرابعة بعد اختطافه بيوم. لديو أربعة أطفال.
9ـ الأسير نائل سمير حلبي. من سكان مدينة القدس المحتلة. ام اعتقاله عدة مرات. اعتقل المرة الأولى وهو ما زال طفلاً. وأنهى دراسته الثانوية العامة خلف القضبان. تم تحريره المرة الأخيرة في منتصف عام 2014 بعد اعتقال دام أربع سنوات ونصف. تعرض لتعذيب شديد في مركز تحقيق المسكوبية. نال شهادة البكالوريوس من جامعة بيرزيت، وأكمل تعليمه العالي حتى نال شهادة الماجستير وهو في السجن. ولأكثر من عشرين عاماً لم تجتمع عائلة الحلبي مع ابنها إلا بضعة شهور فقط، فقد كان الاحتلال يغيّب أحد الأبناء دوماً في الأسر. وقد حدث مرة أن اجتمع الاخوة الأربعة في السجن.
عائلة فلسطينية مسيحية تتحدث عن معاناتها
ليان ناصر (23 عاماً) شابة فلسطينية مسيحية أفرج عنها مؤخراً لدى الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.
تقول والدتها أن ابنتها خرجت أقوى من السجن الإسرائيلي. تعيش عائلة ليان من بلدة بيرزيت بالقرب من رام الله بالضفة الغربية، نفس معاناة أهالي الأسرى الآخرين.
اعتقلت ليان في 7 نيسان/أبريل 2024، عندما قرع حوالي عشرين جندياً إسرائيلياً باب منزل والديها بصوت عالٍ قبل أن تفتحه والدتها. اعتقلها الجنود، وفي الخامس عشر من نيسان/أبريل قررت المخابرات الإسرائيلية وضع ليان في الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر دون توجيه اتهامات إليها، جددت فيما بعد لأربعة شهور أخرى.
الحري ذكره أن أبلغ الجيش الإسرائيلي في أواخر نيسان/أبريل أن ليان اعتقلت بناءً على معلومات استخباراتية تشير إلى أنها "تشكل تهديداً أمنياً" من غير تقديم توضيح ولا أدلة عما يعنيه هذا التهديد. "لقد اقتحموا منزلنا في الساعة الرابعة صباحاً" في حديثها مع وسائل الإعلام، روت السيدة أرنكي ناصر والدة ليان، ما حدث في ذلك اليوم: "كانوا يستعدون لتفجير باب المنزل في الساعة الرابعة صباحاً.
اقتحم حوالي عشرين جندياً المنزل بطريقة مخيفة واحتجزونا تحت تهديد السلاح. اقتحموا المنزل وفتشوا جميع الغرف. كانت أسلحتهم المحملة موجهة نحونا.
"أجبرنا جنود الاحتلال على الوقوف بمحاذاة الحائط ورفع أيدينا، ومنعونا من الحركة والكلام"، قالت. "طلبوا من والد [ليان] إحضار بطاقات أفراد العائلة [ليان ووالدتها ووالدها] وأخبروه أنهم جاؤوا من أجل ليان". أخذت جندية ليان إلى غرفتها وأمرتها بارتداء ملابسها.
ثم عصب الجنود عينيها وقيدوها بالأصفاد وأخرجوها من المنزل بعد عشرين دقيقة من وصولهم. وقالت والدتها: "لم يُسمح لنا بالنظر إليها".وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها اعتقال ليان، حيث اعتقلت أول مرة في السابع من يوليو/تموز 2021، وقد أفرج عن ليان بكفالة بعد بضعة أشهر من اعتقالها.
ولكنها لا تزال قيد المحاكمة على وما زالت تحضر جلسات المحاكم في محكمة عوفر الاحتلالية. عائلة ليان أشارت إلى الفارق الكبير بين الاعتقال الأول والثاني، وهو ما يزيد من خوفهم وقلقهم على حياة ليان. "عندما اعتقلت في المرة الأولى، اقتحم الجنود المنزل حوالي الساعة الخامسة صباحاً، وكانوا أكثر هدوءًا.
هذه المرة كانت المداهمة وحشية وعنيفة، واحتجزونا تحت تهديد السلاح. كان الجنود أكثر عدوانية ويبدو أنهم مستعدون لإطلاق النار في اتجاهنا في أي لحظة".
و"ليان" هي شابة مسيحية فلسطينية حاصلة على درجة البكالوريوس في التغذية وإدارة الأعمال من جامعة بيرزيت عام 2022. والدها سامي ناصر، عضو في اللجنة الأسقفية للكنيسة الأسقفية في رام الله. وفي تعليقه على اعتقال ليان، انتقد رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي إسرائيل لاعتقالها ليان.
وقال مكتب رئيس الأساقفة في بيان صدر في الثامن والعشرين من أبريل/نيسان2024: "إن قضية ليان ناصر تشكل خرقاً للتعهدات التي قدمتها إسرائيل بشأن معاملة المسيحيين. وتسلط القضية الضوء على الممارسة المثيرة للجدال التي تستخدمها إسرائيل للاعتقال الإداري لاحتجاز آلاف الفلسطينيين لشهور دون توجيه اتهامات إليهم".
يعاني الفلسطينيون المسيحيون كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني، من استعمار احتلالي كولونيالي يستهدف كافة مكونات الشعب الفلسطيني، من إسلامي ومسيحيّ على حد سواء؛ وقد استهدفوا من قبل جيش الاحتلال في خضم الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة، حيث ارتقى أكثر من 35 مسيحي/ة أي ما يعادل 3% من أبناء الطائفة المسيحية الذين قتلوا وهم يحتمون داخل أسوار الكنائس المستهدفة، والتي التجأوا إليها ظناً منهم أنها آمنة، إلا أن لا مكان آمنا في غزة.
فقد قام جيش الاحتلال بقصف كنيسة القديس بيرفيريوس للروم الأرثوذكس (وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم) وهدمها على رؤوس المحتمين داخلها من عائلات مسيحية ومسلمة على حد سواء، إضافة الى ذلك قنص الاحتلال من كان يحتمي في كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة.