142
0
"الوقت في حياة المسلم"... ندوة أوروبية بمناسبة عطلة نهاية الموسم الدراسي

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا
الوقت مورد ثمين للأمم والشعوب، وهو من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا، وقد أكد الإسلام على أهمية الوقت والاستفادة القصوى منه، فالوقت نعمة عظيمة يجب أن نستغلها بشكل فعال و مستمر، وقد أكد الإسلام على أهمية الوقت، وحث على استغلاله في طاعة الله و عباداته وخدمة للذات وللآخرين.
حيث يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ" (سورة المنافقون)، و قوله : "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" (سورة العصر)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نِعمتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغ" (رواه البخاري).
و اليوم في عصرنا الحديث وفي الغرب خاصة، يمثل استغلال الوقت بشكل فعال و أمثل، تحديًا كبيرًا للطلاب، والشباب خاصة مع التكنولوجيا الحديثة والانشغال بالشؤون الدنيوية اليومية. ومع ذلك، فإن الطالب المسلم الرسالي يجب أن يكون قدوة في استغلال وقته في خدمة الأمة المسلمة والإنسانية جمعاء، و كل خلق لما يسر له...
حول هذه المعاني الكبيرة والسامية في حياتنا، دعينا نهاية هذا الأسبوع، لإلقاء كلمة بمناسبة عطلة نهاية الموسم الدراسي، في ندوة حضرها جمهور كبير من الطلبة و الأولياء، و كانت كلمة كاتب هذه السطور، و كلمات بعض المشايخ و الأساتذة الافاضل قد أخذت حصة الأسد على باقي أنشطة وأشغال الحفل أمسية السبت الماضي.
بعض القطوف من تدخلات الأساتذة المحاضرين ..
بعد تلاوة مباركة من القرآن الكريم و شكر المنظمين والمشرفين على الندوة و الترحيب بالزوار، انطلقت أشغال الندوة في موعدها المحدد،و هذه قطوف من التدخلات تدور كلها حول " رسالة المسلم"، بعنوان " قيمة الوقت في حياة المسلم" :
LA VALEUR DU TEMPS DANS LA VIE DU MUSULMAN
ركز المتدخل الأول الإمام محمد بوعلي من أحد مساجدنا في باريس بلغة فرنسية راقية، على قيمة الوقت في حياة المسلم مذكرا بسيل من الآيات و الاحاديث، بقوله:
" لقد أهتم الإسلام بالوقت و قيمته، حيث أقسم الله به في آيات كثيرة فقال سبحانه و تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر )، وقال تعالى أيضا ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى )، كما قال أيضا في سورة الفجر ( والفجر وليال عشر ) وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله، وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك:
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ "، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ", وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل".
شارحا لطلبتنا و للأولياء أن الآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضيعه في أعمال قد تجلب علينا الشر وتبعدنا عن طريق الخير خاصة في دول غربية لا ترحم، فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى في حياتنا، معرجا على محطات من تاريخنا الإسلامي بقوله، لقد طبق مفهوم أهمية الوقت في صدر الإسلام، ساردا علينا هذه الأحاديث و بعض قصص السلف، بقوله:
1- ذكر الطبراني في الجامع الكبير: فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها، فقال عمارة: فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي".
2- قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: - عن نعيم بن حماد قال: قيل لابن مبارك: إلى متى تتطلب العلم ؟ قال: حتى الممات إن شاء الله "
3 – قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة"
4- روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه، وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه " أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد ؟ قالوا: نعم، قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون!
فقالوا : دلنا على زاده ؟ فقال: ( حجوا حجة لعظائم الأمور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يوما شديدا حره لطول يوم نشوره ).
مختتما بطلب للحاضرين للتدبر فيما ما قاله اهل السلف أمثال الرازي و حسن البصري، ، أما قول الامام الرازي :" من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم أقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه" !!
وقول الحسن البصري رحمه الله: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
نعمة عطلة الصيف التي أفسدتها النيران في جنوب أوروبا:
أما كلمة الطبيب حكيم سريدي فقد ذكر فيها، بنعمة عطلة الصيف التي أفسدتها النيران التي تشتعل هذه الأيام في الغابات جنوب أوروبا، و الحرارة فاقت 37 -39 حرارة ، معرجا على تضييع الوقت في المسابح دون الالتزام بآداب الجلوس الواردة في حديث الرسول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل:" : إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، فَقَالَ : إِذْ أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ ، قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلامِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ".
شارحا بقوله: نعم حرارة الصيف كبيرة في جنوب فرنسا، نعم السباحة مرغوبة ، نعم الرياضة مقوية للبدن و الروح، .. لكن، هناك خطوطا حمراْ.. فلتحسن أخي المسلم استغلال وقتك فيما يعود عليك وعلى أمتك بالنفع في الدنيا والآخرة فما أحوج الأمة إلى رجال ونساء يعرفون قيمة الوقت ويطبقون ذلك في الحياة، على حد قول الشاعر أحمد شوقي ( رحمه الله):
دقـــات قلــب المــرء قائــلة لـه .. إن الحيــــاة دقائـــق وثـــواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرهـا .. فــالذكـــر للإنسان عمــر ثاني.
قيمة الوقت في حياة الطالب الرسالي:
أما كاتب هذه السطور فقد، ركز على قيمة الوقت في حياة الطالب المسلم الرسالي، مبينا أن أهمية الوقت في الإسلام تجعلنا أمام تحديات استغلاله بطرق أمثل في العصر الحديث حيث يواجه الطلاب اليوم العديد من التحديات في استغلال وقتهم بشكل فعال، مثل التكنولوجيا الحديثة والانشغال بالشؤون الدنيوية، ومع ذلك، يمكن للطلاب التغلب على هذه التحديات من خلال وضع خطة زمنية واضحة وتحديد الأولويات!!
فالطالب المسلم الرسالي يجب أن يكون قدوة في استغلال وقته في خدمة الأمة المسلمة والإنسانية جمعاء، تمكنه من استغلال وقته في خدمة الآخرين من خلال المشاركة في الأنشطة التطوعية، أو العمل على مشاريع تنموية، أو نشر العلم والمعرفة، مختتما كلمتنا بنصائح منها:
- وضع خطة زمنية واضحة وتحديد الأولويات.
- الاستفادة من الوقت الفاضي في العطل.
- الابتعاد عن الملهيات والمشتتات، مثل الهاتف المحمول والإنترنت، أثناء الدراسة أو العمل.
ناضحا في الختام، بضرورة استغلاله بشكل فعال و أمثل في خدمة الأمة المسلمة والإنسانية عامة خاصة في الغرب. أملا أن يكونوا قدوة لغيرهم في خدمة الآخرين، وأن يعملوا على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم. والله ولي التوفيق.
لترفع جلسات الندوة الطلابية هذه بدعاء أحد الأساتذة على أن تتجدد مثل هذه اللقاءات معلنا عن موعد نشاط أخر قادم بحول الله لمن يرغب من الشباب والحضور حسب المنشور الموزع علينا، وهي دعوة إلى مخيم صيفي موسع دعي له الشباب من قارات و دول أوروبية شتى يدوم مدة أسبوع كامل تقريبا في دولة ألبانيا، في الفترة ما بين 20-28 أوت 2025 المقبل بحول الله و قوته، بعنوان " شباب على هدي النبوة"، مع نخبة من العلماء وجمع من المشايخ والأساتذة الأفاضل من دول وجهات و تخصصات عديدة، يتقدمهم كل من الدكتور عصام البشير (السودان)، ود. محمد الشنقيطي (قطر)، و د. فاضل سليمان (بريطانيا)، د. خالد حنفي (ألمانيا)، و د. عمار منلا (السعودية) و آخرين، جزاهم الله خيرا جميعا