148

0

المسرح الجزائري في الألفية الثالثة... بين التحوّل والتجديد

أطروحة دكتوراه "ريمة بوكابوس" بجامعة تيزي وزو

 

ناقشت الأستاذة "ريمة بوكابوس" بجامعة "مولود معمري" بتيزي وزو بتاريخ 29 جوان 2025 أطروحة دكتوراه في الأدب الجزائري موسومة ب "تحولات المسرح الجزائري في الألفية الثالثة" بتقدير مشرف جدا، مع تهنئة لجنة المناقشة المتكونة من الأساتذة: "أمنة بلعلى"، "عشي نصيرة"، بلخامسة كريمة، زهية طراحة، بوزيد مولود، و أحسن الصيد.

و تؤكد الدراسة أن المسرح الجزائري يشهد منذ مطلع الألفية الثالثة تحوّلات لافتة مست كافة أبعاده، من النص إلى العرض، متأثّرا بالتحوّلات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفها المجتمع الجزائري، في محاولة من المبدعين لكسر القوالب التقليدية، وخلق فضاءات مسرحية أكثر تفاعلا مع الواقع المتغيّر.


فالمسرح لم يعد كما كان؛ بل تحوّل إلى مختبر تجريبي للغة والكتابة والتمثيل، يُراهن من خلاله المبدعون الجزائريون على تجاوز المألوف وابتكار أنماط فنية جديدة، تُجاري روح العصر وتلامس هموم الإنسان الجزائري المعاصر.

تحولات شاملة... و انفتاح على الممكن


تشير الباحثة "ريمة بوكابوس" في دراستها الأكاديمية إلى أنّ هذه التحوّلات لم تكن وليدة الصدفة، بل هي امتداد لمسار بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أعادت الأحداث السياسية والاجتماعية رسم المشهد الثقافي. ومع دخول الألفية الثالثة، ظهرت ملامح جديدة في الكتابة المسرحية والإخراج، فتغيّرت لغة الخطاب، وتبدّلت البُنى الدرامية، وتنوّعت التيمات.

في هذا السياق، لم يعد المسرحي الجزائري مقيّدا بالنماذج التقليدية، بل راح يبتكر أشكالاً جديدة تجمع بين جماليات المسرح وأساليب تعبير معاصرة، متأثرا بسياق رقمي متسارع، وانفتاح واسع على الثقافات العالمية.

من النص إلى العرض ... بحث دائم عن التميز


الدراسة تسلط الضوء على العلاقة التفاعلية بين النص والعرض، معتبرة أن أي تحوّل في أحدهما يفرض تحوّلاً في الآخر. فالمخرج اليوم لا يكتفي بترجمة النص بل يسهم في إعادة تشكيله وفق رؤية فنية متكاملة، تُراعي التغيّر في ذائقة الجمهور وتنوع الفضاء المسرحي.

وهنا تُطرح أسئلة جوهرية: كيف يتم تحويل النص إلى عرض؟ وما هي الأدوات التي يوظفها المخرج لخلق هذا التفاعل؟ وهل استفاد المسرح الجزائري من الثورة الرقمية في تجديد أدواته التعبيرية؟

لغة جديدة ..تعكس تحولات الواقع


من أهم ما تطرحه الدراسة أيضا هو التغيّر الذي طال لغة النص المسرحي. فمع تحوّلات الواقع السوسيولغوي في الجزائر، برز تنوّع لغوي واضح في الأعمال المسرحية، تجاوز الطرح الأحادي إلى استخدام لغات ولهجات متعدّدة، تعكس تعقيد الواقع وهويّة المتلقي.

هذا التحوّل اللغوي لم يكن معزولا، بل رافقه تغيير في البنية الدرامية للنصوص، مما ساهم في تفكيك القوالب الكلاسيكية، وفتح المجال أمام تجريب أشكال سردية وبصرية مبتكرة.


تيمات جديدة... و تفاعل مع الأجناس الأخرى


لم تتوقف التغيّرات عند الشكل، بل شملت المضامين أيضا. فقد شهد المسرح الجزائري انفتاحا على تيمات جديدة لم تكن حاضرة من قبل، مثل قضايا الهجرة، الهوية، العنف، التحوّلات الاجتماعية، والرقمنة، مع تفاعل ملحوظ مع أجناس أدبية غير مسرحية كالسرد والشعر، وحتى السينما.

وهنا تطرح الدراسة تساؤلا: هل بقي المسرح في الألفية الثالثة معتمدا فقط على اللغة المنطوقة؟ أم أنه انفتح على وسائل أخرى للتعبير والتواصل مع الجمهور؟


المسرح الجزائري .. مجال خصب للدراسات المستقبلية

تخلص الأستاذة الباحثة إلى أن المسرح الجزائري ما يزال مجالا خصبا للدراسات النقدية المعاصرة، لاسيما في ظل قلّة الدراسات المتخصّصة التي تواكب هذه التحوّلات. ومن هذا المنطلق، جاءت هذه الدراسة لتُساهم في تسليط الضوء على مسرح الألفية الثالثة، وتوفّر أرضية صلبة للباحثين والنقاد الراغبين في استكشاف هذه المرحلة الزاخرة بالتحوّلات.

إن اختيار فترة الألفية الثالثة ليس اعتباطيا، بل يحمل دلالة ثقافية وتاريخية واضحة، فقد شهدت هذه المرحلة بروز جيل جديد من المسرحيين، برؤى فنية متطوّرة تختلف جذريا عن تجارب الأجيال السابقة.

سؤال أخير يبقى مفتوحا...

ما الذي ينتظر المسرح الجزائري في العقود القادمة من هذه الألفية؟ وهل سيتمكن هذا الفن العريق من الحفاظ على خصوصيته في خضم التغيّرات الرقمية والاجتماعية المتسارعة؟ أم سيذوب في موجة العولمة الثقافية؟

أسئلة تظل مفتوحة للنقاش... ولعل الجواب عنها سيكون جزءا من مسرح الغد.

أحسن مرزوق

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services