42
0
المولد النبوي ومقاصد الاحتفال

تناولت خطبة الجمعة لنهار اليوم 12 ربيع الأول 1447 الموافق 05 سبتمبر 2025، عنوان المولد النبوي ومقاصد الاحتفال
ماريا لعجال
وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وفي منشور لها، على موقع "فايسبوك" موسوم بصدى المنابر كشفت فوى الخطبة التي القاها الشيخ كمال حمير، مفتي ولاية بسكرة، وإمام مسجد حدود بطولقة.
الخطبة الأولى
الحمد لله واسع الفضل والإنعام، أكرمنا بأن جعلنا من أمة خير الأنام، سيدنا محمد بن عبد الله ﷺ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالملك على الدوام. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي كانت حياته كلها قدوة لأمته على مدى الأيام، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه الكرام، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعد: أوصيكم عباد الله ونفسي المذنبة بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم﴾.
أيها المؤمنون، لقد طل علينا مولد الحبيب ﷺ نورا يفتح القلوب فرحا. أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا، من الحسن حتى كاد أن يتكلم.
نبارك لأمتنا ذكرى مولد خير الأنام ﷺ، هذه المنة العظمى، والنعمة الكبرى التي من الله تعالى بها علينا، قال جل جلاله: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم﴾.
إنه ﷺ أشرف قومه نسبا، وأعلاهم حسبا. ولد ﷺ صبيحة يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، عام الفيل، سنة 571 ميلادية، ذلك اليوم المبارك الذي كان ﷺ يحرص على صومه في كل أسبوع، ويقول: «ذاك يوم ولدت فيه».
أيها الإخوة المؤمنون، من مقاصد الاحتفال في ظلال شهر ربيع الميمون: تتجدد في القلوب ذكريات عطرة تتصل بسيرة نبينا ﷺ. كل ذكر من تلك الذكريات إيمان يتجدد، ووفاء يترسخ، وعرفان بحقه الشريف علينا.
إن إحياء تلك الذكريات، والوقوف عند معانيها، هو إحياء للرابطة التي تجمعنا برسول الله ﷺ، ودعم لجذوة الإيمان في القلوب، ورفع لمنسوب المحبة والود الذي أمرنا أن نكون عليه إيمانا صادقا.
وقد قال الحبيب المصطفى ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
في هذا الشهر المبارك، حيث تتجدد ذكرى مولد سيد الوجود ﷺ، يكون الفرح بميلاده الشريف فرحا بالنعم العظمى. قال تعالى: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾. وما من نعمة تتجدد إلا ويلحق بها الشكر.
ليس ذلك الفرح مجرد احتفال عابر، بل هو استلهام لمعنى الميلاد: ميلاد جديد لشمائله وأخلاقه ورحمته في حياتنا، ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.
ميلاد نوايا صالحة، وهمم عالية، وأعمال خيرة، وعزائم صادقة. وميلاد أمة كما أرادها نبيها ﷺ: شاهدة على الناس، قائمة بالقسط، ومتمسكة بالهدى.
فيكون المولد ربيعا للأرواح، يزهر في القلوب معاني الإيمان، ويجدد في النفوس عزائم السلوك، ويحيي في الأمة روح الاقتداء برسول الله ﷺ.
إن احتفالنا بالمولد ليس كأي احتفال؛ فهو ليس لشخص طواه التاريخ، ولا لمصلحة زال بريقها، بل هو إشراق للنور والهدى.
أحسن منك لم تر قط عيني، وأجمل منك لم تلد النساء، خلقت مبرأ من كل عيب، كأنك قد خلقت كما تشاء.
كان ﷺ أحسن الناس أخلاقا، وأرفعهم خصالا، وأطيبهم معشرا، وألينهم جانبا، حتى شهد له خالقه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾.
وتمثل القرآن الكريم في كل أفعاله: لا يأمر إلا امتثل، ولا ينهى إلا اجتنب. ولا خلق حسن إلا تحلى بأفضل صوره، ولا أدب رفيع إلا أتى به على أكمل وجه.
رحمته شملت جميع المخلوقات، وكان ﷺ أرحم الناس بالناس، وأكرمهم بالعطاء، وأرق الآباء قلبا، وألطفهم تعاملا مع أهله وعائلته.
كان ﷺ أجود الناس، وأكرم الخلق، يعطي من لا يخشى الفقر، وما سئل شيئا قط فقال لا.
هو احتفال بالنور الذي أشرق في الكون، فبدد ظلمات الشرك والجهل، وأحيا القلوب والأسماع والأبصار.
إنه احتفال بالنبوة والوحي الإلهي، بسفارة السماء إلى الأرض، وبجلي رحمة الله في أسمى معانيها.
المولد الشريف ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل إعلان متجدد للخلود الإنساني في أرفع مظاهره، وتذكير برسالة الأخلاق التي جاء بها المصطفى ﷺ حين قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
هو دعوة للتخلق برحمة الله وعدله، والسير على خطى نبيه ﷺ في الحلم والتواضع، والصبر والجهاد، والدعوة والإصلاح.
فاللهم إنا نشهد أنك أنت الله، وأن سيدنا محمدا رسول الله، فأكرمنا بشفاعته، واملأ قلوبنا بمحبته، وامنن علينا بمرافقته.
أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين، وجعل ميلاده نورا، ومبعثه نورا، ورسالته نورا، وأخلاقه نورا، وهدى للناس أجمعين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها المؤمنون، سيرة نبينا ﷺ تملأ القلوب محبة واعتزازا. لا يراه أحد إلا أحبه، ولا يسمع عنه أحد إلا تعلق به. فعن علي رضي الله عنه قال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ". وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ﷺ، ولا أجل في عيني منه".
عباد الله، حب النبي ﷺ يرفعنا إلى أعلى مراتب الجنة، كما قال ﷺ: «المرء مع من أحب». ومن أحب الله ورسوله، فليعلم أنه مع من أحب.
فلتملأ قلوبنا بمحبة من كان ميلاده نورا، ومبعثه نورا، ورسالته نورا، وأخلاقه نورا. كما قال تعالى: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾. وقال أنس رضي الله عنه: "لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ﷺ المدينة، أضاءت المدينة كلها، فلما مات، أظلم منها كل شيء".
فلنحرص على حبه ﷺ، واتباع سنته، والاقتداء بأخلاقه الكريمة. فمحبته طريق إلى رضا الله والجنة، كما قال تعالى: ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا * وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا﴾.
فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا سيدنا محمد، وعلى آله. وارض اللهم عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، وأسعد قلوبنا، واغفر ذنوبنا، وثقل موازيننا. اللهم اجعلنا بك مؤمنين، ولك عابدين، وإليك منيبين، وبهدي نبيك مقتدين، وبوالدينا بارين، وارحمهم كما ربونا صغارا يا أرحم الراحمين.
ربنا ما سألناك من خير فأعطنا، وما قصرت عنه دعواتنا من الخيرات فبلغنا، إنك أنت الوهاب.
اللهم أدم الأمن والاستقرار على الجزائر، وتولها بعنايتك. اللهم اجعلنا مؤمنين، وعابدين، ومحبين لنبيك، متحلين بقيمه الفاضلة، وبالوالدين بارين، وارحمهما كما ربونا صغارا.
وأتم العافية علينا وعلى أمتنا، ووسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا. اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات: الأحياء منهم والأموات. ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾.