169
0
المنظومة التربوية الوطنية : مايقال وواقع الحـال..؟
بقلم مسعود قادري
مع كل دخول مدرسي جديد يتساءل الكثير من الأولياء والمربين عن جديد المنظمومة وماتحمله من تغييرات في المحتوى تعودت الإدارات المركزية أن تتفنن فيها تارة يمينا وأخرى يسارا والعكس .. المهم أن لاتكون وسطية تنطلق من مقومات الأمة وتراثها العريق ..
فالخطوات المادية العملاقة التي قطعتها المدرسة الجزائرية منذ الاستقلال والتي لاينكرها أحد من الأصدقاء أوالاعداء لأنها وليدة اختيار وطني راسخ سطره بيان أول نوفمبر وجسدته الدساتير المختلفة، بالتركيز على انتهاج سياسة اجتماعية أساسها الأول في مجال التربية والتكوين، ديمقراطية التعليم وفتح المجال لكل أبناء الشعب للتعلم وكسب المعارف .. كل الجهود التي بذلت في الميدان أنجبت بفضل الله وسهرالمخلصين من العاملين في القطاع وخاصة خريجي جمعية العلماء من المعلمين والمدرسين الذين حملوا المشعل بعد الاستقلال واستمروا مع بقايا مخلفات القطاع من العهد الاستدماري مع الدعم العربي في تكوين أجيال من أبناء الجزائر تنتمي لمختلف الفئات الاجتماعية دون تمييز بين مناطق الوطن شمالها وجنوبها غربها وشرقها .. شباب وشابات من أبناء المدرسة الجزائرية تسلقوا سلم المجد العلمي وأبهروا محيطهم بما هم قادرون على فعله في الميدان العلمي العملي .. هذه الثمار كانت نتاج رجال التعليم رغم قلة العناية المادية والمعنوية بهم عبر العقود التي مرت والتي ساهمت في التأثير السلبي على مردود البعض منهم..
فالظروف المادية التي عايشها أهل القطاع لم تؤثر فيهم كما أثرفيهم التدخل المتواصل في محتوى البرامج التعليمية التي تنافست عليها أطراف غريبة وأبعدتها عن قيمها الحقيقية وتراثها العريق وأصالتها .
فكان التأثير سلبيا على أجيالنا التي تخلت عن أخلاق سابقيها من الطلبة والتلاميذ الذين كانوا يقدرون المدرسة ويقدسون أساتذتها انطلاقا من معتقداتنا التي غيرت بمعتقدات غريبة حولت التلميذ الذي كان شعاره " من علمني حرفا صرت له عبدا" إلى عدوللأستاذ والمعلم والمدرسة بعد أن ساد الشعار الجديد في الحياة" قريني وأنا سيدك !..؟ !... مما أدى إلى تردي مستوى المحتوى التكويني في مختلف الأطوار وانتشار الكثير من الممارسات التي فرضتها فئة من الملقدين التابعين لإيديولوجيات غربية وشرقية وأدخلت من خلالها مفاهيم تبدو ظاهريا طرقا تربوية حديثة لكنها في المضمون أسلوب لضرب القيم والعقيدة ....
بين الرجعية ..والإرهاب و..؟ !
التوجه المركز في المنطومة على الجانب التعليمي دون التربوي ،ساهم في تخلي المجتمع عن الكثير من القيم التي رسختها الثورة التحريرية المباركة بفضل صرامتها مع الخونة و المتلاعبين بقيم المجتمع ومعتقده التي حافظ به على هويته وقاوم به كل مخططات المستدمر الرامية إلى طمس هويته الدينية واللغوية.
في حقبة السبعينات بالخصوص ومع تنامي التيار اللائكي الشيوعي في البلاد مستوردا من فرنسا وأوروبا الشرقية وملتزما مع الذين يحاربون الديانات السماوية ـظاهريا ، كل الديانات ، ..لكن هدفهم الأول والأخير هو الإسلام .. ! ؟ باعتبار أن معظم مفكري اللبرالية والشيوعية من اليهود الذين يستغلون الطوائف النصرانية المتطرفة لنشر ودعم كل مايمكن أن يشوش على المسلمين دينهم ..
هذه الحقبة حمل شعار " الجيش والشعب ضد الرجعية..؟ ".. والرجعيون في نظر حاملي الشعار، هم المحافظون على الدين والمرجعية الوطنية ـ وقد استمرت هذه الفترة عدة سنوات انعكست بالسلب عن المعتقد والسلوك الاجتماعي والقيم التربوية التي لم يعد لها مكان في البرنامج الدراسي لأبنائنا .. لكن سرعان ما انقلبت الآية بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشيوعي وحدث ماحدث في العالم من تقلبات استراتيجية وسياسية استغلها الغرب للسيطرة الشاملة على العالم، فركز بفعل تأثير التيار المعادي للعرب والمسلمين على فكرة بأنه لايمكن السيطرة على العالم دون محاولة شرذمة العالم الإسلامي عامة والعربي بالخصوص ـ خاصة بعد حرب أكتوبر 1973 والموقف العربي البارز والموحد ضد الصهيونية العالمية ....
بعد مرور عقد الرجعية وتجريد المدرسة جزئيا من العملية التربوية وبعض المواد التي لها علاقة بالتاريخ الوطني في أهم مراحله ومنها ثورة التحرير التي تركوها للمناسبات الثورية فقط ، فكانت النتيجة أن أجيالا من شبابنا لاتعرف الكثير عن دينها وتاريخها .. ينتهي موسم الرجعية ويتحول أبطاله إلى الطرف المناقض دعاة الديمقراطية والحرية فيتهمون المدرسة الجزائرية بأنها هي من أنتج الإرهابيين ـ وهذا فكر أجنبيي متطرف ـ، فقط لأن المنظومة بدأت تسترجع شخصيتها بإدراج مواد أساسية لها علاقة بالدين والتاريخ الإسلامي والتربية الوطنية .. ربما استغلتها بعض الأطراف لتمرير فكر متطرف له علاقة بالدين ، وهو السلوك كان رد فعل طبيعي على التطرف اللائكي الشيوعي لمن يسمون أنفسهم "تقدميون" في الشوط الأول قبل التحول إلى ديمقراطيين في الشوط الثاني .
فنفس الفئات الانتهازية التي حملت شعار "ضد الرجعية " ، تخلت عنه لصالح شعارجديد "نحن ديمقراطيون " فضاعت المدرسة الجزائرية بين الشعارين الذين لهما هدف واحد في الأصل هو ضرب العقيدة والتخلي عن القيم " .. ماتعرضت له المنظومة التربوية التي دفعت الثمن غاليا في العشرية السوداء نتيجة مافقدته من إطاراتها وهياكلها. يؤكد براءتها مما نسب إليها زورا وبهتانا ، مع أن المنظومة إن بقيا مسيرة من الإدارة تبقى معرضة لخطر التغييرات المحتملة في المحتوي التي تمس صلب العملية االتربوية خاصة في جانبها الروحي والتاريخي الوطني، كما تغير قائد الرحلة ..؟ ..
ضرب المنظومة التربوية في العالم الإسلامي كله
لضرب المنطومة التربوية في العالم الإسلامي عامة سعت المخابرات الغربية بدعم من عملاء في الداخل بكل الطرق الخبيثة إلى بعث تنظيمات ظاهرها ديني إسلامي وباطنها إثارة الفتن والتشكيك في سلامة العقيدة عند الطوائف الأخرى بما فيها السنية .. هذه التنظيمات التكفيرية قدمت خدمات جليلة للكرة الصهيونية أكثر مما خدمتها مخابراتها منذ عهد الامبراطورية البريطانية .. وهي التي جعلت الغرب يستغل نتائج جرائمها المرتكبة ضد الشعوب الإسلامية ـ دون غيرها ـ ليرمى الدين الإسلامي كله بالإرهاب وتصنف من خلال ذلك ـ وحسب المفهوم الغربي ظلما وعدوانا ـ حتى المنظمات التحريرية كمنظمات إرهابية ..
في الجزائر استغلت بعض الأطراف اللائيكية هذا التوجه العالمي المسيء للإسلام لتتهم المنظومة التربوية الوطنية بأنها سببا فيما جرى بالبلاد خلال العشرية السوداء لتتطاول بعض الأيدي الآثمة والعقول المظلمة على محتوى البرماج وتلغي منه كل ماله علاقة بالقيم والدين ولاتترك إلا مايسمونه تراثا فرضه المستدمر واعتبروا لغته غنيمة حرب ..؟ ! .
التطور العددي ومستوى الأداء التعليميى
الجانب الآخر الذي كان له نصيبه من التأثير على المستور التربوي والتعليمي ،هو النمو العددي للمكون البشري في فصول الدراسة عبر كل الأطوار خاصة في بعض المدن الكثيفة السكان والقرى القليلة المنشآت حيث أدى ارتفاع عدد التلاميذ في الفصول إلى تعقيد مهمة الأساتذة والمعلمين فلجأ بعضهم إلى الدروس التدعيمية ـ التي يجد فيها متنفسا ماديا ومساهمة نوعية في رفع مستوى التلاميذ الميسورين على حساب الفقراء والمعوزين .. !ـ ، هذه الطريقة التي حولها بعض الأولياء إلى مبرر لتدعيم أبنائهم حتى في الفصول التحضيرية..؟ سواء على مستوى الدروس الخصوصية أو تحويلهم إلى المدارس الحرة التي ارتفع عددها بشكل ملفت للانتباه ، مع أن محتوى برامجها يفترض أن لايخرج عن الاطار النظامي العام لأن التلاميذ يخضعون في نهاية المطاف إلى نفس الامتحانات .. اللهم مايخص الفئات التي تفضل مشاركة أبنائها في امتحانات خارجية ..؟! ..
والسؤال المطروح عن المدارس الخاصة التي اتشرت في البلاد بشكل يكاد يكون مضاعفا للمدارس الحكومية في المدن عامة والعاصمة بشكل مبالغ فيه ، هل تخضع هذه المدارس لنفس معايير التقييمات التي تقوم بها المفتشيات بمختلف تخصصاتها في النظام العام ..؟، وأقصد هنا التعامل مع التلاميذ وطبيعة النشاط الثقافي العام واللغوي الخاص حيث يفضل البعض إعطاء الأولوية للغة " المستدمر السابق " التي يتعامل بها الأساتذة مع التلاميذ وتظهر في علاقات هؤلاء ببعضهم خارج المؤسسات التعليمية " وبالطبع يكون التفضيل على حساب اللغة الرسمية للبلاد وبقية اللغات الحية وكذلك الحال بالنسبة للأنشطة الثقافية . فهل تراعى فيها عملية المحافظة على التراث الوطني بدلا من تعليم أبنائنا ثقافات لاصلة لهم بها ولا تهدف إلا إلى الانحلال والتفاهة ..؟ ! .. وأظن هنا أن المدارس الخاصة يمكن أن تؤدي دورا تدعيميا للمنظموية التربوية لو تخصصت مثلا في الموادالعلمية تشجيعا للمواهب والقدرات الفكرية للطلبة الثانويين بالخصوص الذين لهم ميولات علمية وتقنية .. والسؤال الثاني هو :هل تساهم هذه المؤسسات في امتصاص بطالة خريجي الجامعات الباحثين عن وظائف في القطاع ممن تتوفر فيهم شروط الانتماء له، أم تكتفي بالمتقاعدين والمتعاقدين المحميين من المدارس الحكومية من حيث الضرائب والضمان الاجتماعي .. مجرد استفسار ..؟؟.
تحرير محتوى المنظومة التربوية من التأثيرات المتناقضة .؟ ..
حتى تؤدي المنظومة التربوية دورها الأساسي في تكوين أجيال الغد . واقتداء بتجارب الغير الناجحة في الميدان عامة، واستفادة من إطاراتنا العلمية والتربوية وتقديرا لجهود من قضوا حياتهم في تكوين الأجيال . وتفاديا للصراعات الإيديولوجية التي عششت في منظمومتنا وجعلتها تابعا ومقلدا للمدرسة الفرنسية بكل مافيها من تناقضات مع عقيدتنا وتراثنا ، بل حولتها إلى مزارع ومخابر للتجارب التربوية التي تتمهل المدارس الأوروبية في تطبيقها قبل معرفة نجاعتها وفائدتها لكن تجد مجال تطبيقها المباشر في بلادنا رغم أنف أهل القطاع والنتيجة على الله .. ؟!.
من أجل كل هذا ومن أجل عوامل أخرى ، يستحسن أن تحرر المنظومة التربوية والتعليمية من كل القيود والضغوط الإدارية والتدخلات السياسية وتؤسس لها هيئة علمية عالية المستوى تشارك فيها كل القطاعات الوطنية التي لها علاقة بالتربية والتكوين والعقيدة وأهل البحث في الميدان النفسي والاجتماعي والعلمي .. تتولى الهيئة التخطيط والبرمجة والاستشراف ومتابعة التطور في العالم علميا وتقنيا وليس عقائديا لأن عقيدتنا يجب أن تبقى سائدة لتحافظ على وحدتنا وتماسكنا الاجتماعي , فبدونها نتحول إلى مجتمع "كل طير فيه يلغى بالغاه . !؟" كما يقوم المثل الشعبي الجزائري .. وحتى نبني جزائر جديدة مستقلة تماما عن المرجع الاستدماري بكل عروقه وجذوره فالبداية تكون بالغاء كل ماأدخل على المنظومة من غريب وليكن مرجعها الوحيد بيان أول نوفمبر وخلفياته الدينية والتاريخية العريقة ...
في الختام ، يجب ان نتفق على ان مهمة التربية والتعليم ليست من اختصاص الأسرة والمدرسة وحدهما ، بل هناك جهات عديدة أدارت لها ظهرها من خلال الممارسات المتناقضة المقدمة للطفل في البيت والمدرسة .
أول المتدخلين السلبيين حاليا هو المحيط القريب والبعيد ، فالقريب هوالمحيط الجواري بما فيه /المدرسة والمسجد والجيران الذين كانوا حرموا من المساهمة في تربية الأبناء نتيجة سيادة الفكر الفردي " كل واحد يتلهى بروحه وأولاده ..؟ ! .. المعاملة في المحيط المدرسي كثيرا ماتتعارض مع التوجه التربوي للمحتوى والمعلم فقد دوره التربوي وصار "خضرة فوق عشاء..كما يقال " .. اما المحيط العام فقط أعطى ظهره كليا لأمر قاعدي يسمونه التربية العامة للأجيال الصاعدة .. فالمتاجر ترشق الطفل بصور وعبارات غربية وفرنسية لايعرفها فتثير في نفسه التساؤل عما يقال له في المدرسة وما يراه ويسمعه في الشارع .. فقد عمد أغلب التجار في الكثير من المدن إلى تغيير واجهات محلاتهم بكتابتها بالفرنسية بدل العربية وهو مايثير استغراب الكبير قبل الصغير عن هذا السلوك الذي لامبرر له .
في الثانويات والمتوسطات يتلقى الطلبة دروسا في التربية الدينية والمدنية ، لكنهم لايحاسبون في الساحة وحتى في الفصول على السلوك المنافي والمتعارض معى ما يدرسونه ـ من الجنسين طبعا ..؟
وحسن الختام لهذا الكلام.. هو أن نعيد إلى التربية مكانها وللأخلاق دورها في حياتنا ليستقيم الوضع وتقدر الأمور بقدرها ويعطى لكل ذي حقه حقه .. وهذا لايتم إلا إذا تدارك كل طرف مسؤوليته في العمل التربوي الذي هو كل لايتجزا..
ولا ننسى قدوتنا وإسوتنا في الحياة. نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي مدحه الله في كتابه الكريم بقوله :" ..وإنك لعلى خلق عظيم .." وقول أمير الشعراء أحمد شوقي : إنما الأمم الأخلاق مابقيت ..فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..