635
0
المختصة التربوية والناشطة الجمعوية نادية لعزيزي :"المجتمع المدني شريك حقيقي للمؤسسات التربوية للإرتقاء بقيم التلاميذ"
الحديث عن التربية و التعليم في الجزائر هو معضلة تفرض نفسها في كل سنة دراسية جديدة، نواكب بها المستجدات و الحيثيات التكنولوجية، ومختلف المتغيرات، وعن مختلف التحديات التي تواجهها المدرسة الجزائرية ودور المجتمع المدني في تذليل بعض الصعوبات،كان موضوع حوارنا مع الأستاذة و المختصة التربوية وؤئيسة جمعية سبل الخير نادية لعزيزي.
حاورتها شيماء منصور بوناب
بالحديث عن شخصيتكم التي عرفت تمازج نوعي بين التربية و التعليم ثم الانخراط في الميدان الخيري الإنساني ،ماهي أهم المحطات التي أثرت في شخصكم و التي كان لها الفضل في تقدمكم الأفضل؟
الحديث عن الانتقال من التعليم للعمل الجمعوي يطرح فكرة المزايا المشتركة التي تجمع بين الميدانيين في كنف واحد، حيث أن العمل داخل أساور المدرسة له بعد تربوي قيمي يساعد على نشأة فرد متشبع بالمعارف الصحيحة التي تعزز مبادئه بتقنيات محددة للتعامل مع حياته في مختلف مراحلها.
وبالنسبة للعمل الجمعوي فهو ركيزة نشأتي التي تشيد بالعمل الخيري كشعار رسمي في عائلتي وبين الوسط الذي تربيت فيه حين كانت مساعدة المحتاج و التكفل به هي أولوية من اولويات حياتنا كأفراد في مجتمع واحد متباين في المستويات.
ولعل هذه الميزة جعلتني أكثر قابلية و أهلية للتعامل مع التلاميذ مهما اختلفت مستوياتهم المجتمعية خاصة تلك الفئة التي تعاني من عجز مادي على مستوى الأدوات المدرسية و اللوازم الأساسية التي قد تؤثر فيهم و في معنوياتهم.
فتقديم المساعدة المعنوية قبل تلقين المعارف للأطفال في المدارس شرط مشروط لكل أستاذ كفئ، باعتبار أن الحاجة الإنسانية الخيرية تتكامل مع المتطلبات التربوية و المعرفية التي تجعل ميدان العمل الخيري الجمعوي يفرض نفسه كمنهاج داخل اساور المدرسة عبر الممارسات و المعاملات القيمية بين الأساتذة و التلاميذ.
وعن تجربتي الشخصية في ميدان التعليم لمدة 25سنة التي صادفت فيها مختلف الفئات و الطبقات المجتمعية للتلاميذ الذين حاولت رفقة زملائي من سلك التعليم توفير جو ملائم لهم للتمدرس، مع مراعاة تحسين البيئة العامة للتلميذ بتوفير النقائص المادية التي تقف بينه وبين استمرارية التعليم.
و كنتيجة سابقة تشيد بنجاح العمل الخيري في المدرسة حاولنا الارتقاء من العمل الخيري العفوي إلى عمل خيري مقنن و مؤطر تحت لواء جمعية إنسانية خيرية خارج أسوار المدرسة في سنة 2014 تحت اسم جمعية سبل الخير التابعة لبلدية برج الكيفان.
التربية و التعليم إحدى أهم ركائز التنشئة السليمة التي تتطلب وعي و دراية كافية بفن التعامل مع الطفل ، في هذا الاطار هل يمكنكم ابراز أهم هذه المقومات ؟
التربية و التعليم عملية اجتماعية تقوم بها الاسرة اليوم و سابقا العائلة، فالأسرة كمؤسسة اجتماعية لا تستطيع تقديم كل ما يطلبه الواقع التربوي و التنشئة ثم التعليم كونها بحاجة لسند يدعم انشغالاتها و مسؤولياتها في تنشئة فرد واعي معرفيا و تربويا ، من خلال ادراجه في المؤسسات التربوية كمصطلح حديث يضم الطفل الذي خرج لتوه من مرحلة الطفولة الأولى.
ومن هذا المنبر يتضح أن التربية عملية اجتماعية مشتركة بين الأسرة و الأساتذة و الطاقم التربوي ،أما التعليم فيخص تقديم كل المعارف و التقنيات التي تساعد على تكوين فرد صالح وواعي وفق المناهج التعليمية المحددة، الغرض منها تأهيل الطفل في مشواره الدراسي ثم الاجتماعي.
أما من ناحية التضارب التربوي بين الاسرة و الاساتذة فهو منطلق عقيم يقلل من قيمة الأستاذ في اصلاح الطفل و تربيته حين يصر الولي على أنه الاحق كليا في تربية ابنه دون تدخل الطاقم التربوي.
فحق الأستاذ في التربية أمر مفروض لا تشوبه شائبة ،خاصة حين يكون التكوين و التأهيل أمر مسبوق في عمل المؤسسات التربوية التي ترتكز على تكوين الأساتذة قبل ادماجهم في سلك التربية و التعليم عبر الإلمام بكل الأمور النفسية و التربوي التي تساعد على معرفة التلميذ وما قد يصادفه، أما التكوين بعد الادماج فهو عبارة عن مرافقة ومتابعة ميدانية من طرف المفتشين والمسؤولين لمراقبة عملية التدريس المطابقة للحقيبة التعليمة و التكوينية للأستاذ المؤهل.
وكتكوين شخصي فإن الأستاذ مطالب بتكوين نفسه دوريا في عدة مجالات لعل أهمها مجال التواصل و الالقاء ثم في علم النفس التربوي و ما يرافقه من معارف لغوية للكفل و الطفولة....
نشهد مؤخرا اختلال كبير في سلم القيم في المجتمع الجزائري ، ماهي الأسباب الرئيسية التي شجعت على هذا الانهيار؟ استنادا على ذلك و باعتباركم عضو فعال في المجتمع المدني ماهي مقومات بناء منظومة مجتمعية واعية؟
الحديث عن المتغيرات العالمية التي تصادف شبابنا وأطفالنا اليوم بعد تغيرسلم القيم في المجتمع ، وأركز على كلمة تغير بدل انهيار لأن قيم جيل اليوم تغيرت كليا حين أصبحت تندرج نوعا ما مع الحريات المطلقة دون أي حدود أو نقاط حمراء.
أما بالحديث عن انهيار القيم الأخلاقية يجدر الإشارة لمنطلق غياب دور العائلة التقليدية التي كانت تنشئ الطفل قيميا و دينيا ، في الوقت التي بدأ فيه دورالاسرة ككيان مصغرلم يعد باستطاعتها تحمل كل مسئولياتها التربوية و الأخلاقية نتيجة التحديات الكبرى للمجتمع الحديث.
فتحديات العولمة أزمت الأوضاع في نقطة تعرض الطفل للهجمات السلبية وهو في منزله و بين افراد اسرته بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وتداعياتها ، وهو ما يوضح الفجوة التربوي الأخلاقية التي تقف بين ما تقدمة الأسرة للطفل و بين ما يجده واقعيا وافتراضيا.
وبالعودة لأسباب هذا الانهيار يتم ترجيح مفهوم تراجع أدوار المؤسسات التربوي في مراقبة و مرافقة الطفل داخلها على الصعيد التعليمي و التربوي خاصة، يضاف اليها الاستهتار بدور المساجد في انارة نفوس و عقول الأطفال عبر حلقات دينية تقرب الطفل من عقيدته و ضوابط شريعته تحت مقياس الحلال و الحرام، بجانب ذلك نجد الاعلام و ما يعرضه في قنواته التي اصبحت محطات تشهر بالجهر و المجون في صور مؤثرة على عقول الأطفال دون مراقبة حقيقية ....
ومن ناحية شد الحزم في مظاهر الانحلال الأخلاقي أؤكد شخصيا على تمسك الأسرة بمبادئها و قيمها الاصلية المستمدة من القرآن و السنة ، أما المؤسسات التربوي فلابد عليها تعزيز القيم الأخلاقية لدى التلاميذ في منهاج ديني حقيقي بعيد عن مقياس التربية الإسلامية التي افضل شخصيا تقنينها تحت اسم " كيف اتعلم تعاليم ديننا الإسلامي".
أما عن دور المسجد في حماية بيئة الطفل فلابد من ابراز دور الأئمة داخل و خارج المسجد لزيادة الفاعلية الحقيقية التي تكسب الطفل مبادئ وقيم نبيلة محصنة ضد الموجات الاجتماعية و الافتراضية .
على صعيد أخر أشير لدور الجمعيات التي تحمل رسالة هادفة بين أدوارها ومسؤولياتها التي تعمل على فك الألغام الموجودة في المجتمع بصورة واعية لترتقي بأطياف المجتمع و تخلق بيئة صحية للطفل نفسيا و تربويا و اجتماعيا .
أصبحنا نلاحظ مؤخرا انتشار الكثير من الآفات الاجتماعية داخل المؤسسات التربوية التي باتت محطة للشذوذ الجنسي و الشواذ وغيرا من افات العصر، في رايكم ما أسباب انتشارها و هل هناك حلول عاجلة لذلك؟
من المؤسف الحديث عن هذه الآفات الدخيلة عن مجتمعنا الجزائري الذي بات يستقبلها بين المراهقين من خلال فكرة تغيير الجنس التي تشجعها فلسفة الجندر من خلال نظرياتها التي تقوم على أن للإنسان حق في اختيار الجنس الذي يرتاح فيه .
ومع ذلك فرغم أن التغيير الطبي غير متواجد في الجزائر الا أن الذهنيات الجديدة باتت منغمسة في فلسفة الجندر دون وعي دقيق بخطورتها وآثامها على الصعيد العقائدي، الذي يشهد هجمات من مواقع التواصل الاجتماعي التي تشجع هذه الآفات كنوع من أنواع الحريات الإنسانية المطلقة .
هذا ونجد المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي و محتوياتهم السلبية التي زادت من بؤرة الآفات الاجتماعية التي يناشدون بها في أفكارهم و أسلوب عيشهم بطرق مثيرة تستهوي شبابنا و أطفالنا بصفة دورية مشبعة بالسلبيات و القيم المنحطة و الدخيلة عن مجتمعنا العربي الإسلامي.
وفي نقطة حماية أطفالنا من براثن الآفات الاجتماعية أؤكد ككل مرة على المرافقة التربوي داخل و خارج المؤسسات التعليمية التربوية مع ادراج صفة المرافق التربوي بجانب النفسي داخل المدارس لمعرفة ما يحتاجه التلميذ و ما يتعرض له يوميا في محيطه .
اما في مفهوم الاتصال و الحوار البناء بين الطفل و غيره من قادة الراي في مجتمعه" الأولياء والطاقم التربوي و الأئمة ..." فلابد من تعزيزه لحل المشكلات التي تقود الطفل لبقاع المعاصي والآفات دون وعي و دراية منه.
ادراج أطياف المجتمع المدني داخل المؤسسات التربوية يساعد على تنشئة مواطن واعي و مدرك لدوره في بيئته بشكل ينمي قدراته و مسؤولياته تجاه غيره ، ماهي رؤيكم في ذلك؟
رغم أن المجتمع المدني شريك مع المؤسسات التربوية التي تسعى للارتقاء بقيم تلاميذها مستقبلا ، إلا أن ادراجها فعليا في المدارس لا يزال قيد الدراسة ولا نجد ممارسة فعلية لذلك، خاصة وأن تحصيل رخصة الموافقة للدخول للمدراس يتطلب إجراءات إدارية كثيرة تأخذ وقت لاستكمالها وغالبا لا يتم القبول أصلا.
و كتجربة نوعية قمنا بها في جمعية سبل الخير أثناء زيارتنا لإحدى مدارس برج الكيفان قصد محاربة الإدمان في الوسط التربوي عبر حملات تحسيسية واعية وهادفة شارك فيها الأطفال و التلاميذ رفقة المختصين التربويين و النفسيين و حتى الأمن لضمان الفعالية و المصداقية اكثر في إيصال الرسالة.
ساعدتنا الحملة على فتح باب النقاش مع التلاميذ خاصة الذين يعانون من الإدمان ، فالتواصل معهم جعل من حل الازمة ممكن بأساليب بسيطة و مؤثرة على التلميذ الذي وجدناه مستعد لتقبل فكرة التعديل و التغيير كحل نهائي للخروج من واقع المرير.
حاليا مع الأسف بعد التجربة الإيجابية السابقة من داخل اساور المدرسة إلا اننا صادفنا بعد كورونا غلق شديد للمؤسسات التربوية على المجتمع المدني لأسباب مجهولة تطرح تساؤلات كثيرة للسلطات المعنية .
مؤخرا أصبحت المرأة تشكل عضو فعال في المجتمع المدني من حيث المسؤوليات التي تبنتها اثناء ولوجها لعالم الجمعيات التي مكنتها من طرح افكارها بالشكل الذي يخلق الإضافة للعمل الجمعوي، مارأيكم؟
الانطلاق من دور المرأة في المجتمع يعود بنا لما قبل الثورة الى غاية اليوم باعتبارها نصف المجتمع و لما لا كله ، فبصفة عامة يمكن القول ان المرأة بعاطفتها و ميزاتها الشخصية تساعد على معرفة ما يحتاجه غيرها أكثر من الرجل.
فغريزة المرأة دائما ما تجعلها في أهبة الاستعداد لمساندة زوجها وعائلاتها عبر التحاقها بجهات خاصة أو جمعيات خيرية إنسانية تؤطر عملها و توجهها في أهدافها لخدمة اسرتها و مجتمعها دون أي استثناء أو تميز،لكن رغم ذلك نجد المرأة المنخرطة في العمل الجمعوي تكافح أكثرمن الرجل لعدة اسباب بعضها مجهول و الاخر يؤول للتمييز و العنصرية التي تتلقاها اثناء تعاملاتها مع الأشخاص و المؤسسات التي قد لا تثق بقدرتها و تنقص من قيمتها في بعض الأحيان.
في الأخير كلمة توجهينها للأساتذة و أطياف المجتمع المدني؟
لعل أكثر أمر أود التركيز عليه لكلا الطرفين هو الرسالة الهادفة لأنها المقصد و الغاية التي تحقق التوان للمجتمع و تنمي القيم و القدرات الصحيحة للطفل الذي يحتاج في نشأته لحدود واحكام تؤطر أهدافه التي تجعل منه مستقبلا مواطن صالح و واعي بحقوقه و مسؤولياته .
وعلى الصعيد الخاص اشير إلى أن التكوين و التواصل مع الأطفال هو سر نجاح العلاقة بين التلاميذ و أساتذتهم، لأن الأستاذ ليس مجرد موظف انما صاحب مبدأ ورسالة له القدرة على التأثير في غيره بالمستوى الكبير الذي قد يصلح جيل او يفسده .
أما فيما يخص المجتمع المدني فنجد كم هائل من الجمعيات لتي تنشأ يوميا دون احتساب القيمة و الهدف منها ، فقليل منها فقط من يحمل رسالة تحقق الإضافة للمجتمع وللمواطن الذي تكون بالنسبة له حلقة وصل بينه وبين مؤسسات الدولة في كل ما يخص متطلباته و صوته و حقوقه أيضا.