1457

0

القرار التاريخي الذي يعيد رسم معادلة الإعلام الجزائري: إدراج الصحافة الإلكترونية في قلب الشفافية والتحول الوطني

بقلم الحاج بن معمر 


في خطوة غير مسبوقة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية وإعلامية واجتماعية عميقة، دخل القرار التاريخي الذي اتخذه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، والمتعلق بإدراج الصحافة الإلكترونية المعتمدة كآلية رسمية لإشهار الصفقات العمومية، حيز التنفيذ إثر صدور مقرر وزاري مشترك بين وزيري المالية والاتصال، ليشكل منعطفًا حقيقيًا في مسار تحديث الإعلام الوطني وإعادة صياغة دوره في التنمية الشاملة، ويضع الصحافة الإلكترونية لأول مرة في موقع شريك رسمي في ضبط الشفافية وتكافؤ الفرص في مجال تسيير المال العام، انسجامًا مع القانون رقم 23-12 المؤرخ في 5 أوت 2023 الذي يحدد القواعد العامة للصفقات العمومية، ولعل ما يميز هذا القرار أنه جاء في سياق رؤية استراتيجية يقودها الرئيس تبون بنفسه منذ توليه الحكم، رؤية تقوم على قناعة راسخة بأن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أصبح أداة سيادية، وسلاحًا حيويًا في الدفاع عن المصالح الوطنية، وعن وعي الشعوب، وعن أمنها الفكري والمجتمعي، ومن ثم فإن إدراج الصحافة الإلكترونية في هذه الآلية ليس إجراءً بروتوكوليًا أو شكليًا، بل هو إعادة تموضع لمفهوم الإعلام في منظومة الحكم الرشيد وبناء دولة القانون.

البعد الاقتصادي لهذا القرار يتجلى في فتح باب التمويل المستدام أمام المؤسسات الإعلامية الإلكترونية، حيث أن اعتمادها كمنصة رسمية لنشر إعلانات وإشهارات الصفقات العمومية سيمنحها مصدرًا ثابتًا من المداخيل، وهو ما يخفف من تبعيتها للمعلنين التجاريين ويعزز استقلاليتها التحريرية، فضلًا عن خلق دورة اقتصادية جديدة في سوق الإشهار الوطني أكثر عدالة وتوازنًا، كما أن هذه الخطوة ستساهم في إعادة توزيع الموارد الإعلانية بين مختلف الوسائط الإعلامية بما يمنح المؤسسات الناشئة والصغيرة فرصة للنمو والمنافسة، ويحفز على الاستثمار في المحتوى الرقمي عالي الجودة، وهو ما سينعكس بدوره على سوق العمل من خلال خلق وظائف جديدة في مجالات التحرير، التصميم، إدارة المحتوى، التسويق الرقمي، وتطوير المواقع الإلكترونية، وبذلك يصبح القرار رافعة حقيقية للاقتصاد الإعلامي، ويعزز دوره كقطاع منتج وليس مجرد خدمة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن القرار يكرس مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى المعلومة المرتبطة بالصفقات العمومية، فبدل أن تبقى هذه المعلومات حكرًا على الصحافة المكتوبة التقليدية، بات بإمكان المواطنين والفاعلين الاقتصاديين الاطلاع عليها بشكل أوسع وأسرع عبر المنصات الإلكترونية المعتمدة، ما يعزز منسوب الشفافية في الحياة العامة، ويمنح المجتمع المدني والأفراد أدوات أفضل لمراقبة المال العام ومساءلة المسؤولين، كما أن انتشار هذه المعلومات على نطاق أوسع يسهم في نشر ثقافة الرقابة الشعبية، ويحد من مظاهر الفساد والاحتكار، ويعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، إضافة إلى أن هذا الانفتاح الإعلامي يفتح المجال أمام مشاركة أكبر للشباب، باعتبار أن الصحافة الإلكترونية هي الوسط الإعلامي الأكثر استهلاكًا من قبل الأجيال الجديدة، مما يقوي جسور التواصل بين الدولة وشريحة واسعة من المجتمع كانت في السابق بعيدة نسبيًا عن التفاعل مع القنوات التقليدية للمعلومة.

البعد الإعلامي للقرار لا يقل أهمية، إذ أنه اعتراف رسمي بمكانة الصحافة الإلكترونية كلاعب أساسي في المشهد الإعلامي الوطني، بعد أن كانت لفترة طويلة تُعامل كقطاع هامشي أو مكمّل للصحافة المكتوبة، واليوم أصبحت هذه الصحافة جزءًا من المنظومة القانونية والتنظيمية التي تؤطر العمل الإعلامي، ما يمنحها شرعية أقوى وحماية قانونية أوسع، ويحفزها على الالتزام بأعلى معايير الاحترافية والمصداقية، فالمؤسسات الإعلامية الإلكترونية المعتمدة ستجد نفسها أمام فرصة ذهبية لتطوير أدواتها التحريرية والتقنية، والارتقاء بجودة محتواها لتواكب مستوى الثقة والدور الجديد الممنوح لها، كما أن هذه الخطوة تعزز التعددية الإعلامية، وتكسر احتكار المعلومة من قبل فئة محدودة من وسائل الإعلام، مما يوسع نطاق التنافس الإيجابي ويخلق ديناميكية مهنية تدفع بالجميع نحو التحسن والتطور.

أما البعد السياسي، فهو يتمثل في الرسالة الواضحة التي يبعثها القرار حول التزام الدولة بقيادة الرئيس تبون بخيار الإصلاح العميق لقطاع الإعلام ضمن رؤية شاملة لبناء دولة عصرية قائمة على الشفافية والحكم الرشيد، فالقرار يعكس إرادة سياسية جادة في تمكين الإعلام الوطني من لعب دوره كسلطة رابعة حقيقية، ويترجم وعيًا بأن تعزيز استقلالية الإعلام هو جزء من تعزيز استقلال القرار الوطني ذاته، وهو أيضًا مؤشر على أن الدولة تراهن على الإعلام الوطني كحليف استراتيجي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وفي الدفاع عن صورة الجزائر ومصالحها في المحافل الدولية، وفي هذا السياق فإن الصحافة الإلكترونية، بما تملكه من سرعة انتشار وتأثير رقمي عابر للحدود، تصبح أداة فعالة في السياسة الاتصالية للدولة، وقناة مباشرة للتواصل مع الرأي العام المحلي والعالمي.

هذا القرار التاريخي لا يقف عند حد إدراج الصحافة الإلكترونية في منظومة إشهار الصفقات العمومية، بل يأتي ضمن حزمة من الإجراءات التي اتخذها الرئيس تبون لدعم الإعلام الوطني بمختلف وسائطه، من إعادة تفعيل صندوق دعم الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية، إلى تنظيم برامج تكوين للصحفيين، مرورًا بتخفيض تكاليف شريط وكالة الأنباء الجزائرية، وتخفيض الرسوم على القيمة المضافة، وتسهيل إيواء المواقع الإلكترونية وتخفيض تكلفتها، وتخفيض إيجار دار الصحافة، وصولًا إلى استكمال النصوص القانونية المنظمة للقطاع بما في ذلك القوانين المتعلقة بالصحافة المكتوبة والإلكترونية والنشاط السمعي البصري، واستحداث قانون أساسي خاص بالصحفي يحدد بدقة شروط الممارسة المهنية وحقوق الصحفيين وواجباتهم، بما يضمن خطابًا إعلاميًا مسؤولًا، خاليًا من التضليل والمعلومات المغرضة، ملتزمًا بأخلاقيات المهنة وقواعدها الصارمة.

وهكذا، فإن القرار يمثل تتويجًا لرؤية متكاملة تتجاوز الطابع الإجرائي لتصبح مشروعًا وطنيًا يعيد رسم خريطة الإعلام الجزائري، ويضعه في موقع مؤثر إقليميًا ودوليًا، ويمنح الصحافة الإلكترونية المكانة التي تستحقها كركيزة من ركائز التنمية الديمقراطية، وحائط صد في وجه الفساد، ومنصة لصوت الوطن في الداخل والخارج، بما يجعلها شريكًا حقيقيًا في معركة الشفافية وبناء المستقبل.

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services