1244
0
الكوتش فاطمة نايت مسعود ... شخصية تركت بصمتها في التنمية البشرية و الكوتشينغ الذكي
نايت مسعود فاطمة أستاذة متقاعدة من السلك التعليمي تخصصت في مادة الفلسفة ، عملت على تفعيل مبادئ التنموية البشرية من منظور واعي جعلها تختص في الإستشارات الأسرية التربوية بتقنيات ذكية تعمل من خلالها على مرافقة الطفل و الأسرة عبر دورات الكوتشينغ التي أهلتها بأن تكون ماستر كوتش بدرجة الدكتوراه ،أسست لنفسها مكانة ارتقائية في التعامل مع الإنسان في جلسات تنموية تطور العمق الذاتي للفرد و تحفز نقاطه الفاعلة بما ينير به رؤيته المستقبلية بكسر حواجز النفور و الخوف من ما قد تحدثه المعضلات النفسية فيه، وحول التكويني الأكاديمي وفوائد الكوتشينغ كان لنا هذا اللقاء مع هذه الشخصية المتميزة.
حاورتها شيماء منصور بوناب
اذا تحدثنا عن شخصية الكوتش نايت مسعود فاطمة .. فإننا بذلك نعرج لأهم المحطات الفاعلة في التنشئة التي كونت مبادئكم و أطرت أهدافكم التي أنتم عليها الآن ، فماهي أهم المراحل التي أثرت في شخصكم ؟
بالحديث عن ما أنا عليه اليوم والحمد لله، ولدت في فترة الاستقلال سنة 1963 بالذات حين كان بزوغ المرأة في الدراسة وفي مجالات الحياة صعب جدا، لأن المجتمع بفكره المنغلق جعل المرأة في المرتبة الثانية رغم ما تقدمه من إضافة لنفسها و للمجتمع.
وعن صعيدي الذاتي فقد نشأت في عائلة بسيطة بين أربعة عشرة فردا من الإخوة والأخوات الذين استقيت من تجاربهم في التعامل مع الحياة فرصة لتطوير ذاتي خاصة في الدراسة التي شكلت لي هاجس كبير في حياتي و قرارتي .
فالدراسة بالنسبة لوالدي رحمه الله كان للرجل بدل المرأة لأن مكانتها الأساسية تكمن في الزواج و تربية الأولاد ...؟؟دون احتساب ما قد تقدمه من خلالها "أي الدراسة" لأسرتها و مجتمعها الذي بحاجة ماسة لكسر حواجز العنصرية بين الجنسين ، ولعل تفكيري هاذا جاء وليد ما شهدته في تجربة أختي الكبرى التي فرض عليها الزواج في سن صغيرة بعيدا عن الدراسة و ما جاورها.
يضاف إلى هذه التجربة معاملة والدي لأخي التوأم من لوم وتوبيخ شديد عند رؤيته يلعب متناسيا دراسته ،بينما يشاهدني منغمسة بين كتبي و مستلزماتي التي شجعتني على مواصلة المسيرة بكل ثقة، متخذة من ضغط ما أشاهده من معاملات قاسية من والدي محطة تحدي وثبات سطرت بها ما أطمح اليه مستقبلا عاهدة نفسي بالخروج من قوقعة العنف الأسري بكل ايجابية و قوة تبعدني عن فرضيات تكرار مع عشته في طفولتي في حياتي القادمة.
بعد الطفولة وما تبعها، يمكن أن أعرج لمرحلة الحياة الجامعية التي كسرت كل طموحاتي بأن أكون محامية بكل ما تحمله الكلمة من فخر و اعتزاز وعدالة... فقد قوبلت بالرفض القاطع من والدي مرة أخرى بسبب معتقداته المحدودة عن المرأة و ما يمكن أن تمتهنه، ضنا منه أن المرأة تصلح للطب و الدراسة فقط دون ذلك هو مضيعة للوقت فقط.
و ما كان بيدي في تلك الفترة سوى الخضوع لطلباته التي أبعدتني عن ما كنت أخطط له فتوجهت للتعليم الذي كان الأقرب لي في ميولاتي التي صقلتها بالتخصص في الآداب و الفلسفة .،التي وجهتني بعد التخرج مباشرة إلى سلك التعليم الذي قضيت فيه قرابة ثمانية وعشرين سنة من التفاني في العمل كمعلمة فلسفة في الطور الثانوي.
يعتبر سلك التعليم و التربية محور انطلاقتكم في عالم التربية الاستشارية كمختصة و كوتش تربوية نفسية أسرية ،فهل يمكنكم أن تحدثونا عن دور التعليم في تأطير منطلقاتكم الاستشارية ؟
دوري كأستاذة جعلني أعشق سلك التعليم لما يحمله من أبعاد إرتقائية تلخص دور المعلم في الأبوة و الأخوة و الأمومة و كل الصفات السامية التي تجمعني بالتلاميذ و كل ما قد يعيشونه من مشكلات نفسية دراسية تكبح رغبتهم في التميز و الاستمرار.
فمشاهدة هذه الظواهر يوميا جعلني قريبة منهم أحاول في كل مرة ايجاد حلول لأزماتهم عبر التحليل النفسي لما يسردونه لي بطريقة فطرية وجدت ذاتي بها،فحولت توجهي في تلك المرحلة نحو البحث عن ما يشبع رغبتي التنموية الذاتية أكثر فأكثرعبر الدورات و الاستشارات في التنمية البشرية سواء في برمجة السلوكيات أو في الاستشارات النفسية والتربوية.
و بعد تعزيز منطلقاتي المعرفية في التعديل السلوكي التربوي النفسي ،قمت بإسقاط نتاج دراستي الأخيرة في أرض الواقع في ثانوية مصطفى لشرف رفقة بعض الأساتذة من خلال انشاء أول خلية اصغاء و متابعة للمشكلات النفسية و الدراسية للتلاميذ ...
لم تتوقف رسالتي التوعوية في التنمية البشرية وتطويرالذات حتى بعد التقاعد إنما جاء تقاعدي كفرصة لتطوير ذاتي أكثر في دورات الكوتشينغ الذي وجدت فيه شغفي كونه عالم سحري بتقنياته و مستلزماته التي تسمح لطالب الخدمة من أن يرى نفسه من منظور جديد يريحه حين يحل مشكلته بنفسه دون أي ضغط عليه .
بعد ذلك اتخذت من الكوتشنغ محطة جديدة أعيد بها عجلة الدراسة إلى نصابها الجديد من خلال اجتياز امتحان الدكتوراه ثم السفر إلى مصر لتعلم التقنيات الذكية الخاصة بالكوتشينغ، وعلى ضوئها أتذكر مقولة أحد أساتذتي هناك حين قال لي " أنت كوتش بالفطرة" وقع هذه الكلمات حفزني أكثر للمواصلة في هذا العالم المختلف دون الالتفات لبعض الجزئيات الخاصة بالمضايقات الجانبية لبعض الأفراد الذين كانوا سبب في إصراري على النجاح الذي بلورته في كتابي في دكتوراه المعنون ب" الكوتشينغ في التعليم" و الذي كان محور الخدمة التي قدمتها في العديد من الثانويات للأساتذة و للتلاميذ.
من منطلق الحديث عن التنمية البشرية كتيار جديد ظهر في الجزائر ، ما أهم العراقيل التي صادفتكم في مجال تنمية الوعي الإجتماعي ؟
تحديد مفهوم التنمية البشرية في مجتمعنا الجزائري عند عامة الناس أمر جد مستعصي لما لازمه مؤخرا من تشويه سمعة و معارف خاطئة نظرا لوجود دخلاء فيه من مختصين في مجالات أخرى شغلوه استنادا لبعض الماديات التي لا تمت بصلة لثقافتنا وعاداتنا و حتى عقائدنا التي قزمتها بعض الدورات المشبوهة في تحريض المرأة أو الشعوذة و العياذ بالله .
هذه الدورات جعلت المجتمع يشكك في أحقية التنمية البشرية التي تحتاج شخص مناسب في مكانه المناسب، ليجعل الفكر التنموي الذاتي محل تصديق واقبال من الناس الذين يقل وعيهم بهذا المجال نظرا لبعض المعتقدات المتداولة الملازمة للدورات المكثفة "ثلاثة أيام كأقصى حد" التي رفعت معدل الانتساب لهذا المجال دون تأطير أكاديمي أوعلمي للمختص لذا دائما ما أقول أن هذا التدريب أصبح " مهنة لما لا مهنة له مع الأسف".
وعلى وجه المقارنة فإننا نجد هذه الثقافة جد شائعة في الدول العربية الأخرى في مختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية التي جعلت أولى اهتمامات شعبها تكمن في تطويرقدراتهم الذاتية لحل مشكلاتهم بنفسهم بكامل وعيهم .ولعل ما عقّد الوضع عندنا في جزائرنا الحبيبة هو الثقافة النفسية التي كانت و لا تزال آخر محطة مهمة لا ينتبه لها الانسان في حياته العادية رغم أهميتها الكبيرة في تغيير السلوكيات.
دوراتكم التدريبية و التكوينية في مجال التربية النفسية و الإجتماعية و الكوتشينغ عامة كان لها صدى محلي و دولي ساعدكم على تنمية و تعزيز الوعي بمجال التنمية البشرية التي اعتمدتم فيها على التطبيق الواقعي لأحكام الدورات بدل الإلقاء النظري، ماهي خلفية هذا المنهج و كيف ساعدكم في التأثير على النخبة الشبابية؟
إذا ركزنا على عالم الكوتشينغ فإننا نميزصنفين من المختصين "ممارس محترف و ماستر كوتش" اللذان يسمحان باكتشاف ذات الفرد عبر استشارات نفسية تكشف عن نقاط ضعفه و قوته لتبرمج سلوكياته بما يخدم أهدافه.
فدورات الكوتشينغ تركزعلى الحلول بالدرجة الأولى بدل المشكل بحد ذاته عبر عدة أسئلة تساعد على ادارة الذات لذاتها برؤية جديدة مستقبلية تحرر الانسان من ما يضايقه من سلبيات و معضلات تفقده وعيه بالتحكم بها .
و من وجهتي يمكنني القول أن هذه الدورات ساعدتني أنا أولا قبل طالب الخدمة وذلك فيما يتعلق في طريقة تعاملي مع ضغوطات الحياة التي أكسبتني تقبل ذاتي جوهري " سلام داخلي" الذي نميته بانضمامي لمراكز التعليم المعرفي أهمها" المركز العالمي و الدولي و نهر المعرفة و اتحادية التثقيف التربوي..."
أما من المنظورالعقائدي فان الكوتشنغ كان منهج الأنبياء تحت مسمى آخر حين اتخذ خير الأنام في سيرته منطلق التعاطف و الوعي والانصات كمحور تعامله مع الناس ، وهو ما نتعامل به في دوراتنا التي نبرمجها على أساس تغيير السلوكات بطريقة عاطفية تشعرالفرد بقربنا منه بعزيمة منه و رغبة في التغيير لقوله تعالى " إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
و بفضل هذا المنهج قد تمكنا من حل مشكلات عويصة ضلت تأرق أصحابها لسنوات عديد مشكلة انتكاسات نفسية وعقد مستعصية الحل تجاوزناها في جلستين أو بضع جلسات حققت الشفاء الداخلي للأفراد ،وعليه يمكنني القول أن النهاية المتبوعة برضا الفرد المعالج هو هدفنا الذي يساعد على الترويج لهذه الثقافة التي أدخلنا عليها تعديلات تتماشى مع منهجنا الديني و ثقافة مجتمعنا .
على ذات الصعيد أضيف أن هذه الثقافة التدريبية مع الأسف رغم الجهود التي نحاول تفعيلها دائما ما تصطدم بالفكر المحدود للأشخاص الذين يفكرون في حل مشكلاتهم فقط دون التفكير في تطوير ذاتهم على حد سواء خاصة حين يتعلق الأمر بالتطوير الذاتي للأولياء في مقاييس التربية بآفاق و تقنيات جديدة تلائم مستلزمات العصر الرقمي.
لذا أعود في حديثي من هذه النقطة للدورات التي أقيمها مع الدول العربية خاصة في مصر و لبنان و سوريا تعد أرض خصبة وجدت تجاوب كبير فيها من قبل المختصين وغيرهم نظرا لاهتمامهم بالبعد الارتقائي الذاتي الذي لا يقتصر على الشخص العادي من عامة الناس إنما المختصين النفسانيين و الأساتذة... أيضا.
التنويع بين التعليم والتربية و التنمية البشرية كان له الأثر البالغ في تثمين انتاجاتكم الفكرية في كتابين يلخصان أبعاد رؤيتكم في مجال التربية، هل يمكنكم اطلاعنا على هذه الرؤية ، وكيف ساهمت في بلورة استشارتكم على الصعيد العام؟
التعليم كان سببا في دخولي عالم الاستشارات التي عززت قدراتي فيها من خلال الاحتكاك بالتلاميذ و الانصات لهم ، ثم طرح الأسئلة السقراطية التي تركز على التساؤل أكثر من الجواب بذاته وهو ما أعتمده في الدورات و الاستشارات التي أقدمها بشكل ينعكس ايجابيا على العميل الذي أتعامل معه بحسب سنوات خبرتي التي مكنتي من تقديم الأفضل لهم بطريقة تناسبهم .
ومن هذا المنطلق أشير إلى أن الخبرة في الاستشارة و التعامل مع طالب الخدمة كانت دافعي في كتابة " كتاب الكوتشينغ في التعليم" التي اعتمدت فيه على شواهد حية من واقعي المعاش لإيصال رسالتي بكل شفافية و مصداقية خاصة حين يتعلق الأمر بإدخال آليات الكوتشغ في التعليم بكل ادواتها الراقية الداعمة للتلميذ والأستاذ خاصة في الطور الأول، باعتبار أن هذه الأدوات تسمح بادارت العديد من الأزمات النفسية خاصة فوبيا الامتحانات.
و بالنسبة لكتابي الثاني فقد شمل المفاتيح التربوية التي تحمل مجمل الأدوات الخاصة بالتربية السليمة لبعض المشكلات مثل " العناد و التنمر أو فيما يخص التواصل بين الأولياء و الأبناء" ، اذ اتخذت من الدراسات العلمية التطبيقية منطلق هذه المفاتيح التي طبقتها على أسرتي شخصيا لمعرفة مدى نجاعتها .
بما أننا على مقربة من إمتحانات البكالوريا التي تضع التلميذ في ضغط رهيب نتيجة المعاملات السبية من الأولياء ، ما هي رؤيتكم لذلك ؟
مشكلة الأسرة الجزائرية في التعليم أنها لا ترض إلا بالامتياز بسبب فوبيا العلامات التي جعلت الأسرة و التلميذ وحتى الأساتذة يركزون على المعدل الرقمي بدل التحصيل العلمي ، يضاف إليها منهاج المنظمة التربوية التي تركز على القيمة التحصيلية على حساب التكوين و هو ما شكل ضغط رهيب أثر على الوسط العام و جعل من القتلة الثلاثة " النقد و اللوم و المقارنة " يتحكمون في الحياة التعليمية للتلميذ بشكل يبرمج المعتقدات السلبي بشكل آلي في ذهنية و نفسية الطفل.
و في هذا الإطارأنوه لمشاركتي في اصلاح الكتاب المدرسي سنة 2016 حين اقترحت آنذاك بعض الإصلاحات التي تخدم التلميذ بما فيها تلاميذ النهائي الذين يغادرون المقاعد الدراسية في نهاية الفصل الثاني بحثا عن دعم خارجي ينعكس سلبيا على تحصيلهم العلمي ، لذا اقترحت احتساب معدلات الفصول الثلاثة لتحفيز الطلبة على الاستمرارية و تشجيعهم على تقديم المزيد.
في ضل ما تعيشه الأسرة من تجاذبات خارجية اثرت فيها جذريا ، ما هي أهم المشاكل التي تصادف الأسرة الجزائرية ؟
تعاني الأسرة الجزائرية من تضيقيات على المستوى العام والخاص نتيجة العولمة التي تهاجمها في عقر دارها خاصة بعد إهمال الأم لمسؤولياتها التربوية و تركيزها على التعليم الاكاديمي الذي جعل الطفل يعيش في حالة تشوش ذهني خالي من أي قيمة تربوية.
يضاف إلى ذلك التشتيت البرمجي لما يقدمه التلفزيون و المواقع الرقمية التي حولت الطفل من اجتماعي إلى منعزل تتحكم فيه سلطات سلبية تؤثر في تعاملاته مع الآخرين و تتحكم في قرارته بالمنحنى الرجعي السلبي.
وهو ما يضعنا في مقارنة سطحية بين جيل اليوم و أبناء الماضي الذي تفرقه الأسس التنظيمية للأسرة الكبيرة و المجتمع بأركانه و هو ما نجده غائبا اليوم .لذا دائما ما ألح في الدورات التي أقدمها و في الاستشارات على نقطة المرافقة الأسرية التي ينبغي على الدولة توفيرها للمجتمع الجزائري لتساعد الأسرة على مواجهة الأزمات و علاجها بنفسهم.
و مع ذلك يمكننا القول بنظرة تفاؤلية أن المجتمع الجزائري يسير في طريق الوعي يحتاج فقط دعم في الجانب النفسي من قبل الدولة التي ينبغي أن تراعي حاجيات العصر في كنفها التربوي النفسي الإجتماعي الذي يفرض تفعيل أيضا المجتمع المدني من جمعيات و منظمات تشجع على الإستشارات النفسية لكل الأسرة و هو الحال عندنا في جمعية سبل الخير التي تقدم المرافقة النفسية لكل طالب خدمة أو بحاجة لاستشارة نفسية .
من خلال خبرتك في المجال التربوي النفسي و الاستشاري ماهي الرسالة التي تقدميها للمجتمع؟
بما أنني أركز على الأسرة ككيان فعال في المجتمع له الفضل في تطوير و بناء جيل واعي بحقوقه فإنني بذلك أحاول تحصينها من كل الثقافات الهجينة التي تؤثر فيها و تغزو عقول أفرادها، و من هذا المنطلق أسعى لتعميم فكرة كوتش في كل بيت و في كل مدرسة لتصبح المرافقة أمر مشروط و معمول به في كل أقطاب الوطن ، مع تعزيز الدورات في التأهيل الزواجي ثم التربوي من منظور يساعد الأفراد على اختيار الأدوات و التقنيات الخاصة لتعاملهم في الاسرة مع ذواتهم أولا ثم مع الآخرين.