545
0
الكاتبة الجزائريّة بين وعي الكتابة وحرّية الإبداع
إنّ علاقة المرأة بالكتابة علاقة حميميّة تشكلّ حالات وعي كبير، لهذا تمارس حرّيتها في الكتابة انطلاقًا من الدّور الوظيفي الذي تقوم به الكتابة بحيث تمكّنها من تحقيق ذاتها في مجتمع تحكمه السّلطة الذكوريّة، إنّها تأسيس لكتابة أنثويّة خالصة تتحدّى سيطرة الرّجل وجبروته، وتأكيد لحرّية المرأة في ممارسة حقّها في الكتابة والتّعبير والتّمايز.
د/ سامية غشّير (الجزائر)
لقد تعرّضت الكاتبات الجزائريات إلى النّظرة القاصرة لهنّ، وتهميش حُضورهنّ الإبداعيّ بل تعدّى الأمر إلى عدّ جسد الأنثى صالحا للجنس والإنجاب، لهذا حاولت الكاتبات تحميل الجسد الأنثويّ طاقات خلّاقة امتزجت بين الحُضور الحسّي الإباحيّ، والحضور الفلسفيّ والحضور الرّمزيّ. فتباين التّعبير بلغة الجسد في الرّوايات بين الإغراء والإغواء، والبحث عن الوجود الفعليّ الّذي يضعَ المرأة المُبدعة في مقام المنافسة مع الرّجل المبدع، كما تمظهر الحضور الرّمزيّ الّذي يُوحي برفض القهر الّذي يُمارس على جسد الأنثى / جسد الوطن.
وتعدّ اللّغة أداة بارزة في التّعبير عن عديد الحمولات الدّلاليّة، والفلسفيّة، والإيديولوجيّة الّتي يحملها الجسد؛ الّذي يتحوّل إلى طاقة إبداعيّة خلّاقة يُنتج ويُبدع أجمل الصّور الشّعريّة المُوحيّة. فالجسد لا يتوقّف عند حدوده الجغرافيّة المُتّسمة بالهيف، والرّوعة، والهيف والتّقاسيم المُدهشة، بل يختزل في كثير من الحالات وجود الإنسان، ويصوّر مختلف الانفعالات، والرّؤى والتّصورات، والبحث عن الوجود الفعليّ في ظلّ الانتهاكات، والإكراهات ومشاعرَ الغُربة والقلق والعدم الّتي تُصيبه، وأيضا في أحايين عديدة يحمّل الجسدُ طاقة تفوق حضوره الفيزيولوجيّ/ المادي ليصير الوطن الرّمزيّ، والمدينة الّتي يسكن فيها الإنسان، وتربطه علاقة اتّصال، وحميميّة، وجماع روحيّ مع وطنه/ المحيط الخارجيّ، ومرّات يتعدّى مدلوله إلى دلالات رمزيّة تحمل قيّما فنيّة عميقة مثل: الكتابة والرّسم والموسيقى كثقافات رمزيّة ناعمة للانتصار على العتمة، والسّلطات القاسيّة، ومقاومة هشاشة وانكسار الجسد.
تصوّر الكاتبات أيضًا هواجس الذّات الأنثويّة، ومغامراتها في الحبّ ومحاولتها تحقيق حريتها وكينونتها، من خلال تحرير الجسد وممارسة طقوس الجنس المختلفة، حيث لجأت الكاتبات إلى اختراق طابوهات المجتمع وأعرافه وتناول المسكوت عنه بلغة غالبًا ما تميل إلى الإباحيّة. حيث تبرز رواياتهن مشاهد كثيرة تبرز الجسد الأنثوي في حالة الإغراء والإغواء إضافةً إلى مقاومة الرّجل، وإبرازه في صور عنيفة سلطويّة استبداديّة، وقد يكون الرّجل أبا، أو زوجا، أو أخا، أو الرّجل المبدع في حدّ ذاته.
إنّ الكاتبة الجزائريّة اليوم أضحت تكتب بحريّة كبيرة؛ وقد تجاوزت الخُطوط الحمراء في الكتابة من خلال الخوض في المحظور بجرأة تفوق الكاتب الرّجل، وتعريّة المسكوت عنه (الجنسي الدّيني، السّياسي)، بلغة إباحيّة فاضحة، توظّف ألفاظا سُوقيّة نابيّة ينبذها القارئ الجزائريّ وهذا ما حدث مع رواية "هوّاريّة" للكاتبة الجزائريّة "إنعام بيّوض"، الّتي أحدثت ضجّة كبيرة في وسط المجتمع الجزائريّ، وقد تعدّى النّقاش والجدال إلى سبّ وشتم الكاتبة، ولجنة تحكيم مسابقة "آسيا جبّار"، فهذه الرّواية إضافةً إلى المقاطع الإباحيّة والصّور الشّهوانيّة ظهرت عليها الهنّات اللّغويّة ومواضع الخلل والضّعف، ولغتها البسيطة، وحبكتها المألوفة، لكن ما يُعاب على الآراء المقدّمة في مواقع التّواصل الاجتماعي افتقارها إلى الدّقة والموضوعيّة، فكانت أحكاما ارتجاليّة من أشخاص غير متخصّصين، أخلطوا بين فنّ الرّواية والجانب الأخلاقيّ، وكان الأحرى بهم ترك النّقد لأهل الاختصاص.
لقد طرحت الكاتبات الجزائريات الموضوعات الحسّاسة والحميميّة، دون خوف من السّلطات الدّينيّة، أو الاجتماعيّة، أو السّياسيّة، فوجدنا قضايا الشّذوذ، الزّنا، والاغتصاب حاضرة بقوّة، إضافة إلى نقد سلطة المجتمع، وفشل الأنظمة السّياسيّة الّتي خيّبت ظنّ وأمل الكثيرين، كما اتّصف أسلوب الكثير من الكاتبات بالإباحيّة والفضح، وتعريّة الأنساق المختلفة، والنّقد اللّاذع للمَنظومات المُتعدّدة، إضافةً إلى السّخرية في كثير من الأحايين.
كما لاحظنا أيضًا النّظرة المُشتركة القائمة على تكفير الواقع ورفضه والتّعبير عن خيبة الأمل في السّياسة، والسّلطة الذّكوريّة الّتي كانت عدوّة المرأة المُبدعة، والّتي أَعاقت ظهورها وانتشارها قي مجال الكِتابة والإبداع، ومالت الكاتبات إلى توظيف صور شهوانيّة عاريّة كنوع من التحدّي للرّجل، وإزالة الأفكار الخاطئة البائسة عن كون المرأة تابعة لسلطة الرّجل، وقد تعرّضت الكاتبات إلى جملة من المضايقات والمُتابعات والنقد اللّاذع، وهذا ما تمظهر في كتابات "أحلام مستغانمي"، "فضيلة الفاروق"، "مليكة مقدم"، "ربيعة جلطي"، ومؤخّرا إنعام بيّوض، وغيرهن.